وقد أورد يحيى بن الحسين أوجه القوة والضعف في رسالة القاسم بن المؤيد، وفي جواب أحمد بن الحسن، وفند جميع النقاط، ومدى صدق كل منهما من عدمه، وعبر عن وجهة نظره باعتباره عالماً، كذلك من وجهة نظر مستقلة، لم تكن منحازة لأي طرف من الأطراف، لذلك جاءت تعليقاته على الرسالتين موضوعية، معتمداً على الشريعة، ومدى تطبيقها من عدمه في الاتهامات الموجهة لأحمد بن الحسن. ويذكر بأن القاسم بن المؤيد كان محقاً في بعض الانتقادات التي وجهها لأحمد بن الحسن، والبعض الآخر منها لم تكن في محلها؛ لأنها لا تخل بالشريعة الإسلامية بإجماع العلماء.
غير أن يحيى بن الحسين باعتباره من الأسرة القاسمية قد ذكر مآخذ أحمد بن الحسن، وأنه اعتمد على القوة فقط في إخضاع المعارضين له بمن فيهم القاسم بن المؤيد، وفي مجملها انتقاد لسيرة أحمد بن الحسن في عهد عمه الإمام المؤيد، وكذلك عمه الإمام المتوكل، وأن شروط الإمامة لم تكن متوفرة فيه، لذلك كان يذكر دائماً بأنه ملك وليس إمام. وكرر في مخطوطته بهجة الزمن لفظ "الملك الزاهر".
ولم يكن انتقاد يحيى بن الحسين لأحمد بن الحسن؛ لأنه كان يؤيد القاسم بن المؤيد، بل كان يرى بأن القاسم أيضاً لم تتوفر فيه شروط الإمامة، لكنه أكثر علماً من أحمد بن الحسن.
وعلى الرغم من ذلك كان يرى بأن مبايعة أحمد بن الحسن هي الأصلح تجنباً للفتنة واستمرار الحروب، وما يترتب عليه من فوضى واضطراب واختلال الأمن في البلاد.

ومهما يكن الأمر فقد حاول أحمد بن الحسن مرات عدة إقناع القاسم بن المؤيد بالعدول عن دعوته، أو الموافقة على ما يراه معظم القضاة في الأصلح للإمامة، إلا أن القاسم كان يرفض، وبعد المراسلات واجتماع القضاة، والمحاولات التي بُذلت لتجنب الحرب رأى أحمد بن الحسن أنه لا بد من الحرب لحسم الموقف، وليبرز الأقوى. وخرج في شهر رجب من سنة (1087ه‍/سبتمبر1676م) من صنعاء إلى الغراس مستعداً لحرب القاسم بن المؤيد، وأرسل بعض أتباعه إلى المناطق التي كانت قد أجابت القاسم بن المؤيد، وأصبحت تابعة له، فأرسل الحسين بن محمد بن أحمد بن القاسم إلى خمر، بعد أن جهزه بما يحتاج من قوة، كما أرسل ابن أخيه إبراهيم بن الحسين إلى ذيبين، وابنه علي بن أحمد إلى لاعة الصلبة وبلاد حجة، وما أمكن من الجهات، كما جهز أحمد بن محمد بن الحسين إلى الصلبة إلى جانب علي بن أحمد بن الحسن. وقد نشبت بين الطرفين معارك ومواجهات، كانت معركة الصلبة أول تلك المواجهات وأهمها، فكان علي بن أحمد بن الحسن قد استولى على قلعتها بالقوة، فلما علم القاسم بن المؤيد جهز ابنه بالجنود، وحدثت معركة بينهما انجلت عن كثير من القتلى من أتباع القاسم، ومن أتباع أحمد بن الحسن حوالي عشرة، ونهب الجنود سوق الصلبة.
وكان بعض القضاة يحاولون إيقاف الحرب منهم القاضي محمد قيس الثلائي، فعند وصوله إلى أحمد بن الحسن علم بما حدث في الصلبة، فاستنكر ذلك، وكان قد أراد أن يصلح بين أحمد بن الحسن والقاسم بن المؤيد، فعرض على أحمد بن الحسن بأن يكون القاسم إماماً في جهات شهارة والبلاد التي قد أجابته، وهو في بقية المناطق، ولكن من الطبيعي أن يرفض أحمد بن الحسن هذا العرض، وأجابه بأنه لم يحدث مثل هذا في اليمن من السابقين، وأنه سيكون سبباً في الفتن والنزاع "ولكن إذا أراد إقطاع تلك البلاد التي أجابته وتوليته والاعتزاء إلينا فعلنا ذلك وأجبنا" .

ولعل أحمد بن الحسن كان مُحقاً في ذلك، إذ أن مثل هذا الرأي يعني بداية التفكك، والتفتيت لمناطق اليمن الموحد، والذي دأب الإمام المتوكل إسماعيل على توحيدها واستقرارها طوال فترة حكمه، وبمساعدة أحمد بن الحسن نفسه.
ورأى أحمد بن الحسن أنه ما دام قد بدأ بشن الحرب ضد القاسم بن المؤيد فلا بد من مواصلتها حتى يعلن استسلامه ومبايعته له بالقوة، لذلك بعد هزيمة أتباع القاسم في الصلبة توجه أحمد بن الحسن إلى "يشيع" إلى الغرب من خمر، ولم يشعر به أحمد بن المؤيد -أخو القاسم-إلا وقد دخل إليها، وأن مشائخ وادعة قد توجهت إليه وبايعته، وهو قريب من خمر، ومن مناطق ولاية أحمد بن المؤيد.
وكان أحمد بن المؤيد قد نشر الجند في كثير من مناطق ولايته، وحرض أهالي وادعة على حفظ الأطراف، فما شعروا إلا بدخول الإمام المهدي عليهم، فهرب جميع الجنود الذين كانوا في نقيل عجيب وحَمِدَة، وخاف أهل وادعة من الإمام وجنوده، فاضطر أحمد بن المؤيد إلى التوجه إلى أخيه القاسم بن المؤيد في شهارة، وتقدم أحمد بن الحسن بعد ذلك إلى بيت القابعي-أسفل شهارة-وكان يهدف من ذلك إما أن يتقدم إليه القاسم ويبايعه، أو يلجاً إلى الخيار العسكري ليخضعه بالقوة، خاصة أنه كان معه في بيت القابعي حوالي سبعة آلاف مقاتل، وقيل أكثر.
وأثناء استقرار أحمد بن الحسن في بيت القابعي توجه إليه الحسن بن المتوكل من حصن مبين وبايعه بالإمامة، كما بايعه أهل حبور ظليمة وخطبوا له، وأسقطوا ذكر القاسم.
وكان على القاسم أن يتخذ موقفاً إزاء كل ذلك، فرأى أن يتقدم إلى أحمد بن الحسن في بيت القابعي لينظر ما سيكون من الأمر؟ وكان وصول أحمد بن الحسن إلى بيت القابعي في يوم الأربعاء 10شهر القعدة. ونزول القاسم إليه في يوم الجمعة 12 القعدة، غير أنه وصل إلى بيوت والده الإمام المؤيد، وكان أحمد بن الحسن قد نُصبت له خيام هناك.

ولما دخل القاسم إلى بيوت والده، تقدم إليه أحمد بن الحسن، ولم يصلوا إلى اتفاق، ثم طلب أحمد بن الحسن الاجتماع في مقره، فاجتمع هو والقاسم بن المؤيد وأخوه أحمد بن المؤيد وأحمد بن المتوكل والحسن بن المتوكل والحسين بن المتوكل، وبدأ أحمد بن الحسن كلمته أنه لا بد من جمع كلمة المسلمين، وأنه لا بد من حسم الموقف، فأجاب القاسم أنه يريد التحكيم، وأنه لن يتنازل عن الإمامة، فأجاب عليه أحمد بن الحسن بقوله: "هذا الذي طلبت كان يصلح قبل أن يجري ما جرى بيننا وبينك من الحروب، وقبل الحركة والجمع للجيوش والخطوب. وأما الآن فما بقي عندي مناظرة ولا محاكمة غير الدخول فيما دخل فيه الجماعة" ، عند ذلك طلب القاسم من أحمد بن الحسن المهلة إلى بعد العيد، وعاد إلى شهارة، بينما انتقل أحمد بن الحسن إلى القرب من مسور-شرقي جبل شهارة-لأن جوها أكثر نقاءً من بيت القابعي.
وخلال ذلك أشار القاضي محمد بن قيس الثلائي على القاسم بن المؤيد أن يماطل أحمد بن الحسن في المهلة التي أعطاه، وأن يكون إماماً في المناطق التابعة له والتي أجابته، ويبقى أحمد بن الحسن إماماً في جهته، وقد علق يحيى بن الحسين على ذلك الرأي بأنها قسمة جائرة ومخالفة للإجماع، وأنه كان عليهم أن يجمعوا كلمتهم على نصب واحد منهم، ويتركوا التفرق، وينظروا إلى صلاح المسلمين، غير أن كل واحد منهم كان يرى بأنه إمام كامل الشروط.

وكان أحمد بن الحسن بعد المهلة التي أعطاها للقاسم قد بدأ بكتابة رسالة إلى سادة شهارة وعلمائها يبرر لهم موقفه وسبب خروجه إلى بيت القابعي، وأنه كان يريد الصلح مع القاسم خلال بقائه هناك، لكن القاسم أثار القبائل ضده، وحرض أهل تلك الجهات على قطع طريق الإمدادات إليه، ثم ختم رسالته بقوله: "فيجب عليكم مناصحة أخي هذا أن يتقي الله في هذه النبذة التي مالت إليه، فإني أكبر منه سناً، وأشهر كلمة، وأكثر إجابة ورأياً وخبرة، والعلم إن أراد أن يختبر فله الاختيار" .
وبعد ذلك تم الاتفاق على أن يجتمع القضاة من الطرفين بالرحبة، وهي تقع ما بين شهارة وبيت القابعي، وقد بدأ قضاة شهارة بطلب الصلح، وأما الخلع للقاسم فمتعذر، وأن يبقى كل منهما إمام في جهته، فرفض قضاة أحمد بن الحسن ذلك العرض، وافترقوا بدون الوصول إلى أي اتفاق، عند ذلك أرسل قضاة شهارة الرسائل إلى كثير من الجهات مضمونها أنهم حكموا بإمامة القاسم، فتغير محمد بن المتوكل إسماعيل من ذلك، وطلب من قضاة صنعاء أن يكتبوا أن الذي صح عنده وعندهم إمامة أحمد بن الحسن، وأرسلوا بذلك إلا القاسم والمناطق التي أجابته.
وعلى كلٍ فإن كلا الطرفين كان لا يريد التنازل للطرف الآخر، وأن القاسم الذي كان متوقعاً منه التسليم استمر في موقفه المتشدد، رافضاً كل العروض والاقتراحات، لذلك لم يكن أمام أحمد بن الحسن إلا اللجوء إلى الحرب مرة أخرى، فكانت الحرب الأولى في منطقة الصلبة، كما سبق أن رأينا، وهنا قامت بينهما حروب ومواجهات كثيرة، كان أولها ما حدث في 7 صفر (1088ه‍/1677م) بين إبراهيم بن حسين بن المؤيد وأتباع أحمد بن الحسن قتل كثير من الجانبين، وأُسر إبراهيم، ثم طلع أحمد بن الحسن إلى الأهنوم، وأمر بخراب بعض منازلها التي وقع منها الرمي، فلما رأت الأهنوم ذلك أقبل أهلها إلى أحمد بن الحسن مبايعين وطائعين، فأمنهم وانتقل إلى "نجدة بني حمرة" غربي شهارة.

وكانت آخر تلك المواجهات الحرب التي قامت بينهما في منطقة "الأبرق" قُتل فيها حوالي خمسين من أتباع القاسم، وقيل أكثر، وثمانية من أتباع أحمد بن الحسن.
وكان أحمد بن المؤيد يراقب الوضع، وهو في وادعة، منطقة ولايته، وقد أعد جنوده وقواته لمواجهة أحمد بن الحسن، وليكون عوناً لأخيه القاسم والالتفاف على جنود أحمد بن الحسن، غير أن أحمد بن الحسن كان قد أرسل قوات لدعم محمد بن أحمد بن القاسم وقاسم بن المتوكل، ولما سمع أحمد بن المؤيد بهزائم جنود أخيه القاسم، وأن الجنود الذين بخمر قد توجهوا نحوه رأى أنه لا بد من الدخول في طاعة أحمد بن الحسن.
واتجهت معظم قبائل تلك المناطق بما فيها شهارة إلى أحمد بن الحسن معلنة طاعته وولاءها له، وبايعته وخطبت له "ولم يبق إلا القاسم بن المؤيد فريداً وحيداً، حليف هَمٍّ وحزن في شهارة" ، لذلك كله لم يسعه بعد أن يئس من نجاح دعوته، إلا أن نزل من جبل شهارة إلى المهدي أحمد بن الحسن، وسلم له الأمر متمثلاً بقول الشاعر المتنبي:
ومن نكد الدنيا على الحرِّ أن يرى

عدواً له ما من صداقته بد

وبذلك كانت في نهاية الأمر الغلبة للقوة، بغض النظر عن مدى صلاحية أي منهما للإمامة.
ومهما يكن الأمر فقد قبل القاسم بإمامة أحمد بن الحسن مضطراً، فاستسلم له وبايعه، وفي المقابل جعل له أحمد بن الحسن ولاية بلاد الشرفين وحجة والظفير وكحلان وعفار والسودة وظليمة والأهنوم، كما وعده أن يقضي عنه بعضاً من الديون.

وبذلك يكون أحمد بن الحسن قد تمكن من القضاء على أهم شخصية نافسته على الإمامة، غير أنه لا بد أن ذلك قد كلفه الكثير من الجهد والوقت والمال، كما أنه سيكون لانشغال أحمد بن الحسن بمحاربة القاسم أثر في تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية في البلاد، وسيكون ذلك سبباً في زيادة الفوضى والاضطرابات وعدم الالتزام من الولاة بأوامر الإمام، لذلك كان على الإمام المهدي بعد تغلبه على القاسم، أن يبدأ في فرض هيبة الدولة، وإحكام السيطرة على المناطق التي عمتها الفوضى والاضطرابات.

جهوده في فرض هيبة الدولة
كان أول ما قام به الإمام المهدي أحمد بن الحسن بعد إنهاء الصراع على الإمامة، وتسوية الأمر مع القاسم أن اتجه بقواته من شهارة إلى العمشية في الشمال، وهي من المناطق التي كان يتكرر بها القتل والنهب أثناء مرور القوافل التجارية وغيرها، فاستقر فيها بعض الوقت، وأكد على سفيان تأمين طرق القوافل والمارة فيها، ووعدهم أن يبذل لهم ما يعتادونه من أموال للحفاظ على الأمن، وكانوا قد شرطوا عليه أن يعطيهم ما يعتادونه من الملوك السابقين، وإلا فليس عليهم حفظها، فأمنت تلك الطريق بعض الوقت.
وبعد ذلك اتجه إلى صعدة، وخرج علي بن أحمد، واليها، لاستقباله، ووصلت إليه قبائل صعدة وغيرها من قبائل تلك المناطق، باذلين الطاعة ومبايعين "رغبة من القليل، والأغلب فيهم الرهبة" .
وتمكن الإمام المهدي من إعادة فرض هيبة الدولة في المناطق الشمالية، التي كانت دائمة الاضطرابات والقلاقل، كما بدأت الأمور تستقر داخل الدولة بعد إنهاء الصراع على الإمامة.
وبعد الانتصارات التي حققها ضد منافسيه، وبعد أن أحكم سيطرته على المناطق الشمالية الأكثر اضطراباً نجده يبدأ في إعادة إحياء طموح الإمام المتوكل إسماعيل في مد نفوذ الدولة القاسمية إلى الحجاز ونجد وما حولها، لذلك نجده عند أن استقر بصعدة بعد أن رأى كثرة توافد القبائل إليه معلنة الولاء والطاعة بدأ يكتب الرسائل إلى شريف مكة وإلى البلاد النجدية يطلب منهم الدخول في طاعة الدولة القاسمية، فأجاب عليه شريف مكة أنه مثل واحد من أشراف اليمن لا يجهل الحق، ولا يترك ما فيه الصلاح للمسلمين، إلا أنه يخشى من السلطان العثماني، الذي لن يسكت عن أي تدخل من اليمن في الحجاز ونجد.
وكتب المهدي أيضاً رسالة إلى باشا سواكن، بسواحل الحبشة يدعوه إلى الدخول في طاعة الدولة القاسمية، كما فكر في أن يكتب إلى مصر من أجل ذلك، غير أنه-كما ذكر يحيى بن الحسين-لم يجد له رسولاً.

ولعل نشوة انتصارات أحمد بن الحسن على منافسيه، ثم إحكام سيطرته على المناطق الشمالية حتى نجران جعلته يفكر في التوسع خارج اليمن، أو أن هناك أسباباً أخرى جعلته يفكر في إرسال تلك الرسائل، فهو يعلم جيداً أن المتوكل قد حاول قبله وفكر في ذلك، لكنه لم يتمكن من عمل شيء، على الرغم من أن دولته كانت في أوج قوتها، وأولاد إخوته جميعاً، بل جميع آل القاسم مؤازرين ومساعدين له، لذلك فمن المرجح أن أحمد بن الحسن أراد بذلك التصرف أن تتناقل مراكز القوى المختلفة تلك الأخبار، وكذلك مشائخ المناطق المختلفة، وأن ذلك يدل على قوة الإمام المهدي، وقدرته على الوصول إلى الحجاز، وليس مناطق اليمن فحسب، أو أنه أراد أن يثبت للمناطق المجاورة لليمن بأن دولته لا زالت تتمتع بنفس القوة التي كانت عليه في عهد الإمام المتوكل إسماعيل.
وكانت قد وصلت هدية وكتاب من حضرموت إلى الإمام المهدي معلنين انتماءهم وولاءهم له. وكان لا بد لهم أن يقوموا بتلك الخطوة خوفاً من أحمد بن الحسن، الذي أثبت لهم قوته وشجاعته عندما دخل بلادهم عنوة، وأخضعهم بالقوة في عهد الإمام المتوكل، كما سبق أن رأينا.

وبعد أن أصبح أحمد بن الحسن هو الإمام بلا منازع واستقرت الدولة نوعاً ما، كان أمامه مهام كثيرة، منها: توزيع المناطق بين مراكز القوى من آل القاسم بطريقة ترضي الجميع، وفي الوقت ذاته لا تخل بشخصيته كإمام له قدراته الخاصة، وهيبته الكبيرة، ومهما يكن فإنه لم يعد للإمام المهدي مثلما كان لعمه الإمام المتوكل، أعني الشخصيات القوية المخلصة التي ساندته وآزرته في توسيع حدود دولته وفرض هيبتها، كما سبق أن رأينا، والملاحظ هنا في فترة الإمام المهدي أحمد بن الحسن القصيرة زيادة الأطماع بين الأبناء والأحفاد على اقتسام الولايات، مما زاد من النزاع، وبداية ظهور مراكز قوى جديدة، ستلعب دوراً فيما بعد كما سنرى، وكانت مراكز القوى هذه ربما تخشى من شخصية المهدي باعتباره شخصية قوية، ولديه الخبرة في تسيير شؤون الدولة.
وكان لا بد له من إرضاء هذه المراكز وإعطائها ما يستطيع من الولايات، حتى لا تشكل مصدر قلق له، فنجد على سبيل المثال أن علي بن المتوكل بعد وفاة والده قد اتجه إلى تعز واستولى عليها، فاضطر المهدي أن يعينه عليها بالإضافة إلى ما كان تحت يده سابقاً من مناطق اليمن الأسفل، وأصبح من مراكز القوى الهامة في دولة المهدي "واشتهر ذكره، وعظم صيته" .
وكان الإمام المتوكل آخر مدته قد عزل محمد بن أحمد بن الإمام القاسم من كثير من المناطق التي كانت تحت يده،فلما توفي المتوكل كان محمد بن أحمد بن القاسم أول من بايع المهدي بالإمامة، فاضطر أن يعيد إليه البلاد التي كانت له من قبل.

15 / 94
ع
En
A+
A-