[حسن باشا الوزير]
ومما روي عن طغاتهم الوزير حسن باشا أنه كان يعظم أحد أغواتهم وينزله منزلة الأمير منهم فسئل عن ذلك فقال: أنتم ما تعرفون من حق هذا الرجل ما أعرف، هذا خصي لمولانا السلطان أربعمائة مملوك لم يمت منهم إلا ثمانون فقط بخلاف غيره فإنهم إذا خصوا الخصيات هلك منهم النصف وأكثر، فهذا مبارك مسعود، فترى هذا الضال عد المثلة بأربعمائة نفس وقتل ثمانين منقبة يستحق بها التعظيم، أين العقول السليمة المميزة بين الحق القويم، والجهل العميم؟ وغير ذلك من جهلهم العمي، وتمردهم الجلي، وأخبر من يعرف هذا الآغا المذكور أن اسمه أرنز شاوش السلطان.
وأما عامتهم وجنودهم وغالب ملوكهم فخارجون عن رسم الإسلام[ق/151] فكان كل جندي أو غيره حتى قضاتهم على كل قدرته يتخذون الذكور ويتظهرون بذلك وينسبون إلى ذلك، ولا يتحاشون عن ذكر ذلك كما ظهر واشتهر، وأن كل واحد يزين من عنده منهم بما أمكنه ظاهراً، وإذا أخذوا مضاجعهم أدخل كل رجل منهم ذلك الصبي في ثيابه ولا يتحاشى من صاحبه.

ولقد روى من شاهدهم وخالطهم من مشائخ البلاد أن عسكرهم وبعض ولاتهم إذا خاف البراغيث والكتان واتخذ كيساً ينام فيه أنه يدخل ذلك الصبي في محضرهم متجردين عندهم إلى داخل ذلك الكيس، فينامان فيه ولا يحترمان المساجد ،ثم الثاني وصبيه كذلك، وهذا عموم فيهم كما رواه غير واحد ممن تاب ورجع إلى تقبيح هذه المفاسد، ولقد يغار كل أحد من رؤية صبيه من الآخر كما يغار على امرأته، ولما صار لهم ذلك طبعاً كان يفتخر به كبارهم، فمما أخبرني حي الشيخ أحمد بن صالح الجعري الآنسي أن بعض جنودهم من العرب ممن تربى معهم وسار معهم الروم وعاد اليمن قال: سمعته يقول لبعض أمرائهم وقد شكا بعض تقصير في حقه إن لي خدمة مع السلطنة وكذا حتى قال: خرج من تحتي خمسة وثلاثون ولداً، وصاروا في دفتر السلطان يعني أن الأمرد إذا غلبته اللحية أعطاه سلاحاً ودخل به على أميرهم، وقال: هذا افعلوا له جامكية من جملة العسكر فيكتبونه جامكية ويتبدل صغيراً [به] ثم كذلك وغيرهم.
وأخبرني من سمع طاغيتهم سنان لعنه الله وقد شكا إليه بعض المردان الذين في السوق من بعض العسكر أنه فعل بهم العظيم، قال: فأمر بذلك الجندي أن يضرب ويقول: اضربوه وأكثروا فكيف تغصب هذا المسكين غصباً، ثم قال يا كذا أعطه دراهم فإن قبل وإلا زدت له حتى يرضى ولا تغضبه، فلا يرى هذا الأغلف التحريم حقاً للإسلام إنما هو لأجل عدم المراضاة وأشباه ذلك.

وأما أسواقهم فعلى هذا المقهاية، خدمها كلهم لباسهم الحرير مرداً في صورتهم التي يبالغون في استخدام أهلها فلا يتباهون إلا بذلك وبكثرة المردان تنفق القهوة وغيرها من أنواع البيع والشراء، وقد يحتمله الجندي من بينهم ويتوارى به ويعود به كما أخبر غير واحد ممن شهد ذلك.
وأما النسوان ففي كل مدائنهم جوانب معروفة ما هو له للفساد متخذة لهذا المعنى، وكل فاسدة تزين نفسها وبابها وتعرض لمن مر عليها وعليهن والٍ، وعلى كل واحدة قبال يومية وشهرية ظاهراً، وإذا اتهموا [ق/152] امرأة وقد رأوا عليها دخولها في هذا المحل وإن كانت من غيره لأجل تكثير القانون عليهن، وهذا ظاهر لا يجحدونه ولا يكتمونه بل هو معهم مستعل معدود.

وأما الحكم في الرعية والعمل في القضية، فجور وظلم وكفر، أما المال فلهم في أخذه قوة سطوة، ولقد يعذبون أهله العذاب العظيم مثل ضرب السياط قليلاً وكثيراً، وقد يجلدون بعضهم حتى يموت مع المساهرة والكي بالنار وغير ذلك والمثلة بمن قتلوه أنواعاً، منها سلخ الجلد وهو حي يصيح ثم يأخذون إهابه فيملونه تبناً ويلبسونه قميصاً وعمامة، وينصبونه ويدورون به، وبعضهم يقتلونه بالخازوق وصفته كما تقدم أن ينجر الخشبة ثم يضربونها من دبر الرجل حتى يخرجونها من رأسه أو ترقوته، ولهم صنعة أنهم يفعلون ذلك ويبقى صاحب هذا البلاء حياً ينادي يوماً أو يومين أو أكثر، وغير ذلك مما يطول تعداده، (ومنهم من ينصفوه، ومنهم من يدخلون الإبر تحت أظافره، ومنهم من يسقوه الماء الكثير ويسدوا ثقب ذكره ونعوذ بالله من حالهم وقبيح فعالهم، ومن ذلك أن من خالف أمرهم من الرعية أو مال إلى مخالفهم من إمام حق أو غيره عمدوا لعنهم الله إلى قبض الرهائن صغيراً كان أو كبيراً من ذكر أو أنثى من أولاد شيخ البلد المخالفة، أو من كان يعتزي إليه فيجعلونهم في سجن مظلم، ثم يعمرون عليهم العمارة الأكيدة حتى يهلكوا كما فعلوا مع كثير من رهائن أرض اليمن مما حدثنا به الحاج سعيد بن محمد بن سعدان، وقد كان رهينة في قصر صنعاء أنهم فعلوا ذلك بمرآه ومشهده وكذا غيره كثيرون شهدوا مثل ذلك.

قال الحاج المذكور: وفعلوا ذلك مع مشائخ الحيمة وكانوا زهاء من مائتين وخمسين نفساً، ومن مشائخ نهم مثلهم، ومن ذيبان أقل منهم قدر ثمانين نفساً ولم يعش منهم إلا سبع أنفس، وأن بعض المشائخ أخرجوا نساءهم يطوفون بهن الأسواق عاريات، وربما يجعلون مع النساء صغار الكلاب عوضاً عن أولادهن ،وكثير من نحو ذلك الهول العظيم، والخطب الجسيم، أنافوا بذلك على فرعون الذميم، والعتل الزنيم، وكل أفاك أثيم، إنا لله وإنا إليه راجعون.
ومن جملة مشائخ الحيمة الشيخ سعيد أبو هيفاء الحنتفي كان من عيونهم ويروى عنه رقة وخشوع فإنه لما رآهم يأمرون عليه وعلى أصحابه المشائخ وأولادهم أنشد شعراً وأمر بكتبه على الباب [ق/153] قال الحاج المذكور وغيره فانهدم البناء عقيبه وهو شعر حميني، منه قوله:
خالق الروح .... قابض للروح
قل لراعي السجن ويحه .... ما معه في السجن مصلوح
يغلق أبوابه ويجهد .... إن باب الله مفتوح
وغير ذلك من قبيح أفعالهم).

وأما قضاتهم وإن كان محل ذكرهم صدر هذه الإشارة من هذا الفصل فهم أحط قدراً ممن ذكر لتلبسهم باسم الشريعة المطهرة، وهم داؤها الغي، وهادمها الحي، فيشترون ولاية القضاء وعليهم خراج مضروب، ثم يتزايدون في شراه ويتحاسدون عليه، ولقد يتولى أحدهم القطر أو المدينة أقل من سنة وقد اشترى ذلك غيره ويكون بين يدي فنديهم الأعظم ونوابه صندوق له خرق أعلاه مقفول فالرشوة يقبضها غير صاحب الصندوق على ضرب من الإختفاء، وقد يظهرونها وإنما هذا الصندوق للقانون من كل مدعٍ درهم ومن المدعى عليه كذلك توضع في ذلك المحل، ومن كل زوج يعقد على امرأة حرف، وكل ورقة يكتبها في هذا المحل فكذا، وكل دين ادعاه مدع على آخر فعليه العشر، هذا في حكم الحلال الذي لا يتحاشون من ظهوره فلا يقوم من مجلس الحكم إلا بكذا مال، وأما في قضايا الكبراء والتجار والعظماء فلا ينحصر ما يأخذونه في قضاياهم، ولهم على ذلك أعوان يجلبون المتخاصمين إليهم، ويمنعون التحاكم إلى غيرهم والقعود على النساء يمنعوهم إلا عندهم، وتفصيل هذا يطول لعنهم الله، وقد يوجد فيهم من ظاهره العدالة، ومن فقهائهم أهل علم لكن التصرف فيهم لأهل هذا الجور الكثير فيكون المظاهر لهم وإن كان عالماً مصوباً لفعلهم إذا لم يعتزلهم ولا ينكر عليهم.

وأما الخمور فظاهرة تدار عليهم في الأسواق كما يدار بالماء وربما قد يتشدد ولاتهم إذا كثر فيقطعه من السوق، ويجعلون له حانات في ذلك تباح فيها، وأما اللهو والطرب فهو عادتهم المعروفة وأخلاقهم المألوفة، وأما المعاملة في الربا فظاهرة غالبة عليهم ولا يذكر فيه تحليل ولا تحريم، وإنما يسمونه فائدة، والغدر بمن أمنوه يسمى دولاباً، وقد أشار سيدنا [ق/154] العلامة الزاهد عز الدين محمد بن علي الشكايذي رحمه الله تعالى إلى بعض أحوالهم في قصيدته المشهورة، فإن هذه القصيدة لما كانت من هذا العالم العدل الفاضل تناقلها الفضلاء بل وعامة الناس، ودونت وانتشرت لإصابة المعنى وإلا فإن سيدنا عادت بركاته لا يقول الشعر، ولأجلها اغتالوه وسموه، ولما مات رحمه الله خرج في جنازته عامة أهل صنعاء حتى المخدرات.
قالوا: فكان الطاغي سنان لا رحمه الله يضرب صدره، ويقول: إذا كان هذا حال جنازته كيف لو خرج علينا وهو حي، فإنهم كانوا احترسوا عليه لا يهاجر وهذه القصيدة:
بشرى لنا شيعة أهل البيت بشرانا .... قد أدبر العسر حين اليسر فاجانا
فالحمد لله إسراراً وإعلانا .... حمداً يكون رضاً لله سبحانا
أغاثنا وبحار الهم يغشانا
[.........................................................]
من بعد يأس وقد كانت معطلة .... معالم الدين والعصيان أفنانا
والمنكرات على الأشهاد قد ظهرت .... لا يستطاع لها رداً وكتمانا
القتل والصلب والتحريق قد فعلوا .... والشحن للجلد بعد السلخ أتبانا
كذا الربا والزنا والخمر قد شربوا .... جهراً وباعوه في الأسواق أدنانا

والمرد في حلة النسوان قد شاءوا .... عليهم من رفيع القز قمصانا
قد عمموا بمناديل لها هدب .... من الحرير وفيه الصبغ ألوانا
على قلانس فوق الروس تحسبها .... من كثر الذهب المحبوك تيجانا
والجاهل النذل يأتي كل مخزية .... بين العوالم في الأسواق إعلانا
والعالم الحبر لا تبدو مسائله .... خوفاً كأن اكتساب العلم عصيانا
والشرع قد طمست أعلامه فبقوا .... كل الخلائق بعد الطمس عميانا
قاضي الشريعة علج ما له ثقة .... دان على الدن لا ينفك سكرانا
يقضي بجهل لمن أرشى ولو كذب .... شهوده وادعى زوراً وبهتانا
تالله ما ملة جاءت بذا أبداً .... ولا حكوه لفرعون وهامانا
ولا أتى من عتى كفر وزندقة .... فمثله لا ولا من يعبد أوثانا
كم ذمة خرموا عهداً وكم نقضوا .... عهداً وقد حلفوا بالله أيمانا
[ق/155]
فكيف يصفو لذي لب مشار .... أو يغدوا لنوم بعد اليوم إنسانا
أو تسريح أمر قد طال ما نظرت .... عيناه ما صنعوا عهداً وعدوانا
وكم أعدوكم من مسلم تركوا .... منه المدامع في الخدين هتانا
يا للإله ويا للمسلمين معاً .... أغيثوا الدين إن الدين قد هانا
أين الحمية في الإسلام إذا هدمت .... قواعد الدين والجبار غضبانا
لا تأمنوا مكر مولاكم فقد عظمت .... زلاتكم فاحذروا خسفاً وطوفانا
فقد علمتم بأهل السبت ما فعلوا .... وأصبحوا بعد ذلك الفعل قردانا
من عند باريكم قد جاءكم فرج .... توبوا إليه تروا عزاً وغفرانا

داع دعاكم إلى دار السلام غداً .... لبوا نداه وقولوا أنت مولانا
قولوا سمعنا وما أملت نفعله .... يا داعي الله ما يرضيك أرضانا
أحييت من ديننا ما كان مندرساً .... جزاك ربك جنات وعرفانا
أين القبائل من بدو ومن حضر .... كحاشد وبكيل ثم خولانا
هم الأسود أسود الحرب ما قصدوا .... طاغ فأبقوا له في الأرض إمكانا
أبطالهم في ظلام الليل ما رقدوا .... ولا برح غازي الأتراك سهرانا
والسبق للسادة الأنجاد ما كرمت .... أصولهم وغدوا في الناس أعيانا
أهل الإعانة في الإسلام ما سبقوا .... كمثل سادات كحلان وغربانا
وفيهم الحسنان السيدان هما .... صارا لعين في أعين الناس أعيانا
ونعم من نهم قد شاعت وقائعهم .... في الأرض ما برحوا للدين أعوانا
وكم رجال من الأتراك قد قتلوا .... وأرملوا من بنات الروم نسوانا
أيا قبائل لا تعصوا الإمام ومن .... ولي عليكم أطعتم ذاك إذعانا
فقد دعاكم لما تحيوا بذا أبداً .... وتستحقوا من الرحمن رضوانا
دعا إلى الله في وقت قد انطمست .... فيه الحقوق كأن الدين ما كانا
بلا معين ولا مال لديه ولا .... حصن يلوذ به إن خاف سلطانا
إلا رجال شروا الله أنفسهم .... وأموالهم وغدوا في الله إخوانا
بعض أسارى وبعضاً منهم قتلوا .... في الله صبراً ونالوا منه رضوانا
هذا هو الفضل لا قعبان من لبن .... شيبا بماء فعاد اللون سرحانا
[ق/156]
يهنيكم النصر للمنصور من شهدت .... له الهواتف في الآفاق إعلانا

والناس قد سمعوا الداعي يصيح بيا .... إمام قاسم أوقاتاً وأحيانا
فهل سمعتم كرامات قد اتفقت .... لقائم مثل ما كانت لمولانا
أو استمرت كاستمرار هاتفه .... والآن باق فمن شا بات سهرانا
لا والذي نصب الأجبال راسية .... ما قد علمنا بداع مثلما كانا
إمام حق جواد فيض أنمله .... على الخلائق مثل الغيث هتانا
فللسطا والعطايا كفه خلقت .... غوثاً لملهوفنا حتفاً لأعدانا
وكم أعد كرامات قد اشتهرت .... لا يستطاع لها سبطاً وحسبانا
يا رب فاحفظ على الإسلام مهجته .... بما حفظت به في اللوح قرآنا
ومن أراد به سوءاً فخذه ولا .... تبقى عليه ولا تصلح له شانا
لا زال في كل وقت يشتكي وجعاً .... في الرأس والعين فاطمسها والأجفانا
وابله بآكلة يا رب تأكله .... في وجهه ليراه الناس برهانا
أما الأمير شهاب الدين حطه ولا .... تجعل عليه سبيلاً أينما كانا
قد شرف الدين تشريفاً يعز به .... بعزمه تارة والحزم أحيانا
ما يبرح السيف مشدوداً بعاتقه .... لله درك ضراباً وطعانا
قد أهلك الترك في سهل وفي جبل .... وبات منه وزير الترك سهرانا
بالنوم مااكتحلوا من خوفه أبداً .... وفي الشوارع رجلاناً وركبانا
ما زال يقصدهم إلى مخيمهم .... وهم كشاة رأت في القاع سرحانا
كم حاز من عدد منهم ومن مدد .... وفي الغنائم أغنانا وأقنانا
وكم أباد من الأعداء بصارمه .... وفي البنادق أفنى رب شيطانا
من المعينين للأتراك ما برحوا .... عن اتباع الهدى صماً وعميانا

48 / 109
ع
En
A+
A-