[رسائله لعامة المسلمين]
وله عليه السلام في مثل ذلك ما لا يحصى كثرة، أحسبها إلى الألوف، ونلحق هذه لمناسبتها ما تقدم وهي:
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}، {إِنَّ الله اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ الله فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين، ورضي الله عن أصحابه الأكرمين.

كتابنا هذا إلى من وقف عليه من المسلمين، أما بعد: فإنا لنحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو إليكم، ثم إنا ندعوكم إلى جهاد أعداء الله الذين ظلموا العباد، وأظهروا في الأرض الفساد، وشربوا الخمور، ونكحوا الذكور، واستباحوا دماء المحترمين من المؤمنين، فقتلوا الأطفال والنساء، ومن لا يحمل سلاحاً من الضعفاء والمساكين، وأنتم تعلمون ذلك ولا تجهلونه، قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}، وقال تعالى: {انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ الله ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}، وقال تعالى: {إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وقال سبحانه: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} وإياكم والإقتداء بكفرة بني إسرائيل فإنهم كانوا كما حكى الله فيهم حيث قال سبحانه: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ[ق/24] ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا

يَعْتَدُونَ، كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ، تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ الله عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ، وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} وبلغنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((أمراء يكونون من بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردون علي الحوض، ومن لم يصدقهم على كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم وسيردون علي الحوض)). ومن الإعانة لهم[على ظلمهم] تسليم الأموال إليهم كما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ما معناه: ((من جبى -أي سلم- لسلطان جائر درهماً كبه الله على منخريه)). وبلغنا عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((المعين للظالمين كالمعين لفرعون على موسى)).
وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((ليخرجن ناس من أمتي من قبورهم في صور الخنازير بما داهنوا أهل المعاصي، وكفوا عن نهيهم وهم يستطيعون)).

ومما رواه الموالف والمخالف وتلقته الأمة بالقبول ما بلغنا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوماً كأن وجوههم المجان المطرقة-يعني الترك-)). وفي رواية: ((صغار الأعين ذلف الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة)). وهذا الحديث رواه البخاري، ومسلم وأبو داود، والترمذي، والنسائي في صحاحهم وغيرهم.
وعن بريدة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((يقاتلكم قوم صغار الأعين-يعني الترك-)). أخرجه أبو داود.
هذان الخبران من النصوص المفيدة أن الترك على خلاف الحق، وأن المسلمين يقاتلونهم ولا يقاتل المسلمين إلا من كان عادياً يجب قتاله، يؤيد ذلك ما رواه أبو داود عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إذا كان آخر الزمان جاء بنو قيطور أعراض الوجوه صغار الأعين حتى ينزلوا على شط النهر فيفترق أهلها ثلاث فرق، فرقة يأخذون أذناب البقر والبرية وهلكوا -يعني هلكوا في دينهم لتركهم جهاد الترك- وفرقة يأخذون لأنفسهم وكفروا-يعني يأخذون لأنفسهم الأمان فيكفرون-، وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ويقاتلون وهم الشهداء)) .

فإني ملزمكم أيها المسلمون ما ألزمكم الله في كتابه[ق/25] ورسوله في سنته، فكونوا رحمكم الله من الذين قال الله فيهم: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ولا تكونوا من الذين قال الله فيهم: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا الله فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} ومعنى قوله تعالى: ويقبضون أيديهم أي يعني الجهاد والإنفاق في سبيل الله.

وبلغنا عن أبي جعفر محمد الباقر، عن أبيه علي بن الحسين زين العابدين، عن أبيه الشهيد الحسين سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((يكون في آخر الزمان قوم مراؤن فيتقربون ويتنسكون لا يوجبون أمراً بالمعروف ولا نهياً عن المنكر إلا إذا أمنوا الضرر، يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير يتتبعون زلات العلماء، وما لا يضرهم في نفس ولا مال، فلو أضرت الصلاة والصيام وسائر ما يعملون بأموالهم وأولادهم وأبدانهم لرفضوها)). وقد رفضوا أسنم الفرائض وأشرفها، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصالحين، فريضة تقام بها الفرائض، وتحل المكاسب، وتطرد المظالم، وتعمر الأرض، وتنتصف من الأعداء، فأنكروا المنكر بألسنتكم، وصكوا بها جباههم، قال: ((وأوحى الله إلى نبي من أنبيائه عليهم السلام إني معذب من قومك مائة ألف، أربعين ألفاً من شرارهم، وستيناً ألفاً من خيارهم، قال: يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ قال: داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي)).
وبلغنا عن جرير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((ما من رجل يجاور قوماً فيعمل بين ظهرانيهم بالمعاصي فلا يأخذون على يده إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب)).

وبلغنا عن أبي جعفر محمد بن علي رحمة الله عليه أنه كان يروي ويقول: إذا كان يوم القيامة جعل الله سرادق من نار وجعل فيه أعوان الظلمة ويجعل لهم أظافير من حديد يحكون بها صدورهم حتى تبدو أفئدتهم فتحترق فيقولون ربنا ألم نكن نعبدك؟ فيقول: بلى ولكنكم كنتم أعواناً للظالمين.
اللهم إن حجتك قائمة على خلقك، فمن آثر رضاك على هواه فلقه اليسر، واشرح له الصدر، وضاعف له الحسنات، وامح عنه السيئات[ق/26]، واحمه من المكروهات، اللهم ومن أبى إلا النكوص على عقبيه فخذه بذنبه وانتقمه، واعكس أمله، وامحق عمله، وابله بشر منا، وارزقنا خيراً منه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)) . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

[كرامات الإمام]
وأما كراماته عليه السلام فهي كثيرة.
قال السيد أحمد بن محمد نفع الله به: منها: أنها خضعت له رقاب القبايل عامة وقبايل المشرق خاصة، وأهابوا جانبه، وعظموا شأنه واحترموا من اعتزى إليه من جميع أصحابه، وأمنوا الطرقات.
ومنها: أنه عليه السلام ترك خزانته وجميع ما معه في موضع يسمى العصيدة في جهات برط مع ثلاثة نفر من أصحابه وبينهم وبين القرى فراسخ، فقصدهم قوم في الليل فعطبت أيديهم على سلاحهم، وصرفهم الله، حكى ذلك الفقيه الفاضل الزاهد العابد جمال الدين: محمد بن علي اليعقوبي رحمه الله.
ومنها: أن شيخاً من مشائخ أهل برط اسمه يحيى أبو عروق تبرأ من الإمام عليه السلام وأصحابه، فصاح في السوق أنه بريء منهم، وذلك حين قصد الأتراك إلى جهة برط فدعا عليه الإمام عليه السلام فأهلكه الله بسرعة نعته، لعله لم يلبث إلا أقل من أسبوع.

ومنها: أنه عليه السلام لما وصل الأتراك إلى جهة برط والتجأ الإمام عليه السلام ومن معه إلى قفر في تلك الجهات فأصبحوا ذات يوم وليس معهم من الطعام شيء، فاعتزل الإمام عليه السلام هو وولده الحسين بن أمير المؤمنين إلى مكان خالٍ من أصحابه غير بعيد، فدعا إلى الله سبحانه وسأله من فضله، فإذا جمل موقر عنباً سبق صاحبه، فلما وصل إلى الإمام قسم له ولأصحابه نصف ذلك العنب، ودعا له الإمام عليه السلام، وبقى الإمام عليه السلام هو وأصحابه ذلك اليوم ولا شيء معهم على خوف من الأتراك إلى اليوم التالي، فإذا جماعة وصلوا من اليمن بمال كثير للإمام عليه السلام زهاء مأتي حرف، فأخذ الإمام عليه السلام وقر ثلاث جمال بر وأخذ له رفقاً في الطريق وسار ليلة إلى موضع قفر يسمى العقل، فوافق هناك شيخاً من مشائخ ذي حسين من مشارق برط من دهمة[ق/26] اسمه أبو حياد محمد بن علي وقدكان هذا الشيخ نافراً من الإمام عليه السلام فألقى الله في قلبه محبة للإمام عليه السلام عظيمة يقل الوصف عنها، وبقى الإمام عليه السلام وأصحابه في تلك القفار معه وحواليه حتى رجعت الأتراك من برط إلى صعدة.
ومنها: أن الثعابين والحيات في تلك الجهات كثيرة وقد أهلكت كثيراً من أهلها وعلى قبر كل من هلك منهم منها علامة يعرف بها أنه هلك بسم الأفاعي ينقبون ذلك في حجارة على قبورهم، ولم يقع في الإمام عليه السلام ولا جميع أصحابه ولامن وصل إليه شيء من ذلك مع كون بقايهم أكثر ذلك الزمان في القفار.

ومنها: أنه عليه السلام دعا إلى الله سبحانه وتعالى بتعجيل الفرج عند صخرة هنالك لها مثل النسر جناحان عرضها قدر ثلاثين ذراعاً على قطب في وسطها مثل قطب الرحى، حامل لها في الهواء فاستجاب الله سبحانه له ولم يمش إلا خطاً يسيرة قدر نصف مرمى، فإذا البشير بالفرج برجوع الأتراك من برط إلى صعدة.
ومنها: أنه أصبح ذات يوم هو وأولاده الثلاثة عليهم السلام علي والحسن والحسين ولا غداء معهم في شدة الخوف إذ كان عليه السلام لا يأكل إلا من النذر والهدية فإذا رجل بصحفة فيها عريك بر وسمن ملفوفة الصحفة في جراب فوضعها بين يدي الإمام، فأكل الإمام عليه السلام وأولاده حتى شبعوا، ودفع الباقي إلى أصحابه، وكان بين الإمام عليه السلام وبين الحي مرحلتان وسار الرجل ولم يعرف له اسم ولا خبر.
ومنها: أنه عليه السلام دعا على رجل من ذي حسين من دهمة أشار بيده إلى الثياب التي على الإمام وأصحابه وتكلم بكلام فيه أذية للإمام عليه السلام فسقط الرجل فغاب أصبعه في كفه، فندم الرجل وسأل الإمام عليه السلام أن يرضى عليه ويدعو له، فدعا له الإمام فرجعت يده كما كانت من قبل صحيحة.

27 / 109
ع
En
A+
A-