ولم يكن قريباً من الحكام والشخصيات الهامة فحسب، بل كان قريباً أيضاً من الفقراء والمساكين، حيث كان حريصاً على أن يتتبع أخبارهم، والكتابة عنهم، والترجمة لمن يتوفى منهم، حتى لنجده يصفهم بأنهم الملوك حقاً لتقشفهم وزهدهم عن ملذات الدنيا.
وبالإضافة إلى هذا النسب وما يمكن أن يكون له من أثر في أهمية هذه المخطوطة، فإن الجانب الآخر الذي يزيد من أهمية كتابات يحيى بن الحسين بوجه عام هو جوانب المؤرخ الشخصية، وهي: موضوعيته ودقته وأمانته في سرد الأحداث، وتحليله وتفسيره لمعظمها.
وإذا ما بدأنا بموضوعيته سنجده أكثر مؤرخي عصره موضوعية، فلم تكن مخطوطته "بهجة الزمن" سيرة شخصية لإمام من أئمة عصره، ولم يكن هدفه من وضعها إرضاء طرف من الأطراف المعاصرة له. فعلى الرغم من أنه أحد أفراد أسرة الإمام القاسم، فإنه كان أكثر المؤرخين المعاصرين انتقاداً لأفراد أسرته، فلم يكتف بسرد الأحداث في مخطوطته هذه، بل نجده ينتقد الأئمة وغيرهم من صُنّاع الأحداث.
ولكن ذلك لا يعني أن مخطوطته "بهجة الزمن" في مجملها انتقادات أو تصيد للأخطاء أو السلبيات التي كان يرتكبها البعض، فهو يورد أيضاً إيجابيات كثيرة، لكثير من المعاصرين له. فمن الملاحظ أنه ينتقد ويمدح، يورد السلبيات والإيجابيات في الوقت ذاته، يكتب ما للشخص وما عليه دون تحرج أو خوف، فنجده على سبيل المثال ينتقد سياسة الإما إسماعيل وتصرفاته في بعض المواقف، دون أن يمنعه ذلك من ذكر إيجابياته في مواقف أخرى، ويشكره على ذلك ويثني عليه، من ذلك على سبيل المثال قوله: "وفيها أمر الإمام بتفريق فطر مدينة صنعاء لفقرائها، فأصاب وأحسن".

وانتقد مؤرخنا أحمد بن الحسن في كثير من المواضع، غير أنه في الوقت ذاته يذكر إيجابياته ويمدحه في مواضع أخرى ويتبع مؤرخنا الطريقة نفسها مع كل من يترجم لهم، فلا يتردد في أن يذكر حسناتهم وسيئاتهم، فهاهو في ترجمته ليحيى بن محمد بن الحسن بن القاسم عند وفاته يبدأ بمدحه بأنه " كان كريماً ويبذل العطاء، بحيث قد يخلى مخزانه، وينفق جميع أمواله، غير أنه لا يخفى سلبياته، مع أنه من أسرة الإمام القاسم، فيقول:"إلا أنه جار مع ذلك على الرعايا، وأذاقهم البلايا، لا سيما بلاد الحجرية". وعلى الرغم من الانتقادات الكثيرة التي كان يوجهها للقاضي أحمد بن سعد الدين المسوري، فإن ذلك لم يكن ليمنعه من أن يذكر حسناته، ويثني عليه. من ذلك قوله:"فمن أحسن ما وافق الحق قوله إن الناظر الذي على أوقاف صنعاء حسَّن للإمام أن يزيد في الأجر للأوقاف على ما كان في عريص الحوانيت مما وضعه سنان التي هي أملاك للناس، وفي عريص البيوت، فقال القاضي للإمام: إمام بعد إمام، ودولة أظلم من سنان، فترك الإمام ذلك المرام، وكان ذلك منه حسنة للأنام".
أما الصفة الأخرى التي تدل على موضوعيته، التي امتاز بها عن معظم مؤرخي عصره فهي عدم اهتمامه بالتفخيم أو التعظيم بالألقاب سواء للأئمة أو غيرهم من الشخصيات البارزة، فيكتفي بأن يلقب الأئمة بلقب الإمامة فقط. وفي بعض الأحيان يستخدم الألقاب الشائعة في اليمن حتى الآن مثل: شرف الإسلام، ضياء الإسلام، شرف الدين، خاصة والده وعمه الحسن. وبالمقابل لم تكن تصدر عنه كلمات جارحة لأحد، ولا يشتم أحد.

وإذا لم تكن لدى يحيى بن الحسين معرفة تامة عن أي موضوع يتطرق له أو يكتب عنه فإنه يتوقف عن إصدار أي حكم أو أي رأي في هذا الموضوع، كما هو الحال في حديثه عن الصوفية ومنهم ابن عربي، نجده بعد أن يسرد آراء كثير من العلماء في ابن عربي لا يتكلم بشيء أو يحكم بشأنه، ويرى أن الأفضل لمن لم يعرف مقاصد ابن عربي أن يتوقف عن إصدار الحكم عليه.
وقد نتفق أو نختلف مع يحيى بن الحسين فيما ينتقده، إلا أن ما أعجبنا في انتقاداته وفي شخصيته أنها تعبر عن وجهة نظره صراحة، وتؤكد أنه ابن عصره.
وكان يتبادر إلى ذهني سؤال هام طوال مصاحبتي لهذه المخطوطة- وربما يزيد هذا السؤال من أهميتها في نظري- وهو ما هو المحور الأساسي الذي اتبعه المؤرخ طوال كتابته لهذه المخطوطة؟ أو ماذا كان يشغله في هذه الفترة هل حرصه على متانة تماسك الأسرة القاسمية الحاكمة، التي هي أسرته؟ هل قدرتهم على التدعيم والسيطرة؟ هل يقف موقف المعارضة منهم؟ مثل هذه الأسئلة وغيرها تتضح الإجابة عليها من خلال ما سجله مؤرخنا في مخطوطته هذه، فقد جمع بين عدة سمات: فهو حيناً يؤيد، وحيناً آخر يعارض، وحيناً ثالثاً ينصح، ويكون مجتهداً ويلجاء إلى الشريعة حيناً رابعاً. أي أن المؤرخ كان له موقف، والإنسان موقف.
وهناك سمة أخرى اتسم بها يحيى بن الحسين، وكان له أثر واضح في أهمية المخطوطة، تلك هي دقته وأمانته. فلا بد من إنصافه بالاعتراف بأنه من أحسن مؤرخي عصره، وأكثرهم أمانة، وهو من القلائل الذين يتحرون الدقة في مؤلفاتهم فيجري وراء الأحداث ويسجلها، ثم نجده يسند ما يكتبه إلى مصادرها، فإذا شاهد يقول: شاهدت وإذا سمع عن حادثة أو رويت له نجده يهتم بأن يعيد ذلك إلى المصدر الذي سمع عنه، وإذا لم يثق بما سمع يقول: هكذا أخبرني فلان والله أعلم، أو هكذا سمعت من فلان، وإذا سجل معلومات قرأها فهو يذكر اسم الكتاب الذي قرأها ونقلها منه.

لقد كان مؤرخنا يحاول توثيق معلوماته، فيسند معظم الأحداث إلى مصادرها بدقة وأمانة. ويتضح للقارئ رغبة يحيى بن الحسين في التوثيق إذا أُتيحت له الفرصة بالنسبة للأحداث البعيدة عنه، فيحرص على اللقاء بالشخص الذي شاهد الحدث.
ولعل أبرز مثال ما رواه لنا من حادثة أخبره بها شخص يقال له أحمد الشظبي، ولكونها حادثة غريبة قد لا تصدق فإن مؤرخنا يقول للقارئ بأنه سيحاول اللقاء بالشخص الذي شاهد الحادثة ، وذلك ليتأكد من مدى صحى ما نقل إليه، فيقول:" إذا حصل اتفاق به سألته عما رآه". وبالإضافة إلا هذا فقد كان يحرص على التوثيق حتى في الأحداث أو المواقف التي لا تتطلب ذلك. فنجده عند ترجمته لوفاة والده الحسين بن القاسم، بعد أن ذكر رأي والده في أصول الدين، ورأيه في بعض المذاهب، يقول:"هكذا أخبرني به الفقيه أبو القاسم بن الصديق التهامي، وهو أحد مشائخه في الفقه". وإذا ما أوردنا مثالاً آخر للدلالة على دقته وأمانته فهو عند ترجمته للسيد هاشم بن حازم المكي يقول:"هكذا روى لي الفقيه ناصر الزبيب حال سكونه هذه المدة بمدينة زبيد" أو يقول: "وأخبر السيد عبد الله الكبسي عن حقائق حالات القاسم".
ولا شك أن هذا يعد من صفات المؤرخ الأمين، وهو التوثيق لما يورده من أحداث سواء كانت سياسية أو غيرها، داخل اليمن أم خارجها . وبذلك نستطيع تقسيم المصادر التي استقى منها يحيى بن الحسين معلوماته إلى عدة أقسام:
القسم الأول: ما كان يشاهده بنفسه، وكان قريباً منه، وهو كثير، فنجده في الأحداث السياسية المحلية على سبيل المثال يتابعها من خلال أوامر الإمام إلى ولاته في مختلف المناطق للقيام بأي عمل سياسي، سواء كان الأمر بزيادة المقررات، أو بإخضاع بعض المناطق لسلطة الإمام، أو بالقضاء على أي تمرد أو عصيان.

القسم الثاني: الأحداث التي كانت تحدث في مناطق اليمن المختلفة، وتصل إلى الإمام، سواء كانت تمرداً أو غزواً أو تقطعاً في الطريق، كذلك ما يقرره الإمام إزاء هذه الأحداث من أوامر أو مواقف. ولكون المؤرخ قريباً من السلطة فقد تيسر له أخذ تلك المعلومات من مصادرها.
أما الأحداث التي كانت تحدث خارج اليمن فإن المؤرخ كان يستقي مادته التاريخية من مصادر عديدة لعل أهمها:-
العلماء الذين كان يلتقي بهم ويحرص على تسجيل ما يروون له من أحداث مختلفة كانت تحدث في العالم الإسلامي, ولعل أشهرهم المُلا محمد بن حسن الحساوي، الذي ورد اسمه كثيراً في هذه المخطوطة، فقد زار اليمن، والتقى به وأخذ عنه الكثير من المعلومات عن العالم الإسلامي، وكذلك الشيخ محمد بن أحمد كزبر الدمشقي، وعلى ما يبدو أنه كان صديقاً للمؤرخ، حيث كان يلتقي به في معظم السنوات التي يصل فيها إلى اليمن، ويستقي منه الكثير من الأخبار عن الدولة العثمانية والحجاز، ويصفه المؤرخ بأنه ثقة من أهل العلم على مذهب الحنابلة.
والمصدر الثاني الذي كان مؤرخنا يعتمد عليه في تسجيل ما يحدث خارج اليمن هم التجار، الذين كانوا يفدون إلى اليمن لغرض التجارة، حيث كان يلتقي بعضهم، ويستقي منهم المعلومات ونجده مثلاً يقول: "" وفي شهر محرم وصل واصل من التجار إلى مدينة صنعاء من البحر الشرقي على بندر عدن وأخبر..... .
وثمة مصدر ثالث اعتمد عليه المؤرخ فيما يكتبه عن العالم الإسلامي، ذلك المصدر هم الحجاج، فقد كان يلتقي ببعضهم عند عودتهم، فينقلون له ما شاهدوه أو ما سمعوه من أحداث عن الحجاز خاصة، والعالم العربي والإسلامي عامة، فنجده مثلاً يقول: "وفي آخر صفر جاء الخبر المحقق مع بعض الوافدين من الحجاج الحقيقيين الثقات المحققين فأخبرني من لسانه".

كما استفاد من بعض الرسل الذين كانوا يفدون إلى اليمن من قبل السلاطين والحكام في العالم الإسلامي لمقابلة الإمام إسماعيل، فكان يستقي منهم بعض المعلومات عن بلدانهم ، فهو على سبيل المثال يعطينا معلومات عن الدولة العثمانية وحروبها في جهات مالطة، وعدد جنودها وخدمها، وقد استقى ذلك من الرسول الذي أرسله السلطان العثماني بهدية للإمام إسماعيل، وسجله في هذه المخطوطة.
ومما يمكن قوله هنا أن بعض الأحداث البعيدة عنه، خاصة في المناطق النائية عن اليمن، مثل: فارس والهند وما وراء النهر وغيرها من المناطق البعيدة كان يسجلها كما سمعها، دون أن يتأكد من صحة ما نقل إليه، غير أنه يحمد له حرصه على اتباع طريقة الإسناد، وذكر الأشخاص الذين كانوا ينقلون إليه تلك المعلومات. فمثلاً نجده يقول:" ولقد أخبرني رجل وصل هذه المدة إلى صنعاء يقول أنه شريف من مدينة قندهار".
ومما زاد من أهمية هذا الكتاب أن يحيى بن الحسين لم يكتف بسرد الأحداث وإسنادها إلى مصادرها، لكنه أيضاً اتخذ أسلوب التحليل والتفسير والنقد خلال طرحه لتلك الأحداث. وبغض النظر عن أن تحليل مؤرخنا وتفسيره كان صحيحاً أم غير صحيح، فهو يعبر عن وجهة نظره، وبحسب ثقافته في ذلك العصر، فقد يصيب أحياناً ويخطئ أحياناً أخرى، وقد نتفق معه حيناً ونختلف معه حيناً آخر.

ولو تتبعنا طريقة المؤرخ في ذلك لاحتاج منا الكثير من الأمثلة التي قد يجدها القارئ في متن هذه المخطوطة، ولكن لتأييد ما ذهبنا إليه لا بأس من إيراد بعض منها، فنجده عند ترجمته لعبد الله بن عامر، ابن عم الإمام القاسم يقول:"وكان يقول ما أُخذ من الناس من المطالب من العوام حلال، لأن أكثرهم لا يُصلُّون، وفُسَّاق ، ويسرقون . وهذا منه قول غير صحيح، لأن ذلك الجاري لا يوجب تحليل أموال الناس كما هو معلوم، فإن أموال الفساق لا تحل لأحد، بل يعاملون معاملة المسلمين. ثم أن التعميم بجميع العوام إساءة ظن بجملة المسلمين". فالقارئ يلاحظ في هذه العبارة نقداً بناءً، ثم لا يكتفي بالنقد، بل نجده يحلل ويفسر سبب نقده لأقوال ابن عامر هذا. وتتضح لنا طريقة يحيى بن الحسين في التحليل والتفسير والنقد بصورة أوضح إذا ما وقفنا قليلاً عندما أورده من انتقادات للحسن بن أحمد الحيمي، فبعد أن أورد رحلة الحيمي إلى الحبشة ذكر في آخرها أن الحيمي قد كتب قصيدة يحث فيها الإمام وأعوانه على الجهاد في سبيل الله، لمحاربة أولئك الكفار، والاستيلاء على بلاد الحبشة بأكملها، غير أن مؤرخنا يحلل تحليلاً سياسياً دقيقاً كيف أن الإمام إسماعيل لا يستطيع بأي حال من الأحوال تنفيذ مثل ذلك، فشرح الأسباب المانعة لذلك، والتي منها: الأوضاع السياسية والاقتصادية في اليمن، ثم ينظر إلى الأوضاع السياسية للمناطق المجاورة لليمن، وكذلك أوضاع أكبر قوة في عصره، وهي الدولة العثمانية، والتي كانت مسيطرة على معظم سواحل الحبشة. وفي ذلك دليل على أنه كان يتمتع بعقلية منظمة، وفكر واسع، ونظرة بعيدة المدى، وإلمام بما يدور حوله من أحداث سواء في اليمن أو خارجها.

والأهمية الأخرى هي أن كتاب يحيى بن الحسين بأجزائه الثلاثة فيه من التفاصيل الكثيرة ما ليس موجوداً في كثير من الكتب، فالمؤرخ يتناول الأوضاع المختلفة بكل جوانبها، فلم يكن يتابع الأوضاع السياسية فحسب، بل كان يتغلغل في المجتمع، خاصة الصنعاني، ويدون حركته، واهتم بالأوضاع الأخرى، التي سنتكلم عنها في محتويات المخطوطة.
ومما تجدر الإشارة إليه أن الرسائل التي أوردها المؤرخ قد أعطت هذه المخطوطة أهمية كبيرة، فقد أورد الكثير من الرسائل بنصوصها، وكانت هذه الرسائل بين المتنافسين على الإمامة من جانب، أو بينهم وبين يحيى بن الحسين من جانب آخر، وغيرها من الرسائل، ولا تكمن أهمية المخطوطة في أنه أورد الرسائل فحسب، لكنه في معظم الأحيان كان يخضع هذه الرسائل للنقد والتحليل والتفسير، ولعل أبرز مثال على ذلك الرسالة التي أوردها من القاسم بن المؤيد إلى محمد بن المتوكل، وكذلك الرسالة التي أجاب بها أحمد بن الحسن على القاسم بن المؤيد. نجد أن المؤرخ بعد ذلك يشرح ويفند أوجه القوة والضعف في كلا الرسالتين. ولم ترد تلك الرسائل في المخطوطات المعاصرة أو اللاحقة. وتوضح هذه الرسائل سلبيات الحكم حينذاك، وبالتالي يطرح المؤلف الإيجابيات المطلوبة فيمن يدعي الإمامة من خلال إجابته على تلك الرسائل.
ومما زاد من أهمية كتاب "بهجة الزمن" أن مؤرخه إلى جانب كونه عالماً فهو أيضاً مثقف مطلع على كثير من الكتب والمؤلفات، سواءً في الشعر أو الأدب أو التراجم أو الطبقات أو كتب الفلك. فنجده مثلاً يعترض على الجور الذي كان يقع على الأهالي من الولاة، ويورد الأدلة على عدم جواز ذلك، معتمداً على أقوال بعض العلماء، الذين ذكرهم "القضاعي" في كتابه "منهج السلوك".
هذا إلى جانب أن كتابه يحوي الكثير من المؤلفات في العلوم الدينية والأدب والشعر، ويتكلم عنها تكلم المطلع والمتفحص لهذه المؤلفات، ويشرح ويحلل ما بها من معلومات، ويناقش ذلك بعلم ودراية.

وكان عالماً مطلعاً على المذاهب الإسلامية الأخرى، فلم يكن محصوراً في مذهب واحد، فنجده يقول عند حديثه عن كتابه "الاقتباس": "واستوفيت الكلام في أصول الدين، ونقل أقوال العلماء من أهل السنة، وأقوال السلف، وأقوال المعتزلة والأشعرية والحنفية والمالكية والحنابلة".
ولا نستطيع أن ننكر بأن المؤرخ هو ابن عصره، وأنه لا بد أن يتأثر بما كان سائداً في ذلك العصر، فهو يذكر بعض الأحداث التي قد تكون غير واقعية، وكأنها مُسَلَّمات واقعية فنجده مثلاً يذكر الكثير من أخبار الجن، وما كان يحدث بينهم وبين معاصريه من أحداث قد لا يتقبلها العقل في وقتنا الحاضر، أو نجده أحياناً يذكر بعض الأساطير وكأنها حقائق، لكنه يستخلص منها العظة والاعتبار، غير أن ذلك لا يقلل من أهمية الكتاب بأي حال من الأحوال، كما سبق أن رأينا.

رابعاً-محتويات المخطوطة
سبق التنويه إلى أن يحيى بن الحسين كان يتمتع بثقافة عالية، وكان واسع الاطلاع في مختلف العلوم المتداولة في عصره، وهذا ما اتضح من مؤلفاته المتعددة المواضيع، ومنها كتابه "بهجة الزمن" بأجزائه الثلاثة، فهو يعد موسوعة سجل فيها كل ما شاهد أو سمع أوقرأ من أحداث سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية وعلمية، وظواهر طبيعية وفلكية. ولا يخلو الكتاب من بعض الأساطير-وإن كانت قليلة-كما أنه أظهر مهارة في فن التراجم، فالمصدر شامل، وغيره من المؤرخين اللاحقين أخذوا عنه، بل واختصروا ما أخذوه فهو لم يتابع خطاً تاريخياً واحداً يمكن أن نتابعه، بل رسم إطاراً واسعاً عن عصره، فاحتوى كتابه على الكثير من المعلومات، سواءً في الجانب السياسي أو الجوانب الأخرى.

26 / 94
ع
En
A+
A-