و هناك أبتديء الرحيق فينتهي قبل ابتدائي
فأعود أحتضن الشّقاء لأنّني أمّ الشقاء
و مواكب الأشباح في جوّي كحيّات العراء
كتثاؤب الأحزان في ... مقل اليتامى الأبرياء
و الظلمة الخرساء تفنى ... قريتي قبل الفناء
و تشدّ أعينها و توصيها ... بصبر الأغبياء
فيتاجر الحرمان فيها ... بالصلاة و بالدعاء
بالحوقلات ، و بالأنين ... و حشرجات الكبرياء
و يبيع أخلاق الرجال ... و يشتري عرض النساء
***
و أنا كأهلي : ميّت ... أحيا كأهلي بادّعائي
و أعيش في أوهام سلوى و الأسى زادي و مائي
أشدو لتعذيبي ... تشدو البلابل للشتاء
و الموعد المسلول يبسم ... كابتسامات المرائي
و يعيد لحنا نائحا ... كسعال أمّي في المساء
فتلمّ بي أطياف سلوى ... كالصبيّات الوضاء
و ترفّ حولي موسما ... أسخى و أوسع من رجائي
أنا و أنت
يا ابن أمّي أنا و أنت سواء ... و كلانا غباوة و فسوله
أنت مثلي مغفّل نتلقّى ... كلّ أكذوبة بكلّ سهولة
و نسمّي بخل الرجال اقتصادا ... و البراءات غفلة و طفوله
و نسمّي شراسة الوحش طغيا ... نا ووحشيّة الأناس بطوله
و نقول الجبان في الشرّ أنثى ... ووفير الشرور وافى الرجوله
و نرى أصل " عامر " تربة الأر ... ض و " سعدا " نرى النجوم أصوله
فننادي هذا هجين و هذا ... فرقديّ الجدود الخؤولة
نزعم الإنتقام حزما و عزما ... و شروب النجيع الفحولة
***
يا ابن أمّي شعورنا لم يزل طفلا ... و ها نحن في خريف الكهولة
كم شغلنا سوق النفاق فبعنا ... واشترينا بضاعة مرذوله
لا تلمني و لم ألمك لماذا ؟ ... يحسّ الجهل في البلاد الجهوله
وحدة الشاعر
حلم الآتي و ذكرى الغابر ... مسرح الشعر و دنيا الشاعر
ذكريات الأمس تغريه كما ... يفتن المهجور طيف الهاجر
و الغد المأمول في أشواقه ... صورة من كلّ حسن باهر
صورة كالوعد من أحلى فم ... كابتسامات اللّقاء العاصر
و كعيني طفلة ترنو إلى ... مقلتي طفل كسول الناظر
***

عالم الشاعر ذكرى و منى ... و حنين كالجحيم الهادر
يقطف الأحلام و الذكرى كما ... يقطف العنقود كفّ العاصر
أيّ ذكر ؟ أيّ شوق عادني ... فإذا قلبي جناحا طائر
و إذا الدنيا بكفّي معزف ... ساحر في كفّ شاد ماهر
تارة أشدو و أصغي تارة ... لروايات الزمان الساخر
فيقصّ الدهر من دنيا أبي ... ذكرا تخجل وجه الذاكر
و أنا أحمل ذكراه ... كما ... يحمل المظلوم سوط الجائر
و أغنّي عزّ أجدادي الأولى ... فخروا بالعجز فخر لاقادر
و من الأجداد ؟ ما شرعتهم ؟ ... شرعة الوحش الغبيّ الكاسر
و مخازيهم تراث خالد ... ورثوه كابرا عن كابر
كيف أنسى الأمس و اليوم ابنه ... و الغد الآتي وليد الحاضر !
و أنا ابن الشعر قلبي عالم ... من حنين و حنان غامر
ترتمي الأدهار حولي مثلما ... يرتمي موج العباب المآثر
والدنا في عزلتي هائمة ... كهوى " ليلى " و طيف " العامري "
وحدتي صمت يغني ورؤى من ... عصا " موسى " و عجل " السامري "
من شذوذ الطفل من زهو الفتى ... من أسى الشيخ الفقير العاثر
من خيالات الشياطين و من ... حكمة الرسل ودجل الساحر
من ضراعات المساكين و من ... خيلاء المستبد القاهر
من هوى التاجر في الربح و من ... شبح الإفلاس حول التاجر
من شكاوى عاشق يمشي على ... قلبه نحو الحبيب ... نافر
وحدتي وحي و دنيا من هدى ... و ضلال ويقين حائر
و حنان وانتظار خائف ... ورجاء كابتسام الغادر
وهوى يضحك للطيف كما ... يضحك الروض لعين الزائر
وحدتي أرجوحة من فكر ... دائرات كالشروق الدائر
و بنات الفنّ حولي زمر ... كرياحين الربيع الزاهر
و أنا كالراغب المحروم في ... موكب الغيد المثير السافر
أشتهي تلك فتدنو أختها ... من يديّ كالأبيّ الصاغر
حلوة تدنو و تخفى حلوة ... كالسنى خلف الظلام العاكر
هذه تعطي و لا أسألها ... و أناجي تلك نجوى الخاسر
و لعوب أجتدي نفحتها ... و هي تأبى خاطري
و عدها يبعث ذكرى " حاتم " ... ووفاها صورة من " مادر "

كم تناديني فتغري لوعتي ... و تولّى كالحبيب ... الماكر
و الدجى مقبرة تغفو على ... حلم النعش و نوح القابر
قلق الصمت كرؤيا مومس ... هجعت بين ذراعي فاجر
كأماني ظالم يرنو إلى ... مقلتيه شبح من ثائر
خائف يسري و في أعطافه ... صلف الطاغي وتيه الكافر
و تضيع الشهب في موكبه ... كخيالات المريض الساهر
ودخان الحقد في أهدابه ... كالخطايا فوق عرض عاهر
يخطر الشيطان فيه و على ... شفتيه قهقهات الظافر
و خفوق الصمت ينبي أنّ في ... سرّه ضوضاء زحف طافر
و الرؤى تشتفّ من خلف الربى ... مطلع اليوم الهتوف الزاخر
و تبثّ الغيب شكوى توبة ... تتشهّى بسمة من غافر
و أنا وحدي أناغي هاتفا ... من فم الوحي الشذيّ الطاهر
و هدوء الكوخ يستفسرني ... هل أغنّي للفراغ السادر ؟
قلت إنّي شاعر ، في وحدتي ... ألف دنيا من طيوف الشاعر
لقيتها
أين اختفت من أيّ أفق سامي ؟ ... أين اختفت عنّي و عن تهيامي ؟
عبثا أناديها و هل ضيّعتها ... في اللّيل أم في زحمة الأيّام ؟
أم في رحاب الجوّ ضاعت ؟ لا : فكم ... بثّيت أنسام الأصيل غرامي
ووقفت أسأله و قلبي في يدي ... يرنو إلى شفق الغروب الدامي
و أجابني صمت الأصيل ,,, و كلّما ... أقنعت وجدي ... زاد حرّ ضرامي
***
و إذا ذكرت لقاءها ورحيقها ... لاقيت في الذكرى خيال الجام
و ظمئت حتّى كدت أجرع غلّتي ... و أضجّ في الآلام أين حمامي
و غرقت في الأوهام أنشد سلوة ... و سجت فردوسا من الأوهام
***
و أفقت من وهمي أهيم ... وراءها ... عبثا و أحلم أنّها قدّامي
و أظنّها خلفي فأرجع خطوة ... خلفي ... فتنشرها الظنون أمامي
و أكاد ألمسها فيبعد ظلّها ... عنّي ... و تدني ظلّها أحلامي
و أعود أنصت للسكينة و الربى ... و حكاية الأشجار و الأنسام
و أحسّها في كلّ شيء صائت ... و أحسّها في كلّ حيّ ... نامي
في رقّو الأزهار في همس الشذى ... في تمتمات الجدول ... المترامي
***

فتّشت عنها اللّيل و هو متيّم ... ألكأس في شفتيه و هو الظامي
و الغيم يخطر كالجنائز و الدجى ... فوق الربى كمشانق الإعدام
و سألت عنها الصمت و هو قصيدة ... منثورة تومي إلى النظام
ووقفت و الأشواق ترهف مسمعا ... بين الظنون كمسمع النمّام
و النجم كأس عسجديّ ... ملؤه ... خمر تحنّ إلى فم " الخيّام "
و همست أين كؤوس إلهامي و في ... شفتيّ أكواب من الإلهام
***
و الريح تخبط في السهول كأنّها ... حيرى تلوذ بهدأة الآكام
و كأنّ موكبها ... قطيع ضائع ... بين الذئاب يصيح : أين الحامي ؟
و تلاحقت قطع الظلام كأنّها ... في الجوّ قافلة من الإجرام
و تلفّت الساري إلى الساري كما ... يتلفّت الأعمى إلى المتعامي
و أنا أهيم وراءها يجتاحني ... شوق وتقتاد الظنون زمامي
و سألت ما حولي و فتّشت الرؤى ... و غمست في جيب الظلام هيامي
فتّشت عنها لم أجدها في الدنا ... ورجعت و الحمّى تلوك عظامي
***
و أهجت آلامي و حبّي فالتظت ... و لقيتها في الحبّ و الآلام
و تهيّأت لي في التلاقي مثلما ... تتهيّأ الحسناء للرسّام
و تبرّجت لي كالطفولة غضّة ... كفم الصباح المترف البسّام
و جميلة فوق الجمال ووصفه ... و عظيمة أسمى من الإعظام
تسمو كأجنحة الشعاع كأنّها ... في الأفق أرواح بلا أجسام
لا : لا تقل لي : سمّها فجمالها ... فوق الكناية فوق كلّ أسامي
إنّي أعيش لها و فيها إنّها ... حبّي وسرّ بدايتي و ختامي
و أحب!ها روحا نقيّا كالسنى ... و أحبّها جسما من الآثام
و أحبّها نورا و حيرة ملحد ... و أحبّها صحوا و كأس مدام
و أريدها غضبي و إنسانيّة ... و شذود طفل واتّزان عصامي
***
دعني أغرّد باسمها ما دام في ... قدحي ثمالات من الأنغام
فتّشت عنها و هي أدنى من منى ... قلبي : و من شوقي و حرّ أوامي
و لقيتها يا شوق أين لقيتها ؟ ... عندي هنا في الحبّ و الآلام
جريح
لا تسل عن أنينه و سهاده ... إنّ في جرحه جراح بلاده

إنّ في جرحه جراحات شعب ... راكد الحسّ حيّه كجماده
ثائر يحمل البلاد قلوبا ... في حشاه و شعلة في اعتقاده
وهب الشعب قلبه ودماه ... و أحاسيسه و صفو وداده
فهو أصواته إذا ضجّ في النّـ ... اس و نجوى ضميره في انفراده
إنّه ثائر يريد و يسمو ... فوق طاقاته ... سموّ مراده
أوقد الحقد في حناياه ثارا ... عاصفا يستفزّ نار زناده
فمضى و العناد في مقليته ... صارخ ، و الجحيم في أحقاده
و تلقى الرصاص من كلّ فجّ ... و هو ما زال في جنون عناده
كلّما أومأ الفرار إليه ... أمسكت قبضة الوغى بقياده
و تحدّى الحتوف حتّى تلظّت ... حوله و انتهت بقايا عتاده
***
عاد كالسيف حاملا من دماه ... شفقا يخبر الدنا عن جلّاده
و الجراح التي تراها عليه ... كالعناوين في سجلّ جهاده
وارتمى في الفراش و التأر فيه ... ساهر ينذر الوغى بمعاده
لم ينم لحظة و إن نام هزّت ... ذكريات الوغى سكون وساده
و تلظّت فيه الجراح فأوهت ... جسمه وانطفى حماس اعتداده
يسأل الصمت و المنى كيف يشفي ... كبرياء الجراح من جلّاده
فهو بين الطموح و العجز و الأشـ ... واق كالصقر في يدي صيّاده
***
لا تلمه إذا شكا إنّ شكواه ... و أنّاته دخان اتّقاده
إنّ أنفاسه غبار و جمر ... من شظايا فؤاده ورماده
كلّما قابل آه ! أو صعّد الأنفـ ... اس شاهدت قطعة من فؤاده
و إذا صاح جوعه في الحنايا ... فرقات المنى بقيّة زاده
عمره المدلهمّ سجن وينكي ... جرحه أنّ عمره في ازدياده
فهو يشقى في يقظة العين با ... لعشب و يشقى بحلمه في رقاده
ملّ طول الحياة لا نال منها ... ما يرجّي و لا دنا من حصاده
و الشقيّ الشقيّ من ملّ طول ... العمر و العمر لم يزل في امتداد ه
بين ليل و فجر
في هجعة اللّيل المخيف الشاتي ... و اجوذ يحلم بالصباح الآتي
و الريح كالمحموم تهذي و الدجى ... في الأفق أشباح من الإنصات
و الشهب أحلام معلّقة على ... أهداب تمثال من الظلمات

و الطيف يخبط في السكينة مثلما ... تتخبّط الأوهام في الشبهات
والظلمة الخرسا تلعثم بالرؤى ... كتلعثم المخنوق بالكلمات
***
في ذلك اللّيل المخيف مضى فتى ... قلق الثياب مروّع الخطوات
يمشي و ينظر خلفه و أمامه ... نظر الجبان إلى المغير العاتي
و يرى الحتوف إذا تلفّت أو رنا ... و يحسّ أصداء بلا أصوات
و يعود بسأل نفسه ما خيفتي ؟ ... ماذا أحسّ ؟ و أين أين ثباتي ؟
ماذا يخوّفني أنا رجل السرى ؟ ... و أنا رفيق اللّيل و الفلوات
هل ليلتي غير اللّيالي ؟ أم أنا ... غيري … أكاد الآن أنكر ذاتي
أين الصباح و أين منّي قريتي ؟ ... و الرعب قدّماي و في لفتاتي
***
و هنا تراءت للمروّع عصبة ... كالذعر شيطانيّة اللّمحات
شعث كأهل إلاّ أنّ في ... نظراتهم همجيّة الشهوات
و تقلّبت مقل العصابة في الفتى ... و كأنّها تشويه بالنظرات
و تخيّلت " كيس النقود " فأبرقت ... رغباتها في الأعين الشرهات
و تململت فيها الشراسة مثلما ... يتململ الزلزال في الهضاب
و التاع فيها الشرّ فاهالت على ... ذاك الفتى بالضرب و الطّعنات
فاستلّ خنجره و كسّر وحده ... و حشيّة الوثبات بالوثبات
و تلفّتت تلك العصابة حولها ... فرأت بعين الوهم ظلّ سراه
***
و هناك لاذت بالفرار و أدبرت ... ملعونه الروحات و الغدوات
و عدت يصادم بعضها بعضا كما ... تتصادم الآلات بالآلات
و جثا الفتى بين الجراح كمدنف ... يستنجد العوّاد بالزفرات
و تلكأت عند التوجّع روحه ... بين الممات و بين نصف حياة
وامتدّ في حضن الطريق وداؤه ... حيّ وصفرته من الأموات
و تداعت الأوجاع فيه و التظت ... فيه الجراح الحمر كالجمرات
و إذا تهيّأ للنهوض تثاءبت ... فيه الجراح تثاؤب الحيّات
و على يمين الدرب كوخ تلتقي ... في صدره النكبات بالنكبات
بين القصور و بينه ميل و ما ... أدنى المكان و أبعد الرحمات !
يشكو إلى جيرانه فيصمّهم ... عنه ضجيج القصف و اللّذّات

كوخ إذا خطرت به ريح الدجى ... أومى إلى السكان بالرعشات
" سنوات يوسف " عمره وجداره ... أبدا تنوء بأعجف السنوات
فيه العجوز و بنتها و غلامها ... يتذكّرون موارد الأقوات
فالحقل جدب ظاميء و سماؤه ... صحو تلوح كصفحة المرآة
و الأغنياء ، و هل ترقّ قلوبهم ؟ ... لا ، إنّها أقسى من الصخرات
و تغلغلوا في الصمت فانتبهوا على ... شبح ينادي الصمت بالأنّات
فإذا فتى قلق الملامح يختفي ... تحت الجراح الحمر و الخفقات
فمشى ثلاثتهم إليه وانثنوا ... بالضّيف بين الدمع و الآهات
وروى لهم خبر العصابة أنّها ... سدّت عليه الدرب بالهجمات
و تهيّجت فيه الجراح فصدّها ... و تستّرت باللّيل كالحشرات
فدنت فتاة الكوخ تمسح وجهه ... و تبلسم الأجراح بالدعوات
و تبلّ من دمه يديها إنّها ... تشمّ فيه أعبق النفحات
و ترى به ما ليس تدري هل ترة ... سرّ القضا ؟ أم آية الآيات
فإذا الجراح تنام فيه و يشتفي ... و يردّ عمرا كان وشك فوات
وإزاءه ابنت الجميلة كلّها ... روح سماويّ و طهر صلاة
يتجاوب الإغراء في كلماتها ... كتجاوب الأوتار بالنغمات
أغفى الجريح على السكون و أغمضت ... أجفان من حوليه كفّ سبات
و الكوخ في حرق الأسى مترقّب ... بشرى ترفّ عليه كالزهرات
***
و اللّيل تمثال سجين يرتجي ... فكّ القيود على يد النحّات
فبدا احمرار في الظلام كأنّه ... لعنات حقد في وجوه طغاة
و تسلّل السحر البليل على الربى ... كالحلم بين الصحو و الغفوات
يندى و ينثر في البقاع أريجه ... و يرشّ درب الفجر بالنّسمات
وصيت على الجبل الشموخ أشعّة ... مسحورة كطفولة القبلات
فكأنّما الجبل المعمّم بالسنى ... ملك يهزّ الفجر كالرايات
رفع الجبين إلى العلا فتقبّلت ... في رأسه الأضواء كالموجات
و تسلّق الأفق البعيد شموخه ... فترى عمامته من الهالات
و تلألأت فوق السفوح مباسم ... ورديّة الأنفاس و البسمات
وانصبّ تيّار الشروق كأنّه ... شعل النبوّة في أكفّ هداه

و غزا الدروب فأجفلت قطّاعها ... ووجوههم تحمرّ بالصفعات
و تصايحت تلك العصابة ما أرى ؟ ... هذي الجهات المشرقات عداتي
أين المفرّ ؟ و أين أطلب مهربا ؟ ... و النور يسطع من جميع جهاتي
كيف القرار ؟ و ليس لي كهف و لا ... درب فيا لي ! ! يا لسوء مماتي !
و أفاق أهل الكوخ حين ثقوبه ... تومي إلى الأبصار بالومضات
فدنا ثلاثتهم يرون جريحهم ... فإذا الفتى في سكرة الفرحات
نفض النعاس وشدّ فيه جراحه ... و استقبل الدنيا بعزم أباه
ورمى إلى كفّ الغلام و أمّه ... بعض النقود و دعوة البركات
و صبا إلى كفّ الفتاة و قال : يا ... " نجوى " خذي نخب الزفاف و هاتي
و طوى الجراح وهبّ يقتاد السنى ... و يبشر الأكواخ بالخيرات
و يقود تاريخا و ينبت خطوة ... فجرا ينير مسالك القادات
***
فضح الصباح المجرمين فأصبحوا ... أخبار جرم في فم اللّعنات
و تعالت الأكواخ تنظر أهلها ... يضعون " غار النصر " في الهامات "
لمس الربيع قلوبهم و حقولهم ... فاخضوضرت بالبشر و الثمرات
و الجوّ يلقي النور في الدنيا : كما ... تلقي السيول مناكب الربوات
و الزهر في وهن الشباب مفتّح ... فوق الغصون كأعين الفتيات
و الأفق يورق بالأشعّة و الندى ... و الأرض تمرح في حليّ نبات
***
و هنا انتهى دور الجرائم و ابتدى ... دور وريف الظلّ كالجنّات
فتجمّع الإخوان بعد تفرّق ... وانضمّ شمل الأهل بعد شتات
صرعت أباطيل الدجنّة يقظة ... أقوى من الإرهاب و القوّات
و الدجل يذهب كالجفاء و لم تدم ... إلاّ الحقيقة فوق كلّ عتاة
***
إنّ الحياة مآتم تفضي إلى ... عرس و أفراح إلى حسرات
لكنّها بخريفها و شتائها ... و بصيفها .. حكم ودرس عظات
فاختر لسير العمر أيّة غاية ... إنّ الحقيقة غاية الغايات
خطرات
قال لي : هل تحسّ حولك رعبا ... و عجاجا كالنار طار وهبّا ؟
فكأنّ النجوم شهقات جرحي ... جمدت في محاجر الأفق تعبى
***
قلت : إنّ الطريق شبّ عراكا ... آدميّا في أجيف الغنم ... شبّا

فكأنّي أشتمّ في كلّ شبر ... ميته تستثير كلبا ... و كلبا
أقوياء تفنى الضّعاف و تدعو ... خسّة الغالبين نصرا و كسبا
***
قال : إنّا نبكي الضعيف صريعا ... و نهني القويّ رغبا ورهبا
زعم المرء أنّه علّة الدنيا ... فأشقى ما هبّ فيها و دبّا
واستباح ابنه و أردى أخاه ... و تولّى تراث قتلاه غصبا
فكأنّ الثرى رفات ضحايا ... زوّرتها السنون طينا و عشبا
***
قلت : لا توقظ " المعرّي " فيلقى ... " أمّ دفر " أغوى خداعا و أصبى
ويرانا أخسّ من أن يثير الهجو ... أو نستحقّ نقدا و سبّا
لا تذكّر " أبا العلا " إنّ جيل اليو ... م أضرى من جيل أمس و أغبى
***
و هنا قال صاحبي : لا تعانى ... فترى ألمع المحاسن ذنبا
يا أخي : و الهوى يصمّ و يعمى ... كيف ترضى الهوى دليلا وركبا ؟
فتأمّل تجد صراعا … كريما ... و صراعا جمّ النذالات خبّا
و قتيلا يغفو و يسهر ثارا ... و شهيدا يندى سلاما و حبّا
و دما في الثرى تجمّد جمرا ... و دما في السماء أرقّ شهبا
و نفاحا أخزى هجوما و تربا ... سمّدته الدماء فاخضرّ خصبا
***
و ذكرنا أنّا نسير و أغفى ... جهدنا و الطريق ما زال صعبا
دربنا كلّه عجاج و ريح ... كفّنت جوّه رمادا و حصبا
و ظلام تألّه الشرّ فيه ... و تمطّى شيطانه فتنبّى
و صراع إن أطفأ الضعف حربا ... شبّ حقد الرماد حربا فحربا
***
كيف نسري ؟ وراءنا عاصف يطـ ... غى ؛ وقدّامنا أعاصير نكبا
يتلهّى بخطونا عبث الريحين ، ... دفعا إلى الأمام وجذبا
قلت : ليت الممات ينهي خطانا ... قال : ما كلّ من دعى الموت لبّى
يا رفيقي : ألموت شرّ ... و أدهى ... منه ... و أنّا نريده و هو يأبى
***
قال لي : لا تقف : تقوّ بزندي ... فمضينا نشدّ بالجنب جنبا
واتحدنا جنبا كأنّا اختلطنا ... و جمعنا القلبين في الجنب قلبا
فاهتدى سيرنا كأنّا فرشنا ... لخطانا مباسم الفجر دربا
وانتشى جوّنا انتشاء النّدامى ... و أدار النجوم أكواب صهبا

يشعل الحبّ من دجى الأفق فجرا ... يسفح العطر في طريق الأحبّا
***
و نظرنا في الأفق وهو بقايا ... من ظلام محمرّة الوجه غضبى
و خيال السّنى يجرّب عينيه ... فيطوي هدبا و يفتح هدبا
و سألنا : فيم التعادي ؟ و فيما ... نخضب اللّيل بالجراحات خضبا ؟
و لماذا نجني المنايا ... بأيدينا ؛ ... و نرمي الحياة في الترب تربا ؟
و الروى أخوة ففيم التعادي ؟ ... و هو أخزى بدءا و أشأم عقبى ؟
أمّنا الأرض " يسعد الأمّ " أن ... تلقى بنيها صبّا يعانق صبّا
مروءات العدو
يخوّفني بالنهب و القتل ناقم ... عليّ و هل لي ما أخاف عليه ؟
إذا رام نهبي لم يجد ما يرومه ... و إن رام موتي فالمصير إليه
إذا سلّ روحي سلّني من يد الشقا ... و خلّصني من شرّه بيديه
و أطلقني من سجن عمري فقاتلي ... عدوّ ، مروءات الصديق لديه
مصرع طفل
كيف انتهى من قبل أن يبتدي ... هل تنطفي الروح و لم توقد ؟
و كيف أنهى السير من لم يرح ... في دربه المجهول أو يغتدي ؟
وافى من الديجور يحبو إلى ... كهف السكون النازح الأسود
ألقى به المهد إلى قبره ... لم يقترب منه و لم يبعد
***
ما باله خفّ إلى موته ؟ ... هل كان و الموت على موعد ؟
ما أقصر الشوط و أدنى المدى ... ما بين عهد اللّحد و المولد !
يا من رأى الطفل يعاني الردى ... و يرفع الكفّ كمن يجتدي !
كأنّه في خوفه ... يحتمي ... بكفّه من صوله المعتدي !
و كلّما انهال عليه انطوى ... يلوذ بالثوب ... و بالمرقد
و تارة يرنو إلى أمّه ... و تارة يلقي يدا في يد
و مرّة يرجو أبا مشفقا ... و مرّة يرنو إلى العوّد
***
يهوى أبوه لو يذود القضا ... عنه و تهوى الأمّ لو تفتدي
يا من شهدت الطفل في موته ... ألم تمت من روعة المشهد ؟ !
***
ياصائد العصفور رفقا به ... فلم يخض جوا و لم يصعد
أتى يغنّي الروض لكنّه ... لم ينشق الروض و لم ينشد
طفل كعصفور الروابي طوى ... ردا الصبا من قبل أن يرتدي

8 / 23
ع
En
A+
A-