وكان القاسم بن المؤيد صاحب شهارة قد أرسل من قبله من يتسلم زبيد وبيت الفقيه حسب الاتفاق الذي تم في خمر مع محمد بن المتوكل-كما سبق-غير أنه عند وصولهم وجدوا فيها الحاميات العسكرية من قبل صاحب المنصورة فأعادوهم من حيث جاؤوا، وقالوا: "البلاد لغيرهم" .
وأرسل صاحب المنصورة الرسائل إلى إخوته يعاتبهم باستعجالهم في مبايعة محمد بن المتوكل، الذي لم يكلف نفسه بالخروج إلى الغراس لحضور جنازة والده المهدي.
وما زال محمد بن المتوكل يراسل محمد بن المهدي أحمد بن الحسن مراراً، ويدعوه للدخول تحت الطاعة، ومبايعته بالإمامة، بينما كان الأخير يحاول أن يقوي نفسه في المناطق التي استولى عليها مؤخراً، "زبيد وبيت الفقيه" ثم أرسل إلى محمد بن المتوكل رسالة فيها احتجاج بسبب أنه أعطى علي بن أحمد صاحب صعدة جبل صبر، قائلاً له: "كيف هذا وجبل صبر في حوزة بلدي، وجنب المنصورة عندي، هذا محال أن يتصرف فيه عُمَّال علي بن أحمد وهو تحتي، مع أن علياً قد معه جميع الشام مع ما انضم إليه من جبل رازح" ولم يصلا إلى أي اتفاق.
غير أن الأحداث كانت تسير ضد صاحب المنصورة، حيث قامت قبائل الصبيحة والحواشب بالاتجاه إلى لحج، ونهبوا أطرافها، وأخافوا طرقها، مما اضطره إلى إرسال قوة عسكرية بقيادة أحد أبنائه لمحاربتهم، ثم تبعها بقوة عسكرية أخرى، غير أنهم هُزموا، وقُتل بعض منهم، كما أن الشيخ ابن شعفل قام هو ومن معه من قبائل الجحافل بانتهاب وتقطع في طريق الدمنة، ولم يتكمن صاحب المنصورة من الخروج من منصورته لمحاربة هؤلاء خوفاً من قبائل الحجرية أن تتمرد عليه وتثور ضده، لذلك رأى أنه لا بد من الاتفاق مع الإمام المؤيد محمد بن المتوكل ومبايعته حتى يكون عوناً له ضد القبائل المتمردة، وبدأ في المكاتبة للمؤيد، وأرسل إليه كاتبه الخاص يطلب منه الاجتماع بحضور الحكام والعلماء والقضاة، وأن تُقام الشريعة فيما ادعاه، فأجاب المؤيد أن هذا هو المراد.
غير أن صاحب المنصورة محمد بن أحمد، وهو ذو شخصية متقلبة-كما سنرى-أرسل في شهر الحجة من سنة (1092ه/1681م) السيد ناصر الديلمي برسالة إلى الإمام المؤيد يقول فيها: إن الاتفاق قد تعذر. وكان سبب تراجعه أنه أشار عليه المقربون إليه أن ذلك سيكون سبباً للفتنة، وأن القضاة لن يختاروا إلا محمد بن المتوكل، لذلك رجع صاحب المنصورة عما كان قد اقترحه، وعزز قواته في زبيد وبيت الفقيه، وأخرج الولاة السابقين منها، وعين ولاة من قبله. وما زالت المراسلات بين صاحب المنصورة والإمام المؤيد حتى سنة (1093ه/1682م) حيث اشترط الأول شروطاً إن وافق عليها المؤيد بايعه وتنازل له عن الإمامة، وإلا فهو باق على ما هو عليه. وهذه الشروط هي:
1- عزل علي بن المتوكل عن الولايات التابعة له.
2- عزل السيد حسن الجرموزي عن ولاية المخا، وإعطاء محمد بن أحمد بن الحسن ربع المخا.
3- منع ولاة بيت المال عن قبض محصولات الأوقاف.
ويلاحظ أنها مطالب من أجل تحقيق التوسع، ومن أجل الحصول على مزيد من الأموال، وفي بداية الأمر رفض محمد بن المتوكل هذه الشروط؛ لأنه لا يمكنه بأي حال من الأحوال عزل أخيه علي عن ولايته، فهو من مراكز القوى الهامة والفاعلة، وأصبحت شوكته قوية، بالإضافة إلى أنه قد تنازل لأخيه المؤيد عن الإمامة، فكيف سيكون رد فعل علي بن المتوكل لو فكر أخوه المؤيد بعزله لإرضاء صاحب المنصورة العدو الأول لعلي بن المتوكل؟
وكان علي بن المتوكل يخشى أن يستولي صاحب المنصورة على تعز التي كانت تابعة لولايته، لذلك اضطر إلى البقاء بها؛ لأنه كان يعلم أنه إذا خرج منها، فإن صاحب المنصورة سيدخلها، وكان علي بن المتوكل يمر بضائقة مالية بسبب الجفاف وغلاء الأسعار، وتضرر أهالي تعز وغيرهم من كثرة المطالب المفروضة عليهم، وعلى العكس منه صاحب المنصورة، الذي "كانت البلاد المحصلة تحت يده، فلم يكن معه مثلما مع هؤلاء من المشقة، والمدخول من الدفعات لا تزال مستمرة" .
واستمر الوضع على ما هو عليه، واستمرت المراسلات بينهما، المؤيد يطالب بالتنازل والمبايعة، وصاحب المنصورة يصر على تنفيذ تلك الشروط أولاً، وفي آخر الأمر كتب الأخير إلى المؤيد رسالة أهم ما جاء فيها: "إذا قد بنيتم على عدم فعل شيء مما شُرط عليكم كنتم على حالكم في البلاد التي قد أجابتكم، ونحن على حالنا في البلاد التي تحت أيدينا، ولنا النظر من بعد على ما اقتضاه نظرنا" .
ومن الطبيعي أن يرفض المؤيد هذا العرض، إذ إن ذلك يعني موافقته على أن يكون محمد بن أحمد إماماً في منطقته، التي كانت حينذاك أهم وأغنى المناطق، وأنه في نهاية الأمر سيستمر في انتزاع المناطق الهامة الواحدة تلو الأخرى، ويصبح أقوى من ذي قبل، وينتزع الإمامة من المؤيد، لذلك اهتم الأخير بجمع القضاة والأعيان ليستشيرهم في الأمر، فأشار عليه البعض بضرورة محاربة صاحب المنصورة والحد من نفوذه، والبعض الآخر أشار عليه أن يجعل له جميع المناطق التي كانت تابعة له من قبل، وكذلك المناطق التي استولى عليها فيما بعد، وأن يكون مسؤولاً عن جميع بلاد المشرق.
غير أن صاحب المنصورة كان قد حصل على كل ذلك بالقوة، ولم يكن بحاجة إلى موافقة المؤيد أو إعطائه إياها؛ لأنها أساساً أصبحت تابعة له، أما يافع فإنها منطقة لم تعد تابعة لأحد من آل القاسم، حيث كان أهل يافع قد طردوا الولاة، محاولين الاستقلال عن الدولة القاسمية، كما سنرى لاحقاً.
وعلى الرغم من أن صاحب المنصورة ما زال أمره يقوى يوماً بعد يوم، إلا أن الإمام المؤيد اضطر أن يرسل إليه بعضاً من آل القاسم لمواجهته، وإرغامه على التنازل للمؤيد ومبايعته، فبدأ الحسين بن محمد بن أحمد بن القاسم بالتحرك من دمت إلى بلاد الجند، كما اتجه إسحاق بن المهدي أحمد بن الحسن إلى "ذي شرق" بمن معه، وأصبح كل واحد منهم مستعداً للحرب، وكتب الإمام المؤيد إلى أخيه الحسن بن المتوكل صاحب اللحية أن يجمع جنوده ويتجه إلى بيت الفقيه، غير أن موقف المؤيد كان ضعيفاً، حيث كان كثير من الجنود منقادين ومتعاطفين مع صاحب المنصورة؛ لأنهم كانوا تابعين لوالده الإمام المهدي، فنجد مثلاً عندما كتب المؤيد إلى حراز يأمرهم أن ينضموا إلى أخيه الحسن ويقصدون بيت الفقيه امتنع أكثر أهل حراز، كذلك إسحاق بن المهدي، الذي أُرسل لمواجهة أخيه محمد كان معظم جنده قلوبهم مع صاحب المنصورة "لإحسان والده عليهم" ، وصرح مشائخ الرحبة وهمدان للمؤيد بأنه إذا كان يريد دخول يافع فهم معه مناصرين ومؤيدين، وإن كان يريد محاربة محمد بن أحمد بن الحسن فلا يمكنهم ذلك؛ لأنهم أتباع والده، وأظهر إبراهيم بن المهدي الميل إلى أخيه، فأصبح يكاتبه وأعانه بالجند والمال، وجهز مجموعة من الجند إلى منطقة حبيش للاستيلاء عليها، غير أنهم لم يتمكنوا من ذلك ثم استعد للتوجه إلى بلاد المخادر، وكلها تابعة لعلي بن المتوكل، ولم يتمكن من دخولها أيضاً.
لهذا كله أصبح المؤيد في موقف صعب وفي حيرة من أمره، فكان قد اقترح على صاحب المنصورة أن يبايعه أولاً بالإمامة، ومن ثم سينظر في الموافقة على شروطه، غير أن محمد بن المهدي لا يزال مصراً على تنفيذ شروطه تلك، وبذلك لم يكن أمام المؤيد إلا أحد أمرين: إما الموافقة على الشروط التي وضعها محمد بن المهدي، أو أن يتركه في مناطق ولايته على ما هو عليه، وأنها ستكون له سواءً بايع أم لم يبايع، ولكي يتقي شر صاحب المنصورة كان لا بد من الموافقة على الشروط، فأرسل إليه برسالة فيها الموافقة على تلك الشروط، وأجاب عليه صاحب المنصورة برسالة مبايعاً له بالإمامة، مؤكداً على أنه لم يبايعه إلا بعد موافقته على شروطه.
ومن البديهي أن موافقة المؤيد على شروط صاحب المنصورة ستغضب كلاً من علي بن المتوكل والحسين بن الحسن بن القاسم؛ لأنه سيكون الضرر عليهما في ذلك وسبباً في إثارة فتنة أخرى، فبالنسبة للحسين بن الحسن فلأن المؤيد كان قد أعطى بلاد المشرق من يافع وغيرها لصاحب المنصورة، وعلى الرغم من أنها قد خرجت عن يد الحسين بن الحسن، إلا أنه لن يسمح أن يتولاها غيره، وأنه سيعمل على إعادتها إلى ولايته، وكان ما جاء في رسالته إلى المؤيد: "وما يصلح منك إلا المعونة على إرجاعها، وردها على حالها، وإن لم يكن منك ذلك فلا تتعرض لتوليتها" .
أما علي بن المتوكل فهو الآخر قد أرسل رسالة يعاتب فيها أخاه المؤيد، ويؤكد له أنه لن يُنفذ الشروط الخاصة بعزله عن ولايته، فاضطر المؤيد أن يجمع القضاة والحسين بن المهدي أحمد بن الحسن ليستشيرهم في الأمر، فأشار عليه البعض أن يرجع عن تلك الشروط، وأن يقر كلاً على بلاده، فاستحسن الرأي، غير أن الحسين بن المهدي أحمد بن الحسن عارض ذلك قائلاً: "كيف ترجع في شيء قد وضعته وجهزته وقررته، وأمرتنا بوضع شهادة مثل ذلك للصنو محمد بن المهدي؟ فهذا لا ينبغي، وكذلك كان هذا رأي بعض القضاة" .
ومن الواضح أن الإمام المؤيد لم يكن يستطيع أن يتخذ قرارات حاسمة، ويحسم الموقف مثلما كان عليه والده المتوكل والإمام المهدي، بل نجده يجتمع مع القضاة والعلماء والأعيان ويتخذون قراراً، ثم لا يلبث أن ينقضه أو لا يقوم بتنفيذه، وقد أشار المؤرخ يحيى بن الحسين إلى ذلك بقوله: "وليت هو رأي لا يرجع فيه، ولكن متى عقد الرأي لم يتم، بل يرجع فيه وينقضي في الحال" .
أما الحسين بن الحسن وعلي بن المتوكل فقد تم تبادل الرسائل بينهما، وأنهما يد واحدة على محمد بن أحمد بن الحسن، وأنهما لن ينفذا شرط الإمام المؤيد في التخلي عن مناطق ولايتهما، وأن ذلك أمر محال، وسيكون بسببه العناد والخلاف، فلما علم المؤيد كتب إلى الحسين وعلي وصاحب المنصورة أنه يريد الاجتماع بهم في ذمار أو غيرها للاتفاق وترك الخلاف والشقاق، لكن دون جدوى.
وعلى كل حال فإن الإمام المؤيد كان يبحث عن الاستقرار والأمن والاتفاق مع جميع آل القاسم وحاول تجنب الحروب والصراع على الإمامة بقدر مستطاعه، لكنه دفع ثمن ذلك، واستغلت مراكز القوى شخصيته تلك وميله إلى السلام ومداراته للكثير من تلك المراكز، فهي في آخر الأمر قد بايعته ووافقت على إمامته، بما فيها صاحب المنصورة، الذي كان آخر هذه المراكز، كما رأينا، غير أنه لم يكن للإمام المؤيد أي سلطة فعلية إلا على المناطق التي كانت تابعة له أيام ولايته السابقة.
أما بقية المناطق فقد توزعت بين مراكز القوى المتعددة من أبناء القاسم، التي كان أقواها صاحب المنصورة محمد بن أحمد بن الحسن، وكانت مناطق ولايته قد شملت الحجرية وجنوب تهامة حتى بيت الفقيه، كذلك علي بن المتوكل كانت له المناطق الجنوبية الواقعة بين ذمار وتعز، وهو ما عرف باليمن الأسفل، والحسين بن الحسن كانت ولايته ممتدة من رداع وما إليها من المناطق الشرقية حتى حضرموت، وعلي بن أحمد كانت له ولاية صعدة وما إليها من المناطق الشمالية، والأمير الناصر بن عبد الرب في كوكبان وما إليها.
هذا بالإضافة إلى أن إسحاق بن المهدي استقر في ذي اشرق، واستولى على عائدات بعض المناطق المجاورة حتى ينفق على جنده، وأخوه إبراهيم بن المهدي كذلك استقر في يريم وتصرف فيها، ومحمد بن المهدي أحمد بن الحسن أرسل (أبا ريحان) على رأس مجموعة من الجند لاستلام ربع المخا، حسب موافقة الإمام المؤيد في شروطه.
أما بلاد العدين، والتي كانت أهم مناطق اليمن الأسفل وأخصبها فقد استقر فيها عبد الله بن يحيى بن محمد بن الحسن، فأخذ النصف من عائداتها، قائلاً: إن الإمام المؤيد هو الذي جعل له النصف من عائداتها والنصف الآخر أرسله إلى المؤيد، فلما وصل النصف الخاص بالمؤيد إلى يريم، وقدره ثلاثة آلاف، استولى عليه إبراهيم بن المهدي أحمد بن الحسن، وقال: إن الإمام المؤيد قد قرر له ذلك المبلغ لأتباعه. وعلى حد تعبير المؤرخ يحيى بن الحسين، حيث يقول: "فانخلعت يد محمد من فائدة العدين، وبقي في صنعاء صفر اليدين".
وخلت يد الإمام المؤيد عن جميع اليمن الأسفل بالمرة، ولم يبق له فيه إلا مجرد الخطبة. وصار في أشد الحاجة إلى الأموال، وخلت خزائنه، ولم يبق له من البلاد إلا ما كان له أيام والده، بل إنه قد خرج من يده بعض مناطق ولايته مثل: بلاد حراز أعطاها لأحمد بن محمد بن الحسين، وبلاد ثلا أعطاها لأخيه القاسم بن المتوكل.
وهكذا وصلت الأحوال في عهد الإمام المؤيد بأنه لم يبق له سلطة فعلية في كثير من مناطق اليمن عدا الخطبة والاسم، ولم يبق معه إلا أقل مما كان في زمن والده من عائدات بعض مناطق ولايته السابقة. "وكثر الاشتراك في المملكة، بسبب الضعف واختلاف الكلمة" ، ومن البديهي أن تفتيت أراضي الدولة بهذه الطريقة كان من أهم أسبابها ضعف شخصية الإمام المؤيد وزهده والطيبة التي تمتع بها، مما جعل معظم الولاة كأنهم مستقلون في ولاياتهم، ولا ينفذون للإمام أمراً ولا نهياً فيها.
وبعد أن بذل المؤيد للكثير من أبناء القاسم ما طلبوه من الولايات، واستقرت دولته، ووافق الجميع على إمامته رأى أن يغادر صنعاء مركز ولايته السابقة، متجهاً إلى ضوران، فغادرها يوم الخميس 19رجب (1093ه/ 23يوليو 1682م)، حيث أشرف على اختطاط مدينة معبر بقاع جهران، على بعد 68كم، جنوب صنعاء، وبها أمضى السنوات القليلة من حكمه، وعين أخاه زيد بن المتوكل الذي كان في ضوران والياً على صنعاء.
موقف الإمام المؤيد من تمرد بعض المناطق الشرقية
إن ضعف مركزية الدولة، وتراجع هيبتها، خاصة في اليمن الأسفل والمناطق الشرقية والجنوبية من البلاد، مع ما كانت تعانيه من جور الولاة، وفرض المزيد من الضرائب جعل بعض تلك المناطق تعلن خروجها عن سلطة الدولة القاسمية، وتثور ضد هؤلاء الولاة.
ولعل أخطر ما واجهه الإمام المؤيد في السنة التالية من حكمه هو طرد قبائل يافع للعامل، والعصيان لأوامر السلطة المركزية التي يمثلها والي منطقته الأمير الحسين بن الحسن بن القاسم، ومركزه في رداع.
فلماذا ثارت يافع ضد الدولة القاسمية؟ وما رد فعل محمد بن المتوكل؟ وموقف بقية الولاة من آل القاسم حينذاك؟ وهل كانت الظروف مساعدة للدولة لتعيد يافع مرة أخرى إلى سلطتها؟
كانت يافع قد استاءت كثيراً من صلاح بن مسمار، الذي عينه الحسين بن الحسن بن القاسم عاملاً لتلك المنطقة، فاضطر بعض مشائخها أن يكتبوا للإمام المؤيد يشرحون له سوء معاملة العامل صلاح بن مسمار وجوره في فرض الضرائب المختلفة على بلادهم، وأنهم لن يصبروا على ذلك الظلم. وطلبوا منه عزله وعزل حسين بن الحسن صاحب رداع، الذي كانت يافع تابعة لولايته.
ويرى أبو طالب بأن صاحب المنصورة هو الذي حرض يافع أن تثور ضد الحسين بن الحسن بسبب الضغائن التي بينه وبين الحسين، لكنه مثل سائر المؤرخين يرى بأن الحسين هو السبب في تمرد يافع، حيث اشتدت وطأته على المشرق، وولَّى عليهم صلاح بن مسمار، الذي جار عليهم وظلمهم كثيراً.
ومهما كانت الأسباب فقد قام الشيخ معوضة بن العفيف بالهجوم على مقر عامل الدولة وطرده منها، ورفض الانصياع لأوامر الدولة. ولما علم الحسين بن الحسن-الذي كان يدير تلك المناطق من مركز ولايته في رداع-كتب إلى الحسين بن أحمد بن الحسن بأنه يريد المساعدة بسبب تمرد يافع، وطرد عامله منها، وكان الإمام المؤيد في السودة، وكان يعلم بأن السبب في تمرد يافع هو الظلم والجور الذي وقع عليهم من قبل العمال الذين كان يرسلهم الحسين، وكذلك من الحسين نفسه، لذلك نجده يرفض إرسال النجدة أو المساعدة للحسين، وقال لا بد أولاً أن يراسل يافع، ليعلم منهم ما سبب تمردهم، ويحاول إرضاءهم، وتهدئة الوضع.
فكتب الإمام المؤيد ليافع قائلاً: "إذا كان مرادكم بتحويل الوالي، وأنه غير صالح، وجائر في مطالبكم عُزل، وهو الفقيه الملقب مسمار الأهنومي، وَوُلي واحد يكون واسطة بينكم وبين حسين بن حسن، وإن لم تطيعوا أمْرنا جهزنا عليكم" . غير أن يافع كانت قد ثارت ضد العامل مسمار الأهنومي، وكذلك ضد أحد أبناء الحسين بن الحسن، الذي كان والده قد أرسله على رأس حملة عسكرية لمحاربتهم، فحاصروه، وكان الحسين بن الحسن يحاول إرسال النجدات إلى يافع الواحدة تلو الأخرى، لإعادتها تحت سيطرته، لكن دون جدوى، فقد حدثت حروب بين الطرفين كانت الغلبة فيها دائماً ليافع، على الرغم من أنه كان يقتل منهم الكثير، لكنهم هذه المرة كانوا مُصّرين على التخلص من سيطرة الدولة القاسمية عليهم، وعلى حد تعبير يحيى بن الحسين: "فلما أغار ولد حسين بن الحسن بمن معه من العسكر، وكانوا نحو سبعمائة أقبلت يافع كالجراد، وقد تعاقدوا على الحملة عليهم إلى البيوت التي سكنوها في مسجد النور، ولا يبالوا بالرصاص، ولا بمن قُتل من الناس" . وقتل من يافع حوالي خمسون لكنهم لم يبالوا بذلك، "وأخرجوهم من يافع لا يألون على شيء إلا السلامة لمن بقي منهم" .