وفي هذه الأيام بشهر ربيع الأول وصل من جبل صبر بعض مشائخها يشكون من واليهم الشيخ راجح الآنسي، ويذكرون للإمام إزالته عنهم وتولية غيره عليهم، فلم يساعدهم إلى ما طلبوه، ولم يسعفهم فيما قصدوه.ثم إن أهل جبل صبر والحِجَرِّية عند ذلك منعت[27/أ] المطالب وقالت: لا نسلم إلى الشيخ راجح شيئاً من المعتاد، حتى يولي علينا غيره وينقاد، وحصل بينهم وبين أصحاب راجح ما حصل، وقتلوا ثلاثة من العسكر، وامتنعوا من التسليم إليهم عن كمل، وأرسلوا بما عليهم إلى حضرة الإمام، ووصل إليه جماعات من المشائخ لأجل ذلك الإلمام، وحذف المؤذن بمدينة تَعِز (حي على خير العمل) من الأذان، كما هو مذهب أهل الشافعية وسائر أهل السنة في جميع الأزمان. وشكى قبائلهم محمد بن أحمد بن الحسن، وأرسل الإمام عليهم السيد صالح عقبات بجماعة عسكر بأدب لأجل ذلك الأمر، وعمر محمد بن أحمد المَنْصُورة رأس جبل الحجرية، وجرى فيها المدفع، فبذلك حصل منهم الردع.
وفي شهر ربيع الآخر توفي السيد الأكرم الأعظم محمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم بن جحاف، متولي بلاد حجة بمعرة حصن مَبْيَن ، وهو معتاد محل واليها، وخير مربع فيها. وكان السيد المذكور قد زاد في قصر مبين أبنية وسيعة، وقصوراً رفيعة في مدته، وجعل الإمام بعده في الولاية صنوه جمال الدين علي بن الحسين .
وفي هذه الأيام وصلت كتب من مكة يذكرون خروج بركات ، ومعه أمير العراقي[27/ب] ومن معه من العينات إلى محروس المبعوث، فلما شعر به سعد بن زيد وهو يومئذٍ في الطائف المبعوث خرج عنه وسار إلى بلاد بجيلة، واستقر بها مع نفس وجيلة. وهذه البلاد بين الطائف وبين بلاد بيشة . وسارت هذه البلاد متغيرة أحوالها، خائفة رجالها، والله أعلم بمنتهى حالها. ووصل كتاب الشريف سعد بن زيد إلى الإمام يستحث منه الغارة، فبنى الإمام على الإجابة، وكتب إلى أحمد بن الحسن بالوصول إليه للمفاوضة، وكذلك إلى ولده محمد، ومحمد بن أحمد فساروا إلى هنالك.
وفي يوم السبت خامس شهر ربيع الثاني سار أحمد بن الحسن من الغراس، فبات بداره بصنعاء على خفى من الناس، ثم سار إلى ضوران بطلاب وصل إليه من الإمام فيه استعجال له وعدم توان، فوصل إلى ضوران في اليوم الثالث، والموجب لهذا الطلاب من الإمام مفاوضة لا تقوم بها الأقلام[28/أ]، وكان سبب هذا التحرك من المتوكل بعد رجوع فرحان ما زاد حركة من مثل قصيدة إبراهيم بن صالح المهتدي الهندي بعث بها إلى حضرة المتوكل مستهلها قوله:
أظلما عن البيت الحرام نذادُ
على مثلها الخيل العتاق تقادُ
تدافعت البيدا موامى بقومكم
تدافع ذل في ظماه ضمادُ
وردوا حيارى خائبين بصفقةٍ
ينال بها ريح الردى ويقادُ
قد شارفوا أرجاء مكة وانثنوا
بفاقرة تفري الأديم وعادوا
حتى قال فيها:
وخيل صفي الدين تمضي بهمة
بأشراكها نسر السماء تصاد
ولو حقق النظر العاقل لم يكن الظلم إلا في قتل الباشا حسن في حرم الله، الذي جعله الله آمناً، وأما رد حاج اليمن فلم يحصل منهم، بل باختيارهم، مع أن كثيراً منهم حج ولم يصدهم أحد، وإنما كان خروج عسكر السلطنة لأجل سعد بن الشريف زيد للإنتقام منه في ما وقع في بلده.
وقصيدة أخرى بعث بها علي بن المتوكل إلى والده يقول في مستهلها:
لعمرك ليس يُدرك بالتواني
ولا بالعجز غايات الأماني
إلى آخرها.
نعم: ولما وصل أحمد بن الحسن إلى حضرة عمه فحال وصوله أفاض عليه وعلى ولده محمد صاحب صنعاء لما وصل صحبته ما في نفسه، وما اهتم به في أمنيته، وقال لهم: أمر مكة صرت مفكراً فيه، مشغولاً بباديه وخافيه، والمراد أنكم ترحلون إليها[28/ب] وتأمون نحوها وتناصرون سعد بن زيد بمن معكم من العساكر، ونضيف إليكم سائر الأتباع ومن قدرنا لحمله من العشائر، فأوجم الحاضرون عن الجواب، وثقل عليهم هذا التحمل والخطاب، لما يعلم العاقل بأن القصد لبلاد السلطان ابن عثمان، خصوصاً الحرمين الشريفين، الفتح للأمر العظيم والقتال الجسيم. وأن صاحب اليمن وغيره لا يقدرون على مقاتلته، وإن أمكن الدخول مكة بجرده فلا يقدرون من بعد على دفعه، لقوة عساكر السلطنة، وأن صاحب اليمن لا ينبغي له إلا الموادعة والاقتصار على اليمن لا غيره. وأجمع الحاضرون أن الرأي السكوت، وأما الحاج ودخوله واستمراره فيراجع صاحب مكة في شأنه. وهذا التحمل من المتوكل وإظهاره من أعجب العجب في التطور لأمثاله، ففي الحديث الذي رواه الديلمي عن أنس بن مالك عن النبي÷ أنه قال: ((إذا أراد الله نفاذ قضائه وقدره يسلب ذوي العقول عقولهم ووقعت الندامة)) انتهى الحديث، ولله قول الشاعر:
وكم قضايا علىغير الصواب مضت
حكماً ولله في تنفيذها حكم
ثم لما رأى المتوكل بعض الحاضرين على غروره جاءوا بشيء مما فيه تعجيزه، فقال له: إذا قد بنيت على هذا الأمرالمحال، فاشتري أولاً قدر ثلاثة آلاف من الجمال، واجمع ثمنها من الخزانة لتحمل الأثقال، فجاء وثمن مجرد الجمال بكثير من المال، فحار فكره، وتهون بعض عزمه.
ووصل كتاب محمد شاوش يذكر فيه للمتوكل أنه بلغه رجوع بعض الحاج اليماني، وأنه ليس برضاء منه، ولكنه ربما الخوف من الباشا حسين، وأن سعد بن زيد إذا أراد الوصول إليكم فلا تساعدونه إلى ذلك.
وفي شهر جمادى الأولى مات السيد إبراهيم بن محمد المؤيدي ببلدة العشة، خارج صعدة، وهو الذي كان ادَّعى الإمامة، وعارض المتوكل كما سبق ذكره، وإنما ترك ذلك للقهر له والغلبة[29/أ]. والدنيا أحوالها غرور، وأفعالها زور. وللمذكور (شرح لهداية ابن الوزير )، جمع فيه حواشي المصنف وألحق من (شرح الأزهار) ما هو من تحصيل الحاصل والنقل للحاضر. وله رسائل كثيرة في الطعن على الإمام في السيرة، والاعتراض عليه كما هو عادة أهل الزمان، وأهل اليمن في جميع الأحيان، فأجاب أكثرها الإمام، وغيره من العلماء تلك الأيام. وله في الأنساب كتاب (الروض الباسم في نسب آل القاسم)، كما روى أبي القاسم الراسي ممن ينسب إليه من أولاده.
وفي هذا العام تخمر البَزْ على أهل الهند بالمخا وعدن، فنفق بعضه وبقي بعضه، فوكل أهل الهند لبيعه وساروا، وبعضهم بقي عنده إلى الموسم الآتي ليبيعه.
وفي هذه الأيام وصل محمد عامر من الحبشة إلى ساحل المخا مطروداً، لما وصل عمر باشا إلى سواكن. وكان جرى من محمد عامر هذي المخالفة وهزم عساكر السلطان، وأخرج الباشا مصطفى الأول من سواكن، وأراد التغلب وبقي محمد عامر متردداً في ساحل المخا، لم يدخله، بل عرج عنه في البحر لا يدري أين استقر.
وفي هذه الأيام بالشهر المذكور في الخريف وقع مطر جود بجبل أَرْتِلْ وبيت بَوْس جنوبي صنعاء، فنزل سيله جارٍ ذيله بوادي المدينة، فاتصل بغيل خندقها الذي أحدثه الإمام في المدة السابق تاريخها فدفنه، وخربه من أعلاه إلى أسفله، وهذه المرة الثالثة بخرابه، وكذلك معه غيل العلفي المستخرج بالسد، وغيل الحسين بن المؤيد بالله في السد أيضاً. وسلم غيل الجراف ، وغيل جمال الدين علي بن المؤيد بالله، وهو أحسن الغيول، لا تضره السيول لتجنبه وميلانه من مجرى[29/ب] الوادي.
وفي هذه الأيام أمطار الخريف كانت قليلة، وفي أماكن يسيرة، فبلغ السعر للحنطة إلى ثلاثة أحرف، والذرة مائة بقشة، والشعير إلى حرفين. ونجع أهل المشرق مثل خَوْلان صنعاء وسَنْحَان وبلاد نِهْم وجميع المشارق إلى بلاد المغارب وإلى اليمن الأسفل والتهايم، ونضبت الأنهار في بلاد سنحان والآبار، وكذلك في أودية المشارق وبعض أودية المغارب بحيث يبس بعض الأبنان، لانقطاع الغيول عن الجريان، وظهرت الركة لكثير من الناس، لتلاحق القحط والجوع الذي جرى في سنة تسع وسبعين، فلم يكن معهم بعد أساس، حتى أنه بلغ شبكة التبن سبعة حروف،ووزن رطل التتن، فإذا هو بخمسة كبار، وهذا شيء لم يعهد، ولولا اليمن الأسفل ما زال يرحل منه الطعام إلى صنعاء لبلغ السعر عشرة حروف. والتهايم هذه السنة صالحة وإنما الغلاء في الجبال فقط، ولله في كل أفعاله حكمة، والله لطيف بعباده. وما زال الغلاء وقلة الأمطار من سنة سبع وسبعين وألف يتردد، ولا يعلم إتفاق مثل ذلك، بل قد يحصل في سنة أو سنتين أو ثلاث.
وفي العشر الآخرة من جمادى الأولى هرب جماعة من أصحاب سعد بن زيد بعد وصوله هو وهم إلى بيشة قدر أربعين نفراً، ومنهم الآغا شعبان تركي، فوصلوا إلى صنعاء، ثم إلى حضرة الإمام، وقد سُلب أكثرهم السلاح، والحوائج قد راح،وذكروا أنهم تفادوا أرواحهم ببذله للقبائل في طريقهم بالقُوْت، حتى خرجوا إلى صعدة على هذه الحالة[30/أ].
ووصل الخبر في هذا التاريخ بوصول محمد حبشي إلى جدة، ودخل مكة. وكان خروجه من مصر بحراً في عينة من العسكر قدر ثلاث مائة فأكثر، ومعه جوامك العسكر، ودخل مكة واستقر، ولما استقر رِكَاب محمد شاوش بالطائف جمع مشائخ هذيل وغيرهم وحبسهم واسترهبهم فيما اختل من التخطف حول الحرم الشريف منهم.
وفي هذه الأيام مما يعتبر به الأنام، أنه وصل شامي إلى صنعاء ببغل سعد والخطام، مع غيره مما بذله من خيل الشام، وقال: أنه شراه من سعد بحب وقشر بأرخص الأثمان.
نعم: وفي هذه الأيام قبض محمد بن الإمام مُخَلَّف سعيد بن ريحان، لما استكثر ما خلفه من النقود والذهب من مدة ولايته لبندر المخا تلك الأيام، وترك لورثته اليسير، وقيل: إنه أوصى بوصية وعيَّن لبيت المال ما عين. وكان حال ولايته وهو مملوك لشرف الإسلام الحسن بن الإمام، ثم أن المذكور كاتب نفسه، واعتقه أسياده.
وفي جمادى الآخرة مات الشريف علي بن حفظ الدين بسحلة اللاعي بضوران. وكذلك مات الشريف محمد بن عبد الله الغبا بالروضة ، ودفن بخزيمة غربي صنعاء. وكان الأول: قد تولى بلاد حراز ثم عزل، والثاني: كان مع شرف الإسلام الحسن عمدة، وفي كثير من أموره عليه فيها عهده، وكان قد ولاَّه شرف الإسلام الحسن بلاد اليمانية من سنحان، فبقى في ولايته مدة من الزمان، ثم لما ولي الأمر الإمام إسماعيل، وصارت بلاده لأحمد بن الحسن زال نظره عنها، ولم[30/ب] يبق له أمر ولا نهي فيها.
وفي شهر رجب منها عاد محمد شاوش بعساكره من جبل الطائف، ونزل إلى مكة بمن معه من الجنود والطوائف، وهو على مسافة يومين من مكة، وخلف فيه عينة من الرتبة، وجعل بالقنفذة أيضاً عينة قدر المائتين بنظر الشريف بركات. والشريف بركات استقر بمكة، ومحمد شاوش يختلف من مكة إلى جدة هذه المدة.
وفي هذا الشهر حصل حال التعشِّيرة في مدينة صعدة رصاصة أصابت بيرق حسن بن الإمام فانكسر عوده، والرامي من أصحاب علي بن أحمد وجنده، فكادت تحصل فرقة بين العسكرين، ثم أنه حبس الرامي، وحصل في نفس السيدين ما حصل من هذا الأمر الجاري. وسيفان في غمد لا يصلحان، ولا يكاد في الغالب يتفقان. ولما استقر حسن بن الإمام بصعدة طلب مشائخ آل عمار وسحار، ومن أجل ما راح من القافلة على التجار، فاجابوا أن أكثر الفاعلين[31/أ] قد هربوا وهذه بيوتهم وأموالهم بين أيديكم افعلوا فيها الذي تروا، فأمرهم بتسليم الأدب الذي فرض والده الإمام عليهم، فسلموه وأمر بخراب بيوت الذين هربوا. وقد كان قبض على سبعة نفر من الناهبين، وأمر بتعزيرهم في أسواق صعدة وضرب المرفع فوق رؤوسهم لأجل تلك النهبة، ثم لما خرج من صعدة -كما سيأتي تاريخه- أمر بضرب عنق ثلاثة منهم، وأرسل بباقيهم في الزناجير إلى حضرة والده لما جرى منهم وبسببهم. وأنكر بعض الناس على المذكور قتله للثلاثة، وقالوا: هذا كان بعد الأمان لهم والطاعة، والقتل لا يكون أيضاً إلا بعد تحقق قتل صدر منهم كما هو شرط المحاربين والمفسدين والناهبين.
وفي يوم الأحد سابع شهر شعبان، وقع قران بين المريخ وزحل في أول برج الحمل، وكان المريخ في بيته وقوته حال هذا القران، وزحل كان في بيت هبوطه.وكان المريخ المرتفع على زحل حال هذا القران من الأفق الشمالي بقدر ذراع، على مقتضى حساب الزيجات على تقسيم المتأخرين.
وفي هذه الأيام أرسل[31/ب] الإمام بصدقة الهند إلى سعد بن زيد، بعد وصول رسول سلطان الهند إلى حضرة الإمام، واستفهامه في شأنها، وكيف يكون أمرها؛ لأنها كانت مصدرة إلى سعد بن زيد، قبل أن يبلغ إلى صاحب الهند تحول الدولة، وزوال الحالة، فقال الإمام: نرسل بها إلى من صدرت إليه. وكان الواصل بها السيد عثمان الحلبي الأصل، فادعى السيد أنه كان قدم سعد بن زيد العام الأول وهو بمكة، وأنه لا يرسل إلا بما بقي بعد الذي له، فأخذ ذلك وبقي حول النصف مما هنالك، فأرسل به إلى سعد، وهو يومئذٍ ببيشة فكانت أعظم واصل عنده.
وفي آخر شهر رمضان منها وصل الخبر بخروج قلياطة من باشا مصر بحراً، فيها جوامك العسكر وطعام وخلعتان، أحدهما: للشريف بركات، والأخرى: لمحمد شاوش ونوبة وصنجق، وزيادة عسكر قدر مائتين، وطلب قضاة مكة[32/أ] هكذا جاء الخبر به، واختلفت الأخبار في سببه، والله أعلم.
وجاء خبر أيضاً هذه الأيام أن أسواق مكة وجِدة لبست بشرى صلاح ما كان انتقض على السلطان أطراف بلاده.
وفي هذا الشهر جاءت جوابات محمد شاوش والشريف بركات على الإمام بأن الحج ثابت، ولا منع لأحد عنه، ولكن لا يدخل إلى هنالك إلا على الحالة الأولة، صفة حجاج، بغير سلاح، ولا بيرق ولا رماح، وطلب بركات إرسال بالدراهم التي كان يرسل بها إلى سعد، وكان أراد الإمام أن يأمر فرحان بالعزم مع الحاج على العادة الماضية والحالة السالفة، ثم أن أحمد بن الحسن أرسل كاتبه السيد صلاح بكتاب وتوصية بأن إرسال فرحان خطأ، فأرسل الإمام السيد أحمد بن صلاح صاحب جازان وأبي عريش على العادة التي كانت في مدة المؤيد بالله، وكان يومئذٍ في حضرة الإمام، إلا أنه عين معه حول ثلاثمائة نفر ودراهم للشريف بركات قدر عشرة آلاف قرش وقيل: أربعة عشر ألفاً[32/ب]، فسار المذكور من ضوران طريق تهامة، فلما وصل العسكر إلى أبي عريش حصل بينهم افتراق، ومضاربة وشقاق فيما بين أصحاب السيد أحمد وبين الآخرين، ورجع بعضهم إلى بيته، وبعضهم اعتذر بعروض علته. ثم تقدم السيد أحمد بمن بقى معه ومن انضم من الحاج على قلته، وساروا في أمان الله وبركته.
وفي هذه الأيام شاع نادرة غريبة وحكاية عجيبة، وهي أن صورة امرأة ظهرت لرجل من أهل كُحْلاَن تاج الدين عند بعض أهله من الفلاحين، وحتمت عليه ضيفة وعشاء، وذبح رأس بقر لها متى جاءت تأكله في المساء، ففعل ذلك المذكور، وجعل من الطعام معه الميسور، وأقبلت إليه فأكلته عن آخره، وقالت له هي الحَطْمَة التي كانت في اليمن، وأنها خارجة في هذا الشهر والزمن. وهذه لعلها صورة شيطانية ليعتقد العامة أنها المؤثرة في الحطمة الربانية، والمؤثر والمحطم والقابض والرازق الله تعالى، المتصرف بما يشاء سبحانه.
وفي شهر شوال منها أصبح فقيه يقال له: بدر الدين وهو[33/أ] من أولاد الفقيه مهدي بن محمد المهلا بحانوت بصنعاء ميتاً، وقد حرق فراشه وحوائجه، فقيل: إنه يجعل كل ليلة مستوقداً عنده لأجل شرب التتن، فحرق من ذلك وغم نفسه الدخان المستكن.
وفي رابع وعشرين شهر شوال وقع قران الزهرة لزحل ببرج الحمل على حساب المتأخرين والزيجات، وعلى تقسيم البروج للأولين كان برج الحوت،وكانت الزهرة هي المرتفعة على زحل.
وفي هذا الشهر استخرج محمد بن الإمام بجبل ثايبة من بلاد نهم معدناً حديداً، إلا أن فيه قساوة كبيرة، وأعماله عسيرة وأدخلوا منه إلى صنعاء فلم يصلح للحدادين بل يكسر حال الوقيد والمطارق، فتركوه وأهملوه؛ لأنه غير مطابق، ولعله أحد أخوي الفضة، لكنهم ما عرفوا جمعه وعقده. وكان أمر الوالي أن يعتنى بمعدن الفضة الذي كان فيها، ولم يحصل على طائل لعدم معرفة الإكسير فيها. وكان هذا المعدن في مدة المنصور بالله عبد الله بن حمزة يستخرج منه شيخ البلد، ويأخذ الإمام فضة منه الخمس فيما حصل من العدد كما ذكره صاحب سيرته، ولم يبق له هذا الزمان من يعرف صنعته، لأمرٍ لله فيه حكمة، وإنما يصنع في هذا الجبل الرصاص.
وفي هذا الشهر جاء الخبر مع العمانيين وأهل البصرة والحسائيين من التجار المسافرين أن صاحب عمان صالح الفرنج[33/ب] وأمن البحر.
قال الراوي: وكل ذلك لأجل أن صاحب عمان قد ولع بالتجارة والأسباب، وأن أكثر الخارج في البحر وكلاء له في السبب. والفرنج كانوا يخافونه قبل ذلك، فلما عرفوا أنه قد ولع بالسبب لم يختلفوا به؛ لأنهم كانوا يتحسسون لخروج جلابه وبراشه ويلقونها؛ لأنها لا تخرج إلا للحرب وشحنها.