و ضجيج صامت تكنفه ... لجة الآلام و اللّيل العمي
و على صدري توابيت الشقا ... كالعفاريت الحيارى ترتمي
كلّما ساءلت نفسي من أنا ... صمتت عنّي صموت الصنم
لا تسل عنّي فآلام الورى ... بضلوعي كاللّهيب النهم
و غنا شعري بكا عاطفتي ... و تباكي جرحى المبتسم
تائه
كان عملاقا شاخ في فجر ميلاده ، و كاد أن يحتضر في ربيع العمر ، فتراه على بقيّة الأنفاس ، يتراءى كالظّل الحزين على صفحة الماء الراكد ، نصف عمره حلم آت ، و نصف ذكريات ، يدور في محوره كطيف الأمس في أهداب الذكريات ، فهو متاهة الظنون حلم تقلبه أجفان الظلم تائه خلف ما لا يكون
تائه كالرّجا ... في زوايا السجون
كخيال اللّقا ... حول وهم الجفون
كرياح الضحا ... في صخور الحزون
كانين الشّتا ... فوق صمت الغصون
كطيوف المسا ... في متاه العيون
وحدة يرتمي ... خلف طيف الفتون
بين خفق الرؤى ... و ضجيج السكون
آه يا قلبه ... حرّقتك الشجون
جفّ خمر الهوى ... في كئوس اللّحون
ظاميء يرتوي ... بسراب الظنون
ماله هان أو ... ماله لا يهون
كفّنت صوته ... و صداه السنون
و اختفى ظلّه ... في غبار القرون
كوعود المنى ... في الزمان الخؤون
يا شباب الفدى في الجنوب
أفق وانطلق كالشعاع النديّ ... و فجّر من اللّيل فجر الغد
وثب يابن أمّي وثوب القضا ... على كلّ طاغ و مستعبد
و حطّم ألوهيّة الظالمـ ... ين و سيطرة الغاصب المفسد
و قل للمضلّين باسم الهدى ... تواروا فقد آن أن نهتدي
و هيهات يبقى الشباب ... جريح الإبا أو حبيس اليد
سيحيا الشباب و يحيى الحمى ... و يفني عداة الغد الأسعد
و يبني بكفّيه عهدا جديدا ... سنّيا و مستقبلا عسجدي
و عصرا من النور عدل اللّوا ... طهور المنى أنف المقصد
***
فسر يابن أمّي إلى غاية ... سماويّة العهد و المعهد
إلى غدك المشتهى حيث لا ... تروح الطغاة و لا تغتدي
فشقّ الدجا يا أخي واندفع ... إلى ملتقى النور و السؤدد

و غامر و لا تحذرنّ الممات ... فغري بك الحذر المعتدي
ولاق الردى ساخرا بالردى ... ومت في العلا موت مستشهد
فمن لم يمت في الجهاد النبيل ... يمت راغم الأنف في المرقد
و إن الفنا في سبيل العلا ... خلود . شباب البقا . سرمدي
و ما الحرّ إلا المضحي الذي ... إذا آن يوم الفدى يفتدي
وحسب الفتى شرفا أنّه ... يعادي على المجد أو يعتدي
أخي يا شباب الفدى طال ما ... خضعنا لكيد الشقا الأسود
و مرّت علينا سياط العذاب ... مرور الذباب على الجلمد
فلن نخضع اليوم للغاصبين ... و لم نستكن للعنا الأنكد
سنمشي سنمشي برغم القيود ... ورغم وعود الخداع الردي
فقد آن للجور أن يبتهي ... وقد آن للعدل أن يبتدي
وعدنا الجنوب بيوم الجلاء ... و يوم الفدى غاية الموعد
سنمشي على جثث الغاصبين ... إلى غدنا الخالد الأمجد
و ننصبّ كالموت من مشهد ... و ننقضّ كالأسد من مشهد
و نرمي بقافلة الغاصبين ... إلى العالم الآخر الأبعد
فتمسي غبارا كأنّ لم تعش ... بأرض الجنوب و لم توجد
أخي يا شباب الفدى في الجنوب ... أفق وانطلق كالشعاع الندي
الربيع و الشعر
وافاك مجتمع البلاد فرنّما ... وصبا إليك مسبّحا و متيّما
و تدافعت ( صنعا ) إليك كأنّها ... حسناء مغرمة تغازل مغرما
وهفت إليك كأنّها مسحورة ... ملتاعة الأعصاب ملهبة الدما
ورأت ولي العهد فازدانت به ... فكأنّها قبس يسيل تضرّما
و ترقّصت ربواتها الفرحى كما ... رقصت على الأفلاك أقمار السما
لقيت وليّ العهد دنياها كما ... لقي العطاش الجدول المترنّما
وصبت نواحيها وجنّ جنونها ... فرحا و كاد الصمت أن يتكلّما
و تجاذبتك هضابها و سهولها ... شغفا كما جذب الفقير الدرهما
نظرت بنور البدر فجر حياتها ... ورأت به الأمل الحبيب مجسّما
بدر مطالعه القلوب و نوره ... يوحي إلى الأوطان أن تتقدّما
فكأنّه فجر يفيض أشعة ... جذلا و فردوس يفيض تبسّما
و كأنّه وهج إلاهيّ السنا ... و منابر تمحو دياجير العمى !

و كأنّه بفم الربيع نشيده ... خضراء نقّشها الصباح و نمنما
وروى فم التاريخ سحر جمالها ... فكرا مجنّحة ووحيا محكما
و كأنّه قلب يذوب تأوّها ... للبائسين و يستفيض ترحّما
فإذا رأى متألّما شاهدته ... متوجّعا ممّا به متألّما
حتّى تراه لكلّ عين ماسحا ... عبراتها و لكلّ جرح بلسما
و أحقّ أبناء البسيطة بالعلا ... من شارك العاني و آسى المعدما
و أذلّ أهل الأرض قلبا من رأى ... عبث الظلوم و ذلّ عنه و أحجما
و إذا تسامى طأطأ رأسه ... متهيّبا و كفاه أن يتظلّما
أمحمد من أنت ؟ أنت عدالة ... و صبابة حرّى باحشاء الحمى
و عواطف تندى و إنسانية ... عصما توشّجت السمو الأعصما
ولدتك آفاق المعالي و العلا ... شعلا كما تلد السماء الأنجما
غنّاك شعري و الربيع و صفوة ... أهدي إليك زهوره و العندما
حيّاك ميلاد الربيع بطيّه ... و شدتك أشعاري نشيدا ملهما
فاسلم تقبّلك القلوب و ترتوي ... من فيض بهجتك الأماني و الظّما .
فجران
من ساحة الأصنام و الأوثان ... من مسرح الطاغوت و الطّغيان
من غابة الوحشية الرعنا و من ... دنيا القتال و موطن الأضغان
من عالم الشر المسلّح حيث لا ... حكم لغير مهنّد و سنان
بزغت تباشير السعادة و الهدى ... بيضا كطهر الحبّ في الوجدان
و أهلّ من أفق الغيوب على الدنى ... فجران فجر هدى و فجر حنان
يا فرحة العليا أهلّ محمد ... و عليه سيما المجد كالعنوان
و أطلّ من مهد البراءة . و السما ... و الأرض في كفّيه تعتنقان
***
ماذا ترى الصحرا ؟ أنوارا سائلا ... أم أنّه حلم على الأجفان
فتحت نواظرها فضجّ سكونها ... مالي أرى ما لا ترى عينان
و تلفّتت ربوات مكّة في السنا ... حيرى تكابد صمتها و تعاني
و تكاد لولا الصّمت تسأل جوّها ... ماذا ترى و متى التقى فجران ؟
و تيقّظ الغافي يرى مالا ترى ... في الوهم روح الملهم الفنّان
نزل البسيطة بالسلام محمد ... كالنصر عند مخافة الخذلان

يا صرعة الطاغوت أشرق بالهدى ... رجل الهداية و الرسول الباني
فإذا الجزيرة فرحة و صبابة ... و الجو عرس و الحياة أغاني
و إذا العداوة وحدة و أخوّة ... و البغض حبّ و النفور تداني
هتفت شفاه البعث فانتفض الثرى ... و تدافع الموتى من الأكفان
زخرت و ضجّت بالحياة قبورها ... واهتاجت الأرواح في الأبدان
و تلاقت الدنيا يهنّيء بعضها ... بعضا فكل الكائنات تهاني
***
ولد الرسول من الرسول و من رأى ... طفلا له عليا الخلود مغاني
يسعى إلى العليا و تسعى نحوه ... فكأنّ بينهما هوى و أماني
من ذلك الطفل الذي عصم الدما ... و حمى الضعيف من القويّ الجاني
و تناجت الأكباد حوله جلاله ... بالحبّ الحور و الولدان
***
من ذلك الطفل الفقير يشعّ من ... عينيه تاريخ و سفر معاني
ما شأن هذا الطفل ما آماله ؟ ... فوق المنى و الشأن و السلطان
هذا اليتيم و سوف يغدو وحده ... رجل الخلود وواحد الأزمان
و تحقّق الأمل الجميل و أينعت ... روح النبوّة في أجلّ كيان
حمل الرسالة وحده و مضى على ... حدّ السيوف و ألسن النيران
عبر المهالك و السلام سلاحة ... يدعو إلى الحسنى ، إلى الإحسان
و إلى الأمانه و البراءة و التقى ... و محبّة الإنسان للإنسان
و إلى التآخي و التصافي و الوفا ... و البرّ و العيش الظليل الهاني
فتجاوبت حوليه أحقاد العدا ... و تفجّرت في الدرب كالبركان
فمشى على نار الحقود كأنّه ... يمشي على الأزهار و الغدران
و عدا الحقيقة حوله تجتاحهم ... همجيّة دمويّة الألوان
و غواية تصبي الغويّ كأنّها ... شيطانه توحي إلى شيطان
و محمد يلقي الأشعة ها هنا ... و هنا و يفتح الوسنان
فطغت أعاديه عليه فردّهم ... بالآيتين : الصبر و الإيمان
واقتاد معركة الفدى متفانيا ... إن الجهاد عقيدة و تفاني
و الحقّ لا تحميه إلاّ قوّة ... غضبى كألسنة اللّهيب القاني
و الأرض أم الناس ميدان الوغى ... و العاجزون فريسة الميدان

و المجد حظّ مدرّب و مسلّح ... و الموت حظّ الأعزل المتواني
رفع الرسول لوا النبوّة بالهدى ... و حمى الهدى بالرمح و الفرسان
و غزا البلاد سهولها ووعورها ... بالقوّتين : السيف و القرآن
و تراه إن لمست يداه بقعة ... نشأت على الإصلاح منه يدان
و إذا أتت قدماه أرضا أطلعت ... خطواته فجرا بكل مكان
إن الزعامة قوّة و عداله ... و شجاعة سمحا و قلب حالي
***
يا خير من حمل الرسالة و التقى ... في عزم روح في أرقّ جنان
ذكراك آيات الزمان كأنّها ... أنشودة العليا بكل زمان
***
أمحمّد خذ بنت فنّي إنّها ... أخت الزهور بريئة الألحان
و عليك ألف تحيّة من شاعر ... في كلّ عضو منه قلب عاني
إلى قارئي
من القبر من حشرجات التراب ... على الجمر من مهرجان الذباب
و من حيث كان يدقّ القطيع ... طبول الصلاة أمام الذئاب
و يهوي كما يرتمي في الصخور ... قتيل على كتفيه ... مصاب
و من حيث كانت كؤوس الجراح ... تزغرد بين شفاه الحراب
و من حيث يحسو حنين الربى ... غبار المنى و نجيع السراب
و من حيث يتلو السؤال السؤال ... و يبتلع الذعر وهم الجواب
عزفت اصفرار الرماد العجوز ... ليحمرّ فيه طفور الشباب
و حرّقت أنفاسي المطفئات ... و أطفأتها بالحريق المذاب
***
أتشتمّ يا قارئي في غناي ... دخان المغنّي و شهق الرباب ؟
و تسمع فيه أنين الضياع ... تبعثره عاصفات الضباب
فإنّ حروفي اختلاج السهول ... و شوق السواقي ، و خفق الهضاب
و شوق الرحيق بصدر الكروم ... إلى الكأس و الثلج في كلّ باب
و خوف المودّع غيب النوى ... و سهد المنى في انتظار الإياب
أنا من غزلت انتحار الحياة ... هنا شفقا من زفير العذاب
و لحّنته سحرا يحتسي ... رؤى الفجر بين ذراعي كتاب
و تنبض فيه عروق السكون ... و يمتدّ في ثلجة الالتهاب
و يتّقد الشوق في مقلتيه ... و يظمأ في شفتيه العتاب
في طريق الفجر
أسفر الفجر فانهضي يا صديقه ... نقتطف سحره و نحضن بريقه

كم حنّنا إليه و هو شجون ... في حنايا الظلام حيرى غريقه
و تباشيره خيالات كأس ... في شفاه الرؤى ، و نجوى عميقه
و ظمئنا إليه و هو حنين ... ظاميء يرعش الخفوق شهيقه
واشتياق يقتات أنفاسه الحمر ... و يحسو جراحه ... و حريقه
وذهول كأنّه فيلسوف ... غاب في صمته يناجي الحقيقة
و طيوف كأنّها ذكريات ... تتهادى من العهود السحيقه
واحتضنّا أطيافه في مآقينا ... كما يحضن العشيق العشيقه
و هو حبّ يجول في خاطرينا ... جولة الفكر في المعاني الدقيقة
و التقينا نريق دمع المآقي ... فأبت كبرياؤنا أن نريقه
واحترقنا شوقا إليه و ذبنا ... في كؤوس الهوى لحونا رقيقة
وانتظرناه و الدجى يرعش الحلم ... على هجعة القبور العتيقة
و السري وحشة و قافلة السّـ ... فر يخاف الرفيق فيها رفيقه
و ظلام لا ينظر المرء كفّيـ ... ه و لا يسعد الشقيق شقيقة
هكذا كان ليلنا فتهادى ... فجرنا الطلق فلحياة طليقه
***
فانظري " يا صديقتي " رقصة الفجر ... على خضرة الحقول الوريقة
مهرجان الشروق يشدو و يندى ... قبلات على شفاه الحديقة
فانهضي نلثم الشروق المغنّي ... و نقبّل كؤوسه ورحيقه
و اخطري يا صديقتي في طريق الـ ... فجر كالفجر ، كالعروس الأنيقه
واذكري أنّنا نعشنا صباه ... وحدنا ؛ على خطاه الرشيقه
و سكبنا في مهده دفء قلبيـ ... نا و أحلامنا العذارى المشوّقه
نحن صغنا أضواءه من هوانا ... و فرشنا بالأغنيات طريقه
و شدونا في دربه كالعصافـ ... ير … و شدو الغرام فيض السليقه
لن نطيق السكوت فالصمت للمسيـ ... ت و تأبى حياتنا أن نطيقه
***
نحن من نحن ؟ نحن تاريخ فكر ... و بلاد في المكرّمات عريقه
سبقت وهمّها إلى كلّ مجد ... و انتهت منه قبل بدء الخليقه
فابتسمي : عاد فجرنا و هو يتلو ... للعصافير من دمانا وثيقه .
صراع الأشباح
وحدي و مقبرة جواري ... و الوهم و الأشباح داري
و الأفق بشرق بالدجى ... و يلوك حشرجة الدراري
و الريح تزحف كالجنائز ... في حشود من غبار

و النجم محمرّ الشعا ... ع كأنّه أحلام ثار
و كأنّ عينيه تشهّي جاره ... و حنين جار
و أنا أتيه ... كنجمة ... حيرى ، تفتّش عن مدار
و كأنّني طيف " الفرزدق " ... يجتدي ذكرى " نوار "
و أرود منزل غادة ... كالصيف عاطرة المزار
و كأنّني أمشي على حرقي ؛ ... و أشلاء اصطباري
و دنوت منها فانتشت ... شفتاي ؛ واخضرّ افتراري
ورنت إليّ فتمتمت ... ودنت ؛ و غابت : في التّواري
و أردت عذرا فانطوى ... في خاطري الخجل اعتذاري
وهمست : أين فمي ؟ و ناري في دمي تقتات ناري
ورجعت أحمل في الحشا ... حرقا ... كحيّات القفار
و أحاور الحسناء في صمتي ... فيدنيها حواري
فأظنّها حولي رحيقا ... في كؤوس من نضار
تبدو و تخفى كالطيوف ؛ و تستقرّ بلا قرار
و تكاد تقلع ثوبها ... حينا و ترمي بالخمار
و أكاد أحضن ظلّلها ... جسدا من الرّغبات عاري
و طفقت أزرع من رما ... ل الوهم كرما في الصحاري
فدوت حيالي ضجّة ... غضبى كدمدمة انفجار
و سعت إليّ غابة ... تومي بأشداق الضواري
و عصابة برّاقة الألوان ، دامية الشّفار
تمشي فيحترق الحصا ... و الريح تقذف بالشرار
و أحاطها ومض البروق ؛ فسجّلت أخزى اندحار
***
و اللّيل يبتلع السّنى ... و الخوف يرتجل الطواري
فتصارع الأشباح أشباحا ... على شرّ انتصار
و هنا استجرت بساحر ... بادي التقى نتن الإزار
يهذي و يقتاد النزيل ... إلى لصيقات العثار
و يبيع ساعات الفجور ... لكلّ بائعة و شاري
لصّ يتاجر بالخنا ... و يزينه كذب الوقار
و يكاد ينفر بعضه ... من بعضه أشقى نفار
و يثور إن ناوأته ... في الإثم كالنمر المثار
و بلا انتظار كشّرت ... في وجهه ( ذات السوار )
فاهتاج و ابتدر العصا ... ودوت كعاصفة الدمار
فانقضّ كالثور الذّبيح ؛ يخور ، يخنق بالخوار
و رمت به للموت يكنسه إلى دار البوار
و تهافت الجيران فاتّقد الشّجار على الشجار
فشردت عنه كطائر ... ظمآن طار من الإسار
و الريح تبصقي و تروي للشّياطين احتقاري
***

و كأنّ أنهار تناديني ... و تنصب في المجاري
مأعبّ من عفن الرؤى ... و حلا ووهما من عقار
و أفرّ من نفسي إلى نفسي ... و أهرب من فراري
أهوى على ظلّي كما ... يهوى الجدار على الجدار
و أسائل الأحلام عن ... دنيا ترقّ على انكساري
***
لا تسكتي : لم أنتحر ... إنّي أقلّ من انتحاري
أنا من بحثت عن الردى ... في كلّ رابية و غار
و نسيت مأتم زوجتي ... و أبي وحشرجة احتضاري
***
هل خلف آفاق المنى ... دنيا أجلّ من انتظاري ؟ !
خضراء طاهرة الجنى ... و الرّي ، دانيه الثمار
و مواسم تندى و تولم للغراب ، و للهزار .
للقبّرات و للصقور ؛ و للعصافير الصغار
إنّي كبرت عن الهوى ... و الزيف و الحبّ التجاري
و بصقت دنيا جيفه ... تؤذي و تغري بالشّعار
و تصوغ من قذر الخطا ... يا السود رايات الفخار
و مللت تيها ميّت الألوان ؛ مكروه الإطار
و سئمت أشباحا أدا ... ريها ، و أشتمّ من أداري
و لعنت وجهي المستعا ... ر و كلّ وجه مستعار
و هفت إليّ نسيمة ... جذلى كآمال العذاري
كتبسمّ الأفراح في ... مقل الصبيّات الغرار
***
و تثاءب الفجر الجريح كمن يفيق من الخمار
وانشقّ أفق الغيب عن ... عهد المروءات الكبار
و كأنّ دنيا أشرقت ... كالحور من خلف السّتار
تلقي المحبّة عن يميني و البراءة عن يساري
و سرت حكايات المدينة كالخيالات السواري
ووجدتني أنهار وحدي و استفقت على انهياري
و نهضت و الدنيا كما ... كانت تفاخر بالصغار
و تهاوت الدنيا ... خلق افتناني و ابتكاري
فوددت لو ألقى كذاب اللّيل ؛ صدقا في النهار
عتاب ووعيد
لماذا لي الجوع و القصف لك ؟ ... يناشدني الجوع أن أسألك
و أغرس حقلي فتجنيه أنـ ... ت ؛ و تسكر من عرقي منجلك
لماذا ؟ و في قبضتيك الكنوز ؛ ... تمدّ إلى لقمتي أنملك
و تقتات جوعي و تدعى النزيه ؛ ... و هل أصبح اللّصّ يوما ملك ؟
لماذا تسود على شقوتي ؟ ... أجب عن سؤالي و إن أخجلك
و لو لم تجب فسكوت الجوا ... ب ضجيج ... يردّد ما أنذلك !

لماذا تدوس حشاي الجريح ؛ ... و فيه الحنان الذي دلّلك
و دمعي ؛ و دمعي سقاك الرحيق ... أتذكر " يا نذل " كم أثملك !
فما كان أجهلني بالمصير ... و أنت لك الويل ما أجهلك !
غدا سوف تعرفني من أنا ... و يسلبك النبل من نبّلك
***
ففي أضلعي . في دمي غضّبة ... إذا عصفت أطفأت مشعلك
غدا سوف تلعنك الذكريات ... و يلعن ماضيك مستقبلك
و يرتدّ آخرك المستكين ... بآثامه يزدري أوّلك
و يستفسر الإثم : أين الأثيم ؟ ... و كيف انتهى ؟ أيّ درب سلك ؟
***
غدا لا تقل تبت : لا تعتذر ... تحسّر هنا مأملك
و لا : لا تقل : أين منّي غد ؟ ... فلا لم تسمّر يداك الفلك
غدا لن أصفّق لركب الظلام ... سأهتف : يا فجر : ما أجملك !
الجناح المحطم
خطرة وانبى النذير وصاحا ... الحريق الحريسق يطوي الجناحا
و تعالى صوت النذير و ألوى ... آمل العمر وجهه و أشاحا
و دنا من هنا الحريق و أومى ... بارق الموت من هناك و لاحا
ورنا السفر حوله ليس يدري ... هل يرى الجدّ أم يحسّ المزاحا ؟
تارة يرقب الخلاص و أخرى ... يرقب اليأس و الهلاك المتاحا
و تعايا حينا يقلّب كفّيـ ... ه و حينا يشدّ بالرّاح راحا
و إذا النار تحتوي مارد الجوّ ... ويجتاحه الحريق اجتياحا
خطوة في الرحيل و اختصر الموت ... مسافاته الطوال الفساحا
و أطاح الجناح بالركب في الجوّ ... و أودي الجناح فيه و طاحا
من رآه في الهوّة الحيرى ؛ ... و يستجدّ الربى و البطاحا
من رآه على الصخور رفاتا ... و شظايا تعطي الرّماد الريّاحا
من رأى الصقر حين مدّ إلى النا ... ر جناحا و للفرار جناحا
و هوى الطائر الكسير ودوّى ... موكب الرعب ملأه و تلاحى
وارتمى يطرح الجناح المدمّى ... مثلما يطرح القتيل السلاحا
***
وانطوى الركب في السكون و أطفت ... هجعة الرمل عزمه و الطّماحا
و انتهى عمره و هل كان إلاّ ... في مدى النفس غدوة أو رواحا
خلع العمر فاطمأنّ و أغفى ... واستراحت جراحة و استراحا

مات ، و الشعب بين جنبيه قلب ... خافق يطعم الحنين الجراحا
و يضمّ البلاد خلف الحنايا ... أمنيات و ذكريات ملاحا
لم يكد شعبه يذوق هناء ... منه حتّى بكى و أبكى و ناحا
***
أيّها الركب ! يا شهيد المعالي ! ... هل رأيت الحياة شرّا صراحا !
أم فقدت النجاح في العمر حتّى ... رحت تبغي عند الممات النجاحا
عندما قبّل الثرى منك جرحا ... أوراق الترب من دماه و فاحا
هكذا المجد تضحيات ؛ و غبن ... عمر من لم يخض إلى المجد ساحا
إنّما الموت و الحياة كفاح ... يكسب النصر من أجاد الكفاحا
لا استراح الجبان لا نام جفناه ... و لا أدركت خطاه الفلاحا
إنّما الموت مرّة و الدم المهدور ... يبقى على الزمان وشاحا
كم جبان خاف الردى فأتاه ... و تخطّى ستاره واستباحا
و نفوس شحّت على الموت لكن ... أيّ موت صان النفوس الشحاحا ؟
كم مليك يأوي إلى القصر ليلا ... ثمّ يأوي إلى التراب صباحا
***
شرعه المجد أن تصارع في المجـ ... د ؛ و تستلّ للصفاح صفاحا
أيّها الركب ! نم هنيئا ودعنا ... نعتسف بعدك الخطوب الجماحا
ووداعا يا فتية اليمن الخضـ ... را وداعا بحرقة الصدر باحا
لا تسألي
لا تسألي يا أخت أين مجالي ؟ ... أنا في التراب و في السماء خيالي
لا تسأليني أين أغلالي سلي ... صمتي و إطراقي عن الأغلال ؟
أشواق روحي في السماء و إنّما ... قدماي في الأصفاد و الأوحال
و توهمي في كلّ أفق سلبح ... و أنا هنا في الصمت كالتمثال
أشكو جراحاتي إلى ظلّي كما ... يشكو الحزين إلى الخلّي السّالي
***
و اللّيل من حولي يضجّ و ينطوي ... في صمته كالظالم المتعالي
يسري و في طفراته ووقاره ... كسل الشيوخ و خفّة الأطفال
و تخاله ينساق و هو مقيّد ... فتحسّه في الدرب كالزلزال
و أنا هنا أصغي و أسمع من هنا ... خفقات أشباح من الأهوال
ورؤى كألسنة الأفاعي حوّما ... ومخاوفا كعداوة الأنذال
و أحسّ قدّامي ضجيج مراقد ... و تثائب الآباد و الآزال

5 / 23
ع
En
A+
A-