أهلّ في بدء الصبا فانطفى ... لم يهد حيران و لم يهتد
و نام في حضن الهنا مبعدا ... عن الأعادي و عن الحسّد
عن ضجّة الدنيا و أشرارها ... و عن غبار العالم المفسد
تدافع الطفل إلى قبره ... فنام تحت الصمت كالجلند
ما أسعد الطفل و أهنى الكرى ... على سكون المرقد المفرد !
***
هنا ثوى الطفل و أبقى أبا ... يبكي و أمّا في البكا السرمدي
تقول في أسرارها أمّه : ... لو عاش سلوى اليوم ، ذخر الغد !
لو عاش لي يا ربّ ، لو لم يمت ... أو ليته يا ربّ ، لم يوجد
***
هل خاف هذا الطفل جهد السرى ... فاختزل الدرب و لم يجهد ؟
ما باله جفّ وريّ الصبا ... حوليه و العيش الظليل الندي ؟ !
مضى كطيف الفجر لم يقتطف ... من عمره غير الصبا الأرغد
لم يطعم الدنيا و لم يدر ما ... في سوقها من جيّد أو ردي
حبّا من المهد إلى لحده ... لم يشقّ في الدنيا و لم يسعد
فهاك يا " عبد العزيز " الرثا ... شعرا حزين الشدو و المنشد
يبكي كما تبكي و في شجوه ... تعزيه عن طفلك الأوحد
بعد الضياع
إلى من أسير ؟ أهاض المسير ... قواي و أدمى جناحي الكسير
ةو كيف المسير و دربي طويل ... طويل وجهدي قصير قصير ؟ !
فكنت كفرخ أضاع الجناح ... و تدعوه أشواقه أن يطير
و لي أمنيات كزهر القبور ... يموت و يرعشه الزمهرير
أجرّ خطاي فأخشى العثار ... و تجتاحني رغبة كالسعير
فحينا أهبّ كطفل لعوب ... و حينا أدبّ كشيخ حسير
و آونة أرتمي في الجراح ... كما يرتمي في القيود الأسير
و تدفعني وحشة الذكريات ... و تثني خطاي طيوف المصير
***
أمامي غيوب و سرّ رهيب ... و خلفي عذاب و ماض مرير
إلى أين أمضي و هل أنثني ؟ ... أمامي خطير و خلفي خطير
هنا هزّني من وراء المنى ... نداء كضحك الصبيّ الغرير
كخفق الأماني كنجوى غدير ... شذى الصدى زنبقيّ الخرير
فجئت إليك كمن يلتجي ... إلى واجه من جحيم الهجير
ورفّ عليّ هواك الحنون ... رفيف الربيع الشذيّ الخضير

فلا تسألي من هداني إليك ؟ ... هداني إليك صباك النضير
أتخفين عنّي و حولي شذاك ... يوشّي الدروب و يغشى الأثير
فأقبلت في الطيب أمشي إليك ... على ألف أغنية من عبير
و لمّا التقينا احتضنّا الهوى ... كما يحضن الفجر صدر الغدير
و غنّاك حبّي فلاقى لديك ... صدى ناعما مترفا كالحرير
و ناديت فيك هوى أوّلا ... و ناديت فيّ الحبيب الأخير
***
و سرنا جميعا يدا في يد ... نغنّي كثيرا و نبكي كثير
و طاب لنا منزل واحد ... صغير كعشّ الهزار الصغير
و لم تسأليني : أعندي سرير ؟ ... لأنّ المحبّة أحنى سرير
و هل لي سرير أنا شاعر ... شعوري غنيّ وجيبي فقير ؟
و حسبي أنا من عطايا الوجود ... شعور غنيّ و فكر منير
إذا كان همّي شراب وقوت ... فما الفرق بيني و بين الحمير
خلقت حنونا لكلّ الأنام ... بأرجاء قلبي قرار قرير
أعزّي الفقير و أرثي الغنيّ ... على عجزه و أهنّي القدير
أعزّي الجميع و أهوى الجميع ... و محتقر الناس أدنى حقير
و أستلهم الدمع و الأغنيات ... و نوح النعيّ و صوت البشير
***
أنا شاعر يا " ابن العمّ " لي ... من الحبّ نبع شهيّ غزير
و شعر رقيق كحلم الصباح ... على مقل الياسمين المطير
فحسبي و حسبك ديوان شعر ... و بيت صغير و حبّ كبير
وكأس من الشوق و الذكريات ... و أغنية من شذاك المثير
إذا قرّت النفس لذّ المقام ... و ساوى التراب الفراش الوثير
فقد يتعس الجدب كوخ المقل ... و تشقي الرفاهة قصر الأمير
يضيق الفقير و يشقى الغنيّ ... فلا ذاك بدع و لا ذا نكير
فذا يشتهي لم يجد بلغة ... و هذا يعاف الغذاء الوفير
و يخفي وراء الطلاء الأنيق ... صدوع الحنايا و خزي الضمير
فومض السعادة من حوله ... كومض الأشعّة حول الضرير
فكم مترف مبتلى بالألوف ... و كم كادح هانيء باليسير
***
لنا يا " ابنه العمّ " من حبّنا ... حنان يغنّي و عيش غضير
و فنّ يضمّ هوانا ... كما ... يضمّ السميرة أشهى سمير

و يحتضن الحبّ و الأمنيات ... كما تحضن الكأس كفّ المدير
إليك انتهت رحلتي في الضيا ... ع فأنسيتني هولها المستطير
فلقياك كالظلّ بعد الهجير ... و كالنصر بعد الجهاد العسير
يوم المعاد
يا أخي يا ابن الفدى فيما التمادي ... و فلسطين تنادي و تنادي ؟
ضجّت المعركة الحمرا … فقم: ... نلتهب ..ز فالنور من نار الجهاد
و دعا داعي الفدى فلنحترق ... في الوغى ، أو يحترق فيها الأعادي
***
يا أخي يا ابن فلسطين التي ... لم تزل تدعوك من خلف الحداد
عد إليها , لا تقل : لم تقترب ... يوم عودي قل : أنا " يوم المعاد "
عد و نصر العرب يحدوك و قل : ... هذه قافلتي و النصر حادي
عد إليها رافع الرأس و قل : ... هذه داري ، هنا مائي وزادي
و هنا كرمي ، هنا مزرعتي ... و هنا آثار زرعي و حصادي
و هنا ناغيت أمّي و أبي ... و هنا أشعلت بالنور اعتقادي
هذه مدفأتي أعرفها ... لم تزل فيها بقايا من رماد
و هنا مهدي ، هنا قبر أبي ... وهنا حقلي و ميدان جيادي
هذه أرضي لها تضحيتي ... و غرامي و لها وهج اتّقادي
ها هنا كنت أماشي إخوتي ... و أحيّي ها هن أهل ودادي
هذه الأرض درجنا فوقها ... و تحدّينا بها أعدى العوادي
و غرسناها سلاحا و فدى ... و نصبنا عزمنا في كلّ وادي
و كتبنا بالدّما تاريخنا ... ودما قوم الهدى أسنى مداد
هكذا قل : يا ابن " عكّا " ثمّ قل : ... ها هنا ميدان ثاري و جلادي
يا أخي يا ابن فلسطين انطلق ... عاصفا وارم العدى خلف البعاد
سر بنا نسحق بأرضي عصبة ... فرّقت بين بلادي و بلادي
قل : " لحيفا " استقبلي عودتنا ... وابشري ها نحن في درب المعاد
و اخبري كيف تشهّتنا الربى ... أفصحي كم سألت عنّا النوادي !
قل : لإسرائيل يا حلم الكرى ... زعزعت عودتنا حلم الرقاد
خاب " بلفور " و خابت يده ... خيبة التجّار في سوق الكساد
لم يسع ، لا لم يسع شعب أنا ... قلبه و هو فؤاد في فؤادي
قل : " بلفور " تلاقت في الفدى ... أمّة العرب و هبّت للتفادي
***

وحّد الدرب خطانا و التقت ... أمّتي في وحدة أو في اتّحاد
عندما قلنا : اتّحدنا في الهوى ... قالت الدنيا لنا : هاكم قيادي
و مضينا أمّة تزجي الهدى ... أينما سارت و تهدجي كلّ عادي
المنتحر
لفظ الروح فاطمأنّت ضلوعه ... وانطفى شوقه و نام ولوعه
وقع المتعب الكئيب على الموت ... فماذا جرى وكيف وقوعه ؟
جفّت الكأس في يديه و أشتى ... فيه وادي المنى و مات ربيعه
حار في الموت و الحياة ... كراع ... ضاع تحت الدجى و ضاع قطيعه
كلّما ساءل الدجى أين يمضي ... لجّ في الصمت واستفاض خشوعه
وانحنى كالعجوز وانساق كالمخـ ... مور و امتدّ في السكون هزيعه
***
لا تسل ذلك الفتى : كيف صاح ... الجرح فيه ؟ و كيف صمّ سميعه
كيف أسرار قلبه أيّ سرّ ... كان يطوي و أيّ سرّ يذيعه ؟
همّ بالموت و الظنون توارى ... حوله الخوف تارة و تشيعه
و تلكّا فدار في ذهنه " سقراط " ... هذا اسمه و هذا لموعه
ذلك الفيلسوف لم يدر هل أحأ ... سن صنعا أم كيف ساء صنيعه ؟ !
جرعة الكأس أنهت العمر فيه ... فانتهى أصل شرّه و فروعه
و تلكّا الفتى و حار ، أيشري ... من يد الموت عمره أم يبيعه ؟
أومأت كفّه إلى خنجر الموت ... و أومى إلى الحياة نزوعه
***
ليس يدري أيّ الأمرّين أحلى ... سعيه نحو حتفه أم رجوعه ؟
طاوع الخنجر الأصمّ يديه ... حين كادت يمينه لا تطيعه
و توارى في صدره خنجر الموت ... فضجّ الحشا وفارت صدوعه
و التوى حوله الردى كالأفاعي ... وتلوّى كالأفعوان صريعه
و تراخت على الفراش يداه ... ثمّ أغفى و في يديه نجيعه
***
متعب طال عمره و شقاه ... و تمادت جراحة و دموعه
طالما شبّ من دماه شموعا ... للهوى فانطفى الهوى و شموعه
حين لم يستطع بلوغ مناه ... مات : و الموت كلّ ما يستطيعه
وانطوى عمره الطويل فألقى ... قيده و انتهى شقاه و جوعه
وانزوى حيث لا يحسّ صديقا ... يجتبيه و لا عدوّا يروعه
***
نول المضجع الأخير فلانت ... قسوة الشرب و استراح ضجيعه

أسكت القبر فيه كلّ ضجيج ... واحتواه سكونه و هجوعه
إنّما القبر مضجع يستوي ... العالم فيه رفيعه ووضيعه
نافقت بيننا الحياة فهذا ... حلّ كوخا و ذاك طالت ربوعه
يا ظالم الحياة ما أعدل القبر ... تساوى فيه الوجود جميعه !
***
لا تلم ذلك الفتى حين أردى ... نفسه فالشقا الطويل شفيعه
و انتحار المضيم أخصر للضيّم ... و أجدى من أن يطول خضوعه
مزّق العمر ضيّعه العمر ... و حمق حفظ الفتى ما يضيعه
كم شوت روحه الضلوع ويوما ... لفظ الروح فاطمأنّت ضلوعه
بين ذهاب و معاد
تلفّتت كالسارق الخائف ... إلى العشيق اللّاهث الراجف
مذعورة ترتاع من خطوها ... من الخيال الكاذب الطائف
شرشفها المذعور كالغصن في ... جوّ الخريف الأصفر العاصف
تمشي و يمشي إثرها و الدجى ... حوليهما كالراهب العاكف
وانطلقت وانقضّ في إثرها ... كالبرق في إيماضه الخاطف
***
حتّى احتوى شخصيهما مخدع ... غضّ كأفراح الصبا الوارف
فاللّيل رقص عابث كالصبا ... و معزف يشدو بلا عازف
ولاح وهمان لعينيهما ... كواقف ريصغي إلى واقف
فقنّعت وجهيهما صفرة ... كذكريات المذنب الآسف
و أعتم الجوّ فلم يخشيا ... على ستار الحبّ من كاشف
و أنصت اللّيل ولم يستمع ... إلاّ شكاوى عمره التالف
كأنّه شيخ على وجهه ... مقبرة من عهده السالف
شيخ له وجه كدجل الرؤى ... ولحية تدعو يد الناتف
أصغى فلم يسمع سوى غيمة ... و ثرثرات المطر الواكف
و خطو فلّاح هناك انحنى ... يمحو بقايا العرق النازف
***
هنا اطمأنّت واطمأنّ الفتى ... إلى اللّقاء الصاخب القاصف
و حدّقت في مجه محبوبها ... تحديقة الظامي إلى الغارف
ووسوست ما سرّ إطراقه ... و ما ورا إطراقه العارف ؟ !
هل أذهلته فتنتي أم أنا ... أسعى وراء الموعد الآزف ؟
هل أجتديه ؟ آه أم ألتجي ... إلى سلاحي المدمع الذارف ؟ !
أم لا ينمّ الوجه عن قلبه ؟ ... أم حبّه كالدرهم الزائف ؟
لا : لم يكن : إنّي أرى قلبه ... في عينه كالشّره الواجف

عيناه في عينيّ لكن متى ... يدني فمي من فمه الراشف ؟
و أومأت في ثغرها بسمة ... إيماءة الزهر إلى القاطف
فضجّ في أحشاءه موكب ... من الحنين الدافق الجارف
فضمّها حتّى ارتمت و ارتمى ... على السرير الناعم العاطفي
فضمّ سكّيرا و سكّيره ... و شدّ مشغوفا إلى شاغف
***
و عاد و الفجر وراء الدجى ... لمح كهجس الخاطر الكاسف
و فجأة أومت بنان السنى ... أيماءة الحسن ؟إلى الواصف
و أقبل الفجر و في جيده ... قلادة من جرحه الراعف
فالدرب في إشراقه جدول ... مزغرد في جدول هاتف
و كبرياء البعث أهزوجة ... على شفاه الموكب الزاحف
بشرى النبوءة
بشرى من الغيب ألقت في فم الغار ... وحيا و أفضت إلى الدنيا بأسرار
بشرى النبوّة طافت كالشذى سحرا ... و أعلنت في الربى ميلاد أنوار
و شقّت الصمت و الأنسام تحملها ... تحت السكينه من دار إلى دار
و هدهدت " مكّة " الوسنى أناملها ... و هزّت الفجر إيذانا بإسفار
***
فأقبل الفجر من خلف التلال و في ... عينيه أسرار عشاق و سمار
كأنّ فيض السنى في كلّ رابية ... موج و في كلّ سفح جدول جاري
تدافع الفجر في الدنيا يزفّ إلى ... تاريخها فجر أجيال و أدهار
واستقبلت طفلا في تبسّمه ... آيات بشرى و إيماءات إنذار
و شبّ طفل الهدى المنشود متّزرا ... بالحقّ متّشحا بالنور و النار
في كفّه شعلة تهدي و في فمه ... بشرى و في عينه إصرار أقدار
و في ملامحه وعد و في دمه ... بطولة تتحدّى كلّ جبّار
***
و فاض بالنور فاغتم الطغاة به ... و اللّصّ يخشى سطوع الكوكب الساري
و الوعي كالنور يخزي الظالمين كما ... يخزي لصوص الدجى إشراق أقمار
نادى الرسول نداء العدل فاحتشدت ... كتائب الجور تنضي كلّ بتّار
كأنّها خلفه نار مجنّحة ... تعدو قدّامه أفواج إعصار
فضجّ بالحقّ و الدنيا بما رحبت ... تهوي عليه بأشداق و أظفار
و سار و الدرب أحقاد مسلّخة ... كأنّ في كلّ شبر ضيغما ضاري

وهبّ في دربه المرسوم مندفعا ... كالدهر يقذف أخطار بأخطار
***
فأدبر الظلم يلقي ها هنا أجلا ... و ها هنا يتلقّى كفّ ... حفّار
و الظلم مهما احتمت بالبطش عصبته ... فلم تطق وقفة في وجه تيّار
رأى اليتيم أبو الأيتام غايته ... قصوى فشقّ إليها كلّ مضمار
وامتدّت الملّة السمحا يرفّ على ... جبينها تاج إعظام و إكبار
***
مضى إلى الفتح لا بغيا و لا طمعا ... لكنّ حنانا و تطهيرا لأوزار
فأنزل الجور قبرا وابتنى زمنا ... عدلا ... تدبّره أفكار أحرار
***
يا قاتل الظلم صالت هاهنا و هنا ... فظايع أين منها زندك الواري
أرض الجنوب دياري و هي مهد أبي ... تئنّ ما بين سفّاح و سمسار
يشدّها قيد سجّان و ينهشها ... سوط ... ويحدو خطاها صوت خمّار
تعطي القياد وزيرا و هو متّجر ... بجوعها فهو فيها البايع الشاري
فكيف لانت لجلّاد الحمى " عدن " ... و كيف ساس حماها غدر فجّار ؟
وقادها وعماء لا يبرّهم ... فعل و أقوالهم أقوال أبرار
أشباه ناس و خيرات البلاد لهم ... يا للرجال و شعب جائع عاري
أشباه ناس دنانير البلاد لهم ... ووزنهم لا يساوي ربع دينار
و لا يصونون عند الغدر أنفسهم ... فهل يصونون عهد الصحب و الجار
ترى شخوصهم رسميّة و ترى ... أطماعهم في الحمى أطماع تجّار
***
أكاد أسخر منهم ثمّ تضحكني ... دعواهم أنّهم أصحاب أفكار
يبنون بالظلم دورا كي نمجّدهم ... و مجدهم رجس أخشاب و أحجار
لا تخبر الشعب عنهم إنّ أعينه ... ترى فظائعهم من خلف أستار
الآكلون جراح الشعب تخبرنا ... ثيابهم أنّهم آلات أشرار
ثيابهم رشوة تنبي مظاهرها ... بأنّها دمع أكباد و أبصار
يشرون بالذلّ ألقابا تستّرهم ... لكنّهم يسترون العار بالعار
تحسّهم في يد المستعمرين كما ... تحسّ مسبحة في كفّ سحّار
***
ويل وويل لأعداء البلاد إذا ... ضجّ السكون وهبّت غضبة الثار !
فليغنم الجور إقبال الزمان له ... فإنّ إقباله إنذار إدبار
***

و الناس شرّ و أخيار و شرّهم ... منافق يتزيّا زيّ أخيار
و أضيع الناس شعب بات يحرسه ... لصّ تستره أثواب أحبار
في ثغره لغة الحاني بأمّته ... و في يديه لها سكّين جزّار !
حقد الشعوب براكين مسمّمة ... وقودها كلّ خوّان و غدّار
من كلّ محتقر للشعب صورته ... رسم الخيانات أو تمثال أقذار
و جثّة شوّش التعطير جيفتها ... كأنّها ميته في ثوب عطّار
***
بين الجنوب و بين العابثين به ... يوم يحنّ إليه يوم " ذي قار "
***
يا خاتم الرسل هذا يومك انبعثت ... ذكراه كالفجر في أحضان أنهار
يا صاحب المبدأ الأعلى ، و هل حملت ... رسالة الحقّ إلاّ روح مختار ؟
أعلى المباديء ما صاغت لحاملها ... من الهدى و الضحايا نصب تذكار
فكيف نذكر أشخاصا مبادئهم ... مباديء الذئب في إقدامه الضاري ؟ !
يبدون للشعب أحبابا و بينهم ... و الشعب ما بين طبع الهرّ و الفار
مالي أغنّيك يا " طه " و في نغمي ... دمع و في خاطري أحقاد ثوّار ؟
تململت كبرياء الجرح فانتزفت ... حقدي على الجور من أغوار أغواري
***
يا " أحمد النور " عفوا إن ثأرت ففي ... صدري جحيم تشظّت بين أشعاري
" طه " إذا ثار إنشادي فإنّ أبي ... " حسّان " أخباره في الشعر أخباري
أنا ابن أنصارك الغرّ الألى قذفوا ... جيش الطغاة بجيش منك جرّار
تظافرت في الفدى حوليك أنفسهم ... كأنّهنّ قلاع خلف أسوار
نحن اليمانين يا " طه " تطير بنا ... إلى روابي العلا أرواح أنصار
إذا تذكّرت " عمّارا " و مبدأه ... فافخر بنا : إنّنا أحفاد " عمّار "
" طه " إليك صلاة الشعرر ترفعها ... روحي و تعزفها أوتار قيثار
مغني الهوى
لا تسخري يا أخت بالشاعر ... تكفيه بلوى دهره الساخر
رفقا بغرّيد الهوى إنّه ... ينوح نوح الطائر .. الحائر
يبكي بترديد الأغاني و ما ... للحنه و الحبّ ... من آخر
فلا تضيقي بمغنّي الهوى ... و هل يضيق الروض بالطائر ؟
تذكّري خلف النوى عاشقا ... يلقاك في وجدانه الذاكر

أومى إلى كفّ الهوى قلبه ... إيماءه العنقود للعاصر
محرّق الأنفاس تسري به ... ظنونه حول الدجى اعابر
***
و اللّيل وادي الحبّ تنثال من ... سكونه الذكرى على الساهر
و تلتقي الأشجان في جوّه ... مواكبا في موكب سادر
تمرّ بالأشواق أطيافه ... كما تمرّ الغيد ... بالعاهر
و تستثير النائمين الرؤى ... و تضحك الأوهام للسامر
كم شاق هذا اللّيل خلّا إلى ... خلّ و مطواعا إلى نافر
و جالت الأحلام فيه كما ... يجول سرّ الحبّ في الخاطر
و ضمّ مشتاق مشوقا به ... و حنّ ملهوف إلى زائر
***
سل الدجى عن طيف " ليلى " و كم ... حيّاه " مجنون بني عامر "
و سله عن أخبار أهل الهوى ... من أبعد الماضي إلى الحاضر
فإنّه رحّالة الدهر ... كم ... سرى الهوى في ركبه السائر
مسافر بسري و يطوي السرى ... على جناح الفلك الدائر
رحّالة الأزمان يزجي إلى ... مستقبل الدهر صدى الغابر
***
كم في حنايا اللّيل سرّ و ما ... أكتمه للسرّ ... و الظاهر !
ينساق في الصمت و في صمته ... حنين مهجور إلى هاجر
وشوق مفتون إلى فتنه ... ووجد مسحور إلى ساحر
وحقد مظلوم على ظالم ... وضغن مأسور على آسر
***
يا أخت : هل ألقى إليك الدجى ... أشواق قلب بالشّقا زاخر ؟
يستولد الأمال لكن كما ... يستولد العنّين من عاقر
***
يا ربّة الحسن هنا نغرم ... يصغي لنجوى طيفك العاطر
معذّب تاريخه قصّة ... حيرى كقلب التاجر الخاسر
رقّي عليه إنّه كلّه ... قلب شجيّ الشعر و الشاعر
شاعر الكأس و الرشيد
لو تسامت عقولنا عن هوانا ... لهدينا و قدنا الزمانا
و لسرنا و خطونا يلد الفجر ... المغنّي ... و ينبت الريحانا
لو تلظّت قلوبنا بسنى الحبّ ... لما عانت العيون الدخانا
لو كبحنا غرورنا لملأنا ... من عطايا الوجود وسع منانا
فعطايا الحياة أوسع من ... آمال أبنائها و أسخى حنانا
لو ملكنا الهدى لمل سلّ كفّ ... خنجرا راعفا و أدمى سنانا
كيف يستلّ روح بعض ... ألنحيى مآتما واضطغانا ؟

و نسمّي لصّ الحياة شجاعا ... و نسمّي عفّ اليدين جبانا
***
نحن غرس الإله يحصده الله ... لماذا تعيث فيه ... يدانا ؟
ما لنا نسبق الحمام إلينا ... و هو أمضى يدا و أحنى بنانا ؟
و نخاف العدى وحين نعادي ... هل درينا أنّا خلقنا عدانا ؟
لو نفضنا شرورنا لرأينا ... أوجه الخير في الضّياء عيانا
نحن نبدي عيوبنا حين نرمي ... بالخطايا فلانة أو فلانا
نحن لو لم نكن أصول الخطايا ... ما رأينا ظلالها في سوانا
كم سألنا التفتيش عن جبفة الأثـ ... م و سرنا و الإثم يحدو خطانا !
و هتكنا مخابيء الإثم في الحيّ ... و عدنا نفتّش الأكفانا
***
لا تنم : يا " أبا نواس " أما ... كنت أثيما في لهوة ... يتفانى ؟
أوما كنت أظرف الناس في القصـ ... ف و أعلى . الغواة فنّا و شانا ؟
فهتكنا عنك الستار كأنّ لم ... يخطر الإثم بيننا عريانا
هل تخوّفت غضبة السوط في الدنـ ... يا و هل ذقت في القبور الأمانا ؟
لست أدري . ماذا لقيت ، لماذا ... غبت في الصمت لم تحرّك لسانا ؟
إن تمت هيكلا فقد عشت أفـ ... كارا و أورقت في الشفاه بيانا
أين منك الردى ؟ و أقوى من الأحـ ... ياء ميت يسهد .. الأذهانا
عشت عصرا و لم يزل كلّ عصر ... يتساقى فجورك الفنّانا
تلك ألحانك الظوامي كؤوس ... تتغنّى فتكسر الندمانا
لكأنّي ألقاك في لحنك الظمآن ... روحا ملحّنا ... و كيانا
و ذهول الإلهام يرعش عينيك ... كما ترعش الصبا الأقحوانا
و أحسّ " الرشيد " ينزل دنياه ... كما ينزل الصباح الجنانا
و تغنّيه و هو ينتزف الكأس ... و يسقي المدلّلات الحسانا
و الندامى الصباح بين يديه ... و كؤوس تنأى و أخرى تدانى
و المليحات مهرجان من الحسن ... يغنّي من الهوى مهرجان
و هو يلهو لهو الشجيّ و يمضي ... في جنون الهوى يعرّي القيانا
فترى في النديّ ألف ربيع ... ينثر العطر و السنى ألوانا
و صباحا من الحسان العرايا ... مغرما يعزف الهوى ألحانا
و خصورا تميد بين زنود ... بضّة الخصورر اللّدانا

9 / 23
ع
En
A+
A-