1- تحدد مدة الصلح بعام واحد يبدأ من شهر رجب من سنة 1025ه/يوليو-أغسطس1616م، وينتهي في رجب 1026ه/يوليو1617م.
2- يترك للإمام ما تحت يده من مناطق نفوذه والتي حددتها بنود صلح 1016ه/1607م وهي بلاد الحيمة، حضور، جبل مسور، بلاد صعدة، الأهنوم، عذر، وادعة، ظليمة، العصيمات، شهارة، برط.
3- يترك للإمام بموجب صلح 1025ه/1616م المناطق الجديدة التي لم يشملها صلح 1016ه/1607م، وهي المناطق المحيطة بجبل نيسا وحصن الظفير شمال شرقي إقليم حجة، وكذلك الأقاليم الممتدة غرب وشرق بلدة ريدة، وأيضاً المناطق القائمة إلى الغرب والشرق تقريباً من مدينة خمر وبلدة حوث وأطراف إقليمي خولان الشمالية ورازح إلى الشمال من شهارة، ورأس عصر أعلى صنعاء إلى الغرب منها.
4- إنهاء الحصار الذي تضربه القوات الإمامية على إقليم صعدة، وترحيل الأمير صفر حاكم الإقليم سالماً إلى صنعاء.
5- تعيين الأمير صلاح بن أحمد بن الحسين حاكماً لإقليم صعدة من قبل العثمانيين وأن يبقى بمعيته قرابة ألف جندي ونحو مائتي فارس من الجنود العثمانيين واليمنيين، لإدارة الإقليم وتنظيم أموره.
6- أن يظل الطريق من صنعاء -مركز الحكم العثماني- إلى إقليم صعدة في يد العثمانيين لإيصال الإمدادات الغذائية إلى الإقليم.
7- الإفراج عن الرهائن والأسرى من الجانبين.
8- أن يبقى الحسن بن الإمام القاسم لدى الجانب العثماني في سجنه بالدار الحمراء بصنعاء شريطة عدم انتقاله إلى مكان آخر.
ويمكن القول أن الصلح قد أفضى إلى نتائج -إيجابية- كان يؤملها الطرفان بعد أن تبادلت قوات الجانبين الهزيمة والنصر، خلال معارك استمرت قرابة العامين.
فبالنسبة للجانب العثماني، فقد مكن الصلح الوالي العثماني جعفر باشا من الخروج آمناً لدى مغادرته صنعاء -عقب قرار عزله- دون حدوث أية اضطرابات كان يخشاها، أثناء تسليمه أمور الولاية للوالي الجديد محمد باشا. كما اكد الصلح حقيقة هامة هي أنه رغم الانتصارات التي حققها الجانب الإمامي فإنها لم تكن تعني ضعف شوكة العثمانيين كثيراً، فما زالت سيطرتهم على غالب البلاد لها وقعها السياسي والعسكري، كما أن قواتهم كانت أكثر عدداً وأحسن تسليحاً.
استطاع العثمانيون كذلك وضع حد لأي توسع إمامي في الشمال الجبلي الأعلى (إقليم صعدة)، ويتضح ذلك من خلال نص إحدى مواد بنود الصلح تعيين حاكم للإقليم وإبقاء حاميات عسكرية عثمانية فيه من قبل الجانب الزيدي.
ولقد حصل العثمانيون كذلك على التزام ضمني بعدم تدخل الجانب الإمامي في أي أحداث قد تقع في مناطق نفوذهم، ويبدو ذلك واضحاً عندما رفض الإمام عقب الصلح التدخل في النزاع الذي حدث في إقليم صعدة -بعد رحيل جعفر باشا عن صنعاء- بين القوات العثمانية وقبائل صعدة، رغم استجارة تلك القبائل بالإمام، ولم يجبهم إلى طلبهم إلا بعد أن: "كملت السنة وانقضت أيام الصلح".
في ما مثل الصلح بالنسبة للجانب الزيدي -في المرحلة الثالثة للثورة- نجاحاً ملحوظاً في توسيع حدود ممتلكاته، حين أقر الصلح إضافة مناطق جديدة لم يشملها صلح 1016ه/1607م تندرج في إطار مناطق النفوذ الإمامي، ولقد بيّن الصلح حسب مؤرخ محدث: "توجهاً نحو تعايش طويل مع السيطرة العثمانية أو على الأقل إبداء حُسن النية في ذلك".
كما مكّن الصلح الإمام من الإبقاء على ابنه الحسن في سجنه بمركز الحكم العثماني بصنعاء، دون نفيه إلى استانبول -كما كان يهدد الجانب العثماني من قبل بشأنه- وتفادى بذلك مصيراً كاد يؤدي بحياة أحد أبنائه، كما لحق من قبل بأبناء المطهر بن الإمام شرف الدين.
ولقد هيأ الصلح كذلك الظروف المناسبة -مع تداعي المواجهات- بين الجانبين إلى الاستقرار والهدوء- للإمام لإعادة تنظيم نفوذه السياسي وسط التجمع القبلي في مراكز سيطرته في الشمال الجبلي التي كانت أغلب أقسامها وفروعها العليا قد والت الإمامة.
ويبدو أن الصلح قد مكّن الإمام كذلك من إعادة تنظيم هيكله الإداري لتنظيم جمع الضرائب -الزكاة- ومن إقامة إدارة مالية تتولى مهمة رعاية الفرق العسكرية ذات الصفة الرسمية، بالإضافة إلى تلك الفرق القبلية التي كانت تبادر إلى الانخراط في صفوف القوات الإمامية عند الحاجة إليها.
الفصل الخامس المرحلة الرابعة لثورة الإمام القاسم
(1026-1029ه/1617-1620م)
إعادة ترتيب الأوضاع في ولاية اليمن
لقد أدى صلح عام (1025ه/1616م) بين الجانبين -الزيدي والعثماني- كما أشرنا في الفصل السابق إلى استقرار نسبي للأوضاع في الولاية خاصة في شمال البلاد، حيث واصل الإمام القاسم اهتمامه والتوجه نحو اليمنيين في الشمال، وإبراز دور السادة الزيديين في الكفاح من أجل تحقيق أهداف إمامته، لتصبح حسب رأي مؤرح محدث: "ثمة بنية سياسية إمامية تسيطر على الشمال الأعلى من اليمن".
في ما حاول الوالي الجديد محمد باشا منذ أن وطأت قدماه البلاد في أواخر شعبان من سنة (1025ه/أغسطس1616م) تهدئة الأحوال المضطربة، خاصة وقد كانت حسب المؤرخ ابن لطف الله قد: "عمته الخطوب والفتن وتسلمه النصب والحزن وتفرقت قبائله زمراً"، جراء الحروب التي دارت وقائعها بين الطرفين -اليمني والعثماني- خلال فترة ولاية جعفر باشا.
وفي حقيقة الأمر فقد رأى مع بداية مباشرة مهامه، أن الضرورة تقتضي التركيز أكثر على أوضاع العثمانيين في اليمن، ومراجعة شاملة للإدارة العثمانية في الولاية. خاصة الجانب المالي منها، والذي أولاه جل اهتمامه، حيث أعاد تقويم النواحي المالية ومستلزمات إنفاقها، ويتبين ذلك بشكل واضح، حين أمر بالتدقيق في السجلات والدفاتر الخاصة برواتب الجنود العثمانيين، ومطابقة الأسماء التي بموجبها يتم صرف مرتبات هؤلاء الجنود.
كما أنه ضبط في سجلات خاصة تلك المقررات المالية (الرواتب) التي كانت تصرف لزعماء القبائل (الشيوخ) والوجاهات الاجتماعية في الولاية، بحيث استبعد الأسماء الوهمية التي كانت مثبتة في تلك السجلات.
ولقد أدرك محمد باشا ضرورة تقريب اليمنيين إليه، لتسهيل مهام إدارته للولاية، حيث أبدى اهتماماً بأوضاع الأهالي، وذلك بالقضاء على المظالم المالية -كثرة الضرائب- التي كانت سائدة قبيل ولايته وقد أصدر كذلك توجيهاته إلى حكامه وعماله في الأقاليم بالنظر في قضايا الأهالي وسرعة البت فيها بموجب أحكام الشريعة الإسلامية. كما أنه أطلق خلال مكوثه في مدينة تعز في شهر محرم 1025ه/يناير1616م سراح جميع السجناء الذين كانوا في سجن قلعة القاهرة -وقتئذ- وحسب مؤرخ معاصر للأحداث أن البعض من هؤلاء كان نزيلاً في سجن القلعة منذ: "قرابة ثلاثين عاماً". ولقد كان لهذه الإجراءات وقع في نفوس اليمنيين.
من جانب آخر حرص محمد باشا على رعاية حجاج بيت الله الحرام، حيث أولى اهتماماً كبيراً بالمحمل اليمني إلى مكة المكرمة، فقد أمر بتوفير الإمكانات الضرورية لتسهيل مهام الحجاج لأداء مناسك الحج مثل وسائل النقل من: "الجمال والرواحل لركوب الضعفاء والفقراء والأرامل". بالإضافة إلى مدهم بما يحتاجون من المواد الغذائية خلال رحلتهم الشاقة إلى الديار المقدسة.
وأبدى محمد باشا اهتاماً ملحوظاً بالناحية العمرانية، يتمثل ذلك في بنائه للمساجد أو إجراء الترميمات اللازمة للبعض منها، فهو قد أمر خلال زيارته لضريح ولي التصوف الشهير أحمد بن علوان بالحجرية، في شوال 1026ه/1617م ببناء جامع كبير وحفر بئر للجامع بجانب الضريح، وأغلب الظن حسب مؤرخ محدث: "أنه لم يحدث أن فعل وال عثماني مثل هذا من قبل". ولعله أراد بذلك إعطاء مزيد من الاهتمام بالطرق والزوايا الصوفية، والتصوف عامة: "بما من شأنه تقوية الطابع العثماني للتوجهات الروحية في الولاية".
وأمر كذلك بإعادة ترميم سور صنعاء حيث كلف: "العمارين بإصلاح شعبه وصدوعه وإقامته قبل حدوث وقوعه". كما أنه قام بترميم قلاع حجة التي خربت أو آلت للسقوط خلال المعارك التي جرت بين الجانبين الزيدي والعثماني منذ بداية ثورة الإمام القاسم، وأمر ببناء جامع مدينة يريم.
كما حرص محمد باشا على تشديد إجراءاته الأمنية، لحماية الأهالي خلال تنقلاتهم بين المدن -خاصة الرئيسية منها- وعمد في هذا الجانب إلى استمالة العديد من القبائل القريبة من هذه المدن، والتي باتت تمثل مصدر قلق وإزعاج جراء أعمال السلب والنهب في الطرق المؤدية لتلك المدن حيث قرر صرف مرتبات شهرية لهذه القبائل.
وسارع محمد باشا كذلك إلى وضع قيود على تداول مادة الكبريت في منطقة جبل الكبريت -الواقعة إلى الشرق من مدينة ذمار- والتي تصنع منها مادة البارود المادة الرئيسية للذخيرة الحربية، وذلك لمنع تداولها بين الناس خاصة المواليين للإمامة الذين أصبحوا متمرسين في صناعة مادة البارود لاستخدامها خلال معاركهم ضد الجانب العثماني، ولشدة حرصه على عدم تداولها فقد أمر ببناء: "حصن حصين وسور رصين" حول المنطقة -الآنفة الذكر- وجعل لها حراسة عثمانية مشددة.
ولقد اشتهر الوالي محمد باشا بحبه للعلم وتعظيمه للعلماء والفقهاء، فهو لذلك قد قربهم منه وأجرى محاورات ومناقشات معهم لتقريب وجهات النظر في المسائل السياسية والدينية، ولازمه العديد من العلماء في مجالسه أمثال عبد الرحمن بن الصديق الطباطبي، والسيد عيسى بن لطف الله -كتب جزء من سيرة محمد باشا في الجزء الثاني من مؤلفه روح الروح- وحسن أفندي. وكان -محمد باشا- ذو اهتمام واسع بالقراءة في شتى أنواع المعرفة، يتضح ذلك من خلال اقتنائه لمكتبة غاصة بالكتب في جميع الفنون.
وفي محاولة سياسية لكسب ود الزيديين -القريبين من الإمام- أمر بمعاملة خاصة للحسن بن الإمام القاسم، والذي كان مأسوراً في سجن الدار الحمراء بصنعاء منذ عهد جعفر باشا -كما أشرنا آنفاً- حيث أصدر توجيهاته بفك القيود التي كانت محكمة على قدميه، وتلبية طلباته، بل وأذن للعلماء بمجالسته، كما أنه صرح له بالخروج من سجنه للتجول في صنعاء بصحبة الحراس العثمانيين.
ورأى محمد باشا مع بداية مباشرته لمهامه في ولاية اليمن، أن الضرورة تقتضي تعيين هيئة استشارية لمساعدته في تسيير أمور البلاد، تتألف من الأمراء العثمانيين الذين عاصروا سلفه الوالي جعفر باشا، كونهم على دراية وإلمام واسع بمجريات الأوضاع في الولاية، ولعل ذلك يفسر -لنا- تعيينه للأمير محمد بن سنان باشا (كتخذاً له) -نائباً- بحكم خبرته الطويلة بالشئون الداخلية لليمن التي اكتسبها خلال ملازمته للوالي جعفر باشا، بالإضافة إلى علاقاته الاجتماعية بالعديد من زعماء القبائل خاصة في الشمال الجبلي منها، وكان لهذه الخطوة أثرها في إحكام قبضته على أمور الحكم.
وكيفما كان الأمر كان لتلك الإجراءات التي اعتمدها محمد باشا -كما أشرنا آنفاً- أثرها الإيجابي في تثبيت دعائم النفوذ العثماني في اليمن، التي كانت قد أصيبت بمرمى خلال حروب سلفه جعفر باشا، وأدت بالتالي -الإجراءات- إلى استعادة العثمانيين الثقة بأنفسهم وقدرتهم على خوض الحرب مجدداً ضد الجانب الإمامي.
نقض صلح (1025ه/1616م) وتوسيع مناطق الإمام القاسم
أدرك الإمام القاسم مع قدوم الوالي الجديد محمد باشا، أن أوضاع الشمال الجبلي، رغم صلح (1025ه/1616م) ما زالت مستعرة جراء الحروب الطويلة مع الجانب العثماني خاصة وأن انتصاراته التي حققها خلال حروبه السابقة، باتت لا تعني له شيئاً، كون والأوضاع الاقتصادية للمناطق التي تحت نفوذه متردية، وأصبحت جباياتها -الضرائب- لا تفي بالإنفاق على هيئته الدعوة والقائمين على إدارة أمور الأقاليم التابعة له. إضافة إلى الإنفاقات الضرورية للفرق العسكرية الإمامية.
وخضوعاً لهذه الحقيقة، فقد سعى -من جانبه- إلى الاتصال بالوالي الجديد عند وصوله إلى صنعاء في شهر ربيع الأول 1026ه/مارس1616م. طالباً مد فترة الصلح -السابق الذكر- إلى عشر سنوات بدلاً من سنة واحدة. إلا أن محمد باشا رفض من جانبه عرض الإمام بحجة أنه لم يكن على اطلاع واسع بأوضاع الولاية لقرب وصوله إليها.
ويبدو أن محمد باشا كان يطمح من خلال ذلك -الرفض- تحقيق انتصارات تذكر ضد الجانب الزيدي، ترفع من شأنه لدى رجالات الدولة العثمانية في استانبول.
وفي واقع الأمر لم تكن الظروف الاقتصادية -الآنفة الذكر- سبباً رئيسياً في ما ذهب إليه الإمام من مد لفترة الصلح، بل إن الأوضاع القائمة -وقتئذ- كانت بالغة التعقيد، فخطوط المواجهة بين قوات الجانبين -الإمامي والعثماني- باتت في حالة استنفار -خصوصاً مع قدوم محمد باشا إلى صنعاء- مما يعني انفجار الوضع في أي وقت، والخوض في أتون حرب جديدة. ولقد فرضت الحقائق نفسها على أرض الواقع -حول هذا الشأن- فإقليم صعدة أصبحت أوضاعه غير مستقرة، حيث أخفق الإمام وجعفر باشا في تثبيت سيطرة فعالة لأي منهما هناك. بينما أدى مد النفوذ والسيطرة الإمامية على إقليم الحيمة، إلى ازدياد القلق في الجانب العثماني خاصة بعد سيطرة الموالين للإمام على منطقة حضور الواقعة غرب صنعاء، وهو الأمر الذي بات يمثل تهديداً للنفوذ العثماني، حسب مؤرخ محدث: "على مدينة صنعاء" مركز الحكم العثماني.
مثَّل رفض الجانب العثماني في تمديد فترة الصلح، بداية فعلية للمرحلة الرابعة والأخيرة من ثورة الإمام القاسم، حيث بدأت الأوضاع بين الجانبين -الزيدي والعثماني- تتجه نحو منعطف خطير مع انتهاء أمد الصلح في شهر شعبان من سنة 1026ه/أغسطس 1617م كان أن أدت إلى خوض غمار حرب جديدة بين الطرفين.