ومن الأهمية بمكان ان نذكر أن مؤرخنا كان قد سجل مجريات الأحداث لمؤلفه (النبذة المشيرة) خلال سنوات حكم الإمام المتوكل على الله إسماعيل وهو ما أشار إليه في نهاية كتابه بقوله: "حررت في أيام مولانا أمير المؤمنين المتوكل على الله إسماعيل لعشر بقين من شهر ربيع الأول خمس وستين وألف من الهجرة النبوية".
وتجدر الإشارة إلى أن هذه السيرة كانت مصدراً هاماً ورئيساً لمادة تاريخية اعتمدت عليها الباحثة السعودية أميرة المداح نالت بها درجة علمية -ماجستير- من جامعة مكة المكرمة.
2- الجوهرة المنيرة في تاريخ الخلافة المؤيدية
تناول مؤرخنا في مؤلفه (الجوهرة المنيرة) الحديث عن سيرة الإمام المؤيد بالله محمد. منذ توليه الإمامة عقب وفاة أبيه الإمام القاسم سنة (1029ه/1619م) وحتى وفاته سنة (1054ه/1635م). وأفرد الجرموزي جانباً كبيراً من كتابه لثورة الإمام المؤيد بالله محمد ضد العثمانيين حيث سجل وقائع وأحداث الحروب التي خاضها معهم. انتهاءً بخروجهم (جلاؤهم) عن اليمن سنة (1036ه/1635م)، كما أنه تطرق إلى تلك السياسة التي اتبعها الإمام المؤيد ضد معارضيه.
وتحدث الجرموزي في مؤلفه عن العلماء والفقهاء والأدباء الذين عاصروا الإمام المؤيد ووالده الإمام القاسم، بالإضافة إلى رجال الدولة وحكام المناطق المختلفة في اليمن -خلال حكم المؤيد- الذين اشتركوا في القتال ضد العثمانيين أو المعارضين لحكم الإمام المؤيد بالله محمد.
3- تحفة الأسماع والأبصار بما في السيرة المتوكلية من غرائب الأخبار
تناول المؤرخ الجرموزي في كتابه (تحفة الأسماع) سيرة الإمام المتوكل على الله إسماعيل، وقد تطرق في مقدمته للحديث عن المعارضين لإمامة الإمام المتوكل على الله، وكيف حسم الإمام -المتوكل- الصراع القائم -وقتئذ- بين أفراد الأسرة القاسمية -المعارضين- والذي انتهى بتوليه إدارة شئون البلاد في عام (1054ه/1644م).
ورسم مؤرخنا بدقة متناهية صورة واضحة للسياسة التي اتبعها الإمام لمد نفوذه إلى المناطق الجنوبية من البلاد بغرض ضمها في إطار الدولة الواحدة، وقد خصص حيزاً كبيراً من السيرة للحديث عن الوقائع والأحداث التي خاضتها قوات الإمام بقيادة أحمد بن الحسن بن القاسم في تلك المناطق، كما وضح بشكل جلي المعارك التي خاضتها قوات الإمام المتوكل في المناطق الجنوبية، والهادفة إلى توحيد اليمن تحت لواء دولة مركزية واحدة امتدت سيطرتها إلى حضرموت وما جاورها من مشرق اليمن وجنوبه.
وتطرق المؤرخ كذلك إلى الحياة السياسية والعلمية للإمام المتوكل على الله إسماعيل، بالإضافة إلى إصلاحاته الاقتصادية.
واهتم المؤرخ برصد معالم السياسة الخارجية التي انتهجها الإمام المتوكل مع عدد من الأقطار العربية والإسلامية، وبعض الدول الأوروبية، كما أنه ترجم للمعاصرين من علماء، وفقهاء، وأدباء ممن عاصروا الإمام المتوكل على الله، بالإضافة إلى الحياة العلمية التي شهدها عصره.
وتجدر الإشارة بأن الباحث حقق هذه السيرة ونال عليها درجة علمية -ماجستير- كما أنها كانت مصدراً هاماً ورئيساً لمادة تاريخية اعتمدت عليها باحثة سعودية ونالت هي الأخرى بها درجة علمية -ماجستير- من جامعة الملك عبد العزيز بجدة.
4- عقد الجواهر البهية في معرفة المملكة اليمنية، والدولة الفاطمية الحسينية
تناول مؤرخنا في كتابه (عقد الجواهر البهية) أخبار من ملك اليمن منذ عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وانتهاء بعصره، ولم يقدر أهمية هذا الكتاب كما يقول مؤرخ معاصر: "سوى ناس قليلين منهم الشيخ حمد الجاسر الذي يمتلك نسخة من الأم المجهولة".
البحث عن النسخ واختيار النسخة الأم
إن القيام بتحقيق المخطوطات عملية ليست بالسهلة -كما يتصورها البعض- لكنها في واقع الأمر عملية يدخل معها الباحث -المحقق- في سلسلة من الإجراءات التي لا بد منها لإظهار عمله بالمستوى الذي ينبغي أن يكون، حيث يتطلب منه -الباحث- السعي حثيثاً للحصول أولاً على النسخة الأم، تليها مهمة أخرى شاقة تتمثل في البحث عن نسخ أخرى نسخت عن المخطوطة الأصلية -الأم- فإذا تعذر عليه الأمر في الحصول على النسخة الأم يتوجب عليه -حينئذ- اختيار إحدى النسخ التي توافرت بين يديه من نسخ المخطوط المراد تحقيقه وجعلها أماً يستند عليها خلال عملية التحقيق، ولعل ذلك ما عمدت إليه حينما عزمت على تحقيق مخطوطة (النبذة المشيرة) للمؤرخ المطهر بن محمد الجرموزي، إلى جانب موضوع رسالة الدكتوراه (ثورة الإمام القاسم ضد الوجود العثماني الأول في اليمن) كما تناولتها في فصولها الخمسة الآنفة الذكر.
كانت مهمتي الأولى التقصي والبحث الدقيقين في فهارس المخطوطات التابعة للمكتبات العامة والخاصة، اتجهت بداية -بهذا الشأن- إلى دار المخطوطات -الواقع بجانب الجامع الكبير بصنعاء القديمة- الذي يعنى بشؤون المخطوطات في اليمن، قمت عقب ذلك بقراءة دقيقة لمحتويات فهرست المكتبة الغربية بالجامع الكبير -التي تضم أعداداً غير قليلة من المخطوطات- التي أعدها المختصون في الدار، بطريقة علمية لتسهيل مهام الباحثين، وبعد جهد في عملية البحث لم أجد ما كنت أتوخاه، كان عليّ عقب ذلك البحث في فهرست مكتبة الأوقاف التابعة كذلك للجامع الكبير، وبعد بحث وجدت في فهرست المكتبة نسخة للمخطوط تحت رقم (2159).
وفي حقيقة الأمر لم أكتف بالبحث (السابق الذكر)، كما هو دأب الباحث وراء تحقيق المخطوطات، فكان أن عمدت إلى المصادر والمراجع اليمنية التي تناولت في محتوياتها الحديث عن الأعلام (المؤرخون ...الأدباء...إلخ) مثل كتاب (حوليات يمانية) للأستاذ عبد الله الحبشي ومؤلفه الآخر (مصادر الفكر الإسلامي)، وكتاب (مصادر التراث اليمني في المتحف البريطاني) للأستاذ الدكتور حسين العمري، وكتابي (أعلام الزيدية) و(مصادر التراث في المكتبات الخاصة في اليمن) للأستاذ عبد السلام الوجيه، وكتاب (مصادر تأريخ اليمن الإسلامي) لأيمن فؤاد السيد.
ولقد أشارت تلك المصادر إلى وجود نسختين للمخطوطة، إحداهما في الجامع الكبير تحت رقم (19خ1094)، فيما ذكرت أن ثانيهما -نسخ المخطوطة- توجد في المتحف البريطاني بلندن رقم (or. 3329).
فقمت بتصوير نسخة مكتبة الأوقاف.
وتجدر الإشارة أن أستاذي المشرف الدكتور حسين العمري، كان قد أعارني من مكتبته الخاصة نسخة مصورة للمخطوط صادرة عن مكتبة اليمن الكبرى.
ولقد قمت بزيارات لبعض المكتبات الخاصة -لدى الأهالي- كان المؤمل منها الحصول على نسخ للمخطوط، ومن تلك المكتبات على سبيل المثال، مكتبة المفتي أحمد زبارة، ومكتبة الوالد القاضي محمد قاسم الوجيه (رحمه الله)، ولكني في حقيقة الأمر لم أجد أي نسخ للمخطوط بين محتويات تلك المكتبات.
من جانب آخر حرصت كذلك على الاتصال بأسرة المؤرخ الجرموزي، حيث تربطني علاقة طيبة بأحد أفرادها وهو الأستاذ محمد بن يحيى الجرموزي، والذي زرته في منزله، وقام مشكوراً بإجراء اتصالاته بحفيد المؤرخ وهو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الجرموزي في عزلة سماه من مديرية عتمة بمحافظة ذمار، وبعد إجراءات مطولة مع أسرة المؤرخ الجرموزي -وهي مشكورة الجانب- قام الأخ عبد الله الجرموزي (أحد أحفاد المؤرخ) بإيصال المخطوطة إلى منزل الأستاذ محمد الجرموزي وقمت عقب ذلك بتصوير نسخة المخطوطة.
وبعد أن قطعت شوطاً كبيراً في نسخ المخطوطة التي اعتمدت عليها -النسخة الأم- تسلمت نسخة أخرى للمخطوطة من مكتبة المتحف البريطاني، أرسلها أستاذي المشرف مشكوراً من مقر عمله في لندن في بداية عام (2001م) حيث كان يشغل منصب سفير الجمهورية اليمنية لدى المملكة المتحدة.
أما بالنسبة للنسخة التي اعتمدت عليها -واعتبرتها النسخة الأم- عند قيامي بعملية النسخ، فهي نسخة مكتبة اليمن الكبرى، وقد أشرت إليها بالرمز (ك)، وكانت هناك جملة من المسببات جعلتني أتخذها النسخة الأم، نستعرضها تفصيلاً في إطار الحديث عنها.
وفيما يلي وصفا للنسخ التي اعتمدت عليها عن تحقيقي للمخطوطة، كل حدة:
1- نسخة مكتبة اليمن الكبرى، وتم الإشارة إليها في الرسالة بالرمز (ك) وتقع في (508) ورقة، تضم كل صفحة منها (26) سطراً) كتبت بخط نسخي معتاد وجميل.
2- نسخة المتحف البريطاني (لندن)، وأشرت إليها بالرمز (م) حملت رقم (or. 3329) حسب فهرستها في المتحف البريطاني، وتقع في (286)ورقة، تضم كل صفحة منها (24) سطراً، كتبت بخط نسخي معتاد، فرغ ناسخها من عملية نسخها في يوم السبت 19 شعبان 1064ه/5يوليو 1654م.
3- نسخة مكتبة العلامة الفاضل السيد محمد بن عبد الرحمن بن قاسم بن عبد الله الجرموزي أحد أحفاد المؤلف المطهر بن محمد الجرموزي، وكان حاكماً لناحية عتمة حتى تاريخ العاشر ذي الحجة من سنة 1407ه/6أغسطس 1987م كما كتب على ورقة في نهاية المخطوطة،
…ويبدو أنها بخط المؤلف نفسه -الجرموزي- إلا أن بها خرماً أذهب قريب النصف منها، وعليه فقط اكتفيت بالاستئناس بها، وهي تقع في (106) ورقة، ضمت كل صفحة منها (28) سطراً كتبت بخط نسخي معتاد.
4- نسخة الجامع الكبير، مكتبة الأوقاف، وأشرت إليها بالرمز (ج) حملت الرقم (2156) كما جاء في فهرست المكتبة، وتقع في (261) ورقة، تضم كل صفحة منها (27) سطراً، كتبت بخط نسخي معتاد، فرغ ناسخها من نسخها في 1063ه/ 1653م
وحيال هذا العدد من النسخ التي توافرت لدي لنفس المخطوط، كان من الأهمية بمكان إجراء مقارنة دقيقة بينها لإيضاح الأسباب التي أدت إلى اختياري للنسخة الأولى (ك) واعتبرتها النسخة الأم (للمخطوط)، ولعل ما ذهبت إليه تدعمه عدة أسباب أوجزها فيما يلي:
1- النسخة (ك) لا يعتريها أي نقص في محتوياتها من الأحداث إضافة إلى أنها جاءت مرتبة في سياق أحداثها الزمنية كما أرادها المؤلف. كما أن خطها جميل وواضح غير مهمل النقط.
2- أما بالنسبة لنسخة المتحف البريطاني بلندن (م)، فهي الأخرى واضحة، حيث كتبت بخط نسخي معتاد، ولقد اهتم في حقيقة الأمر ناسخها بكل محتوياتها، فهو قد كتب عناوينها باللون الأسود الواضح، وقد أشار ناسخها أنه فرغ منها في (يوم السبت 19شعبان لسنة 1064ه/1654م) إلا أنه لم يثبت اسمه في نهاية النسخة، كما جرت عليه عادة الناسخ واكتفى بالإشارة إلى التأريخ كما أوردناه سابقاً. وتجدر الإحاطة إلى أنه خلال عملية المقارنة التي أجريناها مع النسخة (ك)، اتضح لنا أنه قد شابها بعض العيوب نوردها فيما يلي:
أ- لوحظ أن هناك عدداً من الكلمات في أوراقها قد سقطت، ولم يشر الناسخ إليها -يثبتها- في حواشي الأوراق كما هو معتاد من خلال وضع إشارة السهم القلوب (7) ثم يثبت الكلمة التي سقطت في الحواشي ويتضح ذلك جلياً كما أثبتناه في هوامش الأوراق (30،31،78،122،126) من النسخة (ك).
ب- يلاحظ على النسخة (م) ظهور بعض الإضافات على الهوامش منها على سبيل المثال في الورقة (132/أ) حيث كتب العبارة التالية (وجميعهم مولانا أمير المؤمنين علي بن أمير المؤمنين القاسم رحمه الله) وهي بغير خط الناسخ.
ج- أسقط الناسخ أحدى رسائل الإمام التي وجهها إلى قبائل الحيمة بشأن الداعي ناصر الغرباني كما هي مثبوتة في النسخة (ك) تحديداً في الورقة (478) وبدايتها .."ومن الرسائل التي أرسل الإمام عليه السلام في أمره في شهر محرم من سنة تسع وعشرين وألف" أما نهاية الرسالة فهي كما جاءت مثبتة في الورقة (480) من النسخة (ك)، ولم يشر الناسخ إلى ذلك، كما جرت العادة -النساخ- إثبات ما سقط في حواشي الأوراق، تجدر الإشارة أن الرسالة -السالفة الذكر- تقع في ورقتين، وهو ما أشرنا إليه في هوامش الورقة (480).
3- وبالنسبة للنسخة (ج) فلم تخل هي الأخرى من عيوب ظاهرة، على الرغم من وضوح خطها، حيث نجد أن الناسخ أسقط عدداً غير قليل من الكلمات ولم يشر إليها في حواشي الأوراق، أثبتنا ما ذهبنا إليه -الباحث- في هوامش الأوراق (30،31،78،126، 147، 155، 443) من النسخة (ك) ويلاحظ كذلك ان الناسخ قد أسقط مقدار صفحتين من محتويات نسخته أشرنا إلى ذلك في الورقة (139) من النسخة (ك).
وصف النسخة الأم
لعل الأسباب التي ذكرناها سابقاً، تؤكد ترجيحي في اختيار النسخة (ك) واعتبارها النسخة الأم. وهو الأمر الذي أفضى إلى الاعتماد عليها عند القيام بنسخ المخطوط لغرض تحقيقها، وهكذا تكون النسخة (ك) قد أحاطت دون غيرها من باقي النسخ المشار إليها سابقاً بأحداث سيرة الإمام القاسم بن محمد حتى سنة وفاته (1029ه/1619م).
وفيما يتعلق بوصف المخطوطة، فسنجد أنها كتبت في أوراق قديمة (صورت) تقع في (508) ورقة، احتوت كل ورقة منها على (26) سطراً جلدت تجليداً سميكاً للحفاظ عليها.
ويلاحظ أن ورقتها الثانية والتي بُدئت بالبسملة لم تكن ضمن محتويات (سيرة الإمام القاسم) -بل كانت مقدمة من قبل ناسخ المخطوطة وهو الحسن بن المطهر الجرموزي -ابن المؤلف- أراد منها (المقدمة) التعريف بأهمية المخطوطة حيث قال: "... فلما اطلع راقم الأحرف الفقير إلى الله الغني، الحسن بن المطهر بن محمد الجرموزي، وفقه الله بأحسن التوفيق، وهداه إلى واضح الطريق، على هذه السيرة الفائقة، والنبذة اللطيفة الرائقة، الجامعة لغرر الأخبار من أخبار الغرر، وسيرة الأخيار أخيار السير..." .