4- علي بن أحمد بن القاسم كان قد اجتمع مع القاسم بن المؤيد والحسين بن الحسن، وأجمع رأيهم على مبايعة الناصر، وأنه الأصلح، وكان علي بن أحمد قد وضع شروطاً على الناصر، غير أنه بعد ذلك دعا إلى نفسه بالإمامة. وأرسل الرسائل إلى قضاة صنعاء وعلمائها بأن يجيبوه في دعوته، وأنه عازم على الخروج من صعدة إلى مناطق نفوذ محمد بن أحمد بن الحسن، الذي ليس بأهل للإمامة.
أما الذين دعوا إلى أنفسهم من خارج بيت القاسم فهم:
1- الحسين بن عبد القادر في كوكبان، وتلقب بالمتوكل، وعلى حد تعبير يحيى بن الحسين: "فأجابه أصحابه وخالفه سائر الناس" .
2- السيد علي بن الحسين الشامي الخولاني، الذي رأى أنه لا يصلح أحد من آل القاسم للإمامة، وأنه كامل الشروط لتوليها، وأرسل الرسائل يطلب مبايعته بالإمامة، فأجابه السادة بنو الشامي وبعض أصحابه، ورفضت مبايعته جميع القبائل.
3- السيد عبد الله بن علي بن خالد، ظهر في بلاد الشرف بالغرب، تحت شهارة، ولم يجبه أحد، وكان والده متولياً لبلاد عفار.
وقد عبر أبو طالب عن كثرة من دعا إلى نفسه بالإمامة بقوله: "واختلف آل الإمام فرقاً وعلا بعضهم من بعض خوفاً وفرقاً، وطمع الكل في الزعامة" .
أما القاسم بن الإمام المؤيد، والذي دعا لنفسه عقب وفاة الإمام المتوكل إسماعيل وعقب وفاة الإمام المهدي أحمد بن الحسن فإنه هذه المرة حتى وإن رغب في إعلان إمامته فقد رأى أنه من الصعب نجاحه في ذلك لسبب هام ذكره المؤرخ يحيى بن الحسين، وهو أن بلاد اليمن أجمع قد استكمل فيها التقسيم والتغلب في بعضها من أولاد المتوكل، ومن أولاد أحمد بن الحسن، وأولاد محمد بن الحسن، وأولاد أحمد بن القاسم وغيرهم.
ويرى يحيى بن الحسين بأن السبب في انحطاط الإمامة والدخول فيها بغير كمال شروطها هو أحمد بن الحسن، وأن الحاضرين من السادة والفقهاء ومحمد بن المتوكل قد سهلوا له ذلك، فدخلها ورغب فيها، وإلا فإن كتابه إليهم إنما هو بالوصول للتدوال فيمن يصلح لها، فلما حضروا مجلسه فتحوا له الباب إلى ذلك، فسن للمتأخرين هذه الدعاوى العريضة الطويلة في درجة الإمامة، وربما لفق البعض من الجهال إمامة المقلد، وهو خلاف الإجماع، على أن إمامة المقلد لمن يعرف بمسائل الفقه لمن قلده "فكيف فيمن عرى من هذا وهذا" . غير أن الأحداث أثبتت خلاف ما ذكره يحيى بن الحسين، فقد استخدم أحمد بن الحسن كل ما يستطيع من قوة للوصول إلى الإمامة. وكان مخططاً لذلك، كما سبق أن رأينا.
ومهما أُثير من جدل حول شروط الإمامة، ومن يصلح لها فإن محمد بن أحمد بن الحسن صاحب المنصورة قد دعا إلى نفسه بالإمامة عصر يوم الأحد منتصف شهر جمادى الآخرة سنة (1097ه/ 8 مايو1686م) وبدأ بمراسلة عمه الحسين بن الحسن والقاسم بن المؤيد وعلي بن أحمد الذين أجابوا دعوته، ولكن لم يلبث علي بن أحمد أن عارضه وأعلن إمامته، كما سبق أن ذكرنا. وأرسل صاحب المنصورة برسالة إلى الحسين بن المتوكل في صنعاء ومعها أموالاً قدرها سبعة آلاف، دعاه فيها إلى إجابته.
وكان صاحب المنصورة قد أرسل رسالة إلى ابن عم والده المؤرخ يحيى بن الحسين بن القاسم يبرر له سبب إعلان إمامته، وأنه تلقب بالناصر، وأنه قد أجابه قضاة تعز والقضاة بحضرته وأهل بلاده، فأجابه برسالة أوردها في كتابه (بهجة الزمن) ذكر له فيها أنه لا بد من جمع كلمة المسلمين وعدم التفرق، اتقاء لإثارة الفتنة "وإذا قد اجتمعتم على كلام واحد فسائر الناس أجمع أتباع، ولا يخشى منهم ضرر ولا نزاع" .
ولم يكن صاحب المنصورة الوحيد الذي بعث برسالة إلى يحيى بن الحسين يستشيره في إعلان إمامته، بل كل من أعلن إمامته من آل القاسم كاتبوه، وهم يوسف بن المتوكل وعلي بن أحمد والحسين بن محمد بن أحمد بن القاسم. وكل واحد منهم كان يحاول إقناعه بأنه الأولى بالإمامة، ويذكر له مبررات دعوته، بينما كان يرى بأنه لا تتوفر الشروط في أي منهم، خاصة الاجتهاد والعلم. وأنه لا بد من اجتماع الكلمة والاتفاق على واحد يجمع كلمة المسلمين اتقاءً للفتنة، ويكون محتسباً أو ملكاً، وليس لأحد منهم أن يدعي أنه إمام كامل الشروط. وإذا لم يتفقوا على واحد منهم فليس أمامهم إلا أن يتوقفوا جميعاً عن ادعاء الإمامة، ويبقى كل واحد منهم أميراً أو محتسباً في ولايته وما يتبعها من المناطق التي قد ولاَّها المتقدمون. وكان يرى بأن القاسم بن المؤيد أكثر آل القاسم علماً، وبأنه الأصلح للإمامة بعد المؤيد، ولم يكن يحيى بن الحسين الوحيد الذي رأى أن القاسم بن المؤيد هو الأكثر علماً وفضلاً، وبالتالي هو الأصلح للإمامة-على الرغم من أنه لم يتدخل في شيء سواء الإجابة على الرسائل-فكان الحسين بن المتوكل وأحمد بن المؤيد قد جمعوا القضاة والسادة العلماء في آخر يوم شهر جمادى الآخرة (1097ه/ آخر مايو1686م)، ورأوا أن الأولى قيام القاسم بن المؤيد، وأمروا الحاضرين بكتابة شهادتهم فكتبوها. وشاع أنهم قد بايعوا القاسم. ولم يدركوا أن صاحب المنصورة كان أكثر الدعاة قوة ونفوذاً وأموالاً، وان القاسم بن المؤيد لو أعلن إمامته وأصر عليها سيتكرر ما حدث بينه وبين والد صاحب المنصورة الإمام المهدي، لذلك كان أكثر إدراكاً للأوضاع، فرفض إعلان إمامته.
ومما لا شك فيه أن القاسم بن المؤيد كان محقاً في عدم دخوله حلبة النزاع هذه المرة، فإن محمد بن أحمد بن الحسن كان قد استولى على معظم مناطق اليمن الأسفل. وأصبح حسين بن علي بن الإمام المتوكل محصوراً في إب، ويخشى من قوة صاحب المنصورة، الذي كان قد بلغه بأنه بدأ يعد العدة للتوجه إلى إبّ وجبلة، ومن ثم إلى مناطق اليمن الأعلى الواحدة تلو الأخرى.
وفي خلال اجتماع هؤلاء لإقناع القاسم بأنه الأصلح للإمامة وصل إليهم كتاب من حسين بن علي بن المتوكل من إبّ يطلب من عمه الحسين بن المتوكل النجدة، وأنه قد أصبح محاصراً في إبّ، ولم يبق بينه وبين إسحاق بن المهدي أحمد بن الحسن إلا مقدار ساعة "فالغارة الغاة، والبدار البدار". فأرسل الحسين بن المتوكل رسالة إلى محمد بن أحمد بن الحسن من السادة والقضاة والأعيان تتضمن النصيحة في جمع الكلمة وترك الفرقة، وأن الحرب فيها مشقة على المسلمين. ويطلبون منه ترك التوجه إلى البلاد العليا.
ومن الطبيعي أن يرفض صاحب المنصورة ذلك؛ لأنه كان يرى أنه لا بد أن يؤمن نفسه من مراكز القوى الأخرى، وأن المنصورة لم تعد صالحة كعاصمة لإمامته-كما سنرى-لذلك بدأ يعد العدة ويؤمن المنصورة قبل الدخول في أي حرب مع أبناء القاسم، فنقل مشائخ الحجرية، الذين كانوا سُجناء لديه إلى حصن الدملوة خوفاً من أن يثيروا قبائل الحجرية ضده، كما حاول استمالة بعض المشائخ الآخرين مثل الشيخ ابن مغلس صهره، وهو من كبار مشائخ الحجرية.
أما الحسين بن علي بن المتوكل فقد خشي من تلك الاستعدادات وما نوى عليه صاحب المنصورة من التوجه إلى المناطق العليا، فأرسل إليه السيد قاسم بن لقمان لمحاولة الصلح، فكان جوابه أن يبقي لحسين إب وجبلة وما حولهما. أما تعز فإنه لن يتنازل عنها، فرفض الحسين هذا العرض واستعد للحرب، وأصدر صاحب المنصورة أوامره إلى إخوته إبراهيم وإسحاق ببدء الحرب.
وبدأت الحرب بين الطرفين في 13 رجب سنة (1097ه/ 4يونيو1686م) في منطقة "ميتم" قرب جبلة، وتتابعت النجدات من الجانبين. ولن ندخل في تفاصيل تلك الحرب، ولكن هُزم أتباع الحسين بن علي، وعادوا إلى إب وجبلة وتفرقوا إلى كل جهة. حينئذٍ خطب محسن بن المهدي بالغراس لأخيه صاحب المنصورة في 23 رجب عام (1097ه/ 14 يونيو 1686م) . ودخل أتباع الناصر وادي جبلة، ونهبوها. وكان الحسين بن علي بن المتوكل حينذاك في جبلة، فلما رأى هزيمة أتباعه، وما وصل إليه صاحب المنصورة من قوة لا يستطيع مقاومتها لم يكن أمامه إلا أن بايعه بالإمامة، حتى يتقي شره. ودخلت جميع مناطق ولايته تحت طاعة صاحب المنصورة.
وإزاء تلك التطورات لا بد أن نتساءل ما موقف باقي مراكز القوى من ذلك؟ وهل سيبايعون صاحب المنصورة أم لا؟
مما لا شك فيه أن خبر وصول قوات الناصر محمد بن أحمد بن الحسن إلى جبلة وإعلان الحسين بن علي مبايعته له سيكون له أثر كبير لدى بقية مراكز القوى، والذين رأوا أنه لا قدرة لهم لمواجهته وقواته، خاصة أن الأوضاع الاقتصادية في هذه الفترة والتي قبلها كانت متدهورة، والأسعار مرتفعة. وزاد من سوء الأوضاع الحرب التي حدثت بين قوات الناصر وقوات الحسين بن علي بن المتوكل، فُقطعت الطرق إلى إب وجبلة، وحدث الانتهاب والتقطع للتجار والمسافرين.
وكان أول من بايع الناصر بعد الحسين بن علي هو عمه الحسين بن المتوكل بعد أن رأى أنه لا قدرة له لمواجهة الناصر، كذلك يحيى بن محمد بن الحسين صاحب بلاد السبتان، فأرسلا إليه رسولاً يحمل المبايعة له بالإمامة في 3 شعبان (1097ه/ 24 يونيو 1686م). أما الرابع من المبايعين فهو القاسم بن المتوكل صاحب ثلا. وبايعه بالإمامة كذلك عمه الحسين بن الحسن صاحب رداع. أما ذمار فقد أعلنت الطاعة وبايعته، وعين الناصر فيها إسماعيل بن عبد الله بن القاسم.
أما صاحب عمران الحسين بن محمد بن أحمد بن القاسم الذي كان قد ادعى الإمامة وتلقب بالمتوكل، كما سبق أن ذكرنا، وراسل الكثير من الجهات، وفتح داراً لضرب العملة لديه، لمَّا بلغه حادث جبلة أغلق دار الضرب، ورجع عما كان قد دعا إليه. وكذلك صاحب كوكبان الذي كان قد أعلن إمامته تراجع وأعلن مبايعته للناصر.
أما القاسم بن المؤيد وأحمد بن المؤيد فعند ما علما بما حدث في جبلة تأكد لهما أنه لا جدوى من المكاتبة لبقية آل القاسم لاجتماع الكلمة وعدم اللجوء إلى الحرب والاقتتال، فعاد أحمد إلى بلاده وادعة وجهاتها والقاسم عاد إلى شهارة. وأما الحسن بن المتوكل صاحب اللحية فقد اتجه منها إلى ضوران بجميع خزائنه، ولما علم بقرب جنود صاحب المنصورة إلى ذمار سلم للناصر وأرسل لمبايعته.
ولم يبق من معارض للناصر إلا يوسف بن المتوكل صاحب ضوران، الذي أعلن إمامته قبل الناصر، بوصية من أخيه الإمام المؤيد، كما سبق أن ذكرنا. وقد تلقى مكاتبات من إسحاق بن المهدي يطلب منه تسليم الأمر إلى أخيه محمد، ويتوعده إن لم يدخل في ذلك، فبقي يوسف حائراً في ذلك الأمر، خاصة أنه كان يعلم بأنه لن يستطيع مواجهة الناصر بمفرده، فاضطر في 7 رمضان (1097ه/ 27 يوليو 1686م) أن يعلن مبايعته للناصر بعد أن كان متشدداً في رسائله، وبأنه يجب على الجميع الإنكار على دولة محمد بن أحمد بن الحسن، وكان يذكر في رسائله تلك تفوقه في العلم.
وفي يوم الجمعة 15 شوال (1097ه/ 3 سبتمبر 1686م) خطب القاسم بن المؤيد بشهارة لمحمد بن أحمد بن الحسن. ويرى البعض أن سبب موالاة القاسم للناصر هو ما بذله له من المناطق الشمالية التي كانت تابعة لحسين بن محمد بن أحمد بن القاسم، وكذلك بلاد عفَّار، وجعل له ربع المخا.
وبذلك يكون جميع من ادعى الإمامة قد سلَّم الأمر لصاحب المنصورة. "وخلعوا أنفسهم اضطراراً من غير قتال خشية من الوقوع فيما وقع لصاحب جبلة" .
ولكن ما سبب تسليم تلك القوى للناصر بهذه السهولة؟ على الرغم من أنهم كانوا مجمعين على عدم مبايعته أو التنازل له عن الإمامة؟
لعل من أهم الأسباب أن مراكز القوى التي كانت رافضة إمامة الناصر، لم تُجمع على مبايعة شخص آخر من آل القاسم، بل كان بعضهم يريد الإمامة لنفسه، والآخرون مؤيدون لهذا أو ذاك ونتيجة لذلك فقد تركت الحسين بن علي بن المتوكل يواجه قوات صاحب المنصورة بمفرده، مما زاد من نفوذه وهزيمة الأول. ومما جعل الكثير منهم يعلنون ولاءهم للناصر خوفاً ورهبة، وإن كان الحسين بن المتوكل قد أرسل قوة لنجدة ابن أخيه الحسين بن علي فإنها غير كافية. وعلى حد تعبير المؤرخ يحيى بن الحسين، حيث يقول: "فإن صاحب المنصورة سهل عليه أمرهم والتقط الأول فالأول منهم، وهلم جرا، وضعفت شوكتهم، وإلا فلو كانوا جميعاً يداً واحدة ما كان يقدر عليهم" .
أما السبب الآخر فهو أن مناطق نفوذ الناصر كانت خصبة وغنية، كما تمكن بعد وفاة الإمام المؤيد أن يضم تعز والمخا إلى مناطق نفوذه. أما بقية مراكز القوى في اليمن الأعلى فكانت تعاني من سوء الأوضاع الاقتصادية، وغلاء الأسعار، بسبب الجفاف وعدم سقوط الأمطار، بالإضافة إلى التقطع في الطرقات مما أدى إلى ركود الحركة التجارية في اليمن الأعلى. وتمكن الناصر لذلك من أن يكسب الكثير من القبائل والأنصار إلى جانبه؛ لأنه كان يبذل لهم الكثير من الأموال. وقد عبر يحيى بن الحسين عن واقع الحال بقوله: "إن صاحب المنصورة وإن كان واحداً، لكنه قد اجتحف بلاد اليمن الأسفل والبنادر، فليس حسين بن علي وحده بكفؤ له، وإنما كفؤه جميع اليمن الأعلى" .
وعلى كل حال فإن الناصر قد أرسل أخاه إبراهيم إلى ذمار، وكذلك أرسل أخاه الثاني إسحاق إلى يريم، فاستقروا فيها، وتصرفوا في ولايتها. ولم يبق لإسماعيل بن عبد الله الذي كان قد ولاَّه ذمار أي تصرف فيها. وأصبحت إب وجبلة ومناطق ولاية الحسين بن علي الأخرى تحت تصرف الناصر، وخرج الأول منها متجهاً إلى صنعاء، واستقرت الدولة لمحمد بن أحمد بن الحسن. وعين على إبّ وجبلة عُمَّالاً من قبله، ليسيطر عليها مباشرة، كما عين على العدين السيد حسن بن محمد بن أحمد بن الإمام الحسن المؤيدي.
غير أن الأوضاع لم تستقر للناصر كثيراً، إذ سرعان ما أعلنت بعض مراكز القوى من آل القاسم معارضتها له، كان أولها يوسف بن المتوكل، الذي أعلن في بداية عام (1098ه/ أواخر نوفمبر 1686م) أنه يريد التراجع عن مبايعته للناصر، ثم انضم إليه الكثير من آل القاسم، منهم أبناء الناصر وإخوته، وكونوا هذه المرة معسكراً واحداً لمواجهته، وإرغامه على التنازل عن الإمامة. فما سبب ذلك التكتل والاتفاق على الوقوف في وجه الناصر؟ بعد أن بايعه جميعهم بالإمامة، معلنين الولاء والطاعة.
مما لا شك فيه أن كثيراً من مراكز القوى كانت قد بايعت الناصر مضطرة إلى ذلك، خوفاً من بطشه وقوته. وبسبب تفرقهم وعدم الاجتماع والاتفاق على مواجهته، رأوا أنهم لا قدرة لهم على معارضته، فكانت مبايعتهم له على مضض، ومنتظرين الفرصة المواتية التي تجعلهم يعارضونه ويرفضون إمامته.
وكان يوسف بن المتوكل قد أوضح لآل القاسم أن مشائخ يافع قد كتبوا إليه يشكون الناصر، الذي يريد محاربتهم بدون وجه حق، حيث إنهم مطيعون، ومسلمون ما عليهم من واجبات للدولة، فلم يقبل الناصر ذلك منهم، واستنكر يوسف على الناصر تناقضه وعدم الاتزان في تسيير أمور الدولة، وأنه لا يوجد مبرر لحرب يافع. وقد أجاب الناصر على يافع بأنه لا يقبل منهم إلا من وصل مبايعاً إلى بين يديه.
أما علي بن أحمد بن القاسم فقد أعلن أنه رافض إمامة الناصر بعد أن بايعه، ودعا إلى نفسه بالإمامة، وكتب إلى القاسم بن المؤيد صاحب شهارة أن سبب ذلك اضطراب أمور الناصر وتناقض أعماله.
وكان هناك أسباب أدت إلى نفور عبد الله بن الناصر من أبيه ولجوئه إلى يوسف بن المتوكل ومبايعته، لعل أهمها أن عبد الله بن الناصر كان له الفضل في الاستيلاء على إب وجبلة، وكما عبر أبو طالب عن ذلك بقوله: "واستولى على الجهات، وخفقت بالنصر له الرايات" . بينما والده الناصر عين عليها ابنه إسماعيل بدلاً من عبد الله، الذي كان متوقعاً أن تكون له الولاية هناك، فأظهر الندم على ما قام به في إب وجبلة، وكاتب يوسف وبايعه بالإمامة.
أما السبب الآخر فكان عبد الله بن الناصر في قعطبة متولياً لها من قبل، فكتب إلى والده الإمام أنه بحاجة إلى الأموال، لينفق على من لديه من الجند والقادة، وأن بعضهم قد هرب من لديه، بسبب عدم مقدرته إعطائهم حقوقهم، فلما وصل الرسول إليه تهدد ابنه وغضب منه وأنه هذه المرة سيرسل له ما يريد، لكن لا بد من مؤاخذته وعقابه. فلما بلغ ابنه عبد الله ذلك رأى أن والده سيكلفه ما لا يطيقه. وكيف وهو يريد استفتاح جبال يافع، فما مراده إلا إلقاؤهم إلى التهلكة مع عدم الرعاية والوفاء.
أما إخوة الناصر إبراهيم ومحسن وإسحاق فقد أدركوا أن شخصية أخوهم شخصية متقلبة، ولا يقف على رأي واحد. وكانوا يرون أن معظم أوامره كانت مخالفة لما يعتادونه من قبل، لذلك كانوا يخالفون أوامره.
وعلى كلٍ فإن شخصية الناصر كانت من أسباب تمرد ابنه وبعض إخوته وأبناء المتوكل عليه، من ذلك على سبيل المثال: اضطراب أوامره وتناقضها، فلم يأمر أمراً من الأمور إلا ونقضه من عزل أو تولية، وكان سريع الغضب على الرؤساء والسادة، والتهديد والوعيد المتكرر على أشياء غير موجبة لذلك، وكان يأمر بحبس بعضهم، ويضع القيود، ويعاقبهم بشدة لأتفه الأسباب "فنفرت نفوس كثير من الأعيان والرؤساء والقادات الكبار من المشائخ النقباء والعقال، ولم يصبر على حاله إلا القليل لما يبذله من المال والبرطيل، وهم على حذر منه في الأفاعيل، لكن غلبهم حب المال" .
ونتيجة لكل ما سبق، وبعد أن أعاد يوسف بن المتوكل إعلان إمامته كاتبه عبد الله بن الناصر، وكذلك إسحاق بن أحمد بن الحسن وإبراهيم بن أحمد بن الحسن وعبد الله بن يحيى بن محمد بن الحسن والحسين بن علي بن المتوكل، وكذلك يحيى بن محمد بن الحسين، كما بايعه أخوه الحسين بن المتوكل، وانتقل عبد الله بن الناصر من قعطبة إلى إبّ، واجمعوا على خلع الناصر ومبايعة يوسف بن المتوكل، وخطبوا له في صنعاء وذمار وضوران وإبّ، كما وصلت إليه كتب من مشائخ يافع مبايعة له بالإمامة بدلاً من الناصر، وبايعه أيضاً الحسين بن الحسن صاحب رداع، وأصبحت معظم البلاد إلى تعز مبايعة ليوسف.
وفي 8 ربيع الأول (1098ه/، 21يناير 1687م) دخل أتباع يوسف بن المتوكل مدينة تعز، واستولوا عليها، وكان واليها من قبل الناصر الشيخ ابن راجح الآنسي، فدخلها أتباع يوسف بدون قتال، ولا انتهاب، وهرب إسماعيل بن الناصر منها إلى الدمنة.