غير أنهم استمروا في ذلك، ولم تكن رسائل الإمام المهدي لسلطان عُمان ذات جدوى، بل إن الأخير كان قد كتب للمهدي بأن القهوة لا ينبغي استعمالها، وأنها حرام ومُسْكِرة، لذلك كما ذكر المؤرخ يحيى بن الحسين "لعله قطع مسيرة البن إلى الحسا وبلاد العجم والهند، محتجاً بتحريمها" . غير أن المؤرخ يحيى بن الحسين في مكان آخر من كتابه (بهجة الزمن) يذكر بأن سلطان عُمان كان يرسل الرسائل إلى الإمام المتوكل إسماعيل ثم إلى الإمام المهدي أحمد بن الحسن بأنه كان يصدر أوامره إلى جنوده بمحاربة البرتغاليين والبانيان "أينما وجدوهم في البحر أخذوهم، ولم يأمرهم بالتعدي إلى بنادر اليمن" .
ولا نستطيع هنا إنكار حقيقة هامة، وهي أنه كان لعمان اهتمام واسع بالبحر وبناء الأسطول القوي إذا ما قورنت باليمن، خاصة في هذه الفترة، وهي فترة دولة اليعاربة، وبحكم موقع دولتهم التي كان يحدها الخليج العربي شمالاً وبحر العرب جنوباً، وخليج عُمان شرقاً. فكان البحر بمثابة الركيزة الأساسية التي شكلت كل فصول التاريخ العماني.
وكانوا يدركون أنهم لن يتمكنوا من التصدي للبرتغاليين وأسطولهم القوي إلا إذا تخلوا عن سفنهم التقليدية، واستخدموا سفناً كبيرة الحجم من الطراز الأوروبي، وزودوها بالمدافع الحديثة، وهو ما حدث فقد تمكنوا من طرد البرتغاليين، وامتد صراعهم معهم إلى الأجزاء الغربية من المحيط الهندي، وتعقبوهم إلى السواحل الهندية والفارسية وأنزلوا بهم هزائم ساحقة.
لذلك فمن المرجح أن ما كان يقوم به العمانيون من صولات وجولات في تلك البحار، ويصلون في بعض الأحيان إلى باب المندب وغيره من السواحل اليمنية كان بحجة مطاردة البرتغاليين وغيرهم.
وبعد أن تناولنا أهم التطورات السياسية في عهد الإمام المهدي أحمد بن الحسن لا بد أن نعترف بأنه قد بذل جهوداً كبيرةً لتكون دولته مهابة الجانب، قوية على الصعيدين الداخلي والخارجي، وأن تكون هذه الدولة امتداداً لدولة المتوكل في القوة والازدهار، وقد دفع حياته ثمناً لذلك، حيث خرج بنفسه على رأس قوة عسكرية سنة (1092ه/ 1681م) اتجهت إلى سفيان، التي تكرر منها الاعتداءات على القوافل ونهبها، وكانت آخر تلك الاعتداءات هي التي تعرضت لها قوافل أحد التجار، فوصل ذلك التاجر شاكياً إلى الإمام المهدي، فأعطاه الإمام الأمان هو وقوافله في تلك الطريق، غير أن سفيان تمادت في ذلك، فنهبت قوافله وقتلت ابنه، فاضطر الإمام إلى الخروج بنفسه لقتال سفيان، وتمكن من هزيمتهم، وهدم منازلهم، وأعاد كل ما نهبوه، وأسر الكثير منهم، إلا أنه تعرض للإصابة برصاصة في فخذه الأيمن، وكتمها حتى عاد إلى الغراس، ولم يلبث إلا أياماً قليلة بعد عودته وتوفي.
وكانت وفاته ليلة الأربعاء 22 جمادى الآخرة سنة (1092ه/ 8 يوليو1681م) وعمره اثنان وستون عاماً.
وقد انتقد يحيى بن الحسين ابن عمه الإمام المهدي أحمد بن الحسن في مماطلته للديون، ليس ذلك فحسب، بل إنه كان قد أفتى بأن من يقرض أموالاً فعليه أن ينتظر حتى وإن كان المستدين من الميسورين، وبسبب الفتوى حصل شجار بين أهل الديون والتجار الذين امتنعوا عن قضاء الديون بسبب تلك الفتوى، وأن عليهم أن ينتظروا إلى ثمارهم وغلاتهم، وأدب المهدي المطالبين وأجبرهم على الانتظار، وأمر القضاة أن يحكموا بذلك.
ورفض القاضي محمد بن علي قيس الثلائي، الذي رأى أنه لا بد من وجوب التسليم مع المطالبة للميسورين، وأن الانتظار إنما هو للفقراء المعسرين، فعزله الإمام المهدي عن القضاء، ثم علق المؤرخ يحيى بن الحسين على هذا التصرف بقوله: "وهذه مسألة ما أحد قد قال بها قبل هذا المذكور، واستنكر ذلك جميع علماء عصره، إلا أن الرجل مَلِك، يريد إمرار قوله كيفما كان" .
ومع ذلك فإننا لا نستطيع إنكار أن الإمام المهدي أحمد بن الحسن كان أحسن من كثير ممن جاء بعده من الأئمة، ليس أدل على ذلك ما وجهه العلامة المجتهد محمد بن إسماعيل الأمير (ت1182ه/ 1768م) من انتقاد للإمام المهدي عباس (ت1189ه/1775م) الذي كان قد أمر بأن يُعاد حفر مجاري الغيل الأسود ومنبعه، وكذلك مجاري غيل البرمكي ومنبعه، فقرر الإمام المهدي عباس أن يكون الغيلان ملكاً خاصاً به، بحجة أن تكاليف إعادة جريانهما كانت من ملكه الخاص، وأن يدفع لبيت المال مبلغ ألف وأربع مائة ريال. وكان أبرز ما انتقده العلامة محمد بن إسماعيل الأمير وأشاد بالإمام المهدي أحمد بن الحسن قوله: "وبالله انظروا في جدكم المهدي أحمد بن الحسن، رحمه الله، كيف أخرج غيله في الروضة، وجعله للناس، وجعل عنبه مثل أعناب الناس، لم يستأثر بشيء منه، فبارك الله فيه، وصارت الأعناب التي تُسقى منه أحسن الأعناب في الروضة، وأغلاها قيمة، بسبب حُسن نيته وعلمه بأن هذه الغيول بيوت أموال، وأُخرجت بدراهم من بيوت الأموال، فليس له أن يستأثر بشيء منها .... " .
ولعل أحمد بن الحسن يعد آخر الأئمة الأقوياء فتمكن من إبقاء الأوضاع على ما كانت عليه أيام الإمام المتوكل إسماعيل، وتمكن من إنهاء أمور الدعاة والمنافسين له، إلا أن شرخاً بين أبناء البيت الحاكم ما زال يتسع كلما مات إمام منهم، وينطلق المتنافسون في حروب واقتتال، وإذا كان المهدي-على قصر سنوات حكمه الخمس-قد تمكن بماله من ماضٍ وخبرة من إعادة الهيبة ومركزية الحكم، فقد شكلت سنوات خلفه "المؤيد محمد بن المتوكل"-الخمس أيضاً-ومن بدايتها مدة تميزت بالصراع بين المتنافسين من أجل السلطة، وهدم الكثير مما بناه الأبناء المؤسسون من بيت القاسم في نحو ستين عاماً بعد وفاة والدهم الإمام القاسم بن محمد.
لقد كانت الدولة في عهد الإمام المهدي مهابة الجانب لدى معظم مناطق اليمن، التي لم تجرؤ على الخروج أو الاستقلال عن سلطة الدولة، خوفاً ورهبة من الإمام المهدي، بما فيها المناطق الشرقية والجنوبية، لذلك ما إن توفي حتى تغيرت أوضاع الدولة وضعفت سلطتها في كثير من مناطق اليمن، كما أن كثيراً من الولاة من مراكز، القوى أصبحوا أئمة في مناطق ولاياتهم، ولم يعطوا الإمام المؤيد محمد بن المتوكل-الذي جاء بعد المهدي-أي اهتمام، والأسئلة التي تطرح نفسها هنا هي: كيف وصل محمد بن المتوكل إلى الإمامة؟ وما أهم التطورات السياسية في عهده؟ وكيف أثرت سلباً على أوضاع اليمن وظهور عدد من مراكز القوى كانوا سبباً في التدهور؟
ثانياً الإمام المؤيد محمد بن المتوكل إسماعيل
(1092-1097ه/1681-1686م)
ولد محمد بن الإمام المتوكل إسماعيل سنة (1044ه/1634م)، وتولى والده الحكم وعمره عشر سنوات، فنشأ في ظل والده، الذي اهتم بتعليمه، وقرأ على يد والده الإمام كتباً عدة، وأجازه فيما قرأ عليه، كما تلقى العلم على يد عدد من أكبر مشائخ عصره، مثل: القاضي محمد بن علي العنسي والقاضي يحيى بن أحمد الحاج والقاضي أحمد بن صالح بن أبي الرجال وغيرهم.
وعاش حياة مليئة بالزهد والتقشف والورع، يصفه الإمام الشوكاني بقوله: "كان كثير العبادة، كثير البكاء، دائم الخشية ..... لا يتناول شيئاً من بيوت الأموال، ومجلسه معمور بالعلماء والصالحين وقراءة العلم وتلاوة القرآن" .
وحرص على أن يكون شيخاً لمن جاء بعده من التلاميذ، فأخذ عنه جماعة من طلاب العلم، وكان قد وصل إلى مرتبة كبار العلماء مثل أبيه الإمام المتوكل، وله في ذلك كتابات ومشاركات فقهية وفلسفية في علم الكلام.
تولى بلاد آنس سنة (1070ه/1660م) وعمره حوالي ستة وعشرون عاماً، وبعد وفاة علي بن الإمام المؤيد الذي كان والياً على صنعاء عينه والده الإمام والياً عليها سنة (1078ه/1676م)، وضم إليه بلاد الحيمة وخولان ونهم وسنحان وحراز وبلاد ثلا وبعض همدان، كما سبق أن ذكرنا في فصل سياسة الإمام المتوكل إسماعيل.
ولما وصل محمد بن المتوكل إلى صنعاء لتولِّيها سار فيهم سيرة حسنة، ولم يفرض المطالب الجائرة على أهلها، لكنه قام بإلغاء بعض الضرائب التي كانت مفروضة عليها. ولم يزل آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر مدة والده ثم مدة الإمام المهدي أحمد بن الحسن، وهو مع ذلك منشغل بالدرس والتدريس أكثر أوقاته.
استمر والياً على صنعاء حوالي خمسة عشر عاماً، حيث أبقاه الإمام المهدي أحمد بن الحسن في ولايته السابقة لما عرف ما هو عليه من "الزهد وعدم المنافسة على شيء من الدنيا" ، ولعل موقفه خلال الحروب التي دارت بين أحمد بن الحسن والقاسم بن المؤيد على الإمامة تؤكد الصفات التي تميز بها عن غيره فيما بعد، فعند أن اشتدت الحروب اتجه إلى ضوران، واعتذر أنه يريد تنفيذ وصايا والده الإمام المتوكل، وتفقد المنازل والمخازن، وذلك حتى يبعد نفسه عن الخروج إلى شهارة؛ لأنه كان غير راضٍ بتلك الحروب، وغير مشجع لها، وأن الداخل فيها غير معذور، لذلك عذره الإمام المهدي ولم يطلب منه الدخول في الحرب معه ضد القاسم.
وكان قد حاول جهده أن يصلح بين أحمد بن الحسن ومعارضيه تجنباً للحروب والفوضى وسفك الدماء دون جدوى.
مبايعته بالإمامة وموقف مراكز القوى منه
لقد عُرف عن محمد بن المتوكل العدل والزهد والورع خلال فترة ولايته، لذلك عندما توفي الإمام المهدي أحمد بن الحسن سنة (1092ه/ 1681م) بايعه علماء صنعاء وبعض آل القاسم وغيرهم من رجال الحل والعقد، وكان في الثامنة والأربعين من عمره، ولقب نفسه بالمؤيد، تيمناً بعمه المؤيد محمد بن القاسم، وكان أكثر المشجعين لإمامته وأولهم الحسين بن أحمد بن الحسن. الذي كان والده الإمام المهدي قد أوصاه أن يدعو لنفسه بالإمامة، وأن لا يترك القيام بهذا الأمر إلا إذا دعا لنفسه محمد بن المتوكل، فلا يتقدمه، ولا يقدم عليه أحد، فعمل بوصية والده وشجع محمد بن المتوكل على ذلك، وبذل جهداً كبيراً في دعمه والوقوف بجانبه.
غير أن الكثير من مراكز القوى، سواء كانوا من آل القاسم أو من غيرهم رأوا أن لديهم القدرة على إعلان إمامتهم، واستأثر كل واحد منهم بالمنطقة التي كانت تحت ولايته، وبالفعل أعلنوا دعوتهم للإمامة إلى جانب دعوة محمد بن المتوكل إسماعيل، وهؤلاء هم:
1- القاسم بن الإمام المؤيد في شهارة، وتلقب بالمنصور.
2- الحسين بن الحسن في رداع، وتلقب بالواثق.
3- علي بن أحمد بن القاسم في صعدة.
4- علي بن الإمام المتوكل إسماعيل في إبّ، وتلقب بالناصر.
5- الحسن بن الإمام المتوكل في تهامة.
6- محمد بن الإمام المهدي أحمد بن الحسن في المنصورة، وتلقب بالناصر.
7- عبد القادر بن الناصر بن عبد الرب في كوكبان، وتلقب بالمتوكل.
8- السيد محمد بن علي الغُرباني، قال: "إنه الإمام الداعي وأن الولاية له في الزكاة والحقوق".
أما محمد بن الإمام المتوكل فكان أكثر من حرضه على إعلان أمامته هما القاضي يحيى جباري الذماري والقاضي محمد بن محمد العنسي، وكان أول مبايع الحسين بن المهدي أحمد بن الحسن، ثم تبعه سائر قضاة صنعاء وعلمائها جميعاً.
ولم يكن محمد بن المتوكل يصر على الإمامة مثلما فعل الإمام المهدي أحمد بن الحسن وقبله الإمام المتوكل، فدعوته كانت إلى الرضا من آل محمد، يؤيد ذلك ما ذكره أبو طالب بقوله: "بعد أن نفر من الإمامة، وبقي هو والعلماء في مراجعة طويلة، وما زال يتطلب العذر منها بالوجوه العديدة، حتى أقنعه بعض قضاة اليمن، فتوكل على الله ودعا، وبايعه الأعيان من العلماء وجميع أهل الحل والعقد" .
ولعل القضاة قد أقنعوا محمد بن المتوكل بأنه لا يوجد من هو أهل للإمامة أفضل منه، إذ أن المنافسين له كانوا أقل علماً منه، هذا بالإضافة إلى زهده وبعده عن ملذات الدنيا، وعدله، ويشبهه بعض المؤرخين بعمر بن عبد العزيز.
وبعد أن أعلن محمد بن المتوكل إمامته بدأ يسعى إلى إقناع المعارضين له من آل القاسم بأن يتنازلوا له عن الإمامة، وكان أول من تنازل له، وبايعه هم إخوته علي بن المتوكل في إبّ وحسن بن المتوكل في تهامة، فأجابوا على رسائل أخيهم محمد بأنهم مناصرون له، وأنهم لن يعلنوا إمامتهم إلا إذا لم يقم هو وأخذها غيره.
وبعد مراسلات بين محمد بن المتوكل والقاسم بن المؤيد وعلي بن أحمد تم الاتفاق على أن يجتمع بهما لإقناعهما بإمامته، فالتقى بهما في خمر وبايعاه بالإمامة بعد أن تنازلا عنها.
ولما علم صاحب كوكبان عبد القادر بن الناصر بن عبد الرب باجتماع محمد بن المتوكل بعلي بن أحمد والقاسم بن المؤيد ومبايعتهما وتنازلهما له كتب إليه وبايعه بالإمامة، وخطب له في شبام وكوكبان، وترك ما كان قد دعا إليه، ولم يعد من معارض لمحمد بن المتوكل إلا صاحب المنصورة محمد بن أحمد بن الحسن، وصاحب رداع الحسين بن الحسن بن القاسم.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا تنازل القاسم بن المؤيد عن الإمامة لمحمد بن المتوكل بهذه الطريقة السهلة؟ مع أن شخصية محمد بن المتوكل ضعيفة إذا ما قورنت بشخصية أحمد بن الحسن.
لعل القاسم بن المؤيد قد استفاد من حروبه مع المهدي أحمد بن الحسن، وكان يعلم أن استمراره في ادعاء الإمامة، ومحاربة المؤيد محمد بن المتوكل ستكون غير ذات جدوى، خاصة أن كثيراً من القضاة والعلماء والأعيان هذه المرة كانوا مؤيدين ومناصرين لإمامة محمد بن المتوكل للصفات السابق ذكرها، والسبب الآخر هو أن المناطق التي كان متولياً لها القاسم كانت فقيرة بسبب الجفاف الذي كان قد أصابها، وأن ما لديه من مخزون قد أنفق معظمه خلال حروبه مع أحمد بن الحسن، هذا بالإضافة إلى أنه خلال اجتماعه مع علي بن أحمد ومحمد بن المتوكل رأى أن علي بن أحمد قد سلم الأمر لمحمد بن المتوكل، وبايعه بالإمامة، وأعلن وقوفه إلى جانبه.
وأن محمد بن المتوكل قد حاول إقناع القاسم بالتنازل سلماً خلال ذلك الاجتماع، فقال له: "إن هذا الأمر إن سلَّمناه لكم فأكثر هؤلاء الذين قد تبعونا لا يسلِّمون الأمر إليكم، بل هو الشرط الذي جرى من أولاد المهدي الذين في الغراس ومن معهم من العسكر وقبائل بني الحارث وهمدان" .
وللأسباب السابق ذكرها لم يجد القاسم بن المؤيد بداً من التسليم لمحمد بن المتوكل ومبايعته، وكان الاتفاق والمبايعة بخمر يوم الاثنين 16 رمضان 1092هـ/ 28 سبتمبر 1681م، وعاد كل واحد منهم إلى مركز ولايته.
ومن البديهي أن يطلب القاسم بن المؤيد وعلي بن أحمد المزيد من المناطق مقابل مبايعة محمد بن المتوكل والتنازل له عن الإمامة، فأعطى الأول بلاد عذر وظليمة وبقية الشرف وبيت الفقيه بن عجيل بتهامة وبلاد زبيد، كما أعطى الثاني جبل صبر إلى جانب ولايته السابقة، وأعطاه ما يحتاج من الأموال، غير أن صاحب المنصورة محمد بن أحمد بن الحسن كان قد استولى على زبيد وبيت الفقيه، وكذلك جبل صبر، كما سنرى لاحقاً.
أما الحسين بن الحسن بن القاسم فعلى الرغم من أن محمد بن المتوكل قد اجتمع به للتفاوض وإقناعه بمبايعته والتنازل له عن الإمامة، إلا أنه ظل متمسكاً بها، وكان يرى أنه أحق بها منه. وأن الاجتهاد قد خُتم بالإمام المتوكل إسماعيل في المدة السابقة. غير أنه خلال اجتماع محمد بن المتوكل مع علي بن أحمد والقاسم بن المؤيد تمردت جميع بلاد يافع وبلاد العولقي وبلاد الهيثمي، وكانت تابعة لولاية الحسين، وطردوا الوالي منها، وقتلوا بعض أصحابه، واضطربت الأوضاع في هذه المناطق، فاضطر الحسين بن الحسن إلى المكاتبة لمحمد بن المتوكل وغيره من آل القاسم يطلب منهم المساعدة وإرسال الإمدادات من الجنود والأموال لإخضاع تلك المناطق، ولم يكن حتى الآن قد تنازل لمحمد بن المتوكل عن الإمامة، وكما أن الأخير لم يتمكن من مساعدته بسبب انشغاله بإتمام الاتفاق مع القاسم بن المؤيد وعلي بن أحمد.
ونتيجة لاستمرار الاضطرابات في مناطق ولاية الحسين بن الحسن، وخروجها عن سيطرته اضطر أن يتنازل لمحمد بن المتوكل عن الإمامة ويبايعه، ليكون عوناً له على يافع والمناطق الأخرى، وأنه لن يتمكن من الاستمرار في إعلان إمامته ومناطق ولايته مضطربة، وبدأت تخرج عن سيطرته الواحدة تلو الأخرى.
ولم يبق من معارض لإمامة محمد بن المتوكل إلا صاحب المنصورة محمد بن أحمد بن الحسن الذي استولى بعد وفاة والده على ما يستطيع من المناطق، حتى تكون عوناً له على إعلان دعوته، فقام في شهر رجب (1092ه/1681م) بالاستيلاء على بيت الفقيه بن عجيل وزبيد، وبلاد والده مثل عدن والدمنة ولحج وذي السفال، وكانت المناطق التابعة له من قبل بلاد المنصورة وشرعب وتلك الجهات جميعاً إلى باب تعز وقعطبة، وفتح داراً للضرب بالمنصورة.