وفي هذه الأيام وصلت من صاحب عمان إلى المخا رصاص قدر ألفي رطل معونة لحرب الفرنج إذا خرج أحد منهم في السواحل، كل ذلك منه لأنهم خصومه، وكثرة ما جرى بينه وبينهم من الحروب.
وفي هذا العام حصل مطر الصيف واستمر إلى شهر محرم وصلحت الأرض.
وفيها مات الشيخ العارف الصوفي محمد بن الشيخ طاهر بن بحر ببلدة المْنُصورِية بتهامة، وكان على طريقة والده الشيخ طاهر بن بحر في إكرام الضيف والثروة، وخلَّف ولده عبد الباري[14/أ].
وفيها مات الشيخ السيد إسماعيل بن إبراهيم الحضرمي ببلدة لَكَمة بن سليم، ما بين الحَيْمة وحَرَاز وكان ساكناً فيها من مدة مع ضعف هواها ووباها، وكان مكرماً للضيف، ما أحد يمر إلا وأغاثه؛ لأنه على طريق حراز، وكان كثير النذور من القبائل، وما دخل يده أنفقه رحمه الله، واتفق مع رجل أنه لما عبر الطريق وهذه البلد صادف بعض جواري الشيخ تغرف الماء من المورد فكأنه راودها عن نفسها، فبلغ الشيخ، فدعا عليه، فجن في الحال والوقت وتغير عقله، وبقي كذلك برهة من الأيام مكبلاً بالحديد، ثم إنه عَكِب أيضاً بعد ذلك ثم لم يلبث أن مات.

ودخلت سنة اثنتين وثمانين وألف
استهلت بالأحد بالرؤية، وحصل قران المريخ بالزهرة، في نصف محرمها بأول برج السرطان.
وفي مدخل يومين أو ثلاث وصل الخبر إلى صنعاء من طريق السراة أنه وقع بمنى عند جمرة [14/ب]العقبة واقعة عظيمة، وذلك أن اثنين قيل: أحدهما من هُذَيل وآخر من أصحاب الشريف رميا الباشا حسن، قيل: ذلك بأمر الشريف سعد وهو أنكره، فرميا الباشا حسن وكان غافلاً ساكناً حال رمي جمرة العقبة من رأس اللكمة التي جنوبي الجمرة يقعد فيها أهل اليمن للفرجة على الناس حال الرمي للجمار، رمياه في حالة واحدة برصاصتين أصابته إحداهما في فخذه ونفذت إلى حصانه فسقط في الحال،، والتفت أصحابه الحاضرون عنده للضرب بسيوفهم فيمن عندهم، فقتلوا في الحال قدر ثلاثين نفساً، وانهزم الناس وهربوا، وحصلت فيهم صولة شديدة وحالة كبيرة،ومنهم من زال عقله لحصول ذلك الحادث على حين غفلة، وقتلوا من كان في المقهاية التي تجعل عند جمرة العقبة تحت هذه اللكمة، ومن جملتهم مقهوي من صنعاء كان فيها. وكان هؤلاء القتلى مجموعين حجاج وفقراء، فالذي عُرِفَ منهم من اليمن المقهوي المذكور، وآخر من بلاد عتمة، وآخر من بلاد رداع، والآخرون من حُفَاش [15/أ]، ثم من سائر الأرض، وحصل النهب في أطراف منى، والشريف كان في محطته يومئذٍ، فجاءه الخبر أن الباشا قد قتل، فركب وركب أصحابه ودرَّع وخوَّذ. فلما قَرُبَ منهم رأى القتال واقعاً والضرب بالسيوف لامعاً، قهقر ورجع إلى محله، وضم من عنده، وفي محطته. والباشا أدخله أصحابه التختروان وتقدموا إلى مكة بالعساكر والركبان، فدخلوها في النفر الأول وسكنوها، والشريف دخل بعد ذلك وحده، وأمر أصحابه وجنده قبله. واختلفت الأخبار في شأن الباشا حسن، فمنهم من قال: قتل ومات في الحال، ومنهم من قال: إنما اصتاب فقط وسلم وهو الأكثر، والأخبار بعدبه أشهر. ومن الحجاج الذي شهد هذه الوقعة وسلم بعد أن كان رأى

نزيف السيوف، والأمر المسلم وصل إلى اليمن وعاد بعد حجه، وقد تغير عقله، وما زال يهذي في نومه ويقظته بالسيف السيف، حتى لم يلبث أن مرض ومات بعد عوده. وهذا الأمر الذي جرى في حرم الله وأمنه ما كان[15/ب] يحسن فعله والله يقول: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً } ولا سيما في هذه الأيام الشريفة، والمواقف المباركة، والأيام المعلومة على تلك الحال والصفة، ولا سيما ما كان سبب ذلك من قتل هذه النفوس، في ذلك المحل المأنوس. وكانت هذه الواقعة يوم الأربعاء وقت الظهر النفر الأول، إذ كان عرفة هناك يوم الأحد والعيد يوم الإثنين. وكان الباشا ما تم الرمي للجمرة، وإنما كان رمى ثلاث حصى، فلما اجتمع الناس بمكة حصل الخوف والحذر من ثائرة الفتن، وبطل أكثر البيع والشراء والأسباب، لعدم الأمن على الأنفس والأموال، حتى ينفصل أمر ذلك الحال، مع أن هذي الفعال لا يبعد أن تكون سبباً لتحريك السلطان وإيقاظ الفتنة وهي نائمة، ولله قول الشاعر:
أمور يضحك الجهال منها

ويبكي من عواقبها الحليم

وقال الأول: من لم يفكر في العواقب فما الدهر له بصاحب، ومن أراد عظيماً خاطر بنفسه وماله، وقد جاء في الحديث عنه÷: ((الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها ))، ولكن إذا جاء القدر عمى البصر. ومن الناس من قال: إن الشريف قال: إن الباشا حسن ظهَّر له بالإمارات أنه كان يريد بعد دخول مكة القبض[16/أ] عليه وإزالة ملكه وأمره ونهيه، وصرف الأمور إليه، والله أعلم، وتأخر الحجاج الذين يصلون من البحر، ولم يصل من الحجاج في هذه الأيام إلا أهل السراة فقط، وسببه عدم التمكن للسفر من مكة إلى جدة للخوف، ثم وصل أهل البحر عقب ذلك. وأخبروا أن بعد ثامن عشر شهر الحجة الحرام اجتمع حجاج اليمن الذين بمكة ودخلوا إلى الشريف سعد يشكون التضرر بالنفقات، وأنهم يريدون السفر فوعدهم بالجواب ثاني النهار، ثم إن الشريف طلب أمير حاج الشامي وجلس هو وإياه في الخلوى، ثم إنه خرج من عنده وسار إلى بيت الباشا حسن، ثم تعقب اليوم الآخر وأمر الناس بالنفير، وفي صحبتهم من قبل الباشا حسن آغا ومن قبل الشريف آغا، وعسكر وساروا إلى جدة، وسكن الآغا بمحل الباشا والذي من قبل الشريف بمحل آخر، ثم إن الباشا بعد هذا الأمر خرج مع أمير الشامي في التختروان وظهر للأشراف أنه عازم بلاده، وراجع إلى حضرة السلطان [16/ب] واعتاده، فلما وصل الباشا إلى المدينة النبوية دخلها وسكنها واستقر بمن معه فيها، وقال لا ينفصل عنها حتى يصل جواب السلطان، فاستقر الأمر كذلك هذا العام جميعه. وخرج له من مصر مادة استدعاها خشية من سعد لا يتعرض ويقصد بجموعه إليها، فخرجت الزيادة والإمداد، وقوي جأشه بذلك وبما خرج من الطعام والإعداد، والشريف بقي بمكة على حاله.
واتفق قران المشتري والزهرة في برج الأسد والزهرة كثيرة القران لسرعة سيرها.
وفي هذا الشهر ولدت امرأة للحوتره من أهل شعوب عجلاً فبقي قدر يومين ومات.

وقد كان بعض جيش سعد خرج من مكة إلى جهة المدينة يقال: رئيسهم حمود، فلما وصلوا بدر بلغهم خروج زيادة من مصر، فلم يبلغوا إلى المدينة، قيل رجعوا إلى مكة. وأخبر الحجاج بصلاح الحجاز ونجد جميعاً وتهون الأسعار بمكة والأعلاف بعد تلك الشدة، وأن الخير متصل من مكة والمدينة إلى صَبْيَا .
وفي شهر ربيع الآخر طلع علي بن الإمام إلى حضرة والده الإمام.
وفي هذا الشهر اتفق أن السيد جعفر بن مطهر الجرموزي متولي العدين هرب بعض أصحابه إلى مشهد الشيخ [16/ب] صلاح، فأمر السيد بإخراجه من الحوزة فلم يساعده أحد فسار بنفسه وأخرجه.
قال الراوي: فخرج عليه جيش عظيم في مجلسه ومكانه، وما زال يراه في كثير من أوقاته فسار إلى المُذَيْخِرَة ، فلم يشعر إلا بذلك الجيش أطل عليه من باب مكانه، فصاح وحصل معه بعض طيش ووحشة.
وكان السيد جعفر قد تَقَبَّل بلاد العدين هذا العام بقبال كثير يقال: كل شهر ستة آلاف، فجار على الناس بسبب القُطْفَة والقبال.
وانتهب هذه الأيام قافلة خرجت من جدة إلى عند الباشا حسن مجموعة طعام ورصاص، مع أنه صار يخرج السياق إليه من مصر بحراً إلى يَنْبُع ، ثم يصل إليه.
وروى لي بعض أهل مكة يسمى لطف الله يقول: إن الشريف ادعى أن الباشا حسن ما أظهر مرسوم التولية، وأنه حضر مجمعه أول وفوده، وطالبه في المرسوم يحضر إلى هنالك ومشائخ الحرم فلم يظهره قال: ولو أظهره سلم له الأمر.
قال المذكور: وكان قد ظهر للشريف وأهل مكة أن الباشا حسن باقي في تلك السنة القبض على الشريف سعد بالقهر، ولذلك دخل من جدة بقوة العسكر والمدفع وإظهار الأمر، وأمر الخطيب برفع ذكر سعد، وأظهر الأمر جميعه له، وما يفعل ذلك إلا بأمر السلطان.

وفي هذه الأيام ارتفع سعر مكة؛ لأجل تناقص السياق من جدة، فقيل: إنه بلغ القدح إلى خمسة حروف. وتفرق كثير من أهل مكة يومئذٍ في الآفاق، وكذا من أهل[16/ب] المدينة أيضاً والحجاز، فمنهم من سار إلى تهامة وزبيد وبيت الفقيه ، ومنهم من طلع الجبال بأولادهم، ومنهم من طلع بلاد الطائف ونجد.
وفي شهر جمادى الأولى خسفت القمر في برج الحوت بعد طلوعها بساعة، فطمس الخسوف جميع جرمها أوله بسواد ثم تغشاها بحمرة، وكان الخسوف بالرأس بمصاحبة زحل، ومقابلة المريخ للكسوف بالسنبلة، واستمر الخسوف وقتاً طويلاً، منهم من يقول: ست ساعات، ومنهم من يقول: خمس.
وفي هذه السنة تغير حساب أهل الذمة من اليهود -لعنهم الله- في مواقيت أعيادهم على الشهور الرومية، فقدموه على وقته بقدر شهر كامل، جعلوا سبت السبوت هذه السنة في أول شهر جمادى الأولى، وهو في آخره على حساب جدول الحاصي وغيرها، فدل على تخليط حصل معهم، ورجعوا في العام الثاني إلى الواقع، والعام الثالث رجعوا إلى التقديم، كهذه السنة بشهر، وكذلك عيد الفطر خلطوا فيه تخليطاً كثيراً، فهو يكون مستمراً بعد فصل الصيف، فجعلوه في بعض هذه السنة آخر الصيف عند سقوط الثريا وغروبها، وإنما يكون عيد الفطر عند غروب الظافر وطلوع السماك بعد الصيف.
وفي شهر جمادى الثاني وصل السيد عبد الكريم بن باز من عتود، ومعه قدر ثلاثين نفراً وافداً إلى الحضرة العالية للإمداد بالسلاح والمال، ليستعين به على البقاء في عتود ودفع القبائل وتنفيذ أمر الشريف؛ لأنه ولاَّه هذه السنة لعتود وأمره بالبقاء فيها، فبقي عند الإمام خمسة أشهر، ثم زلجه الإمام في شوال، وأعانه بما طلب وسار[17/أ].

وفي هذا الشهر عرض الإمام على ولده أحمد ولاية بلاد ذَمَار فأباها وقال: يريد الإذن له في عودة شِهارة ، وتوليته لبلادها، لمحبته للوطن، كونه نشأ فيها، فولاه نصف بلاد عِذَر ، وامتدت يده في الآداب أينما نهى وأمر، وعارض بذلك حسين بن الإمام المؤيد في أمور كثيرة، وصار يقالله فيما يفعله من السيرة، حتى أن الشاكي إذا شكى إلى حسين بن المؤيد، وفرض عليه من الأدب والأخذ باليد نقض ذلك أحمد المذكور عمل ابن المؤيد، فحصل في نفس الحسين كظم الصدر من هذا الأمر، وعدم التوقير للكبير، وما يتوجه من المراعاة من الصغير، حتى بلغ به الحال أنه لما وفد عيد الأضحى في بعض السنين خرج عن شهارة، كراهة للاجتماع لما رأى من هذه الأمور المنهارة، وأظهر التمشية بذلك قبيل العيد، وعيَّد في قرية الصَّايَة ودخل بعد مضي العيد. وقد صار هذا الأمر في هذه العالة الآخرة هو الغالب لهم والسجية، حتى لقد قوض بيارقه وطبوله توقياً من ثائرة الاشتجار والفتنة لما رأى من شدة النخوة، وكتب إلى الإمام يعذره عن الأعمال وكان ظنه، أن الإمام ينهى ولده عن المعارضة له، فجاء الأمر، خلاف ظنه فاغتم من ذلك الأمر، وأمر الإمام لولده أحمد حينئذٍ يريح وطبوله والعَلَم لعسكره.
ويروى أن الإمام كان أمره بالخروج على الحرامية بتهامة، فاعتذر، فما زال حاله إلى الانصياع، حتى مات أمره وضاع.

وفي هذه الأيام سار كثير من أهل كوكبان وشبام إلى الحضرة العالية شاكين من الأمير عبد القادر بأنه تأخر بعض ما يعتادونه من التقارير لهم من الماضي والحاضر، فأرسل الإمام معهم الفقية محمد بن عز الدين الأكوع، الذي كان مع الحسن بن الإمام[17/ب] القاسم خازناً ومعاوناً، فأراد العذر لكبر السن، فألح عليه الإمام وقال: المراد إنما هو المشارفة على محصول البلاد، فسار المذكور واطلع على الدفاتر، ورقمها للإمام، لمعرفة الماضي والحاضر.وكان خرج مع الخارجين من شبام وكوكبان السيدان محمد بن إبراهيم بن مفضل ، والسيد يحيى بن أحمد الحمزي واستنكرا ما كانا يألفان من الأمير ناصر من الإحسان وقبول الشفاعات والإجلال، غرراً منهما، وعدم معرفة حال غيرهما، فوصل السيد محمد إلى وادي ضَهْر ، سكن وعمر فيه داره، والسيد يحيى شرى داراً بصنعاء وسكنه، ثم ندما بعد شراء ذلك وتأسفا لما عرفا بالحالات، وأن التقصير من عبد القادر إحساناً كما قال الشاعر:
وبضدها تتبين الأشياء

وفي هذا الشهر جاءت الأخبار بأن القضية الواقعة في مكة لما وصلت مسامع السلطان، وعرف حقائقها بالتقرير والبيان، اغتاض من ذلك وأبرزت أوامره إلى مصر بأن (بينه عاد) جدة والباشا حسن حتى ينظر، فأمر صاحب مصر بعينه إلى جدة.
وفي هذه الأيام سُرق بيت القاضي علي بن جابر الهبل ، قاضي الشريعة بصنعاء، وكان المذكور في الخريف بأولاده، فراح بعض شيء كان وديعة لأيتام قاصرين، فحصل اشتجار بين الوارم المحتسب على المدينة وبين أصحابه، أرادوا قسمتها بينهم، فغلب المحتسب عليها، فأخبر أصحابه والي المدينة أنها مع المحتسب، وأنه السارق لها، وأنها في موضع كذا، فوجدت كما وصفوا، هذا هو الأصح في خبرها، وقيل: أنه عرض أمرها على الفقيه أحمد[18/أ].

وفي هذا الوقت يسر الله لي تمام تبييض مصنفي (الاقتباس) إلى آخره بحمد الله، الذي اشتمل على خمسة فنون: النحو، والصرف، والبلاغة، وأصول الفقه، وأصول الدين، في أربعة مجلدة، وكان الفن الآخر توسعت فيه، فكان في مجلدين، نصف الكتاب أو يزيد عليه، واستوفيت الكلام في أصول الدين، ونقل أقوال العلماء من أهل السنة وأقوال السلف وأقوال المعتزلة والأشعرية والحنفية والمالكية والحنابلة، مما ساق الدليل إلى قوة مذهب السلف ووافقه أهل السنة، ولما كان المنصف من أهل هذه البلاد كالعدم، والتقليد قد لصق بالأكثر، وعم. قلت:
في مثل تقريري لا يحسن العذل

وإنما الناس أعداء لما جهلوا
رأوا تخير قولي في علومهم
فأوسعوا القول إذ ضاقت بي الحِيَلُ

لو أنهم عرفوا في الحق معرفتي
لشأنهم عذروا من بعد ما عَذلُ

ياجاعلي خبري بالهجر مبتذلاً

لا عطف منكم ولا لي عنكم حِوَلُ

رفعت حالي ورفع الحال ممتنع

إليكم وهو للتمييز محتَمِلُ

كم كتمت حقائق علمي لا أبوح به

والأمر يظهر والأخبار تنتقلُ
كيف السبيل إلى إخفاء سنته

والقلب منقلب والعقل مقتفلُ

وبت أخفي أنيني عن أن أبوح به

توهماً أن ذاك الجرح يندملُ
لأنني في بلاد لا يعرفون سنته

ولا ما يقول الرسول والكملُ

وسرت أراجع مسترشداً دفاترهم

لا يصدق القول حتى يصدق العملُ [18/ب]

غابوا وألحاظ فكري تمثلهم

لأنهم في ضمير القلب قد نزلوا
وخلفوني أعض الكف من ندم

وأكثر الذكر لمَّا قلت بي الحيلُ

مع أن الاتفاق بين أهل السنة والمعتزلة ومن وافقهم من الهادوية أنه لا يجوز التقليد في أصول الدين، وقد أمعنت النظر في الآيات القرآنية والتفاسير الأثرية والمعاني العربية والأحاديث النبوية والنقل للأثار عن الصحابة والتابعين وعلماء السلف الماضين من أهل البيت الأولين، وغيرهم من العلماء العاملين، فلم أجد عقائدهم إلا على مقتضى عقائد أهل السنة المحققين، كما نقلنا أقوالهم، وتتبعنا آثارهم أجمعين. وقد جريت على ذلك المنوال، باتباع الأدلة والآثار في المسائل الفقهية، وصنفت أيضاً في ذلك كتابي (الدلائل) في ثلاثة مجلدة والله الموفق للصواب [19/أ].
وفي هذه الأيام دخل جماعة من الفرنج الملاعين إلى جزيرة سقطرى من بلاد المهري ، فصالحهم، وسكنوا في مكان منها يقال له: (قَشَن ) . وكان قد أهم الإمام بتجهيز زيد بن خليل الهمداني، ودفع الفرنج عن القرار بساحل بلاد المهري، ثم أنه بلغه في خلال ذلك الأمر المذكور تجهيز محمد شاوش من مصر إلى جهات مكة وتلك الثغور، فترك ما كان أهم به أولاً وطوى شأنه طياً.
وفي خامس شهر ذي الحجة وصلت كتب من الشُّقيقْ وجازان يذكرون أنه بلغهم خروج محمد شاوش من مصر بجنود معه، وأصل محمد شاوش هذا من اليمن.
وفي عشرين ذي الحجة وصل كتاب من جازان يخبرون أن حال عزمهم من جدة، ووصل محمد شاوش بقدر ثلاثة آلاف، سابع عشر شهر القعدة، وطرحوا خارج مكة قيل: بالعمرة وقيل: ببركة ماجد[19/ب]. والشريف سعد عند ذلك أمر بلال من المماليك إلى محمد شاوش لأجل الكسوة، فأعطاه محمد شاوش المعتاد، وسكن بذلك الوهاد، وذكروا أن حال عزمهم من جدة، وقد بلغهم تجهيز الوزير حسين مع المحمل الشامي.

32 / 94
ع
En
A+
A-