وكان نجاح ابن العفيف في التخلص من ولاة الدولة القاسمية وسيطرتها عليهم حافزاً لبقية يافع والمناطق الأخرى المجاورة للاستقلال وطرد الولاة، فثارت جميع البلاد اليافعية وما خلفها من نجد السلف إلى أقصى حضرموت. وعقب ذلك تمرد بلاد الرصاص، وقاموا بنهب المنازل التي في البيضاء، بما في ذلك المنزل الخاص بالحسين بن الحسن، بينما الأخير لا يزال مستمراً في المكاتبة للمؤيد يطلب منه النجدة والمساعدة لاستعادة المناطق المتمردة، بعد أن تعذر عليه ذلك وخرجت عن سيطرته، وشرح الحروب التي دارت بينه وبينهم، وأنه قد أصبح محاصراً، فاضطر الإمام المؤيد أن يرسل إليه أخاه الحسين بن المتوكل في نصف شهر شوال سنة (1092ه‍/ أواخر أكتوبر 1681م).
كما أمر عسكر الحيمة بالتوجه إليه لمساعدته وأمر أيضاً بعض قادته بالتوجه إلى رداع من أجل ذلك.
غير أن الإمام المؤيد في هذه الفترة لم يتمكن من أخذ قرار حاسم لتوجيه الجيوش أو إصدار الأوامر للولاة بإعداد جيوشهم لأسباب سنذكرها لاحقاً، لذلك فإن النجدات البسيطة التي كان يرسلها المؤيد إلى الحسين لم تجد نفعاً، حتى إن الحسين عندما أيقن بعدم مقدرته على محاربة ابن العفيف بعد معركة خاسرة معهم اضطر أن يخاطبهم بالسماح له بالخروج، وطلب الأمان، فأعطاه ابن العفيف الأمان، وخرج الحسين ليلاً خوفاً من قبائل الرصاص متجهاً إلى مقر ولايته رداع. "وفرغت جميع البلاد المشرقية لأهلها، وزالت دولته عنها" .
ولما رأت القبائل المجاروة ما حدث للدولة القاسمية في يافع والبيضاء من هزائم متكررة، وأنها لم تعد بتلك القوة والسطوة التي كانت عليها في عهد الإمام المتوكل والإمام المهدي أحمد بن الحسن تجرأت على نهب بعض المناطق التابعة للدولة، ليس ذلك فحسب، بل إن زعماء بعض تلك المناطق أصروا على عدم إرسال أي مطالب للدولة القاسمية، وأنهم لم يعودوا ملزمين بدفع شيء من ذلك.

فنجد في شهر الحجة من عام (1092ه‍/1681م) أن الرصَّاص الذي كان قد وصل إليه كتاب من الإمام المؤيد يطلب منه الطاعة وترك الخلاف، أجاب عليه بأن "حسين بن الحسن قد خرج من بلاد يافع ومن بلادنا، ولم نتعرضه في طريقه، بل خرج محملاً، ومن الآن ما بقي إلى بلادنا سبيل في مطلبة ولا زكاة ولا شيء مما كان، فلا يصل إلينا أحد، ومن وصل دافعناه وأخرجناه؛ لأنه صار يحصل من الولاة الجور في البلاد. وأما إذا مطلبكم الخطبة فعلناها لكم، وأن الولاية لنا في بلادنا"، فاضطر المؤيد إلى محاولة مدارات الرصاص بالطرق السلمية، وأرسل إليه من ضوران الشيخ جعفر بن علي للإصلاح.
وقد تضافرت أسباب عدة أدت في نهاية الأمر إلى خروج الكثير من المناطق الشرقية والجنوبية عن سيطرة الدولة القاسمية، لعل أهمها:
1- شدة الوطأة والجور من الولاة الذين كانوا يديرون هذه المناطق، خاصة في يافع، وكان الجور الواقع عليهم منذ الفترة السابقة للمؤيد، وأنهم قد عانوا من الحسين بن الحسن وعماله الكثير من الظلم والجور، وأنهم قد شكوا ذلك إلى الإمام المهدي أحمد بن الحسن، وليس أدل على ذلك ما أجابت به يافع على الرسول الذي أرسله الإمام المؤيد إليها في نهاية عام (1093ه‍/ نهاية عام1682م) بأنها مستعدة لتسليم ما عليها من واجبات بشرط أن لا يتولاهم الحسين بن الحسن، وأن بلادهم لهم. كما وصل كتاب من ابن العفيف سنة (1094ه‍/1683م) بعد هزيمة جيش الدولة القاسمية هناك، كان أهم ما جاء فيه: "إنا لو عرفنا منكم من الإنصاف ما حاربنا ولا جرى منا شيء، وأنتم قبلتنا. والقصد إنا مطيعون لله ولكم، مُسَلِّمون الحقوق الواجبة إلى من رأيتم غير سيدي الحسين بن الحسن، خاطبين لكم. ونحن مُسْلِمون ما يجوز لكم محاربتنا" .

2- ما تعرضت له الدولة القاسمية من خلل، نتيجة لعدم الاتفاق بين الإمام المؤيد وبعض معارضيه في الإمامة من آل القاسم، فعمت الفوضى والاضطرابات، وما زاد من تلك الفوضى عدم وصول المؤيد إلى اتفاق مع صاحب المنصورة محمد بن المهدي، الذي كان يعد من أهم مراكز القوى حينذاك، وكان قد قويت شوكته، كما سبق أن رأينا، وبالتالي كان ذلك سبباً في ضعف موقف الإمام المؤيد، وتراجع هيبته أمام القبائل المختلفة، وقد أشار يحيى بن الحسين إلى ذلك بعبارة هامة، حيث قال: "ما دام المؤيد وصاحب المنصورة غير مجتمعين في رأي ولا متفقين في أفعالهم وأقوالهم فلا يكاد يتم للمؤيد أمر في هذه القبائل المخالفة؛ لأنهم صاروا يتقوون بذلك" .
3- لم نعد نرى في فترة الإمام المؤيد ذلك التعاون والتآزر الذي كان سائداً أيام الإمام المتوكل إسماعيل، فكان الجميع ملتفاً حول الإمام، أما الآن في هذه الفترة فكان كل واحد من مراكز القوى لا هم له إلا تقوية نفسه في مناطق ولايته، كما ظهر الخلاف فيما بينهم فنجد مثلاً حدث خلاف بين الحسين بن الحسن وابن أخيه صاحب المنصورة، حتى قيل إن الأخير هو المحرض الأول ليافع لتثور ضد عمه الحسين، وكان عوناً لها، كما أرسل الرسائل إلى الإمام المؤيد يذكر له فيها صلاح المشرق، وأنهم مُسلِّمون الواجبات، ويخطبون الخطبة، ولا يجري منهم تعرض لطريق أو غير ذلك، وإنما شرطهم الوحيد أن يُعزل الحسين بن الحسن عن ولاية بلادهم، كما نشب خلاف أيضاً بين علي بن المتوكل وصاحب المنصورة محمد بن المهدي، واستمر طويلاً، ومن البديهي أن مراكز القوى هذه لن تجتمع وتتفق على هدف واحد والخلافات مستمرة بينها، وقد عبر يحيى بن الحسين عن ذلك بقوله: "فتثاقلت الغواير، وقلوبهم مختلفة، الرؤساء يقولون: وما لهم من مصلحة في هذه الحركة، فإن تلك البلاد لحسين بن حسن، ونفعها وضررها له".

4- ضعف شخصية الإمام المؤيد، وقلة ما في يده من المال، لذلك لم يتمكن من إلزام مراكز القوى بتنفيذ ما كان يأمر به، واستولت على عائدات مناطق ولاياتها ولم تعد ترسل له ما يجب عليها إرساله من الأموال، حتى أن خزائنه خلت من الأموال. ومع أن الإمام المؤيد لم يكن يرض بجور الولاة وشدة وطأتهم، إلا أنه لم يكن له أثر في ولاته أصلاً، ولم يهتموا بأوامره، أو يحاولوا تنفيذ بعضها.
وعلى الرغم من تلك العوائق لاستعادة هيبة الدولة على المناطق المتمردة فإن الإمام المؤيد رأى أن خروج يافع وتمردها كان سبباً أو مبرراً لتمرد الكثير من المناطق الأخرى، وخروجها عن سيطرتها، لذلك فلا بد من إخضاع يافع بالقوة لتكون عبرة لغيرها، فكتب إلى إخوته وأبناء عمومته بالاستعداد للخروج إلى يافع، فكان جواب معظمهم أنه لا ينبغي الاستعجال؛ لأن ذلك يحتاج إلى الكثير من الجنود والأموال والسلاح، لكنه أصر على ذلك، وأقنعهم بضرورة الخروج لمحاربة يافع، فبدأ الولاة من آل القاسم بالاستعداد، وكان الإمام المؤيد قد أعد ما لديه من جند في قاع بكيل، والحسين بن المهدي أحمد بن الحسن استعد خارج الغراس، والحسين بن محمد بن أحمد بن القاسم خارج عمران، والحسين بن الحسن في رداع، وعلي بن المتوكل باليمن الأسفل، والحسين بن المتوكل اتجه بجنوده إلى الزهراء، وكذلك أحمد بن محمد بن الحسين بن القاسم، وصاحب كوكبان الحسين بن عبد القادر.

ومن البديهي أن يكون المستفيد الأول من هذه الجموع هو الحسين بن الحسن بن القاسم، الذي كان قد اتجه إلى ضوران ليحرض الإمام المؤيد بسرعة الإعداد لهذه الحملة، واضطر الجميع إلى المشاركة في هذه الحملة عدا صاحب المنصورة محمد بن المهدي أحمد بن الحسن، الذي لم يرسل جنوداً ولا أموالاً ولا أسلحة. وقد برر عدم مشاركته في حرب يافع تبريراً واهياً، عندما أرسل إليه رسالة يعاتبه لعدم مشاركته في ذلك، فأجاب بأنه لم يؤمر بذلك، ولا وصل إليه كتاب بالسير إلى هنالك. واقترح على المؤيد بأن استعادة المشرق سيكون سهلاً عليه إذا جعله المؤيد تابعاً لولايته بدلاً عن عمه الحسين بن الحسن، فوافق المؤيد على ذلك، ولكن بشرط وصول ابن صاحب المنصورة إليه، ويكون التوجه إلى يافع من عنده، غير أنه لم يتم شيء من ذلك بسبب انشغال صاحب المنصورة بتمرد قبائل الحجرية ومحاصرتهم له.
ومهما يكن الأمر فقد اجتمعت في ضوران لدى الإمام قدر اثني عشر ألفاً من الجنود والقادة، وحثهم الإمام على الجهاد، وما صدر من أهل المشرق من الخلاف، ومنع الحقوق الواجبة، وأسند قيادة الجيش إلى الحسين بن أحمد بن الحسن، الذي تقدم إلى رداع، ثم إلى الزهراء، وكتب إلى يافع، يطلب منهم إعلان الطاعة للإمام والدولة، فأجابوا بأنهم مصرون على الحرب، وانضم إليهم قبائل المناطق المجاورة، فاجتمعت يافع جميعاً، وبلاد ابن شعفل، والحواشب، وأكثر بلاد الرصاص، والحميقاني، وبلاد دثينة، حتى كانوا أكثر من عشرين ألف. واستعدت جميعها لمواجهة جيش الدولة القاسمية في جبل (العر)، وهو من الجبال المنيعة في يافع.

وتقدم الحسين بن أحمد بن الحسن إلى العر في ربيع الأول سنة (1094ه‍/ مارس1683م) وحدثت معركة حاسمة، لن ندخل في تفاصيلها، هُزم فيها جيش الدولة القاسمية، وتكبد الكثير من الخسائر، وكان من بين القتلى أحمد بن محمد بن الحسين بن القاسم، ولم يسعهم في آخر الأمر إلا أن يخوضوا في الصلح مع ابن العفيف، الذي وافق على أن يعودوا بلادهم، بشرط ترك أسلحتهم، فاقترح عليه الحسين بن المهدي أحمد بن الحسن أن يسلموا عوضاً عنها أموالاً، وسلم له أربعة عشر ألفاً، فأعطاهم ابن العفيف الأمان.
وكان للهزيمة التي منيت بها قوات الدولة القاسمية في يافع أثر في تغير الأوضاع، وقلب الموازين، حيث أصبحت الدولة القاسمية تخشى مواجهة تلك القبائل خوفاً من الهزيمة، وتدهور موقفها أمام القبائل الأخرى. كما أنها شجعت قبائل المناطق الأخرى على إعلان استقلالها عن الدولة القاسمية، والاستعداد للمواجهة-كما سنرى لاحقاً-لذلك نجد الإمام المؤيد محمد بن المتوكل يحاول استمالة تلك المناطق بالطرق السلمية، وإظهار النية الحسنة للدولة، فأرسل الرسائل إلى ابن العفيف والرصَّاص يطلب منهما الاتفاق بالطرق السلمية. وأن هذه المناطق لا بد أن تبقى تابعة للدولة القاسمية ومطيعة لها.
ولعله كان من الأفضل للإمام المؤيد في ظل هذه الظروف التي جعلته غير متمكن من السيطرة على ولاته ومشائخ تلك المناطق أن يعطيهم حكماً ذاتياً مع اعترافهم السابق بالدولة القاسمية، إلا أنه ربما كان يرى بأن ذلك سيقلل من هيبته وهيبة دولته، خاصة أن تلك المناطق كانت في عهد الإمامين المتوكل والمهدي أحمد بن الحسن تابعة للدولة، أو أنه نتيجة للضغوط من الحسين بن الحسن والي تلك المنطقة لإعادتها تحت سيطرة الدولة، أو أنه خشي أن يكون ذلك حافزاً لخروج المناطق الأخرى عن سيطرة الدولة.

ومهما كان الأمر فإنه بعد استمرار المراسلات بين الدولة ومشائخ تلك المناطق تم الاتفاق إلى أن يصل إلى قعطبة عدد من مشائخ يافع لمقابلة علي بن المتوكل، وعقد الصلح بين الطرفين. وكان وصولهم في منتصف شهر شعبان سنة (1094ه‍/ أوائل أغسطس1683م). وقد اشترطوا أن البلاد لابن العفيف، وأنه لا يدخل بلادهم أحد من الولاة، على أن يسلموا الواجبات التي عليهم، ويرسلونها إلى الدولة من دون ولاة ولا واسطة عليهم، واشترط عليهم علي بن المتوكل إصلاح الطرق، وسكون ثائرة الفتنة، وأنه لا بد من ضمانات لتنفيذ ما توصلوا إليه.
وأرسل ابن العفيف إلى الإمام الشيخ عبد الغفور شيبان لإكمال الاتفاق معه في ضوران، ثم أرسل ابن العفيف إلى الإمام ثلاثة من الخيول، وثلاثة ألف درهم، مقابل زكاة الفطر في بلاده، وإذا أخذنا بالظاهر فإن ابن العفيف قد وافق على طاعته للإمام، وأنه سيرسل ما عليه من واجبات للدولة القاسمية، ولكن كذبت الأحداث بعد ذلك، ولم يرسل شيئاً من المطالب المفروضة عليه، لذلك نجد المؤيد يقرر إعادة الكرة لدخول يافع، ولعله قد اتخذ من زواج ابن العفيف شيخ يافع من زوجة مسمار الأهنومي، الذي كان والياً عليها مبرراً لدخوله إليها، وقال: هذا منكر يجب النهي عنه، وكتب إلى الولاة يطلب منهم الاستعداد بالمال والرجال لحرب قبائل ابن العفيف ومن تحالف معها، غير أن حماسه لم يلبث أن يقل.

وعلى الرغم من أن المؤرخ يحيى بن الحسين انتقد الإمام المؤيد بأنه لم يتخذ قراراً حاسماً في شأن يافع فيقول: "لا هو الذي تغافل عنها إلى طرف، ولا هو الذي قصدها وأجد في الإقدام والبذل للخزائن وتحريض الرجال، عرف الطرق التي يصلح منها المداخل" . غير أنه من المرجح أن سبب عدم اتخاذه قراراً حاسماً وتردده، هو ما كانت تعانيه دولته من خلل وتراكمات أثرت على تنفيذ تلك القرارات، وقد أشار المؤرخ يحيى بن الحسين نفسه إلى شيء من ذلك الخلل بقوله: "وبني عمه في طرفي نقيض، والناس أقرب إلى الملل من دخول المشرق" . هذا إلى جانب أن علي بن المتوكل كان معارضاً لحرب يافع، فأرسل إلى أخيه المؤيد رسالة طويلة يحذره من مغبة الحرب ضد يافع، وأنها ستكون خاسرة والرأي سد هذا الباب، والانشغال بما هو أهم، ومتى وجد القدرة والقوة على محاربتهم وكان هناك سبب واضح فليكن، ثم تقدم إليه في ضوران وذكَّره ما تم بينه وبينهم من اتفاق، وأن المؤيد وقع على ذلك الاتفاق بنفسه.
وكان المؤيد على ما يبدو محتاراً في أمر يافع، فإن أرسل إليها القوات فهو يخشى الهزيمة والخسارة، وإن تركها ستتمادى ويكون ذلك سبباً في تمرد المناطق الأخرى، غير أن الكثير ممن كان يستشيرهم كانوا يشيرون عليه بترك الدخول إلى يافع، ومن هؤلاء المؤرخ يحيى بن الحسين، الذي أرسل إليه رسالة ينصحه بشأن يافع، مما جاء فيها: "إن الأولى ترك يافع والإعراض عنه؛ لأن أعماله تحتاج إلى مصابرة، وخزائن قارونية، وعساكر خاقانية" . ثم سرد ما جرى في يافع من أحداث منذ بداية التاريخ الحديث، وأنهم كانوا يرفضون السيطرة عليهم وأخضاعهم منذ أيام الإمام شرف الدين حتى هذه الفترة.

وأمام تلك التناقضات والاختلافات حول دخول يافع مرة أخرى أو عدم الدخول لم يتمكن الإمام المؤيد من الإعداد لحملة عسكرية قادرة على الدخول إلى يافع، وإخضاعها لسلطة الدولة، لذلك لا بد أن يتراجع عن التفكير في توجيه قوة عسكرية إلى هناك.
وفي الحقيقة إن الضعف الذي أصاب مركز الدولة كان سبباً في زيادة قوة المناطق المتمردة، وعلى رأسها يافع التي بدأت تعتدي على بعض المناطق التابعة للدولة القاسمية، فاستولت على سوق بقار في حدود الدمنة وقعطبة، كما تحالفت مع ابن شعفل، وأمنوا طريقهم إلى جهات عدن.
وعلى كلٍ فإن الإنقسامات والنزاع بين بعض مراكز القوى والإمام من جهة، وبين بعض مراكز القوى مع البعض الآخر، والاختلالات التي حدثت نتيجة لذلك كان له تأثير سلبي على الإمام المؤيد. وكان خلافه مع أخيه علي بن المتوكل بسبب يافع مجرد القشة التي قصمت ظهر البعير، فلم يكن منه إلا أن عقد العزم على التنازل عن الإمامة في (1096هـ/1685م)، غير أن وفاة علي بن المتوكل المفاجئ كان سبباً في تأجيل استقالته تلك. ولم يلبث أن توفي بعد أخيه علي في جمادى الآخرة سنة (1097ه‍/إبريل1686م).
ولا نستطيع أن ننكر أنه برغم الخلاف الذي حدث بين الأخوين، إلا أن علياً كان عوناً لأخيه الإمام المؤيد منذ إعلان إمامته، حيث تنازل له عن الإمامة، وكان سنداً له ضد باقي مراكز القوى من آل القاسم، وليس أدل على ذلك إلا ما ذكره ابن عامر، حيث يقول: "والإمام المؤيد كان يعهده لمهماته، ولما توفي رَكَّ جانب الإمام، لا سيما من صولة بني عمه أينما كانوا" .

ومهما يكن الأمر فإن سلطة الدولة القاسمية وهيبتها في كثير من المناطق اليمنية قد ضعفت، ففي شوال سنة (1093ه‍/ أكتوبر1682م) استولى علي بن بدر الكثيري صاحب حضرموت على بندر الشحر، وطرد عنه الوالي، وفي أول شهر القعدة سنة (1093ه‍/ أواخر أكتوبر1682م) نهبت القبائل أبين، وتصرفوا فيه بالنهي والأمر، وانقطعت طريق عدن، وامتنعت العدين عن تسليم ما عليها من مطالب للدولة لما قد نالها من الجور منذ عهد الإمام المتوكل، ولم تتمكن من عمل شيء بسبب قوة الدولة واجتماع الكلمة، ولكن عندما رأت في هذه المدة أن الدولة قد تفرقت آراؤها واختلفت أنظارها تمردت ورفضت الانصياع لأوامرها، وقامت بقتل عشرة من جند الدولة، وخاف منهم والي العدين عبدالله بن يحيى بن محمد بن الحسن، ولم يعد يطالبهم دفع ما عليهم من واجبات للدولة.
أما المناطق الشمالية فقد استمرت القبائل في عمليات الغزو وتعرضت الطرق هناك لأعمال السلب والنهب أكثر من ذي قبل، خاصة من قبائل دهمة التي استغلت هذه الظروف.
وكان أكثر تلك التمردات تأثيراً على استقرار الدولة بعد هزيمتها في يافع هي تلك الثورة التي شهدتها الحجرية، فاشتدت الحرب بينهم وبين صاحب المنصورة محمد بن أحمد بن الحسن ثلاثة أيام خارج المنصورة، هُزم فيها الأخير ونهبوا خيامه ومحطته، وعاد إلى المنصورة مهزوماً، وقد قُتل عدد من جنوده، وفي خلال تلك الحرب التي جرت كانت الحجرية قد طردت عمال صاحب المنصورة، وقتلوا بعض جنوده، ثم استولوا على الدمنة والجند والزيلعي، وقد امتد التمرد عليه من باب عدن من الصبيحة والحواشب إلى باب تعز، وكان المحرض لهم رجل صوفي يقال له علي بن حسين الرجبي، فأرسل إليه صاحب المنصورة الجنود، غير أنهم لم يتمكنوا من عمل شيء، وقتل الحجريون أكثرهم.

19 / 94
ع
En
A+
A-