أما علي بن أحمد بن القاسم فقد أبقاه الإمام المهدي على بلاده السابقة، صعدة وما إليها، غير أنه كانت تصل إليه من أهالي صعدة شكاوى ضد علي بن أحمد، الذي كان قد أعاد فرض ما عليهم من مطالب عقب وفاة المتوكل، وكان قد عفاهم منها ليكونوا عوناً له ضد المتوكل، فرفضوا دفعها، وطلبوا من الإمام المهدي، أن يولي بلادهم غيره، وهم مُسْلِّمون ما عليهم من واجبات، فأعرض عنه ولم يرغمهم على شيء، وترك مسألة تسوية الوضع لعلي بن أحمد، وكأنه يقول له: "قد صارت البلاد الشامية الصعدية إليك، فخيرها وشرها عليك. وإلا تركت أمرها ومصالحها وأصلحناها" .
واضطر الإمام المهدي إبقاء أبناء الإمام المتوكل في ولاياتهم، وكانت معظم المناطق الهامة تحت أيديهم، غير أنه كان غير راضِ عن ذلك، حتى أنه كان يردد "بأن البلاد قد تقسمت مع عيال المتوكل" .
وقد زادت أطماع الأبناء والأحفاد من آل القاسم، وربما صار بعضهم يشكل عبأً عليه، وليس عوناً له. وكان أولهم هو ابنه محمد بن أحمد بن الحسن، صاحب المنصورة، الذي تمرد على والده، وكأنه يريد المزيد من الولايات، فاضطر الإمام المهدي أن يطلق يده في الأوامر والنواهي باليمن الأسفل، وأعطاه بلاد حيس إلى جانب ولايته السابقة.
أما القاسم بن المؤيد، الذي نافس المهدي على الإمامة، كما رأينا-فكان أيضاً غير مقتنع بالولايات التي أعطاه إياها أحمد بن الحسن، فنجده في أواخر سنة (1089ه‍/1679م) يكتب إلى محمد بن المتوكل يطلب منه أن يُقنع أخاه أحمد بن المتوكل بالتنازل عن ولاية بلاد عذر للقاسم؛ لأن بلاده السابقة لم تكفه، وبالطبع رفض أحمد بن المتوكل هذا الطلب. كما أنه بعد هزيمته كان متمسكاً بلقب المنصور، الذي اتخذه لقباً له عند إعلان إمامته. وهذا يدل على أنه أمام نفسه وأنصاره ما يزال إماماً، فكان يكتب إلى المناطق التي أجابته، ويلقب نفسه بالمنصور.
وتمسكه بهذا اللقب رغم هزيمته، دليل على التمسك بفكرته السابقة.

وفي أواخر سنة (1089ه‍/ بداية سنة 1679م) اتجه أحمد بن المتوكل إلى المهدي ومعه محمد بن المتوكل، وطلب من المهدي ولاية حجة، غير أنه رفض ذلك، فأعطاه أخوه محمد بلاد ثلا، وكانت من مناطق ولايته، كما اتجه إليه أحمد بن محمد بن الحسين، وطلب منه زيادة بلاد إلى بلاده، فرفض إعطاءه ما يريد، وزاد له أموالاً من لديه.
فكان معظم مراكز القوى لا هَمَّ لها إلا الحصول على المزيد من الولايات. "وكل منهم قال ما يكفيه إقطاعه، وكل منهم مد يده في رعايا بلاده في غالبهم" ، فاضطر أن يفرق معظم الولايات بين مراكز القوى، بينما لم يبق له سوى ولايته السابقة، ولم يضف إليها إلا اليسير.
غير أننا لا نستطيع إنكار حقيقة هامة وهي أنه رغم كل ما سبق ذكره من تنافس ورغبة في الحصول على المزيد من المناطق، فإن الإمام المهدي أحمد بن الحسن كان لا يزال في أوج قوته، وكانت مراكز القوى هذه تخشاه وتهابه، لذلك عمَّ الاستقرار والهدوء في عهده، مقارنة بمن جاء بعده، كما سنرى، ولعل مراكز القوى هذه بدأت تعد نفسها لفترة ما بعد الإمام المهدي أحمد بن الحسن.
لكننا أيضاً لا نستطيع أن ننكر بإن عدم وجود شخصيات قوية تقف إلى جانب الإمام المهدي جعلت موقفه ضعيفاً مقارنة بالإمام المتوكل، وظهر بشكل أكبر التنافس على الولايات، لعل أبرزها ما حدث في بلاد يريم، حيث كان أحمد بن الحسن قد ولَّى عليها يحيى بن الحسين بن الإمام المؤيد، غير أنه نافسه عليها كل من علي بن المتوكل والحسين بن الحسن والحسين بن المتوكل، وعين كل واحد منهم عاملاً له على يريم لقبض واجباتها، كما احتدم الخلاف في بلاد عفَّار بين أحمد بن المتوكل وبين محمد بن أحمد بن القاسم، وكذلك بين أحمد بن المتوكل وبين القاسم بن المؤيد، كل منهم يريد أن يرسل لها عسكراً، ويعين عليها عاملاً من قبله.

بل إن الإمام المهدي عندما أمر أخاه الحسين بن الحسن بإزالة سوق استحدثه في منطقة "الحرشة كتب إليه الأخير رسالة، كما أرسل له ابنه محمد بن أحمد رسالة أيضاً بأنهما ما داما قد بايعاه وخطبا له، واعتمدا النقود التي ضربها، فما عليه إلا أن يترك لهما بلادهما يتصرفا فيها كيفما شاءا دون تدخل منه.
وكان لهذا الاختلاف والتنافس وزيادة الأطماع أثر سلبي على الأهالي، فكانوا يتضررون مادياً من جراء ذلك، ولعل أبرز مثال ما حدث في سنة (1090ه‍/1679م)، حيث كان القاسم قد استأذن الإمام المهدي في أن يقبض زكاة بلاد عذر، فأذن له وقبضها، ولما بلغ أحمد بن المتوكل ذلك، وهو واليها، أرسل من قبله بالسودة مجموعة من الجنود لقبض زكاة عذر، وأنه لا يعترف بما سلموه إلى القاسم منها، فسلَّم من سلَّم وامتنع من امتنع، وبذلك تضرر معظم الناس من تسليم الزكاة مرتين.
ولعدم قدرة الإمام المهدي على إرضاء كل المراكز وإعطائها ما تريد من الولايات، كان يضطر إلى ضرب الأخوة بعضهم ببعض-إن جاز استخدام هذا التعبير-من ذلك ما حدث من خلاف بين الأخوين محمد بن أحمد بن القاسم وأخيه عبد الله بن أحمد بن القاسم على ولاية حجة، التي أصبحت متنازعاً عليها بينهما بالإضافة إلى واليها السابق من آل جحاف، والسبب في ذلك أن الإمام المهدي كان قد أعطى ولاية حجة لمحمد بن أحمد بن القاسم، ثم بعد تغلبه على القاسم تقدم إليه عبد الله بن أحمد بن القاسم بايعه وطلب منه ولاية حجة فأرسله إليها وأعطاه إياها، فأخذها منه، وبذلك أصبحت حجة "منهارة أعمالها، متضرر من ذلك أهلها" .

وكان الأهالي يتذمرون من زيادة المطالب التي كانت تُفرض عليهم من الولاة، ولعل أبرز مثال على ذلك ما كان يقوم به السيد جعفر بن مطهر الجرموزي من زيادة في فرض الضرائب على أهالي العدين، فما أن وصل إلى الإمام المهدي ومعه عائدات العدين في سنة (1089ه‍/1678م) حتى تبعه مجموعة من مشائخها يشكون إلى المهدي كثرة المطالب، فاضطر أن يستبقي جعفر لديه، ثم أعاده إليها بعد أن شرط عليه أن لا يصل إليه شاكٍ منها.
وتذمر أهالي صعدة من كثرة المطالب التي فرضها عليهم علي بن أحمد بعد وفاة المتوكل، كما سبق أن رأينا.
ومهما يكن الأمر فإن معظم هذه التصرفات من الولاة كان أحمد بن الحسن يتغاضى عنها في مقابل طاعته وإرسال ما عليهم من أموال إلى خزينة الدولة، فنجده مثلاً في سنة (1091ه‍/1680م) يأمر بزيادة العائدات من بعض المناطق، ومنها حجة التي كانت عائداتها من قبل أربعة آلاف، فأمر بزيادتها إلى سبعة آلاف. كما أمر بزيادة عائدات منطقة ريمة إلى ستة آلاف.
وكان يحيى بن الحسين بن القاسم من العلماء الذين ينتقدون من رفع المطالب على مناطق اليمن المختلفة، فكما أرسل رسائل إلى الإمام المتوكل يطلب منه التخفيف في ذلك، نجده هنا يرسل الرسائل إلى أحمد بن الحسن ومحمد بن المتوكل يطلب منهما تخفيف رفع مطالب اليمن الأسفل، وأن الولاة يضطرون إلى رفع المطالب بسبب التشديد عليهم من الإمام، ويبدي استغرابه بأن المطالب قد زادت من زمن الحسن بن القاسم بقدر النصف من ذلك "فالواجب حط النصف من المطالب" .
وعلى الرغم من أن الإمام المهدي قد تفقد المناطق الشمالية حتى وصل إلى صعدة، وهابته القبائل، إلا أن ذلك كان مؤقتاً، ففي سنة (1089ه‍/1678م) بعد عودته إلى الغراس بدأت قبائل سفيان والعصيمات بأعمال السلب والنهب في الطرقات، خاصة طريق العمشية. وانتشر ذلك إلى البطنة وأعمال شهارة وأطراف عذر، حتى انقطع أكثر الناس عن السفر.

وكانت قبائل سفيان تقوم بأعمال النهب والسلب للقوافل التي تمر في مناطقها أو بالقرب منها بصفة مستمرة. وكان الإمام المتوكل إسماعيل يضطر أن يعطيها الأموال والكسوات مقابل حمايتها للقوافل، وعدم التعرض لها، وعلى الرغم من ذلك فكانت أحياناً تقوم بأعمال السلب والنهب، خاصة إذا تأخرت الدولة عن إعطائها ما تعتاده. وهنا في عهد الإمام المهدي في سنة (1089ه‍/1678م) نجد أن إحدى قبائل سفيان، وهم "بنو رهم" ذكروا بأن المهدي لم يسلم لهم إلا دون ما يعتادونه، "وأنه نقص عليهم نحو ثلاثين خرقة من الكسوة" فقاموا بأعمال السلب للقوافل.
وفي سنة (1092ه‍/1681م) نهبت قبيلة سفيان قافلة بالعمشية-بالقرب من عيان-وهي متجهة إلى صعدة فيها أموال وأقمشة وبضائع أخرى قادمة من صنعاء، ودافع أهل القافلة عن قافلتهم، غير أن سفيان قاموا بنهب جميع القافلة، وقتلوا منهم ثمانية، وجرحوا آخرين، فاضطر الإمام المهدي إلى الخروج بنفسه إليهم لقتالهم، فخرب بيوتهم، وأسر كثيراً منهم واستعاد ما قاموا بنهبه.
وعلى الرغم مما كان يحصل من نهب وتقطع في الطرقات فإننا لا نستطيع إنكار حقيقة هامة، وهي إن أحمد بن الحسن قد بذل مجهوداً كبيراً-منذ عهد عمه الإمام المتوكل وفي فترة إمامته-من أجل إخضاع هذه القبائل ومعاقبتها. وكان يخرج بنفسه لمحاربتها حتى كانت سبباً في وفاته، كما سنرى، وبعد القضاء على منافسيه كانت معظم أعماله وجهوده إعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد، وكان كثير التنقل بين المناطق الشمالية خاصة، ليتفقد أحوالها القبلية المتقلبة مع اطمئنانه على الاستقرار المستمر في اليمن الأسفل والمناطق الجنوبية، واهتم بالأطراف، فنجده مثلاً يرسل إلى صبيا حملة عسكرية، مساعدة لواليها في غزو بلاد بني حبيب، بسبب ما وقع منه من التمرد.

وأرسل الإمام المهدي محمد بن المتوكل وأحمد بن محمد بن الحسين وابنه الحسين إلى عيان بقوة عسكرية كبيرة، فكتبوا إلى برط يطلبون منها وصول مشائخها وقاضيها والسيد محمد الغُرباني والناهبين للقوافل فيها، فوصل المشائخ والقاضي علي العنسي، ودفعوا ما عليهم من المقررات، وبقي محمد بن المتوكل في برط لتأمين الطرق، والقضاء على من كانوا يقومون بأعمال السلب والنهب، وعاد إلى صنعاء بعد صلاح تلك الجهة، واستعادة جميع ما قامت سفيان بنهبه، وكذلك برط، وتعهدوا بعدم تكرار النهب والسلب، وعين في قصر عيان والياً، وجعل معه قوة عسكرية لردع القبائل هناك.
وكان الإمام المهدي حريصاً على أن يعم الأمن والاستقرار، حتى وإن اضطر إلى معاقبة البيت الحاكم، ولعل ذلك يدل على قوة شخصيته وخوفهم منه، فكان في الروضة بعض أبناء محمد بن أحمد بن الإمام القاسم وحدث منهم تعدٍ على أحد العمال الذين كانوا يسقون الماء من الغيل، ومعهم الشاعر المهتدي الهندي، فأمر الإمام المهدي بالقبض عليهم، وأودعهم السجن في حصن ذي مرمر.
ولعل أكثر ما اشتهر به الإمام المهدي أحمد بن الحسن، وميز فترة إمامته عن فترة الإمام المتوكل إسماعيل هو أمره بإجلاء اليهود عن اليمن، فكيف تم ذلك؟ وهل تمكن من تنفيذ ما يريده أم لا؟

بعد أن عاد الإمام المهدي من صعدة، وتفقد المناطق الشمالية، وأثناء بقائه في عيان أواخر سنة (1088ه‍/ بداية سنة 1678م) كتب إلى محمد بن المتوكل وهو بصنعاء يطلعه على رأي ارتآه وهو إجلاء اليهود عن اليمن، وكانت حجته في ذلك أنه كثر منهم ضرب النقود التي تشبه نقود دار الضرب، وفيها نحاس كثير وغش، وكثر منهم بيع الخمر للمسلمين، وأعمال السحر، وأن هناك حديثاً للرسول÷ قال فيه: ((أخرجوا اليهود من جزيرة العرب))، وطلب من محمد بن المتوكل أخذ رأي العلماء في صنعاء حول ما رآه، فاختلفت آراءهم بين مؤيد ومعارض، وكان من بين العلماء يحيى بن الحسين بن القاسم، الذي كان رأيه أن المراد بجزيرة العرب هو الحجاز لا غيره. والبعض الآخر رأى أنه يجوز إبقاء أهل الكتاب في هذه الأراضي لمصلحة مرجحة منها: دفع الجزية، أو لأعمال يعملونها للمسلمين ويختصون بها دون غيرهم، والإعانة للجهاد أما لغير مصلحة فلا يجوز إبقاؤهم.
ولأن الأمر قد أثار جدلاً ونقاشاً واسعاً بين علماء صنعاء وغيرهم على مختلف مذاهبهم نجد الأستاذ الدكتور حسين العمري يفترض-ولعله محقاً في ذلك-بأن من بين مقاصد المهدي أن ينبه من شكك في علمه، واللغط الذي دار عقب دعوته، وبعدم بلوغه "الاجتهاد" على مقدرته لإثارة مسألة اجتهادية من أقدم ما أثير في تاريخ الفقه الإسلامي.

ومهما قيل حول هذه المسألة فقد أصدر الإمام المهدي الأوامر بأن تُهدم جميع الكنائس الخاصة بهم، وعند عودته من عيان هدم الكنائس الموجودة في البون، كما قام ولاته باليمن الأسفل بهدم بعضاً من تلك الكنائس، وهدمت كنائس كوكبان وشبام، ليس ذلك فحسب، بل إنه أيضاً أمر بهدم كنيسة صنعاء، فراجعه محمد بن المتوكل مبرراً له أنها قديمة من زمن النبي÷، وأنها نزل بها وبر بن يخنس، الذي أرسله النبي÷ على الأسود العنسي، فعدل المهدي عن ذلك، وعند دخوله صنعاء في شهر الحجة (1089ه‍/ 1678م) أمر بإغلاقها، وبعد ذلك أخذ ما حولها من المنازل، وأخرج اليهود من المحلات التجارية بسوق صنعاء، وأجبرهم على بيع ممتلكاتهم ومنازلهم وخروجهم، فباع القليل منهم ما باع من المنقولات والكثير من غير المنقولات، واشترى المهدي منهم الحمَّام الخاص بهم، ثم أمر بفتح الكنيسة، وأخرج منها ما يخص اليهود من الكتب، وحوَّلها إلى مسجد لا يزال موجوداً إلى الآن.
وفي شهر صفر سنة (1091ه‍/ 1680م) أرسل المهدي إلى اليهود من يخرجهم بالقوة، فخرج يهود صنعاء وما إليها ما بين شهارة وسمارة إلى جنوب موزع، وهلك منهم الكثير، وتضرر أهل موزع منهم، وهم أيضاً تضرروا لعدم وجود عمل يكسبون منه.
وكان الإمام المهدي يرى إخراجهم إلى سواحل الحبشة، فكتب إلى والي "أوسة" بأن يسمح بخروجهم إليها، وله جزيتهم، فأبى ذلك، وأجاب عليه بأن البلاد للسلطان العثماني، فاضطر المهدي أن يوافق على عودتهم، فمنهم من عاد إلى مناطقهم السابقة، ومنهم إلى القرب منها.
أما يهود صنعاء فقد عمروا لهم خارج صنعاء، إلى الغرب من بير العزب، بحيث استأجروا أرضها، وعمروا لهم منازل بأمر من المهدي، ولم يعودوا إلى داخل صنعاء.

والجدير ذكره أن محاولة الإمام المهدي إخراج اليهود من اليمن لم توفق، ولم يُخطط لها التخطيط السليم، يحث يضمن موافقة المناطق المجاورة ا لتي كان ينوي إخراجهم إليها، لكنه أخرجهم إلى موزع، وفيها هلك الكثير منهم، وأصبحوا يشكلون عبأً على الدولة، لعدم استطاعتها أخذ الجزية منهم، ولم تتمكن من إعادة فرض الجزية عليهم وأخذها منهم إلا عندما بدأوا يستقرون ويستأنفون أعمالهم السابقة.
أما بالنسبة للعلاقات الخارجية فلم يتضح في عهد الإمام المهدي القصيرة وجود علاقات خارجية، على الرغم من أنه كان في عهد الإمام المتوكل يراسل السلاطين والملوك ويهاديهم، وفي الوقت ذاته راسلوه وهادوه، ولعل السبب في ذلك هو انشغال أحمد بن الحسن في السنتين الأولى من حكمه بالقضاء على منافسيه وإخضاعهم، ثم انشغاله فيما بعد بمحاربة قبائل سفيان ودهمة والعصيمات وغيرها من القبائل التي كانت تقوم بأعمال السلب والنهب، ثم لم يلبث أن وافته المنية بعد خمس سنوات من إعلان إمامته، وهي فترة قصيرة جداً، إذا ما قورنت بفترة الإمام المتوكل على الله إسماعيل.

والذي اتضح في عهده هو استمرار العمانيين في الاعتداءات المتكررة على السفن التجارية في باب المندب، وفرض أموال بالغة عليهم حتى يسمحوا لهم بالمرور، وأحياناً كانوا يرفضون مرور هذه السفن ويقطعون الطريق للدخول إلى الموانئ اليمنية، فنجدهم في بداية عام (1090ه‍/1679م) عندما وصلت أول السفن الهندية تلقاهم العمانيون، وفرضوا عليهم أموالاً في باب المندب، كما قاموا بقطع الطريق، وكتب وإلي عدن ووالي المخا إلى الإمام المهدي يطلبان النجدة لمواجهة العمانيين هناك، فأجاب بأن الجنود الذين في تهامة والموانئ فيهم الكفاية، لحفظ السواحل "أما البحر فلا طاقة لهم به" . لذلك عندما وصلت باقي السفن الهندية استولى العمانيون على بعضها، واضطر البعض إلى العودة إلى البحر، والبعض الآخر دخل المخا بعد أن بذل لهم الأموال، ونتيجة لذلك ارتفع ثمن الأقمشة التي كانت تصل من الهند. أما الأعبي (جمع عباءة) التي كانت تأتي من الحسا فلم يأت منها شيء هذا العام بسبب تقطعهم، حيث صاروا "ساكنين في باب المندب، مانعين السفن من الدخول إليه جميع شهور صفر وربيع الأول والثاني من هذه السنة".
وقد حاول الإمام المهدي إنهاء التقطع للسفن القادمة إلى اليمن من قبل العمانيين، فكتب الرسائل إلى سلطان عُمان، وعاتبه، وتهدده "وأن كل من وصل إلى سواحل البنادر اليمانية من مُسلم وكافر من الفرنج، فقد صار في أمانة، وإن لم يترك أفعاله قصده وناجزه" .

16 / 94
ع
En
A+
A-