وما أن توفي الإمام المتوكل إسماعيل حتى عمت الفوضى كثيراً من مناطق اليمن بسبب إعلان الكثير من آل القاسم وغيرهم إمامتهم، وعدم الاستقرار على إمام واحد، وما نتج عن ذلك من خلاف وحروب في بعض المناطق.
ولعل أبرز الأمثلة على تلك الفوضى التي عمت معظم المناطق هي ما قام به أبناء عبد الله بن الإمام القاسم من اعتداء على قصر ذمار وانتهابه. وانتهب جنود علي بن الإمام المتوكل سوق جبلة، وقطعوا الطريق إلى سمارة. وحدث بين حسن بن محمد المؤيدي وبين جعفر الجرموزي خلاف في العدين، بسبب أن حسن المؤيدي يريد أن يتولى بلاد العدين، كما كان عليه والده. وكان هناك قتلى من الطرفين. ودخل أهل "سحار" إلى صعدة من أسوارها وقاموا بنهبها. واتجه علي بن المتوكل إلى تعز واستولى على خزانة الشيخ راجح، الذي كان والياً عليها، حينما كان في بيته في بلاد ضوران.
وهناك أمثلة أخرى كثيرة معظمها تدل على أن الاضطراب والفوضى عم الكثير من المناطق. وهذا شيء طبيعي في ظل غياب الدولة، وعدم وجود قمة الهرم فيها. وقد عبر يحيى بن الحسن عن ذلك بقوله: "وعلى الجملة إن أحوال الناس صارت مضطربة، وأقوالهم مختلفة" . ولم يتفق ذلك قبلهم لأحد" .
وكان كل من أعلن إمامته يحاول أن يكسب المزيد من الأنصار إلى جانبه، متخذاً لقب معين، وهي كالتالي: أحمد بن الحسن في الغراس تلقب بالمهدي، علي بن أحمد بن القاسم في صعدة، تلقب بالمنصور، حسين بن الحسن بن القاسم في رداع، تلقب بالواثق، القاسم بن الإمام المؤيد محمد في شهارة، تلقب بالمنصور بالله، أحمد بن إبراهيم المؤيدي في العشة، تلقب بالهادي، محمد بن علي الغرباني في برط، تلقب بالمهدي.
وبذلك تكون الدولة القاسمية قد دخلت مرحلة جديدة من مراحل التاريخ الحديث، وهي بداية الاضطرابات والنزاع بين مراكز القوى على الإمامة لفترات طويلة، وبهذا العدد الذي لم يسبق له مثيل. غير أن أول من تحرك بعد وفاة الإمام المتوكل، وكان يتمتع بالقوة هو أحمد بن الحسن بن القاسم، حيث أنه في اليوم الثالث لوفاة الإمام المتوكل استدعى إلى الغراس محمد بن المتوكل ومحمد بن أحمد بن القاسم وأحمد بن محمد بن الحسين بن القاسم، وكبار القضاة والعلماء في صنعاء.
وعلى الرغم من أن محمد بن المتوكل قد طلب من أحمد بن الحسن أن يأتي إلى صنعاء للتعزية في الإمام والخوض في مسألة الإمامة، إلا أنه رفض وأصر على حضورهم إليه في الغراس. ولعله بذلك يريد أخذ البيعة في مركز ولايته، مقتفياً أثر الإمام المؤيد والإمام المتوكل حتى يحظى بالدعم من أنصاره وأتباعه في ولايته، وهم كثر. ولكن كيف تمت مبايعة أحمد بن الحسن بالإمامة؟ وهل حقاً أن الإمام المتوكل أوصى أن يخلفه؟
لقد اجتمع السابق ذكرهم من آل القاسم والعلماء في الغراس للتعزية في الإمام المتوكل، ثم للخوض في شأن الإمامة، فدار النقاش في حضرة المهدي أحمد بن الحسن حول من هو الأصلح للإمامة. ثم اتفق القضاة والعلماء على الاجتماع مع محمد بن المتوكل في منزل أعده لهم المهدي أحمد بن الحسن، فلما اجتمعوا استعرضوا الدعاة، ومدى صلاحية الدعاة من عدمه، فذكر بعضهم أن علي بن أحمد بن القاسم، وإن كان عالماً، لكنه "باغي على المتوكل، وكنا مأمورين بحربه" . وأما القاسم بن الإمام المؤيد فرجل جليل عالم، لكنه لا يستطيع النهوض بهذه الخلافة. أما أحمد بن الحسن وإن كان قليل العلم فقد عرف الأمور، وقام بالكثير من الحروب. وله هيبة السلاطين، فكيف إذا دخل في أمر الخلافة. ويكونوا عوناً له في أمر الشريعة. ثم قالوا لمحمد بن المتوكل: أو أن تنهض بهذا الأمر ونكون عونك جميعاً على هذا. ونفرض هذا على أحمد بن الحسن، غير أن محمد بن المتوكل كان يتصف بالزهد والأناة، فقال لهم: " ... الراجح الصنو الصفي أحمد بن الحسن لما ذكرتم من حفظ بيضة الإسلام، وكونه المعروف والمسموع في الشام والعراق وساير الأقطار" .
وعلى الرغم من أن محمد بن المتوكل كان يرى بأن الأصلح للإمامة هو أحمد بن الحسن، إلا أنه طرح عليه بعض الشروط، فإن قبلها بايعه، وإن رفضها عارضه. وكان من هذه الشروط ما يلي:
1- عدم الاحتجاب عن الناس، فإنه كان من قبل بعيد المنال.
2- إعادة الديون التي أخذها من أهلها.
3- أن يبرر لهم سبب ثرائه "وما أنت فيه من شراء الجواري وجمعهن الكثير، وما يصير إليهن من الحلي والملبوس الفاخر، وبيت المال مصارفه معروفة" .
وبعد أن استمع أحمد بن الحسن إلى تلك الشروط، بحضور عدد من العلماء والقضاة أجاب بما يلي:
1- بالنسبة لاحتجابه عن الناس، فإنه في الغالب يكون في بابه الوافدون للطلب، ولم يكن لديه إلا ما هو للجند الخاص به، وأن الإمام المتوكل إسماعيل موجود وبيده حقوق للمسلمين.
2- أما الديون فلأنه أمير مقصود، ولديه أمراء وجنود وأعيان وخدم، وتفد عليه الأعياد، فيضطر إلى الاستدانة، فما يخصه سيقضيه، وما كان على بيت المال فقضاؤه من بيت المال "وبيد كل غريم خط مني فيما هو له، وأين صار. وهم موجودون" .
3- وبالنسبة لما صار إليه من التقلب في النعم، فلديه مستندات من الإمام إسماعيل بما غنمه بسيفه من عدن وغيرها من المناطق التي دخلها مثل لحج وأبين. وأن الإمام المتوكل قد ملَّكه إقطاعاً كانت للأمير عبد القادر صاحب خنفر، وجعل له الربع من المناطق التي فتحها وثلاثة أرباع للدولة.
فاقتنع الحاضرون بتلك الإجابات وبايعوه، وكان أول من بايعه محمد بن المتوكل، ثم محمد بن أحمد بن القاسم، ثم بقية من حضر. واشترطوا عليه عدم قيام من هو أصلح منه، فإن قام من هو كامل الشروط تنحى له.
أما القاضي أحمد بن صالح بن أبي الرجال فقد بايعه دون قيد أو شرط، وقال: أنه يقول بإمامة "المقلد"، وكانت وجهة نظره أن الإمام المتوكل إسماعيل كان مقلداً، وأن الاجتهاد قد تعذر. ثم خرج أحمد بن الحسن إلى الديوان العام، وبايعه سائر أصحابه من الجند والمقربين. وكتب الرسائل إلى سائر الولاة من آل القاسم، وثبَّت كل واحد منه في ولايته.
وعلى الرغم من أن الإمام المتوكل إسماعيل كان أوصى أن يكون ولي عهده وخليفته -وإن تلميحاً-ابنه محمد، غير أنه عندما خرج علي ابن أحمد بن القاسم على الإمام، وأعلن إمامته رأى أنه لن يستطيع أن يخضعه ويقضي على دعوته إلا أحمد بن الحسن، لذلك نجده يوصي ابنه محمد بأن لا يعدل عن مبايعة أحمد بن الحسن. وقد أشار المؤرخ يحيى بن الحسين إلى ذلك بقوله: "فقال لمحمد ولده في وصيته الآخرة إن وقع عليه حال فلا يعدل عن أحمد بن الحسن، لأجل يباشر علي بن أحمد وغيره من أولاد المؤيد" .
وكان لمبايعة محمد بن المتوكل لأحمد بن الحسن أثر في دخول معظم آل القاسم تحت طاعته ومبايعته، فقد قام محمد بدور كبير في محاولة إقناع إخوته وبقية أبناء الأسرة بمبايعة أحمد بن الحسن، إذ أنه بعد أن بايع اتجه إلى صنعاء وكتب إلى أخيه أحمد بن المتوكل يخبره بما حدث ويدعوه إلى مبايعة المهدي، فأجابه إلى ذلك. وكان علي بن المتوكل قد أزمع على إعلان الخطبة للقاسم بن المؤيد، فأرسل محمد بن المتوكل إليه السيد محمد بن حسن حميد الدين، الذي أقنعه بمبايعة أحمد بن الحسن، فأجابه إلى ذلك وبايعه.
أما الحسين بن المتوكل فكان قد بايع أحمد بن الحسن، فأقره الأخير على منطقته.
أما الحسن بن المتوكل فكان في أبي عريش وكتب إلى المهدي يأذن له بالوصول إليه لمبايعته، غير أنه لما وصل إلى منطقة "الصلبة" التقى بأولاد النقيب سعيد المجزبي ومعهم أمر من المهدي بأن يعيد المراكب التي استولى عليها منهم في عهد والده، وهي ملك لوالدهم، فعدل عن رأيه في مبايعة أحمد بن الحسن، واتجه إلى شهارة، وبايع القاسم بن المؤيد.
كما قام محمد بن المتوكل بمحاولة إقناع الحسين بن الحسن بالتنازل عن دعوته، ومبايعة أخيه أحمد بن الحسن، فاتجه في بداية الأمر إلى ذمار، والتقى به في منطقة تسمى "منْقَذَة" وحاول إقناعه بمبايعة أخيه غير أنه رفض، وقال إنه لن يدعو لنفسه بالإمامة، لكنه في الوقت نفسه لن يبايع المهدي. وبعد ذلك أرسل إليه محمد بن المتوكل السيد محمد بن حسن حميد الدين، لمحاولة إقناعه، وهو نفس الشخص الذي أرسله إلى أخيه علي بن المتوكل، بعد أن كانا قد عزما على مبايعة القاسم بن المؤيد، فلما وصل إليهما السيد السابق ذكره تراجعا عن ذلك. وبذلك يكون محمد بن المتوكل قد بذل جهداً كبيراً في محاولة إقناع معظم العناصر القوية من آل القاسم بمبايعة أحمد بن الحسن، ولعله كان يرى بأن مبايعة أحمد بن الحسن فيه جمع لكلمة المسلمين؛ لأنه إذا قام غيره حصلت الفتنة لما يمتلكه من الأموال والجنود. وكما عبر يحيى بن الحسين بأن سائر المترشحين يغلب عليهم أيضاً عدم كمال شروط الإمامة.
وبالإضافة إلى القوة التي يتمتع بها أحمد بن الحسن أكثر من غيره، فهو أيضاً لديه الخبرة الكافية في تسيير شؤون الدولة، بحكم ممارسته لها في عهد عمه الإمام المتوكل إسماعيل.
وكانت صنعاء قد بدأ يساورها القلق إذا ما أعلن محمد بن المتوكل إمامته، وأنه إذا ما بايعه الأغلبية فلن يسكت أحمد بن الحسن، وستستمر الفوضى والاضطرابات، فما أن بايع محمد بن المتوكل أحمد بن الحسن طواعية حتى تبعه أهل صنعاء وأهل الحيمة وبايعوه. لذلك نجد يحيى بن الحسن بن القاسم، وهو ابن عم أحمد بن الحسن وكذلك ابن عم محمد بن المتوكل، يشيد بموقف الأخير ويعترض على من حاول إقناعه بإعلان إمامته بأنه لا يريد إلا إثارة الفتنة والفرقة بين المسلمين.
ومهما يكن الأمر فإن أحمد بن الحسن كان بشخصيته تلك قد تمكن من التغلب على معظم مراكز القوى التي نافسته على الإمامة، فتنازل له علي بن أحمد بن القاسم صاحب صعدة، وأرسل برسالة إليه مع أخيه القاسم بن أحمد، ذكر فيها مبايعته له بالإمامة.
ومما لا شك فيه أن علي بن أحمد كان يدرك جيداً مدى القوة والنفوذ التي وصل إليها أحمد بن الحسن، وأنه إن حاربه أو نافسه على الإمامة، فلن يستطيع التغلب عليه، خاصة وأن قبائل الشام كانت قد بدأت ترفع رؤوسها، وتستخف بما يصدر منه من الأوامر، كما أن بعض مناطق ولايته كانت قد مالت إلى القاسم ابن المؤيد، والبعض الآخر إلى أحمد بن إبراهيم المؤيدي.
وبدخول علي بن أحمد تحت طاعة أحمد بن الحسن يكون الأخير قد ضمن معظم المناطق الشمالية إلى جانبه، في حالة استمرار الخلاف مع أحد المعارضين له.
أما يحيى بن الحسين بن المؤيد، والذي أعلن إمامته أيضاً، فقد فارق عمه القاسم بن المؤيد متجهاً إلى أحمد بن الحسن، وبايعه بالإمامة.
ولم يبق من المنافسين أو المعارضين لأحمد بن الحسن غيرأحمد بن إبراهيم المؤيد في جهات صعدة ومحمد بن علي الغرباني في برط والقاسم بن المؤيد في شهارة.
وأما أحمد بن إبراهيم المؤيدي وكذلك محمد بن علي الغُرباني فلم يكن يخشى منهما أحمد بن الحسن. فكان الأول قد دعا إلى نفسه بالإمامة، وأرسل الرسائل إلى الجهات يدعوهم أن ينصبوه إماماً، لتوفر الشروط لديه، غير أنه "لم يرفع لهذه الرسالة أحد رأساً؛ لأن صاحبها كان مناقضاً لما فيها" .
وبالنسبة لمحمد بن علي الغرباني، الذي كان قد ادعى الإمامة أكثر من مرة، منذ عهد الإمام المتوكل إسماعيل. وهنا كرر دعوته، وأرسل بالرسائل والقصائد الشعرية للتنديد بآل القاسم، ومنهم أحمد بن الحسن، إلا أنها كانت غير ذات أهمية؛ لأن اليمنيين صاروا معتادين على مثل ذلك منه.
ولم يبق من المنافسين الأقوياء أمام أحمد بن الحسن إلا القاسم بن الإمام المؤيد في شهارة، حيث كان قد أجابه إلى دعوته شهارة، ورتبة ضوران، وبلاد الشرفين، والأهنوم، وسفيان، والعصيمات، ووداعة، وحجة، وظليمة، وأكثر التهائم.
فما موقف أحمد بن الحسن منه؟ وكيف تمكن من التغلب عليه؟
لقد كان القاسم بن المؤيد كما يصفه الحسين بن ناصر المهلا: "من أعيان العترة فضلاً وعلماً، وتفقداً للمساكين، وتعظيماً للعلماء، وحضرته محط الرحال، ومبلغ الرجال" ، إلا أنه لم يتوفر فيه شرط الاجتهاد، كما أنه لم يكن قد وصل إلى الدرجة المطلوبة من العلم، ولكن إذا ما قورن بأحمد بن الحسن فهو أكثر علماً وفضلاً، فقد وصفه ابن عامر بقوله: "سيداً جليلاً، عالماً، نبيلاً ... حاز كمال الدرجات أعلاها. وحقق في الفروع، وصار مفتيها، وقرأ في الأصولين فبرع فيها ... برز في العلوم، وأجمع الجمهور على كمال معرفته ... فإن القاسم كان في العلم أكمل من الإمام المهدي".
ونتيجة لكل ذلك فإن المهدي خشي من أن تمتد بيعة القاسم، وتشمل مناطق كثيرة، فحاول-أولاً بالطرق السلمية-إقناعه بالعدول عن دعوته، أو أنهما يخضعان لتحكيم القضاة، إلا أن القاسم كان رافضاً ذلك، ومما زاد من صلابة موقف الأخير أن من كان لديه من القضاة، ومن وصل إليه منهم أجمعوا أنه الأحق بالإمامة، فألزموه الدعوة، وأنه أحق بها. وقد أجابه صاحب المنصورة محمد بن أحمد بن الحسن، وهو أول من خطب له ورجحه على والده.
وكان من ضمن المبررات لأحمد بن الحسن أنه دعا لنفسه بالإمامة قبل القاسم بن المؤيد، فسبقت دعوته دعوة القاسم، بايعه معظم آل القاسم والقضاة والعلماء في يوم الأحد 7 جمادى الآخرة، بينما القاسم كانت دعوته متأخرة عنه بيوم، حيث عُقد لبيعته في شهارة يوم الإثنين 8 جمادى الآخرة.
وعلى الرغم من أنه ظهر من الكثير عدم الميل إلى أحمد بن الحسن، إلا أنهم لم يجرؤوا على أن يصرحوا بذلك، لخوف جانبه، لذلك بايعوه مضطرين غير مختارين، أما القاسم بن المؤيد فإن أكثر من بايعه من الخاصة والعامة بايعوه بالاختيار، والقليل منهم كانوا مضطرين لذلك. أما عامة الناس والقبائل فكان أغلبهم مع من استقر أمره، وكانت له الغلبة، فهم لا يميلون إلى أحد منهما، ومنهم من هو غير قابل بإمامة كليهما، وكان مبررهم أن أحمد بن الحسن سيرته سيرة الملوك، مع عدم المعرفة بالعلوم، وأما قاسم بن المؤيد فلعدم كمال علمه واجتهاده، لكنهم سيرضون لمن كانت له الغلبة أيضاً.
وقد حاول كل منهما جاهداً-الوصول إلى الإمامة، غير أن القوة هي الغالبة في معظم الأحيان، ولعل أحمد بن الحسن كان متيقناً بأنه سيخضع القاسم، غير أن ذلك سيحتاج إلى جهد ووقت كبيرين، لذلك وقبل الدخول في الحرب بدأت بينهما المراسلات.
وكانت أول رسالة هي التي أرسل بها القاسم بن المؤيد عقب إعلان دعوته إلى أحمد بن الحسن، وذكر فيها أن أحمد بن الحسن غير كامل الشروط، لذلك فهو غير صالح للإمامة ، وأجاب عليه أحمد بن الحسن بأن الأولى الاجتماع متعللاً بما سبق أن ذكره، وهو أن دعوته سبقت دعوة القاسم وبايعه كثير من العلماء والأعيان والأتباع، ثم أرسل القاسم بن المؤيد برسالة أخرى إلى محمد بن المتوكل ذكر فيها الأخطاء التي ارتكبها أحمد بن الحسن، والتي لا يمكن أن توصله إلى الإمامة منها:
1- خروجه على الإمام المؤيد بالله مرتين، وتمرده عليه، وفند سبب خروجه، وما أحدثه من قتل وإهدار للدماء من جند الإمام أثناء محاربته له في "الحوادث" و"نقيل الشيم". وهذه الدماء مضمونة بالإجماع؛ لأن الباغي يضمن الدم بلا إشكال، ولم يتخلص ويؤدي الدِّية.
2- خروجه بالأموال التي كانت مع والده الحسن، وهي كثيرة، فنهبها العسكر، وبذل منها في مقابل قتل أصحاب الإمام شيئاً كثيراً. ولم يتخلص منها بالغرامة لبيت المال، إن كانت لبيت المال. وإن كانت الأموال ملكاً لوالده فلم يصلح ما بينه وبين ورثة أبيه بالغرامة.
3- ما حصل مع بعض التجار، حيث استولى على أموالهم، والناس مجمعون أنه استدان منهم، ولم يقض شيئاً منها.
4- ضربه لبعض الإماء، وقتله لواحدة منهن.
واتهامات أخرى كثيرة، منها قتل النفوس في عهد الإمام المتوكل بغير حق، وتولى قتل بعضها بيده.
ثم ذكر القاسم في رسالته تلك: أنه يجب على أحمد بن الحسن أن يطلع القاسم وغيره من العلماء كيف تخلص من كل ما نُسب إليه، إما بأحكام شرعية يبرزها أو بشهادة عادلة، فإن هذا المقام الذي ارتقاه يحتاج إلى العدالة، ويكون بعد ذلك الرأي للعلماء وأهل الفضل، وختم رسالته بأن على محمد بن المتوكل واجب البحث عن كل ما سبق من التساؤلات، وعن كيفية إصلاحه، وهو منتظر للرد من محمد بن المتوكل، فلم يكن من الأخير إلا أن أرسل بتلك الرسالة إلى أحمد بن الحسن. وكان لا بد له أن يجيب على كل ما نُسب إليه، ويدافع عن نفسه، فكتب جواباً إلى القاسم بن المؤيد، أجاب على كل التساؤلات التي طُرحت، وبرر كل ما نُسب إليه في تلك الرسالة بمبررات غلب عليها السياسة والتهرب، مما قد يؤكد قوة أحمد بن الحسن، وقدرته على التغلب، من ذلك مثلاً قوله: بأن الإمام المؤيد توفي وهو راضٍ عنه، وزوجه ابنته، وأنه ولاَّه بلاد وصاب، وكان معظماً له مجللاً، وهذا فيه تهرب حيث إن وصاب كان المؤيد قد ولاَّه إياها قبل أن يتمرد عليه، فلم يقبل ذلك منه، واتجه إلى عتمة فحارب السيد مطهر الجرموزي، الذي كان واليها من قبل الإمام المؤيد، وطرده عنها بدون وجه حق شرعي.