كم فك من كرب عنا ومن نوب .... كادت تقد من الأشجان أشجانا
وكم خشينا على داع الهدى خدعاً .... لولاه قد كان في الإسلام ما كانا
سل عنه من شئت من بدو ومن حضر .... وسل بكيلاً وسل نهماً وخولانا
ما كان في هزم منهم وفي نقم .... وأسناف قد ردت الولدان شيبانا
وحدة هدها لما بغت وعتت .... عليه بالقول تزويراً وبهتانا
[ق/157]
وفي زراجة ما قد شاع من خبر .... من وقعة البدو سل نهماً وسنحانا
وكم أعدوا له من موطن شهدت .... بيض المواضي له في حرب همدانا
فالله يكلؤه من كل نائبةٍ .... فذاك أشترنا وأبو سرايانا
فقل لمن عظمت في الدين رغبته .... بالله كونوا له في الحرب أعوانا
ولا تملوا وحاموا عن محارِمكم .... ودينكم مذهب أهل البيت قد هانا
حاموا على دين زيد فهو قدوتكم .... ولا تملوا تروا ذلاً وخسرانا
ولا تخافوا فقد ذلوا وقد ضعفوا .... وما بقى لهم في الأرض سلطانا
ما للحيام عن الأتراك قد رقدوا .... وآثروا مستغلات وأوطانا
إمامكم لوطيس الحرب مفترس .... وقد علاه من الباروت دخانا
مقاتل لجنود الترك في مدع .... فكيف يهنى طعام العيش إنسانا
قوموا مع السيد الضرغام واغتمنوا .... فضل الجهاد فهذا عم مولانا
ولا تتركوه ولا تعصوا أوامره .... ما زال يوليكم براً وإحسانا
إن لم تعينوا إمام الحق ما قبلت .... لكم صلاة ولا صوم وإيمانا
وتندموا حيث لا ينفعكم ندم .... والدمع يبقى على الأوجان شنانا
حاشاكم أن يخيب الظن عندكم .... وتحبطوا سعيكم دهراً وأزمانا
ولا نظن بأن المال يفسدكم .... ولا سمعنا بشخص منكم خانا
فقدموا واقدموا واغزوا بلادهم .... إلى جبل تيس فاغزوهم وسهمانا
هذا كتابي إلى كل الأنام فمن .... أتاه أبلغه أقصى خراسانا
الله ينفع قاريه وكاتبه .... ويوقظنه به إن كان وسنانا
والعيب تستره فيه وتظهر ما .... قد كان في حسن إن تم إحسانا
فليس لي في علوم النحو معرفة .... كلا ولا لي بفن الشعر عرفانا
لكن واجب أهل البيت أكلفني .... فما تركت من الإحسان إمكانا
أبلغت جهدي على مقدار معرفتي .... ولست شاعر أهل البيت حسانا
فإن أصبت فمن مولاي وفقني .... أو كنت أخطي فهذا من سجايانا
لكن أوصاف مولانا تحسنها .... وتكتسي من ثياب الفخر ألوانا
الله يعلم ما قصدي بها عوضاً .... إلا الدعا والرضى من فضل مولانا
[ق/158]
بأن يمن بجمع الشمل في عجل .... بنعمة وجنود الحق تغشانا
يارب فاحفظ علينا وما وهبت لنا .... وهب له منك توفيقاً وسلطانا
يا رب واجعل قلوب الناس مائلة .... إليه واجعل له أمناً وإيمانا
وصل يارب ما هبت نسيم صبا .... وما أمالت من الأشجار أغصانا
على حبيب قلوب المؤمنين ومن .... محى به الله أحكاماً وأديانا
محمد سيد الكونين والثقلين .... والفريقين عرباناً وعجمانا
والآل والصحب ثم التابعين لهم .... وتابعيهم بإحسان وبرهانا
[كرامات الإمام]
ونذكر ما أشار إليه سيدنا المذكور رحمه الله تعالى في ذكر الكرامة العظمى السائرة في الآفاق، الشاهد بها سماعاً وتواتراً أخلاط الرفاق، وأهل الولاء والشقاق، وهي سماع الآتي، وسنذكر رواية في رؤيته إن شاء الله وهي ما أخبرني السيد المقام مهدي السراج من سادة صنعاء في رجب عام ثمان وعشرين وألف أنهم سمروا يعني سادة صنعاء ليلة عند الوزير حسن، وكان كثيراً ما يطلبهم لذلك في تلك الأيام، قال: ثم تفرقنا بعد مضي وهن من الليل، وكان مكاني بمسجد الأبهر وقد اشتهر في تلك الأيام المنادي كما تقدم وكنت في مكاني ولم أجد داعياً للنوم فخرجت باب منزلتي وعندي شيء آكله مما أعطونا من الفواكه، فسمعت الهاتف على العادة يصيح من أعلى القصر مرة وفي أسفل المدينة أخرى في صومعة الجامع وفي صومعة الإمام صلاح الدين ومواضع أخرى، ومع كل سماع للخيل دوي ووجبة عظيمة لأن الباشا حسن فرق خيلاً قريباً من الصوامع ليغير على الصوت عند السماع لعلهم يجدون ذلك من فعل الآدميين مع أن الصوت ممدود لا يمكن الآدمي أن يمده كذلك، فإذا بطائر أبيض يقق كثيراً ملأ ما بين شرافتين ورجله كهذه وأرانا عموداً من حجارة العنب فوق الذراع الهادي، ورقبته أكثر من ذراع ثم نشر جناحيه فكان كل جناح كالثوب البنجالي الأبيض، ثم صوت وهو يراني وأراه يمد الصوت ويشق القاف بما لفظه: يا إمام قاسم وقد أخذتني الرعدة منه فحملت نفسي بما أمكن من القوة لأتواري من خوف الخيل لا تدركني فيظنوه إياي، وقال: اشهدوا على شهادتي وأن خرطومه كالزبرة[ق/159] الطويلة الدقيقة ورجليه حمراوتان وصفراوان وعرض الحجر التي أرانا شبه رجله ما يحيط بها الإبهامان والمسبحتان تقريباً للتقدير والله أعلم.
وأخبرني السيد مطهر بن المهدي، قال: كان خاله السيد علي بن محمد السدمي مع دولة كوكبان قبل دعوة الإمام عليه السلام من جملة فرسانهم وأهل الجهاد في أعمالهم فكنت معه وأنا وولداه وأرسلونا مدداً إلى القبتين في جملتهم، قال: وبقينا ليالي وطلبونا العود إلى كوكبان، وكانت الطريق على الباشا حسن صنعاء فأرسل لضيافتنا والسمرة عندنا آغا من خواصه يقال له فلان فائق باشي، فجرى ذكر الهاتف، فقال هذا الآغا: إن الباشا صعد على القصر فسمعه بنفسه وقد طلع ليسمعه وهو ينادي كما تقدم فبكى الباشا وضرب صدره، وقال: نعم والله إمام والله إمام لكن إيش أقول للسلطنة، قال: فلما تفرقنا قلت لخالي أنا وولداه: هل نطلب شهادة أكثر من شهادة الخصم لا نجتمع نحن وأنت مع هؤلاء الظالمين وهربنا ثاني يوم حتى لحقنا بالسيد عامر رحمه الله تعالى، وبقي أياماً ولحق بنا وكان عند الحاج أحمد بن عواض الأسدي رحمه الله، (وأخبرني الوالد الحسن بن مطهر أطال الله بقاه أنه حضر دعوة في صنعاء مع بعض أهل الفضل من أهلها فتحدث من حضر ذلك المجلس بأحاديث انتهى بهم الحديث إلى ذكر الإمام القاسم عليه السلام وفضائله حتى ذكروا هذه الكرامة الكبرى، والآية الباهرة الغراء، واشتهارها مع الأنام، وظهورها ظهور البدر ليلة التمام، فقال رجلان تاجران من أهل الطاعة أحدهما يسمى عبده صبرة والآخر محمد صبرة: أنه أخبرهما رجل سمياه باسمه أنه كان مع سنان لعنه الله في جبل حضور بني شهاب وحضر عنده جماعة من أمراء العجم
وأمراء العرب فذكروا هذه الكرامة، وقالوا هذه من صنعة فقهاء الزيدية، وعظم هذا التأويل الحاضرون، وأنكروا ما أبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، فبينماهم يتذاركون إذ بهرة عظيمة في أعلى الخيمة فزعوا منها وإذا بهاتف يقول: يا إمام قاسم، وكرر ذلك مرتين أو ثلاث.
قال الراوي: فاستوحش من سمع ذلك ولم يتكلم جميع من هنالك، فما هذا التعامي عن المكارم الظاهرة، والآيات الباهرة، وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا. انتهى).
وقال السيد[ق/160] أحمد بن محمد نفع الله به: ذكر قيام السيدين العلمين الأعلمين شرف الدين الحسن بن شرف الدين بن صلاح بن يحيى بن الهادي بن الحسين بن مهدي بن محمد بن إدريس بن علي بن محمد الملقب تاج الدين بن أحمد بن يحيى بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة بن أبي هاشم وهو الإمام الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبد الله بن الحسين بن القاسم الرسي عليه السلام، وحسام الدين صالح بن عبد الله بن علي بن داود بن علي الحكيم بن عبد الله بن عسكر بن مهنا بن داود بن داود بن مهنا بن داود بن القاسم بن إبراهيم بن القاسم بن إبراهيم بن جعفر بن الإمام القاسم بن علي بن عبد الله بن محمد القاسم بن نجم آل الرسول بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم الغرباني القاسمي المعروف بمغل بدعوة الإمام عليه السلام، وكتب الإمام إلى السيدين المذكورين وهما يومئذٍ بكحلان تاج الدين يحثهما على النهوض من جهتهما والتشمير في الجهاد، وهما من أعيان العترة عليهم السلام في ذلك الأوان علماً وعملاً واجتهاداً، وخرجا ليلة الأربعاء في سابع عشر شهر ربيع الأول سنة ست وألف [1597م] ومعهما ولداهما محمد بن الحسن، والحسن بن صالح إلى السودة، وأجابهما قبائل تلك الجهة كبني حيش وحنب، والرحبيين وبني قطيل، واجتمع من الأشمور وجبل عيال يزيد جماعة في موضع يسمى [.........] في بلاد الشطين بقرية مذكورة من أعمال السود، وأرادوا الامتناع والحرب، فتوجه نحوهم جماعة من أصحاب الإمام عليه السلام رئيسهم السيد العلامة صالح بن عبد الله الغرباني فأخذوهم قهراً وخربوا القصبة التي تمنعوا فيها، ورفقوا من فيها من مشائخ جبل عيال يزيد إلى بلادهم وذلك قبل طلوع السيد الحسن بن شرف الدين إلى بني قطيل، قال السيد أحمد عادت بركاته.
[فتح ثلاء]
قال لما وصل السيد شرف الدين الحسن بن شرف الدين مد الله مدته وحرس مهجته إلى مدينة ثلاء فتح الحصن يوم الدخول إلى المدينة بيومه، وكان في الحصن آغا من الأتراك يسمى علياً، وكان جباراً غليظاً، وكان قد حبس الفقيه الفاضل العامل وجيه الدين عبد الهادي بن أحمد الحسوسة فخاف أهل ثلاء على الفقيه [ق/161] عبد الهادي أن يقتله الآغا المذكور، وذكروا للسيد الحسن أنه يكتب إلى الآغا هذا أنه إن أحدث بالفقيه عبد الهادي مكروهاً من جهته أنه مقتول به، فلما أخد السيد في الكتاب طلع جماعة من ألفاف أهل المدينة إلى باب الحصن الأسفل وهو باب الحديد فعالجوه حتى فتحوه، ثم طلعوا إلى باب فوقه ففتحوه، وكان قد تلاحق الناس إلى جهة الحصن لما رأوا ذلك، فلما دخلوا هذا الباب حمل الناس من كل جهة فحمل أهل قارن والأشمور وغيرهم من جهة القبلة وامتلأ المدرج رجالاً حتى لا يستطيع أحد أن ينظر إلى موضع قدمه، وتعسر عليهم فتح الباب الثالث لأنه كان مرصعاً بالحديد وهو باب الرقيشا فازدحم الناس حتى كاد يقتل بعضهم بعضاً وأقبل عليهم أهل الحصن يرمونهم بالحجارة، ويقلبون الصخور، فلم يضر ذلك أحداً، فأخذ أهل الحصن يخربون الجدرات من البيوت وغيرها التي فوق المدرج، فثار من الغبار ماغطى الحصن وارتفعت أصوات الناس من أصحاب الإمام عليه السلام ومن أهله، فصار الأمر كما يقال: حيث لا عين ترى ولا أذن تسمع، فعالج بعضهم الباب حتى انفتح، ودخل الناس وظن أهل الحصن أنهم قد قتلوا أكثر من في المدرج بفعلهم فكان ذلك ولله الحمد بخلاف ما يظنون، ولاقتل أحد ولا جرح إلا جماعة يسيرة
جراحة خفيفة، وكان في ذلك من الآيات الباهرة، والكرامات الواضحة الشاهدة للإمام عليه السلام بالفضيلة الكبيرة، والمنزلة الرفيعة، من انفتاح الأبواب المغلقة، وطلوع أصحاب الإمام عليه السلام من نواحي الحصن وهو حيد عسر لا يكاد يطمع فيه أحد، وسرعة طلوعهم وسلامتهم من الأحجاروالبنادق وغيرها وغير ذلك آيات عظيمة، ولقد أخبر الثقة عن الآغا علي المذكور بعد أن أتي به أسيراً إلىحضرة الإمام عليه السلام أقسم بالله أني أظن أن الذي طلع علينا ملائكة قال الثقة: فقلت له: فلم ذلك؟ قال: بدليل أنا مارأينا من الطالعين علينا قتيلاً ولا مجروحاً إلا ما لايعول عليه، وقد ألقينا عليهم من الحجارة أمراً عظيماً وهم متكشفون لنا لا يسترهم شيء أبداً مع كثرتهم حتى ظننت أن قد وطأ بعضهم بعضاً كما أشرنا في ذلك بالبيت السابق وهو قوله:
ومن يحدثك فيما كان من مدعٍ .... وفي ثلاء قلت ماذا الفعل من بشر
ثم تحير الطالعون من طرق الحصن في المطبق وهو الباب الرابع وذلك أن درجته [ق/162] ضيقة وإنما يطبق إطباقاً كصورة أبواب المطابق التي في البيوت فلم يروا كيف يصنعون وقد كان أهل الحصن لما أيسوا من السلامة ورأوا ما صنع أصحاب الإمام عليه السلام أخرجوا الفقيه وجيه الدين عبد الهادي من الحبس، وكان والي التركي الذي هو الآغا علي قد زاد في التضييق عليه تلك الليلة، وكان فيه قيد وزنجير في مكان في الدار البيضاء ومرادهم هلاكه فسمع جلبة الأصوات ولم يشعر ما سببها، ثم خاطبته امرأة الآغا تقول: يا سيدي عبد الهادي الرفاقة أعطني مسبحتك لما أحست باستئصال أصحاب الإمام عليه السلام بهم، ثم أخرجوه وأمروه أن يخاطب أصحابه ويردهم فأشرف على من في طريق الحصن ثم خاطبهم ودعا إليهم فلم يسمعوا لكثرة الضجة والأصوات، وفي خلال ذلك جاء من قال للآغا المذكور ومن لديه من أصحابه أن أصحاب الإمام الذين جاءوا من قبلي الحصن قد صاروا في الدائر فترك المطبق ودعا إلى حيث ذكرله لينظر في أمرهم فما انتهى إلى بعض الطريق حتى لقيه أصحاب الإمام وقد دخلوا الحصن، وانتشروا فيه ينتهبون ما فيه والذين كانوا بالمطبق قد فتحوه، وقضي الأمر والحمد لله وفتح حصن ثلاء وانتهب جميع مافيه من سلاح وأثاث وباروت ورصاص وغير ذلك، وقد كان أصحاب الإمام عليه السلام أردوا قتل الآغا فمنعه القاضي عبد الهادي ولاذبه وما زال يدافع عنه حتى سلب القاضي ثيابه من شدة الدفاع، ورام السيد شرف الدين أيده الله وأعاد من بركاته أن يمنع الناس من انتهاب الحب والباروت والرصاص فلم يقدر على ذلك لكثرة الناس وكان
أبواب الحصن قد كسرت جميعاً فبقى الداخل والخارج فيه من ذلك الوقت إلى مثله من اليوم الثاني، وبعد بلوغ الخبر بأخذ ثلاء إلى من كان محصوراً من عسكر الأتراك في السودة مع ابن المعافا وأيسوا من الغارة إليهم فخرج أكثر من كان فيها من العسكر ووصلوا إلى الإمام إلى جبل الأهنوم كما ذكرنا من قبل، ودخل ابن المعافا عزان السودة وهو المسمى قرن الناعي هو ومن معه من خاصته وخاصة الترك وجماعة من عسكر كوكبان، وكان رئيس عسكر الترك الآغا أحمد عيون وحسن الداعي، ورئيس أهل كوكبان النقيب سنبل أشول مملوك علي يحيى بن المطهر، ودخل أصحاب الإمام عليه السلام مدينة السودة وحاصروا ابن المعافا في حصنه حصاراً شديداً.