نسبه
هو السيد العلامة المجاهد فخر الدين، المطهر بن محمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله المنتصر بن محمد بن أحمد بن القاسم بن يوسف بن المرتضى بن المفضل بن منصور بن الحجاج بن عبد الله بن علي بن يحيى بن القاسم بن يوسف الداعي بن يحيى الناصر بن أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
أما شهرته بالجرموزي فترجع إلى قريته -مسقط رأسه- بني جرموز من بلاد بني الحارث شمال صنعاء.

مولده ونشأته
في حقيقة الأمر لم نستطع بما وقع بين أيدينا من مصادر -شحيحة- معرفة ما كنا نؤمل من تفاصيل دقيقة عن نشأته أو المشائخ اللذين تتلمذ على أيديهم، ويبدو أن مطولات التراجم اليمنية قد أغفلته، فهو لم يُذكر في كتاب (مطلع البدور ومجمع البحور) لمعاصره القاضي أحمد بن صالح بن أبي الرجال؛ ولعل سبب إغفاله ذلك مرده أن أبا الرجال لم يتناول في تراجمه سوى من تفقهوا في المذهب الزيدي. فيما لم يشر إليه كذلك العلامة المؤرخ محمد بن علي الشوكاني في مؤلفه: (البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع).
ولد المؤرخ الجرموزي في (جمادى الآخرة سنة 1003ه‍/1594م) حيث نشأ في كنف والده. وكان لقربه من الأسرة القاسمية الأثر البالغ في تحصيله العلمي، حيث نال حظاً وافراً من العلم فصار عالماً فقيهاً صاحب دراسة ومعرفة دقيقتين بعلوم الدين لا سيما الأصول والفقه منها.
وهو بذلك حسب المحبي قد: "كان من أعيان الدهر وأفراد العصر علماً وعملاً ونباهة وفضلاً". قرّبه الإمام القاسم إليه فكانت له مكانة عالية لديه. فيما ولاه الإمام المؤيد بالله محمد القضاء على نواحي آنس ووصاب وعتمة، وأبقاه في منصبه كذلك الإمام المتوكل على الله إسماعيل.

وفاته
لم تتفق المصادر التي أرخت للمؤرخ الجرموزي في تحديد تاريخ دقيق لوفاته، فلقد ذكر مؤرخ معاصر أن وفاته كانت في (27 ذي الحجة سنة1077ه‍/1666م)، بينما ذكر المؤرخ يحيى بن الحسين في مؤلفه (بهجة الزمن) أن وفاته كانت في (يوم الإثنين السادس من شهر ذي الحجة سنة1076ه‍/التاسع من مايو1665م) ووافقه إلى ذلك صاحب (مختصر طيب أهل الكسا) إسماعيل بن أحمد، وشاركهما كذلك الجنداري في مؤلفه (الجامع الوجيز) وربما كان الأرجح بينهم جميعاً ما أكده مؤرخ محدث: "أن وفاته كانت في شهر المحرم من سنة 1077ه‍/1666م" استناداً إلى ما ذهب إليه حفيد المؤرخ الجرموزي، أحمد بن الحسن في كتابه (عقود الجوهر في أنباء آل المطهر) عن عمر ناهز السبعين عاماً، وقد وري جثمانه الثرى في قرية سماه من نواحي مديرية عتمة وقبره مشهور مزور.

الجرموزي مؤرخاً
مما لا شك فيه أن الفترة التاريخية التي عاشها المؤرخ الجرموزي (1003-1077ه‍/1594-1666م)، كان لها بالغ الأثر في صقل شخصه كسياسي ومؤرخ، فالنبت غالباً ما ينمُ عن التربة التي تحمله، فكذلك الشخوص عن محيطاتهم الاجتماعية، والجرموزي تنقل في نموّه عبر مراحل متناغمة الإيقاع، والموقع تكاملية الفعل والمحصلة، فسني طفولته التي عاشها في كنف والده أسست للبذرة الأولى في شخصيته التي ازدهرت في السنين اللاحقة من عمره، فكان للشخصية المحاربة التي عرف بها والده كأحد المقاتلين في صفوف جيش الإمام القاسم، إبان ثورته ضد العثمانيين (1006-1029ه‍/1597-1619م) أثرها البالغ في رسم المعالم الأولى لشخص مؤرخنا، وعندما شب عن الطوق عاش وضعاً سياسياً حافلاً بالأحداث لتلك الفترة -الصراع بين الأئمة والعثمانيين- والتي اشتدت أوضاعها السياسية تأزماً في عهد الإمام المؤيد بالله محمد، وانتهت بالجلاء العثماني الأول عن اليمن في عام (1635م)، وبعد وفاة المؤيد (1054ه‍/1644م) تسنّم سدة الحكم من بعده أخيه الإمام المتوكل على الله إسماعيل ليدخل بذلك حسب مؤرخ محدث: "معتركاً سياسياً هاماً على طول سني حكمه تمثل في بسط نفوذ الدولة على أرجاء اليمن قاطبة".

وقد تظافرت عدة عوامل أثرت على نتاجه الفكري وفي رفع شأنه كمؤرخ، منها قرابته للأئمة الزيدية -أسرة القاسم- وارتباطه المباشر بأركان الدولة القاسمية كونه أحد المسؤولين فيها. ومثلت سيره الثلاث التي كتبها عن الإمام القاسم بن محمد وولديه الإمام المؤيد بالله محمد، والإمام المتوكل على الله إسماعيل مصدراً مهماً وموثوق به في التاريخ اليمني الحديث، وكانت تلك السير: "تاريخاً حافلاً لليمن وللأئمة الثلاثة ودولهم وتراجم لمعاصريهم من العلماء والفقهاء والأدباء" كان الجرموزي ممن شاهدها أو عاصرها، ودوّن وقائعها. وهو بذلك قد: "رسم لنا صورة شاملة واضحة لمجريات أحداث تلك الفترة بكل ظروفها وملابساتها السياسية" وهي تساعد حسب مؤرخ معاصر: "باستمرار على توضيح وجهات النظر المختلفة مما كان يعمق في النهاية لتطور الأحداث".
وفي حقيقة الأمر فإن المؤرخ الجرموزي يعتبر أحد النماذج البارزة بين مؤرخي عصره وذلك لغزارة مادته التاريخية ولعمق نظرته وتحليلاته.
ولعل ذلك يتضح جلياً في كتاباته، نورد منها على سبيل المثال ما ذكره عن معركة دارت أحداثها في صعدة إبان فترة الإمام القاسم بن محمد -موضوع دراستنا- بين القوات الإمامية والقوات العثمانية في سنة (1023ه‍/1614م)، خلال محاصرة علي بن الإمام القاسم لقوات جعفر باشا لبسط نفوذ الإمام على صعدة، حيث يقول: "وأما أصحاب مولانا علي ... فإنهم لما سمعوا الحرب عادوا ناشرين رايتهم يضربون مرفعهم مجدين وقد خالطهم الشجن على مولانا علي..." .

وهو في جانب آخر، يتطرق إلى ذكر الصلح الذي عقد بين الإمام القاسم وجعفر باشا في سنة (1025ه‍/1616م) قائلاً: "ثم حصلت المكاتبة بهذا الصلح سراً فما عرف الناس إلا والسيد العلامة جمال الدين عامر بن محمد الذماري قد تقدم إلى صنعاء لعقد الصلح وتحليف الباشا جعفر.." .
ولعله من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن مؤلفاته التاريخية لم تقتصر في محتوياتها على الجانب السياسي، وإن هو حظي بالنصيب الأكبر والأوفر من اهتمام المؤلف، بل تناولت الجانب الاقتصادي كذلك، حيث يذكر على سبيل المثال في مؤلفه -موضوع الدراسة- ضمن أحداث عام (1028ه‍/1618م) أن أسعار الغذاء -الحبوب- قد ارتفعت نتيجة لقلة الأمطار في غالب مناطق البلاد، حيث يقول: "أما المطر فلا عهد لها به والظواهر مثلاً والبلاد الإمامية يعني مشارقها أقل، وارتفعت الأسعار وكاد الطعام يعدم".
وأما الجانب الاجتماعي، فقد حرص المؤرخ الجرموزي على تضمين مؤلفه بعضاً من عادات الأهالي وتقاليدهم، أو ما كان سائداً في أوساط الناس من طقوس اجتماعية أو معتقدات، فهو يشير -على سبيل المثال- إلى واحدة من المعتقدات وهي ظاهرة التبرك بالموجودات، حيث يذكر أن الأهالي تداعوا للتبرك بإحدى الأشجار العملاقة واقعة في منطقة المير، وعمدوا إلى زيارتها، ويوضح ذلك بقوله: "إنه كان في الفراع من أعلى المير وما يقرب من شام صور شجرة عظيمة من أجناس شجر مجموعة من ثلاثة أنواع أو أكثر فكان يقصدها البدوان من الشام واليمن البلاد المقاربة للزيارة والذبائح من الإبل والبقر والغنم".

كما اهتم الجرموزي -أيضاً- بالجانب العمراني وذلك من خلال تدوينه كل ما تم بناؤه أو إصلاحه وترميمه من المساجد والمدارس، مما كان موضع اهتمام الإمام القاسم، فهو يذكر الأعمال العمرانية التي تم إنجازها في مدينة شهارة حيث يقول: "أسس الإمام .. مسجده الجامع في محروس شهارة في رابع شهر محرم عام خمسة عشر وألف .... وساق معظم حجارته من خارج الباب".
ولم يقتصر المؤرخ الجرموزي على ذكر النواحي الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية فحسب بل إنه عمد إلى تضمين مؤلفه الظواهر الطبيعية التي حدثت في تلك الفترة من الزمن، ومن ذلك تتبعه لسير أحد النجوم حيث يقول: "طلع النجم ذو الذنب المشهور وصفته أنه طلع نجم مع الفجر له رأس كالسنان المرتفع وله نور يطلع قبله ثم لا زال يطلع حتى انتهى إلى نحو ثلث السماء أو يزيد وهو يطلع قبل الفجر نوره في كل يوم حتى انتهى إلى ما ذكرناه".
ولم تصرف اهتمامات مؤرخنا الجرموزي التاريخية عن الأدب، حيث اتخذ له مساحة لا بأس بها من اهتماماته عامة، ولقد ضمن مؤلفه العديد من القصائد التي قيلت سواء أكانت مدحاً في الإمام القاسم أو ابتهاجاً بالانتصارات التي حققتها قواته على الجانب العثماني أو غيرها من المناسبات كما تناولتها سيرة الإمام القاسم -موضوع الدراسة-.

ولعل ما أوضحناه -آنفاً- يؤكد بشكل جلي سعة اطلاع مؤرخنا الجرموزي ومعرفته بعلوم عصره يتبين ذلك من خلال مؤلفه موضع الدراسة -النبذة المشيرة إلى جمل من عيون السيرة- فهو إلى جانب اهتمامه بالتاريخ وتتبعه بالرصد لمجريات العصر وأحداثه كان على جانب كبير من الإلمام بالعلوم الأخرى، حيث نجد كتابه زاخراً بالاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فضلاً عن قصائد الشعر والأمثال، ولعله بذلك حسب مؤرخ محدث: "شأنه شأن غيره من معاصريه الذين تشبعوا بالثقافة الإسلامية التي سادت في تلك الفترة الزمنية".

مؤلفات المؤرخ الجرموزي
كتب مؤرخنا الجرموزي خلال سني حياته أربعة مؤلفات، أرّخ في ثلاثة منها للدولة القاسمية، وهي سير للأئمة الثلاثة: الإمام القاسم بن محمد، وولديه الإمام المؤيد بالله محمد، والإمام المتوكل على الله إسماعيل، فيما خصص مؤلفه الرابع للحديث عن أخبار ملوك اليمن منذ عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حتى زمانه. ونتناول فيما يلي بالتفصيل نتاجه الفكري:
1- النبذة المشيرة إلى جمل من عيون السيرة
وهو الكتاب الذي نُعنى بدراسته، حيث تناول فيه الجرموزي سيرة الإمام القاسم بن محمد (ت1029ه‍/1619م) وهناك مسمى آخر لهذه السيرة يأتي تحت عنوان (الدرة المضيئة في السيرة القاسمية). وقد تناول -المؤرخ- فيه جوانب حياة الإمام القاسم الشخصية والعلمية والسياسية والحربية.
وبين الجرموزي في مقدمة كتابه الدافع من تأليفه لهذا الكتاب مؤكداً حرصه على تدوين أحداث الفترة -الإمام القاسم- ووقائعها وجمع أخبارها ممن شاهد أو شارك أو اتصل بالأحداث في حينها حيث قال: "...فإني قد سمعت كثيراً من أخبار مولانا وإمامنا المنصور بالله القاسم بن محمد فأخذ النسيان أكثره، فرأيت أن أعلق في هذا المختصر ما أمكن مما بقي، وأجعل في هذه الأوراق اليسيرة توقيعاً لما أمكن من الجمل".

وقد ضمن المؤرخ الجرموزي في كتابه (النبذة المشيرة) العديد من الرسائل التي تبادلها الإمام القاسم بن محمد مع مؤيديه ومناصريه، وبعض العهود لتعيينات بعض أبنائه وكبار رجال إمامته ممن تولوا مهام تسيير الأمور في الأقاليم التابعة لنفوذه". كما تطرق كذلك إلى تلك الإصلاحات التي قام بها الإمام في مجالات عدة كبناء المدارس وشق قنوات المياه المستخرجة من الينابيع. وسنجد أنه أبدى اهتماماً كبيراً لثورة الإمام القاسم، وهو الجزء الهام في أحداث هذه السيرة، حيث أفرد أغلبه للحديث بشكل مفصل ودقيق لدعوة الإمام وثورته التي خاضها ضد الوجود العثماني الأول في اليمن.
وأورد بشكل مسهب أحداث المعارك التي دارت رحاها -وقتئذ- بين الجانبين الإمامي والعثماني خلال الثورة، والتي قسمها إلى أربع مراحل (نهضات) كما تناولتها فصول الرسالة -السابقة الذكر-.
ووثق مؤرخنا في مؤلفه تلك الرسائل التي تبادلها الإمام مع بعض الولاة العثمانيين الذين تولوا ولاية اليمن خلال فترة الإمام القاسم، وأورد كل اتفاقيات الصلح التي وقعها -الإمام- مع هؤلاء الولاة. كما أنه أورد تراجم لعدد من العلماء والفقهاء، وغيرهم من الأدباء ممن عاصروا الإمام القاسم.
وتناول مؤرخنا في كتابه كذلك العلاقات الخارجية التي كانت قائمة بين الإمام وبعض زعماء دول الجوار. من خلال الرسائل التي كان يبعثها إليهم.

17 / 109
ع
En
A+
A-