هذي الهتافات السكارى و المنى ... حولي تناديني إلى الأنخاب
خلفي و قدّامي هتاف مواكب ... و هوى يزغرد في شفاه كعاب
و الزهر يهمس في الرياض كأنّه ... أشعار حبّ في أرقّ عتاب
و الجوّ من حولي يرنحه الصدى ... فيهيم كالمسحورة المطراب
و الريح ألحان تهازج سيرنا ... و الشهب أكواب من الأطياف
إنّا توحّدنا هوى و مصائرا ... و تلاقت الأحباب بالأحباب
أترى ديار العرب كيف تضافرت ... فكأنّ " صنعا " في " دمشق " روابي
و كأنّ " مصر " و " سوريّا " في مأرب " ... علم و في " صنعا " أعزّ قباب
لاقى الشقيق شقيقه ، فاسألهما ... كيف التلاقي بعد طول غياب ؟
***
اليوم ألقى في " دمشق " بني أبي ... و أبثّ أهلي في الكنانة ما بي
و أبثّ أجدادي بني غسّان في ... ربوات " جلّق " محنتي و عذابي
و أهيم و الأنسام تنشر ذكرهم ... حولي فتنضح بالعطور ثيابي
و أهزّ في ترب " المعرّة " شاعرا ... مثلي : توحّد خطبة و مصابي
و أعود أسأل " جلّقا " عن عهدها ... " بأميّة " و بفتحتها الغلّاب
صور من الماضي تهامس خاطري ... كتهامس العشّاق بالأهداب
***
دعني أغرّد فالعروبة روضتي ... ورحاب موطنها الكبير رحابي
" فدمشق " بستاني " و مصر " جداولي ... و شعاب " مكّة " مسرحي و شعابي
و سماء " لبنان " سماي وموردي ... " بردى " و دجلة و الفرات شرابي
رديار " عمّان " دياري ... أهلها ... أهلي و أصحاب العراق صحابي
بل إخوتي و دم " الرشيد " يفور في ... أعصابهم و يضجّ في أعصابي
***
شعب العراق و إن أطال سكوته ... فسكوته الإنذار للإرهاب
سل عنه سل عبد الإله و فيصلا ... يبلغك صرعهما أتمّ جواب
لن يخفض الهامات للطاغي و لم ... تخضع رؤوس القوم للأذناب
وطن العروبة موطني أعياده ... عيدي ، و شكوى إخوتي أوصابي
فاترك جناحي حيث يهوى يحتضن ... جوّ العروبة جيئتي و ذهابي
يا ابن العروبة شدّ في كفّي يدا ... ننفض غبار الذلّ و الأتعاب

فهنا هنا اليمن الخصيب مقابر ... ودم مباح واحتشاد ذئاب
ذكّره بالماضي عسى يبني على ... أضوائه مجدا أعزّ جناب
ذكّره بالتاريخ واذكر أنّه ... شعب الحضارة مشرق الأحساب
صنع الحضارة و العوالم نوّم ... و الدهر طفل في مهود تراب
و مشى على قمم الدهور إلى العلا ... و بني الصروح على ربى الأحقاب
و هدى السبيل إلى الحضارة و الدنى ... في التيه لم تحلم بلمح شهاب
فمتى يفيق على الشروق و يومه ... يبدو و يخفي كالشعاع الخابي
***
يا شعب مزّق كلّ طاغ وانتزع ... عن ساقيك مهابة الأرباب
واحذر رجالا كالوحوش كسوتهم ... خلعا من " الأجواخ " و الألقاب
خنقوا البلاد وجورهم و عتوّهم ... كلّ الصواب و فصل كلّ خطاب
لم يحسبوا للشعب لكن عنده ... للعابثين به أشدّ حساب
صمت الشعوب على الطغاة و عنفهم ... صمت الصواعق في بطون سحاب
فاحذر رجالا كالوحوش همومهم ... سلب الحمى والفخر بالأسلاب
شهدوا تقدّمك السريع فأسرعوا ... يتراجعون به على الأعقاب
لم يحسنوا صدقا و لا كذبا سوى ... حيل الغبيّ و خدعة المتغابي
***
قل للإمام : و إن تحفّز سيفه ... أعوانك الأخيار شرّ ذئاب
يومون عندك بالسجود و عندنا ... يومون بالأظفار و الأنياب
هم في كراسيهم قياصرة وهم ... عند الأمير عجائز المحراب
يتملّقون و يبلغون إلى العلا ... بخداعهم و بأخبث الأسباب
من كلّ معسول النفاق كأنّه ... حسنا تتاجر في الهوى و ترابي
و غدا سيحترقون في وهج السنى ... و كأنّهم كانوا خداع سراب
و تفيق "صنعاء " الجديد على الهدى ... و الوحدة الكبرى على الأبواب
حديث نهدين
كيف أنساه هل تناسيه يجدي ؟ ... و هو و الذكريات و الشوق عندي
و هو أدنى من الأماني إلى القلب ؛ ... و بيني و بينه … ألف بعد
واشتهاء العناق يحلم في جيدي ... بانفاسه فيمرح عقدي
عندما يهبط الظلام أراه : ... ماثلا في تصوّراتي و سهدي
آه إنّي أخال زنديه في قدّي ... تشدّنني فيختال ... قدّي

فكأنّي أضمّه في فراشي ... و هو يجني فمي و يقطف خدّي
ثمّ أصغي إلى الفراش فلا أسمع ... إلاّ حديث نهد لنهد
حلم كاليقين يدنيه منّي ؛ ... و خيال يخفيه عنّي و يبدي
فأرى طيفه أوانا حنونا ... و أوانا في مقلتيه تعدّي
ليت أنّي أراه في صحوة الصبح ... فما ضارعا يغنّي بحمدي
كلّما ذاب في الخشوع تأبّيت ... وردّيت رغبتي شرّ ردّ
و تحدّيت ناظريه بإعراضي ... وأشعلت حبّه بالتحدّي
و تجاهلته و قلبي يناديه ... و جسمي يكاد يحرق بردي
ثمّ يجترّني و يجذب جسمي ... حضنه جذب قاهر مستبدّ
و هنا : أحتويه بين ذراعيّ ، ... و أطويه بين لحمي و جلدي
ليت لي ما رجوت أو ليتني أمـ ... حوه ؛ منّي من ذكرياتي ووجدي
ليتني يا جهنّم الهجر أدري ... من هواه و من تبدّل بعدي ؟ !
ليته في الشجون مثلي مهجور ... فيشتاقني و يذكر عهدي
و يعاني الجوى و يشقى كما أشـ ... قى ، بأطيافه و ذكراه وحدي
***
هكذا ترجمت مناها و اللّيـ ... ـل عبوس ، كأنّه موج حقد
و الظلام الظلام في كلّ مرأى ... قدر جاثم يخيف و يردي
صامت و العتوّ في مقلتيه ... ظاميء كالسلاح في كفّ وغد
و الخيالات موكب من حيارى ... تائه يهتدي و حيران يهدي
و حنين الصباح في خاطر الأنسام ... كالعطر في براعم ورد
هكذا أمضي
سهدت و أوصاني جميل سهادي ... فأهرقت في النسيان كأس رقادي
و سامرت في جفن السهاد سرائرا ... لطافا كذكرى من عهود وداد
و نادمت وحي الفنّ أحسو رحيقه ... و أحسّو و قلبي في الجوانح صادي
إذا رمت نوما قلقل الشوق مرقدي ... و هزّت بنات الذكريات و سادي
و هازجني من أعين اللّيل هاتف ... من السحر في عينيه موج سواد
له شوق مهجور ، و فتنه هاجر ... و أسرار حيّ في سكون جماد
له تارة طبع البخيل ... و تارة ... له خلق مطواع و طبع جواد
تدور عليه الشهب و سنى كأنّها ... بقيّة جمر في غصون رماد
***
لك الله يا بن الشعر كم تعصر الدجى ... أغاريد عرس أو نحيب حداد

تنوح على الأوتار حينا و تارة ... تغنّي وحينا تشتكي و تنادي
كأنّك في ظلّ السكينه جدول ... يغنّي لواد أو ينوح لوادي
هو الشعر .. لي في الشعر دنيا حدودها ... وراء التمنّي خلف كلّ بعاد
ألا فلتضق عنّي البلاد فلم يضق ... طموحي و إن ضاقت رحاب بلادي
و لا ضاق صدري بالهموم لأنّها ... بنات فؤاد فيه ألف فؤدا
ولا قهرت نفسي الخطوب و كم غدت ... تراوحني أهوالها و تغادي
***
قطعت طريق المجد و الصبر وحده ... رفيقي ، و مائي في الطريق وزادي
و ما زلت أمشي الدرب و الدرب كلّه ... مسارب حيّات و كيد أعادي
و لي في ضميري ألف دنيا من المنى ... و فجر من الذكرى وروضة شادي
و لي من لهيب الشوق في حيرة السرى ... دليل إلى الشأو البعيد و حادي
هو الصبر زادي في المسير لغايتي ... و إن عدت عنها فهو زاد معادي
و لا : لم أعد عن غايتي ؛ لم أعد و لم ... يكفكف عناد العاصفات عنادي
فجوري عليّ يا حياة أو ارفقي ... فلن أنثني عن وجهتي و مرادي
فإنّ الرزايا نضج روحي و إنّها ... غذاء لتاريخي ووري زنادي
***
سأمضي و لو لاقيت في كلّ خطوة ... حسام " يزيد " أو وعيد " زياد "
ألا عكذا أمضي و أمضي و مسلكي ... رؤوس شياطين و شوك قتاد
ولو أخّرت رجلي خطاها قطعتها ... و ألقيت في كفّ الرياح قيادي
فلا مهجتي منّي إذا راعها الشقا ... و لا الرأس منّي إن حنته عوادي
و لا الروح منّي إن تباكت و إن شكا ... فؤادي أساه فهو ليس فؤادي
هو العمر ميدان الصراع و هل ترى ... فتى شقّ ميدانا بغير جهاد ؟
*************************************************
حين يصحو الشعب
جمادى الآخر 1379 ه ، قيلت هذه القصيدة قبل الثورة بثلاث سنوات .
أعذر الظلم و حمّلنا الملاما ... نحن أرضعناه في المهد احتراما
نحن دلّلناه طفلا في الصبا ... و حملناه إلى العرش غلاما
و بنينا بدمانا عرشه ... فانثنى يهدمنا حين تسامى
و غرسنا عمره في دمنا ... فجنيناه سجونا و حماما
***

لا تلم قادتنا إن ظلموا ... و لم الشعب الذي أعطى الزماما
كيف يرعى الغنم الذئب الذي ... ينهش اللّحم و يمتصّ العظاما
قد يخاف الذئب لو لم يلق من ... نلبه كلّ قطيع يتحامى
و يعفّ الظالم الجلّاد لو ... لم تقلّده ضحاياه الحساما
لا تلم دولتنا إن أشبعت ... شرّه المخمور من جوع اليتامى
نحن نسقيها دمانا خمرة ... و نغنّيها فتزداد أواما
و نهنّي مستبدا ، زاده ... جثث القتلى و أكباد الأيامى
كيف تصحو دولة خمرتها ... من دماء الشعب و الشعب الندامى ؟
***
آه منّا آه ! ما أجهلنا ؟ ! ... بعضنا يعمى و بعض يتعامى
نأكل الجوع و نستسقي الظما ... و ننادي " يحفظ الله الإماما "
سل ضحايا الظلم تخبر أنّنا ... وطن هدهده الجهل فناما
دولة " الأجواخ " لا تحنو و لا ... تعرف العدل و لا ترعى الذماما
تأكل الشعب و لا يسري إلى ... مقلتيها طيفه العاني لماما
و هو يسقيها و يظمى حولها ... و يغذّيها و لم يملك طعاما
تشرب الدمع فيظميها فهل ... ترتوي ؟ كلّا : و لم تشبع أثاما
عقلها حول يديها فاتح ... فمه يلتقم الشعب التقاما
***
يا زفير الشعب : حرّق دولة ... تحتسي من جرحك القاني مداما
لا تقل : قد سئمت إجرامها ... من رأى الحيّات قد صارت حماما ؟
أنت بانيها فجرّب هدمها ... هدم ما شيّدته أدنى مراما
لا تقل فيها قوى الموت و قل : ... ضعفنا صوّرها موتا زؤاما
***
سوف تدري دولة الظلم غدا ... حين يصحو الشعب من أقوى انتقاما
سوف تدري لمن النصر إذا ... أيقظ البعث العفاريت النياما
إنّ خلف اللّيل فجرا نائما ... وغدا يصحو فيجتاح الظلاما
و غدا تخضرّ أرضي ، و ترى ... في مكان الشوك وردا و خزامى
لا تقل لي
لا تقل لي : سبقتني و لماذا ... لا أوالي وراءك الإنطلاقا ؟
لم أسلبقك في مجال التدنّي ... و التلوّي : فكيف أرضي اللّحاقا ؟
أنا إن لم يكن قريني كريما ... في مجال السباق عفت السباقا
لا تقل : ضاع في الوحول رفاقي ... و أضاعوا الضمير و الأخلاقا

لم أضيّع أنا ضميري و خلقي ... و كفاني أنّي خسرت الرفاقا
لا تقل كنت صاحبي فادن منّي ... لست أشري و لا أبيع نفاقا
لا تقل لي أين التقينا ؟ و لا أين ... افترقنا ، فنحن لم نتلاقى ؟
قد نسيت اللّقاء يوما و إنّي ... لست أدري متى نسيت الفراقا ؟
لا تذوّق صراحتي فهي مرّ ... إنّما من تذوق المرّ ذاقا
الطريق الهادر
هتاف هتاف و ماج الصدى ... و أرغى هنا و هنا أزبدا
وزحف مريد يقود السنا ... و يهدي العمالقة المرّدا
تلاقت مواكبه موكبا ... يمدّ إلى كلّ نجم يدا
عمائمة من لهيب البروق ... و أعينه من بريق الفدا
أفاق فناغت صبايا مناه ... على كلّ أفق صبا أغيدا
و هبّ ودوّى فضجّ السكون ... ورجّعت الريح ما ردّدا
و غنّى على خطوه شارع ... ودرب على خطوه زغردا
و منعطف لحّنت صمته ... خطاه و منعطف غرّدا
مضى منشدا و ضلوع الطريق ... صنوع توقّع ما أنشدا
و أقبل يسترجع المعجزات ... و يستنهض الميت و المقعدا
و يبدو مداه فيمضي العنيد ... يحاول أن يسبق الأعندا
فتطغى مشاهده كالحريق ... و يقتحم المشهد المشهدا
و يرمي هنا و هناك الدخان ... و يوحي إلى الجوّ أن يرعدا
***
هو الشعب طاف بإنذاره ... على من تحدّاه و استعبدا
وشقّ لحودا تعبّ الفساد ... و تنجرّ تبتلع المفسدا
و أوما بحبّات أحشائه ... إلى فجره الخصب أن يولدا
أشار بأكباده فالتقت ... حشودا مداها وراء المدى
وزحفا يجنّح درب الصباح ... و يستنفر الترب و الجلمدا
و ينتزع الشعب من ذابحيه ... و يعطي الخلود الحمى الأخلدا
و يهتف : يا شعب شيّد على ... جماجمنا مجدك الأمجدا
وعش موسما أبديّ الجنى ... و عسجد بإبداعك السرمدا
و كحّل جفونك بالنيّرات ... وصغ من سنى فجرك المرودا
لك الحكم أنت المفدى العزيز ... علينا و نحن ضحايا الفدا
***
ودوّى الهتاف : " اسقطوا يا ذئاب " ... و يا راية الغاب ضيعي سدى
وكرّ شباب الحمى فالطريق ... ربيع تهادى و فجر بدا

ومرّ يضيء الحمى كالشموع ... يضيء توهجها معبدا
ويزجي عذارى بطولاته ... فيشحّ الجرح و السؤددا
و يغشى على الظلم أبراجه ... فيزري به و بما شيذدا
و يكسر في مفّ طاغي لبحمى ... حساما بأكباده مغمدا
و تندى خطاه دما فائرا ... يذيب دما كاد أن يجمدا
و يلقي على كلّ درب فتى ... دعته المروءات فاستشهدا
يدني إلى الموت حكما يخوض ... من العار مستنقعا أسودا
و يجترّ أذيال " جنكيزخان " ... و يقتات أحلامه الشردا
و يحدو ركاب الظلام الأثيم ... فيبلغ الصمت رجع الحدا
و يحسو النّجيع و لا يرتوي ... فيطغى ؛ و يستعذب الموردا
رأى الشعب صيدا فأنحى عليه ... وراض مخالبه واعتدى
فهل ترتجيه ؟ و من يرتجي ... من الوحش إصلاح ما أفسدا ؟
و هل تجتدي ملكا شرّه ... سخيّ اليدين ... عميم الجدا ؟
و حكما عجوزا حناه المشيب ... و ما زال طغيانه أمردا
تربّى على الوحل من بدئه ... و شاخ على الوحل حيث ابتدا
فماذا يرى اليوم ؟ جيلا يمور ... و يهتف " لا عاش حكم العدا "
***
زحفنا إلى النصر زحف اللّهيب ... و عربد إصرارنا عربدا
و دسنا إليه عيون الخطوب ... و أهدابها كشفار المدى
طلعنا على موجات الظلام ... كأعمدة الفجر نهدي الهدى
و نرمي الضحايا و نسقي الحقول ... دما يبعث الموسم الأرغدا
لنا موعهد من وراء الجراح ... و ها نحن نستنجز الموعدا
وهل يورق النصر إلاّ إذا ... سقى دمنا روضه الأجردا
أفقنا فشبت جراحاتنا ... سعيرا على الذلّ لن يخمدا
رفعنا الرؤوس كأنّ النجوم ... تخرّ لأهدابنا سجّدا
و سرنا نشقّ جفون الصباح ... و ننضج في مقلتيه الندى
فضجّ الذئاب ، من الطافرون ؟ ... و كيف ؟ و من أيقظ الهجذدا
و كيف استثار علينا القطيع ؟ ... و من ذا هداه ؟ و كيف اهتدى ؟
هنا موكب أبرقت سحبه ... علينا وحشد هنا أرعدا
وهزّ القصور فمادت بنا ... و أشغل من تحتنا المرقدا
و كادت جوانحنا الواجفات ... من الذعر أن تلفظ الأكبدا
***

فماذا رأت دولة المخجلات ؟ ... قوى أنذرت عهدها الأنكدا
بمن تحتمي ؛ واحتمت بالرصاص ... و عسكرت اللّهب الموقدا
و لحّنت الغدر أنشودة ... من النار تحتقر المنشدا
و نادت بنادقها في الجموع ... فأخزى المنادي جواب الندا
و هل ينفد الشعب إن مزّقته ... قوى الشر ؟ هيهات أن ينفدا
فردّت بنادقها و الحسيس ... إذا ملك القوّة استأسدا
و جبن القوى أن تعدّ القوى ... لتستهدف الأعزل المجهدا
و أردى السلاح لأردى الأنام ... و أجوده ينصر الأجودا
و يوم البطولات يبلو السلاح ... إا كان وغدا حمى الأوغدا
فأيّ سلاح حمى دولة ... تغطّي المخازي بأخزى ردا ؟
و تأتي بما ليس تدري الشرور ... و لا ظنّ " إبليس " أن يعهدا
لمن وجدت ؟ من أشذّ الشذو ... ذ و من أغبن أن الغبن أن توجدا
بنت من دم الشعب عرشا خضيبا ... ورضّت جماجمه مقعدا
و أطفت شبابا أضاءت مناه ... فأدمى السنا حكمها الأرمدا
وسل كيف مدّت حلوق الردى ... إليه فأعيا حلوق الردى ؟
و كم فرشت دربه بالحراب ... فراح على دمه ... واغتدى
وروّى التراب المفدّى دما ... مضيئا يصوغ الحصى عسجدا
و عاد إلى السجن يذكي النجوم ... على ليلة فرقدا فرقدا
و يرنو فينظر خضر لالرؤى ... كما ينظر الأعزب الخرّدا
فتختال في صدره موجة ... من الفجر تهوى المدى الأبعدا
و يهمس في صمته موعد ... إلى الشعب لا بدّ أن تسعدا
سينصبّ فجر و يشدو ربيع ... و يخضوضر الجدب أنّى شدا
فهذي الروابي و تلك السهول ... حبالى و تستعجل المولدا
حوار جارين
خطرات و أمنيات عذارى ... جنّحت و همّه فرّق و طارا
و سرى في متاهة الصمت يشدو ... مرّة للسرى و يصغي مرارا
و يناجي الصدى و يومي إلى الطيف ... و يستنطق الربى و القفارا
و تعايا كطائر ضيّع الوكر ، و أدمى ... الجناح ... و المنقارا
ليس يدري أين المصير و لكن ... ساقه وهمّه الجموح فسارا
و هنا ضجّ " يا منى " أين نمضي ... و إلى أيّ غاية نتبارى ؟

و الطريق الطويل أشباح موت ... عابسات الوجوه يطلبن ثارا
موحش يحضن الفراغ على الصمت ... كما تحضن الرياح الغبارا
تأكل الشمس ظلّها في مواميه ... كما يأكل الغروب النهارا
***
أين يا ليلتي إلى أين أسري ؟ ... و المنايا تهيّء الأظفارا
و الدجى ها هنا كتاريخ سجّان ... و كالحقد في قلوب الأسارى
يتهادى كهودج من خطايا ... حار هادية القفار و حارا
و يهزّ الرؤى كما هدهد السكّير ... سكّيره تعاني الخمارا
و الرؤى تذكر الصباح المندّى ... مثلما يذكر الغريب الديارا
و هي ترنو إلى النجوم كما تر ... نو البغايا إلى عيون السكارى
و الأعاصير تركب القمم الحيرى ... كما يركب الجبان الفرارا
***
إليه ، يا ليلتي و ما أكبر الأخطا ... ر قالت : لا تحتسبها كبارا !
قال من الوجود أقوى من الأخطا ... ر ؟ قالت : من يركب الأخطارا !
و تهادى يرجو المفاز و تغشى ... دربه غمرة فيخشى العثارا
قلق بعضه يحاذر بعضا ... ويداه تخشى اليمين اليسارا
حائرا كالظنون في زحمة الشكّ ... و كاللّيل في عيون الحيارى
***
و لوى جيده فأومى إليه ... قبس شعّ لحظة و توارى
فرأى في بقيّة النور شخصا ... كان يعتاده صديقا وجارا
قدماه بين التعثّر و الوحل ... و دعواه تقطف الأقمارا
فتدانى من جاره و رآه ... مثلما ينظر الفقير النضارا
و دعاه إلى المسير فألوى ... رأسه وانحنى يطيل الإزارا
و ثنى عطفه وضجّ وأرغى ... و تعالى ضجيجة و أشارا
فانحنى جاره و قال : أجنبي ... هل ترى صحبتي شنارا و عارا
أنت مثلي معذّب فكلانا ... صورة للهوان تخزي الإطارا
فاطّرح بهرج الخداع و مزّق ... عن محيّاك وجهك المستعارا
كلّنا في الضياع و التيه فانهض : ... و يدي في يدك نرفع منارا
قال : أين الهوان ؟ فاذكر أبانا ... إنّه كان فارسا لا يجارى
إنّنا لم نهن و أجدادنا الفرسان ... كانوا ملء الزمان فخارا
إنّنا لم نهن أما كان جدّانا ... الحسيبان " حميرا " و " نزارا "
***

فانتخى جاره و قال : و ما الأجداد ؟ ... سل عنهم البلى و الدمارا
فخرنا بالجدود فخر رماد ... راح يعتزّ أنّه كان نارا
قد يسرّ الجدود منك و منّي ... أن يرونا في جبهة المجد غارا
***
و هنا أصغيا إلى أنّه الأوراق ... و الريح تعصف الأشجارا
فإذا بالشروق ينخر في اللّيل ... كما ينخر اللّهيب الجدارا
و تمادى الحوار في العنف حتّى ... أسكتت ضجّة الصباح الحوارا
و تراءى الصباح يحتضن السحر ... كما تحضن الكؤوس العقارا
و بنات الشذى تحيّي شروقا ... شاعريّا يعنقد الأفكارا
و الصبا ترعش الزهور فتومي ... كالمناديل في أكفّ العذارى
سلوى
سلوى و يهمس في ندائي ... أمل كأغنية الضياء
سلوى و يرتدّ الصدى ... بجوابها : يا لانتشائي
أيّ المنى تخضرّ في ... جدبي و تزهر بالهناء
و تعيد " تموزا " و تغزل ... من أشعّته ردائي
من ذا إزائي ؟ هل هنا ... سلوى ؟ " فنيسان " إزائي
يشدو أمامي بالشذى ... و يزنبق الذكرى ورائي
سلوى ؛ و أصغي ؛ واسمها ... بفمي ربيع من غناء
و ذا صداها في هواي ... مواسم بيض العطاء
و أعود أصغي و الصدى ... يدنو و يوغل في التنائي
***
فأفيق أبني في مهبّ ... الريح عشا من هباء
و عواصف المأساة تطفئني فيحترق انطفائي
و أنا أغنّيه لأنّ تحرّقي ... عطر ... البقاء
و الصمت حولي كالضغائن في عيون الأدنياء
و السهد أفكار معلّقة ... بأهداب الفضاء
و اللّيل بحر من دخان ... شاطئاه من الدماء
جوعان يبتلع الرؤى ... و يمجّ دمع الأشقياء
يهذي كما يروي المشعوذ معجزات الأنبياء
و يعبّ من دم ... الذكرى جحيميّ الإناء
و أنا هناك رواية ... للحزن تبحث عن " روائي "
أبكي على سلوى أناجيها ... أغنّيها ... بكائي
و أعيد فيها مأتمي ... أو أبتدي فيها عزائي
وحدي أناديها ؛ و عفوا ... نلتقي : في لا لقاء
تبدو و تغرب فجأة ... كالحلم يدنو و هو نائي
أو تنثني جذلى كفجرى ... الصيف في صحو الهواء
و تسيل في وهمي رحيقا ... من عناقيد السماء

7 / 23
ع
En
A+
A-