2- أن يكون للإمام ما تحت يده من المناطق الشمالية وهي: الأهنوم، عذر، وادعة، ظليمة، العصيمات، شهارة، برط، الحيمة، وحميمة السعداء، حضور، بلاد صعدة.
3- يحق للأهالي التابعين لنفوذ الإمام، أو لسلطة الحكم العثماني الاختلاط في ما بينهم كيفما شاءوا، وإن وجد حق لأحد هؤلاء في قضية ما في أحد الطرفين، يتم التفاهم بشأنه بين الجانبين.
4- إطلاق سراح الأسرى الذين أودعوا سجن كوكبان بما فيهم ولدا الإمام محمد وأحمد.
5- إطلاق أسرى بني جبر ووادعة وعذر والأهنوم.
6- إطلاق أسراء الحيمة.
7- عدم انتزاع الأسلحة التابعة للأهالي في الحيمة.
8- يتم تسليم الواجبات -الضريبة الزكوية- في الحيمة للإمام، في ما يتم تسليم ضريبة المري للوالي العثماني.
وفي حقيقة الأمر فقد جاء الصلح حسب مؤرخ محدث: "ثمرة لتبادل الطرفين دبلوماسية ودية". ويبدو أن جعفر باشا قد عمد إلى بلورة سياسة عثمانية مختلفة عما كان في السابق، محورها تفهمه بشكل كبير للأوضاع في البلاد. ويمكن القول أيضاً أن هذا الصلح قد مثل بداية لاستقرار نفوذ الإمام، حيث يمكن لقارئ الأحداث ان يستشف جملةً من الأمور تصب فيما ذهبنا إليه:
1- اعتراف ضمني من قبل العثمانيين بمنزلة دينية للإمام:

وذلك باعتبار أن الإمامة هي تعبير عام عن الدور الديني ل‍:"أهل البيت وأحقيتهم بالحكم وفضلهم على سائر الناس، وهي كما كان يراها الإمام القاسم أمراً دينياً واعتقادياً لازماً بالنسبة له ولأنصاره. دون أن يمثل ذلك تحدياً للسيادة العثمانية في اليمن.
2- نفوذ واسع لسيادة الإمام القاسم:
حيث أصبح للإمام القاسم مقاطعة شمالية مركزها الاستراتيجي والهام شهارة، وقد انضوى تحتها القسم الشمالي من المنطقة التي كان يسيطر عليها الأمير عبد الله بن المعافا، إضافة إلى الجزء الغربي من منطقة إدارة الأمير مطهر بن الشويع، وصار للإمام كذلك مقاطعة غربية مركزها إقليم الحيمة الواقع إلى الغرب من صنعاء، ويتبين أن نفوذ الإمام بالحيمة لم يكن بالقدر الذي هو عليه في مركزه بشهارة حين أكد الصلح أن يتم تسليم الواجبات -الضريبة الزكوية- فيها لشخص الإمام فيما يتم تسليم ضريبة الميري للوالي العثماني كما كان مقرراً في السابق من قبل مشائخ أهل الحيمة وبضمان الإمام نفسه.
3- التزام الإمام بقوانين الإدارة العثمانية:

عمد الوالي جعفر باشا إلى إلزام الإمام بتقديم قدر من الخضوع لللإدراة العثمانية. ولعل ذلك يتبين بشكل واضح حين رفض أثناء تفاوضه مع الإمام أي أمور تتعارض مع ما أسماه ب‍:"قانون السلطنة". ويتضح كذلك في جانب آخر، عندما أخر جعفر باشا بالإفراج عن الأسراء من أتباع الإمام في كوكبان -كما نصت عليه بنود الصلح- وفي مقدمتهم ولداه محمد وأحمد، إذ أن أمر إطلاق سراح هؤلاء لم يتم بضغوط من جانب الإمام، بل كان عبر رسالة بعث بها -الإمام- إلى أمير كوكبان علي بن شمس الدين -أحد وسطاء الصلح- أصبغها بالدعاء للوالي جعفر باشا كما رصدها المؤرخ الجرموزي على لسان الإمام نفسه حين قال: "وكان مما رأى تأخير أولادنا وأصحابنا لديكم، ولا تزال المراجعة لجعفر باشا قرن الله أعماله بالصلاح المرة بعد المرة، ولعل إن شاء الله أن لا يفاوت ما نهواه من الخير" ونلمس كذلك بأن الإمام لم يعارض الشروط التي وضعها جعفر باشا بالنسبة لإخضاع إقليم الحيمة تحت نفوذ الإمام -كما أشرنا آنفاً.
4- استقرار الأوضاع في البلاد:
توخى الجانبان -الزيدي والعثماني- من امر الصلح أن يؤدي إلى الهدوء والاستقرار في أنحاء البلاد، خاصة بعد أن تركها سنان باشا تلتهب بالحروب والاضطرابات -كما أوضحنا آنفاً- ولقد أكد الإمام في رسالة بعث بها إلى أمير كوكبان بأن الصلح يعتبر: "ضالة الصلاح المنشود بيننا وبين جعفر باشا بلغه الله في الخير ما يرجوه".

من جانبه استفاد جعفر باشا، حسب مؤرخ محدث: "ليس لوضع حد لتحركات الإمام بل وأطلق يده في التعامل مع انشقاق عبد الرحيم، ثم تمرد أمير صعدة العثماني". -كما سنتبين في ما بعد- وهو الأمر الذي مكنه من بسط السيطرة العثمانية بقوة في المناطق الشمالية.
وفي حقيقة الأمر، فقد شهدت البلاد خلال ولاية جعفر باشا استقرار للأوضاع فيها إلى حد كبير، ولقد وصف مؤرخ معاصر للأحداث ذلك بقوله: "وكان لوصول جعفر باشا وقع في اليمن، فإنه أظهر بعض عدل .. وغيَّر كثيراً من جور سنان" خاصة وأن أوضاع اليمن كانت حسب الجرموزي: "مع سنان وعبد الرحيم كالنار". لذلك كان على جعفر باشا أن يغير من سياسة سلفه سنان ليمسك بزمام الأمور في البلاد.
وفي واقع الأمر، فقد ظهرت نتائج الصلح بشكل ملموس على أرض الواقع، حيث مثل -الصلح- تتويجاً لانتصارات الإمام القاسم عند نهاية المرحلة الثانية من مراحل ثورته، وأدى إلى تثبيت نفوذه في مناطق الشمال الجبلي، على عكس ما حدث عند نهاية المرحلة الأولى للثورة، التي انتهت إلى هزيمته، ومن ثم لجوئه إلى برط. واستطاع الإمام من خلاله أن يفرض وجوده على العثمانيين، وأن ينتزع اعترافاً ضمنياً من قبل سلطة الحكم العثماني كحاكم فعلي تمتد سيطرته ويبسط نفوذه في المناطق التي حددتها بنود الصلح -كما أشرنا آنفاً-.

وفي جانب آخر فقد مكنه الصلح من التخلص من حليفه الزيدي عبد الرحيم بن عبد الرحمن، الذي لم يكن في حقيقة الأمر راغباً في نفوذ حقيقي للإمام القاسم، ولعل ذلك يتضح حينما أراد بسط نفوذه على شهارة دون الإمام -كما أشرنا آنفاً- لولا أن الأهنوميين حالوا دون ذلك لمعرفتهم بتسلط الأمير عبد الرحيم، ولقد ظهرت نواياه إلى السطح عندما رفض أن يكون طرفاً في الصلح حسبما أراده الإمام، بل واتهم الإمام بالعجز والضعف أمام العثمانيين، واعتبر نفسه الأجدر للاستمرار في الثورة ضد الوجود العثماني.
بدأ الإمام عقب الصلح يؤهل شهارة لتكون مركزاً لنشاط دعوي مذهبي -كما كانت كذلك في المرحلة الأولى من ثورته- خاص بالإمامة، حيث عمد إلى إكمال بناء مسجدها الذي كان قد أسسه في 15محرم 1015ه‍/11يونيو 1607م. وجعله مركزاً لإلقاء خطبه وتعليماته وبلورة الأفكار التي توخاها لإرساء دعائم دعوته. كان يحضرها كبار العلماء والسادة الزيديين، الذين رأوا في الصلح مكسباً عظيماً حققته الإمامة الزيدية، بل ووصفوه وكأنه: "صلح الحديبية". لما من شأنه أن يؤدي إلى إعادة تهيئة الظروف للدفع بالإمامة لإعادة مهامها حسب ما هو مؤمل لها، وكما رسمتها الخطوط العريضة عند انطلاقها ويبدو أن الإمام كان قد توخى من ذلك أن يتحمل الدارسون الذين كانوا يتوافدون إلى مركزه الدعوي في شهارة مهام أمر نشر الدعوة الإمامية بعد إجازتهم من قبل كبار العلماء هناك.

وفي واقع الأمر فقد شرع الإمام من خلال مركزه الدعوي إلى ترك مهام الإدارة المباشرة، وانصرف بجانب كبير من وقته نحو العلم، يحيط به عدد من كبار رجال دعوته الإمامية، أمثال علي بن صلاح العبالي، وأحمد بن محمد الشرفي، ومحمد بن علي عشيش، عبد الله المحرابي، القاضي سعيد بن صلاح الهبل، والقاضي الحسن بن سعيد العيزري ..وغيرهم. وقد آزر هؤلاء منذ البداية الدعوة الإمامية وعمدوا إلى مناهضة الحكم العثماني في الشمال الجبلي.
ولقد كان الإمام حريصاً على بقاء هؤلاء العلماء قريباً منه مما يجعل منهم أعضاء في هيئة دعوية. في ما كان يرتقب من الوافدين إليه من متلقي العلوم التعرف على ما يدعو إليه، وإظهار التأييد له بالحدود التي يسمح بها بنود الصلح.
بدأ الإمام القاسم في تنظيم أموره في مناطق نفوذه -كما أقرها بنود الصلح- والاهتمام بشؤون الأهالي فيها، إلا أنه لم يبادر في مرحلته الثانية في اتخاذ هيئة ومظاهر السلطة الحاكمة، كما كان الأمر عند محاولته المبكرة لإقامة حكم إمامي في مرحلتها الأولى. فهو لم يعمد إلى تهيئة وإعداد قوات إمامية للحفاظ على ما تحت يده من مناطق نفوذه، كما أنه لم يدع إلى تجنيد الأهالي لذات الغرض أو حتى الإنفاق على ذلك بما يلزم، إذ قد يظهر موقف الإمامة في غضون الصلح وكأنها في حالة قيام. ولقد ترك أمر الانضمام إلى جانبه كعمل طوعي، ولعله بذلك أراد تكريس مكانته وتأثيره عن طريق انضواء أنصاره ومؤيديه خلف إمامته وهيئتها الدعوية.

وقد أبدى الإمام اهتماماً ملحوظاً في مقر دعوته شهارة برعاية أنصاره والتكفل باللائذين بإمامته، مهما بدت أهميتهم السياسية ضئيلة وبغض النظر عن محدودية إمكاناته الاقتصادية والمعيشية، ولعل ذلك يختلف عما كان في موقفه في أوج المرحلة الأولى من إمامته عندما راح حسب مؤرخ محدث: "يسلك كإمام منتصر غير عابئ بمصير بعض أنصاره الذين استنزفتهم المشاركة في ثورته".
فيما اهتم الإمام -في المرحلة الثانية لثورته- بشكل محدود بالتنظيم الإداري لمناطق نفوذه، وراعى في الأغلب خصوصيات تلك المناطق وطابعها الجبلي والقبلي. حيث أناط بالسادة والعلماء وبعض شيوخ القبائل تنفيذ بعض المهام الشرعية والتنفيذية عند الحاجة، كما أنه أسند إلى بعض أبنائه تسيير المهام الإدارية والعسكرية، بينما أوكل إلى العدد القليل من عماله في إطار مناطق نفوذه الإشراف على تحصيل الواجبات من تلك المناطق.

ولقد أدرك الإمام القاسم -خلال مرحلته الثانية- الحاجة إلى الموارد الاقتصادية حيث مثل الجانب الاقتصادي حاجة ملحة وضرورة حتمية تمليها الظروف القائمة -وقتئذ- لاستقرار الأوضاع في مناطق نفوذه، وللإنفاق على نشاطات مركزه المذهبي الإمامي في شهارة وعلى حاجتها القتالية، بالإضافة إلى القائمين على إدراة شؤون تلك المناطق. لذلك فقد عمد إلى استصلاح ضفاف بعض الوديان مثل وادي صومل الواقع إلى الغرب من الأهنوم ووادي عر من أعمال البطنة، لإمداد الأراضي المحيطة بتلك الوديان بما تحتاجه من المياه لزراعتها بمحاصيل سلعية مثل: "البن والقندر والأرز" لسد الحاجات الاقتصادية لمعيشته بالإضافة إلى أتباعه.
وفي حقيقة الأمر فقد بقى الإمام يعاني من قصور مصادره المالية خلال سنوات الصلح. ويبدو ذلك واضحاً حين عمد إلى سد العجز المالي الذي كان يواجهه من خلال ما يتحصله من عائدات أملاكه.
ولقد تمكن الإمام خلال سنوات المرحلة الثانية لثورته رغم ما تخللها من عقبات وصعوبات من إضفاء حضور ملحوظ لإمامته في مناطق الشمال الجبلي لإثبات وجودها أمام الحكم العثماني، وتحقق لها ذلك حسب مؤرخ محدث: "عبر مسار غلبت عليه المساومة السياسية والصرامة الدعوية المنظمة نسبياً في آن واحد".

أما بالنسبة للجانب العثماني، فقد مثّل له الصلح -هو الآخر- جملة من النتائج الإيجابية على أرض الواقع، حيث شرع جعفر باشا يترجم -خلال مدة الصلح- اهتمام السلطنة المتزايد باليمن إلى خطوات مؤثرة سعت في حقيقة الأمر إلى التخفيف نسبياً من الضغوط الاقتصادية للسيطرة العثمانية، كان الغرض منها القضاء على المظالم المالية السائدة قبيل ولايته فقد ربط الضرائب بالثروة الحقيقية للأفراد، حيث أمر -على سبيل المثال- بتحصيل الضرائب على الموارد الزراعية والحيوانية في زبيد طبقاً لما هو قائم، ملغياً بذلك ما كان قد قرره سلفه سنان باشا من ضرائب كانت تدفع كل سنة بموجب السجلات العثمانية القديمة، بحسب ما كانوا يملكون من تلك الموارد وإن كانت قد زالت -كما أشرنا في الفصل الأول- وهو بذلك حسب مؤرخ معاصر قد: "أذهب عنهم بهذه المظلمة المطلوب على المفقود ولم يبق عليهم الطلب إلا فيما هو موجود". وفي جانب آخر ألغى ما كان يؤخذ من ضرائب على أشجار البن اليابسة التي ليس لها مردود مالي.
واتجه جعفر باشا إلى استرضاء رجال الدين اليمنيين الشافعيين والزيديين وإجراء المناقشات الطويلة معهم، وذلك لإذابة الفوارق المذهبية ولتقريب وجهات النظر.

ولقد أدت سنوات الصلح إلى اهتمام ملحوظ بالتجارة -نتيجة استقرار الأوضاع- حيث عمد جعفر باشا إلى جعل السواحل اليمنية صاحبة الدور الرئيسي في التجارة بين الهند ومصر. خاصة مع تضاؤل الخطر البرتغالي في المياه الجنوبية منذ أوائل القرن السابع عشر الميلادي (الحادي عشر الهجري)، وقد ازدهر ميناء المخاء في عهده وأصبح مركزاً كبيراً للتجارة العامرة بالبحر الأحمر.
وفي خطوة أخرى لتقريب الأهالي إليه، فقد استخدم جعفر باشا ممثلي الأسر ذات المكانة الاجتماعية من السادة الزيديين، أمثال آل شرف الدين وآل المؤيد والحمزيين...وغيرهم، لتسيير أموره الإدارية والقضائية في مناطق نفوذ السيطرة العثمانية، بل وأكثر من ذلك فقد جعل بعض شيوخ القبائل في وسط البلاد وشرقها أمراء عثمانيين، إضافة إلى استعانته بالعديد من شيوخ المناطق الجنوبية في إدارة مناطقهم مدنياً وأمنياً.
وفي واقع الأمر فإن الجانبين، الإمام القاسم، وجعفر باشا كانا في حاجة ماسة إلى هدنة طويلة -حققها الصلح- لتنظيم شئونهما في داخل مناطق نفوذهما.

9 / 109
ع
En
A+
A-