الطائرون على السيوف إلى العلا ... و الهابطون على القنا الميّاد
***
بعث الرسول من التفرّق وحدة ... و من العدا القاسي أرقّ وداد
فتعاقدت قوم الحروب على الصّفا ... و توحّدت في غاية و مراد
و تحرّكت فيها الأخوة مثلما ... تتحرّك الأرواح في الأجساد
و محا ختام المرسلين عن الورى ... صلف الطّغاة و شرعة الأنكاد
فهناك تيجان تخرّ و هاهنا ... بين السكون مصارع استبداد
و هناك آلهة تئنّ و تنطوي ... في خزيها و تلوذ بالعبّاد
و المرسل الأسمى يوزع جهده ... في الحقّ بين هداية و جهاد
حتّى بنى للحقّ أرفع ملّة ... ترعى حقوق الجمع و الأفراد
و شريعة يمضي بها جيل إلى ... جيل و آزال إلى آباد
***
يا خير من شرع الحقوق و خير من ... آوى اليتيم بأشفق الإسعاد
يا من أتى بالسلم و الحسنى و من ... حقن الدّما في العالم الجلّاد
أهدي إليك و منك فكرة شاعر ... درس الرجال فهام بالأمجاد
حيث التقينا
ها هنا كان يناجينا الغرام ... و يناجي المستهام المستهام
ها هنا رفّ بقلبينا الصبا ... و تبنّانا التصافي و الوئام
عقد الحبّ فؤادينا كما ... يعقد الهدب إلى الهدب المنام
فتلاقينا بأحضان الصّفا ... و الصّبا خمر و ثغر الحبّ جام
و تجاذبنا أحاديث الهوى ... و سهرنا و ليالينا نيام
و تمنّينا الأغاني و اللّقا ... في شفاه الكأس لحن و مدام
و الصبابات الظوامي حولنا ... تشرب اللّحن فيهتاج الأورام
ها هنا غنّى الهوى الطفل لنا ... و طواه ها هنا عنّا الفطام
و انقضى صفو التلاقي و ذوت ... في صبا الحبّ أمانيه الجسام
و انتهى العهد كأنّ لم يبتديء ... أو تلاقى البدء فيه و الختام
وانطفا فجر أمانينا و لم ... ينطف الشوق و لم يخب الضرام
بدت اللّقيا وولّت ها هنا ... فعلينا و على اللّقيا السلام
ضمّنا هذا المقام المشتهي ... ثمّ أقصاني و أقصاك المقام
فهنا يا أخت ناغينا الهوى ... و هنا ولّى و غطّاه القتام
واختفى الأنس و ذكراه على ... مسرح العمر شعاع و ظلام
و من الحبّ ابتهاج و أسى ... و من الذكرى دموع ة ابتسام
كلّنا يهوى الهنا لكنّنا ... كلّما رمنا الهنا غاب المرام
ها أنا حيث التقينا و على ... خاطري من صور الأمس ازدحام
أسأل الذكرى عن الحبّ و هل ... للهنا في شرعة الحبّ دوام
ها أنا في منزل اللّقيا و في ... جوّه من عهدنا الفاني حطام
أسأل الصمت على الجدران هل ... للهوى عهد لديه أو ذمام
و يكاد الصمت يروي حبّنا ... قصّة لو طاوع الصمت الكلام
أنا الغريب
غبت في الصمت و الهموم الضّواري ... والأماني و الذكريات السواري
و تغلّفت بالوجوم وواريـ ... ت همومي في صمتي المتواري
و خنقت اللّحون في حلق مزما ... ري و أغفى على فمي مزماري
و انطوت في فمي الأغاني و ماتت ... نغمي في حناجر الأوتار
و تلاشى شعري و نام شعوري ... نومة اللّيل فوق صمت القفار
و تفانى فنّي و لم يبق إلاّ ... ذكريات الصدى بشجو ادّكار
و خيال النحيب في عودي البا ... كي و طيف النشيج في أسراري
***
و كأنّي تحت الدياجير قبر ... جائع في جوانح الصمت عاري
و أنا وحدي الغريب و أهلي ... عن يميني و إخوتي عن يساري
و أنا في دمي أسير ، و في أر ... ضي شريد مقيّد الأفكار
و جريح الإبا قتيل الأماني ... و غريب في أمّتي ودياري
كلّ شيء حولي عليّ غضوب ... ناقم من دمي على غير ثار
ليالي السجن
نزلت ليالي السجن بين جوانحي ... فحملت صدري للهموم ضريحا
و جثت على قلبي كأنّي صخرة ... لا تفهم التنويه و التلميحا
فدفنت في خفق الجراح تألّمي ... حيّا و ألحدت الأنين صحيحا
و حملت دائي في دمي وكأنّني ... في كلّ جارحة حملت جريحا
عندما ضمنا اللقاء
كيف أنسى منك الحوار البديعا ... و اللّقا الغضّ و الجمال الرفيعا
كيف أنسى و لا نسيت و عندي ... ذكريات حرّى تذيب الضلوعا
كيف أنسى و لست أنسى لقاء ... ضمّ قلبا صبّا و قلبا صديعا
ووصالا كانت تفيض معاني ... علينا سكينة و خشوعا
عندما ضمّنا اللّقا في ذراعيـ ... ه نسينا ما في الوجود جميعا
و صبونا و عانق الحبّ حبّا ... مثلما عانق الصباح الربيعا
وامتزجنا و الحبّ يضفي علينا ... صبوات مرحى و جوّا وديعا
و بنان الهوى تغازل قلبيـ ... نا كما غازل النسيم الشموعا
فأدرنا من الغرام حوارا ... عاطفيّا يصبي الهوى و الولعا
و عتابا يكاد من رقّة الألـ ... فاظ يجري على الشفاه دموعا
***
كم تساءلت عن لقانا و كم سا ... ءلت عن صفوة الظلام المريعا
و ذكرت الوصال ذكرى غريب ... يتشهّى أوطانه و الرّبوعا
وحدي هنا
وحدي هنا يا ليل وحدي ... ما بين آلامي و سهدي
وحدي و أموات المنى ... و الذكريات السود عندي
كأنّ أشباح الدجا ... حولي أماني مستبدّ
وي أحاسيسي و تنـ ... شرها و تخفيها و تبدي
لمّيل يلهو بي كما ... يهوى التجنّي و التعدّي
كأنّني في كفّه ... عرض الكريم بكفّ وغد
ليل لي قلب يحنّ ... إلى العلا بأحرّ وجد
ى العلا و يردّني ... عجزي و إن العجز مردّي
اليأس يسلبني عن الـ ... عليا و لا الآمال تجدي
و بين مآربي ... أقصى النوى و أشقّ بعد
فات مجدي إنّما ... في ذمّة الأيّام مجدي
غدا - و ما أدنى غدا ... منّي - سأوفي المجد وعدي
لقّن التاريخ آيا ... تي و يروي الخلد خلدي
نشيد منّي أمّة ... تهدي إلى العليا و تهدي
على عهد العلا ... فلتذكر العليا عهدي
الحبّ القتيل
يا حيرتي أين حبّي أين ماضية ... و أين أين صباه أو تصابيه
قتلت حبّي و لكنّي قتلت به ... قلبي و مزّقت في صدري أمانيه
و كيف أحيا بلا حبّ و لي نفس ... في الصدر أنشره حيّا و أطويه
قتلت حبّي و لكن ! كيف مقتله ؟ ... بكيت حتّى جرى في الدمع جارية
أفرغت من حدق الأجفان أكثره ... دمعا و ألقيت في النسيان باقية
ما كنت أدري بأنّي سوف أقتله ... أو أنّني بالبكا الدامي سأفنيه
و كم بكيت من الحبّ العميق إلى ... أن ذاب دمعا فصرت اليوم أبكيه
و كم شدوت بواديه الوريف و كم ... أفعمت كأس القوافي من معانيه
و كم أهاب بأوتاري و ألهمني ... و كم شربت الأغاني البيض من فيه
***
و اليوم واريت حبّي و التفتّ إلى ... ضريحة أسأل الذكرى و أنعيه
قد حطّم اليأس مزمار الهوى بفمي ... و قيّد الصمت في صوتي أغانيه
إنّ الغرام الذي قد كنت أنشده ... أغاني الروح قد أصبحت أرثيه
ويلي وويلي على الحبّ القتيل و يا ... لهفي على عهده الماضي و آتيه
ما ضرّني لو حملت الحبّ ملتهبا ... يميت قلبي كما يهوى و يحييه
كيف أنسى
هيهات أن أنسى هواك و كلّما ... حاولت أن أنسى ذكرتك مغرما
يا للشجون و كيف أنسى و الأسى ... يقتات أوصالي و ينتزف الدما
يا أخت روحي و ابتسام طفولتي ... و بكا شبابي - آه . ما ألقى و ما
خلّفتني وحدي ألوك حشاشتي ... أسفا و أفنى حرقة و تضرّما
وحدي مع الأمل الذبيح تطوف بي ... ذكر متيّمة يشقن متيّما
و اليوم إنّي حول قبرك صامت ... أقتات من جوعي و أستسقي الظما
و أقبّل القبر الحبيب و منيتي ... لو أنّ لي في كلّ جارحة فما
و أسائل الصمت الرهيب كأنّني ... جوعان محتضر يسائل معدما
***
يا من أناديها و يخنقني البكا ... و يكاد صمت الدمع أن يتكلّما
فارقت في مثواك رفق أبوّتي ... و فقدت عطف الأم فيك مجسّما
يا قلبي الدامي و آه و أين من ... فاضت عليّ عواطفا و ترحّما
غابت و غبت و كلّما فارقتها ... لاقيتها في الذكريات توهّما
مالي أناجيها و كيف و كلّما ... ناجيتها ناجيت قبرا أبكما
***
وافيت قبرك و السكون يلفّه ... و سكينة الأجداث تحيي المأتما
فسألت وارتجف السؤال متى اللّقا ... فعصى الجواب لسانه و تلعثما
فذكرت أنّ الموت خاتمة اللّقا ... فقلت آمالي و ليت و ربّما
و تألّمت روحي ووجداني إلى ... أن كادت الآلام أن تتألّما
***
يا روع قلبي كيف أنسى روضة ... حضنت صبا عمري فرفّ منعّما
كم دلّلتني بالحنان و لم تكن ... أمّي و قد كانت أرقّ و أرحما
حتّى عميت فكاد يعميها البكا ... و حنانها الباكي يشاركني العمى
***
كم صارعت عنت الخطوب و ما مضت ... من ظالم إلاّ تلقّت أظلما
و مشت على شوك الحياة و هولها ... و كأنّها كانت تدوس جهنّما
فرمت إلى حضن الممات كيانها ... و تبدّلت بالكدّ عيشا أنعما
و تبرّمت بحياتها الضنكى و من ... برمت به متع الحياة تبرّما
و حييت بعد مماتها ميت الهنا ... حيّا أموت تأوّها و تألّما
أين منّي
أين منّي حنانها أين منّي ... ملتقاها لم يبق إلاّ التمنّي
و شجون تهفو بقلبي إليها ... و ظنون تقصي مرادي و تدني
هي أدنى إليّ من سر قلبي ... و هي في القرب أبعد الناس عنّي
و هي في خاطري و أشكو نواها ... و أقاسي ظلم الهوى و التجنّي
فاسمعي يا حبيبة الروح نجوى ... خاطري وارقصي على شجو لحني
إنّني يا حبيبتي شاعر الـ ... حب و للحبّ أغنياتي و فنّي
يجرح الحبّ أغنياتي فيصبيـ ... ها و يبكيني الهوى فأغنّي
حين يضنيني الغرام أغنيـ ... ه و أسمى الغرام ما كان مضنى
ساجليني يا ربّة الحسن أشوا ... قي و عاني معي الغرام المعنّي
إنّني يا إلهة الحسن أهوا ... ك و إن الهوى من الحسن يغنّي
إنّني ظاميء إليك و كم أظمأ ... و أظما و فيك خمري و دني
في معانيك سكرة الحبّ و الفن ... و فيها رقص الخيال المغنّي
و فتون حيّ يموج على أعـ ... طاف حسنا يجلّ عن كلّ حسن
إنّها كلّ ما أريد من الدنـ ... يا و ما يشتهي يقيني و ظنّي
ميلاد الربيع
ولد الربيع معطّر الأنوار ... غرّد الهوى و مجنّح الأشعار
و مضت مواكبه على الدنيا كما ... تمضي يد الشادي على الأوتار
جذلان أحلى من محاورة المنى ... و أحبّ من نجوى الخيال السّاري
و ألذّ من سحر الصبا و أرقّ من ... صمت الدموع ورعشة القيثار
هبط الربيع على الحياة كأنّه ... بعث يعيد طفوله الأعمار
فصبت به الأرض الوقور و غرّدت ... و تراقصت فتن الجمال العاري
و كأنّه في كلّ واد مرقص ... مرح اللّحون معربد المزمار
و بكلّ سفح عاشق مترنّم ... و بكلّ رابية لسان قاري
و بكلّ منعطف هدير حمامة ... و بكلّ حانية نشيد هزار
و بكلّ روض شاعر يذرو الغنا ... فوق الرّبا و عرائس الأزهار
و كأنّ أزهار الغصون عرائس ... بيض معندمة الشفاه عواري
و خرائد زهر الصبا يسفرن عن ... ثغر لؤاليّ و خدّ ناري
من كلّ ساحرة الجمال تهزّها ... قبل الندي و بكا الغدير الجاري
و شفاه أنفاس النسيم تدبّ في ... بسماتها في الأفكار
فتن و آيات تشعّ و تنتشي ... كالحور بين تبسّم و حوار
ناريّة الألوان فردوسيّة ... ذهبيّة الآصال و الأسحار
آذار يا فصل الصبابة و الصبا ... و مراقص الأحلام و الأوطار
يا حانه اللّحن الفريد و ملتقى ... نجوى الطروب و لوعة المحتار
أجواؤك الفضّيّة الزرقا جلت ... صور الهنا و عواطف الأقدار
و محا هواك الشتا القاسي كما ... يمحو المتاب صحفيّة الأوزار
في جوّك الشعري نشيد حالم ... و عباقر شمّ الخيال عذاري
***
ما أنت إلاّ بسمة قدسيّة ... ريّا الشفاه عميقة الأسرار
و بشائر مخصّلة و ترنّم ... عبق أنيق السحر و السحار
هموم الشعر
لمن الهيام ؟ لمن تذوب هياما ؟ ... و لمن تصوغ من البكا أنغاما
و لمن تسلسل من ضلوعك نغمة ... حيرى تناجي اللّيل و الأحلاما
و نشائدا جرحى اللّحون كأنّها ... من رقّة الشكوى قلوب يتامى
***
يا شاعر الآلام كم تدمى و كم ... تبكي و تحتمل الهموم جساما
خفّف عليك و عش بقلبك وحده ... و اسأل نهاك لم البكا و علاما ؟
واربأ بنفسك فهي أسمى غاية ... من أن تذوب صبابة و غراما
كم همت بلآلام تشدو باسمها ... و على الأنين تدلّل الآلاما
بلواك يابن الشعر فجر شاعر ... يهدي إليك الوحي و الإلهاما
و بكاك ترنيم الخلود إذا اشتكى ... غنّى الحياة ورقّص الأيّاما
في قلبك المهموم ألف خميله ... تلد الهموم أزاهرا و خزامى
جلّت هموم الشعر . إنّ دموعها ... فنّ يدير من الدموع مداما
ما لي صمت عن الرثاء
يقولون لي مالي صمت عن الرثا ... فقلت لهم إنّ العويل قبيح
و ما الشعر إلاّ للحياة و إنّني ... شعرت ما شعرت أنوح
و كيف أنادي ميّتا حال بينه ... و بيني تراب صامت و ضريح
و ما النوح إلاّ للثّكالى و لم أكن ... كثكلى على صمت النعوش تصيح
هو ... و هي
لا قيتها و هي تهواني و أهواها ... فما أحيلى تلاقينا و أحلاها
و ما ألذّ تدانيها و أجملها ... و ما أخفّ تصابيها و أصباها
فهي الربيع المغنّي و هي بهجته ... و هي الحياة و معنى الحبّ معناها
و إنّها في ابتسامات الصبا قبل ... سكرى تفيض بأشهى السكر ريّاها
و فتنة من شباب الحسن رقّمها ... فنّ الصّبا و حوار الحبّ غناها
لاقيتها و أغاريد الهوى بفمي ... تشدو و تشدو و تستوحي محيّاها
غازلتها فتغاضت لحظة ودنت ... و عنونت بابتسامات الرضا فاها
حيرة الساري
طال الطريق ، و قلّ الزاد ، و همّ الركب بالرحيل ، و أين ؟ و كيف ؟ كانت اللّيلة عاقرا لم تلد فجرا ، و سياط المطر تضرب العابرين و أجنحة العفاريت تتشابك و تحوم ، و الطريق الوحل يتخبّط بالمتعبين .
و نادى الشيخ : قد أظلمت فقف ، أعتم الوادي وضلّ الدليل ! و نادى الشيخ :
صاحبي غامت حوالينا النواحي ... أيّ مغدى تبتغي أيّ مراح
قف بنا حتّى يمرّ السيل من ... دربنا المحفوف بالشّر الصراح
أين تمضي ؟ و القضا مرتقب ... و متاح و الرجا غير متاح
و الدجا الأعمى يغطّي دربنا ... برؤى الموتى و أشلاء الأضاحي
أين تمضي ؟ و إلى أين بنا ... جدّت الظلما فدع حمق المزاح
أظلم الدرب حوالينا فقف ... ريثما تبدو تباشير الصباح
***
و هنا نادى على الدرب فتى ... صديقه بين اقتراب و انتزاح
يحمل المصباح في قبضته ... و ينادي الركب من خلف الجراح
فتلفّتنا إليه فانطوى ... صوته بين الروابي و البطاح
واحتوى الصمت الندا واضطربت ... حول مصباح الفتى هوج الرياح
***
يا رفيقي هذه ليلتنا ... عاقر سكرى بآثام السفاح
و العفاريت عليها موكب ... يرتمي في موكب شاكي السلاح
و الأعاصير تدوّي في الربا ... و تميت العطر في صدر الأقاح
و غصون الروض عرّاها الهوا ... ورمى عن جيدها كلّ وشاح
و الرياض الجرد لهفي لم تجد ... لطف أنسام و لا نجوى صداح
نام عنها الفجر و الطير فلا ... همس منقار و لا خفق جناح
***
يا رفيقي في السرى هل للسرى ... آخر ؟ هل لظلام الدرب ماحي ؟
تلك كأس العمر جفّت و هوت ... و هوانا في شفاه الكأس صاحي
هل وراء العمر عمر شائق ؟ ... هل وراء اليأس ظلّ من نجاح ؟
أيّ ركب من هنا يسري و ما ... باله يسري إلى غير فلاح
و طريق السفر شوك و دم ... يصرح الهول به ساحا بساح
تعب الركب و كلّ الدرب من ... ضجّة السفر و ضوضاء التلاحي
" حيرة الساري " متى يغفي ؟ متى ... يستريح الدرب من ركب الكفاح ؟
مدرسة الحياة
ماذا يريد المرء ما يشفيه ... يحسو روا الدنيا و لا يرويه
و يسير في نور الحياة و قلبه ... ينساب بين ضلالة و التيه
و المرء لا تشقيه إلاّ نفسه ... حاشى الحياة بأنّها تشقيه
ما أجهل الإنسان يضني بعضه ... بعضا و يشكو كلّ ما يضنيه
و يظنّ أن عدوّه في غيره ... و عدوّه يمسي و يضحي فيه
غرّ و يدمي قلبه من قلبه ... و يقول : إن غرامه يدميه
غرّ و كم يسعى ليروي قلبه ... بهنا الحياة و سعيه يظميه
يرمي به الحزن المرير إلى الهنا ... حتّى يعود هناؤه يرزيه
و لكم يسيء المرء ما قد سرّه ... قبلا و يضحكه الذي يبكيه
ما أبلغ الدنيا و أبلغ درسها ... و أجلّها و أجلّ ما تلقيه
و من الحياة مدارس و ملاعب ... أيّ الفنون يريد أن تحويه
بعض النفوس من الأنام بهائم ... لبست جلود الناس للتمويه
كم آدمي لا يعدّ من الورى ... إلاّ بشكل الجسم و التشبيه
يصبو فيحتسب الحياة صبيّة ... و شعوره الطفل الذي يصبيه
***
قم يا صريع الوهم واسأل بالنهى ... ما قيمة الإنسان ما يعليه
واسمع تحدّثك الحياة فإنّها ... أستاذة التأديب و التّفقيه
وانصب فمدرسة الحياة بليغة ... تملي الدروس و جلّ ما تمليه
سلها و إن صمتت فصمت جلالها ... أجلى من التصريح و التنويه
ليلة الذكريات
دعيني أنم لحظة يا هموم ... فقد أوشك الفجر أن يطلعا
و كاد الصباح يشقّ الدجا ... و لم يأذن القلب أن أهجعا
دعيني أنم غفوة ... عسى أجد الحلم الممتعا
دعيني أطلّ عليّ الصباح ... و ما زلت في أرقي موجعا
و ما زال يتعبني مضجعي ... و يضني تقلّبي المضجعا
لك الله يا ليلة الذكريات ... و لي ، ما أمرّ و ما أفزعا
سكرة الحب
كم أغنّيك آه كم ... أسفح الروح في النغم
و أناجيك و الدجا ... بيننا تائه أصم
و الوجود الكبير في ... سكرة الصمت و الظلم
و أنادي كأنّني ... معدم يسأل العدم
***
و أناجي يا ربّة الحسن و الأشـ ... واق حولي مدلّهات صوادي
و خيالي يسمو بأجنحة الحبّ ... بعيدا إلى وراء البعاد
و معانيك نغمة ردّدتها ... نغماتي على فم الآباد
و صلاة تفجّر الطهر في محـ ... راب حبّي و السحر في إنشادي
و الهوى في فمي نشيد نديّ ... و صلاة قدسيّة في فؤادي
و أنا في هواك أمضي بجوع الـ ... حبّ و الأغنيات مائي وزادي
فاستثيري شجون حبّي وزيدي ... في جنوني ، و حرقتي واتّقادي
فجنون الغرام عقل جديد ... طائر في مسابح الوحي شادي
أنا أهواك للمعاني فزيديـ ... ني غراما يذيب قلب الجماد
***
وافعمي مهجتي هوى ... ملهبا ثائر الضرم
واشعليني صبابة ... و املئي خاطري حمم
و اجهدي في تألّمي ... لذّة الحبّ في الألم
عذّبيني و عذّبي ... فعذاب الهوى حكم
***
أضرمي لوعتي تفه بالأغاني ... و الحوار الأنيق زاهي البيان
فأجلّ الغرام وجد بلا وصـ ... ل و شوق تموت فيه الأماني
و صبيني أو فاهجريني فحسبي ... منك فنّ الهوى و حلم التداني
أنا حسبي من الهوى أن يحسّ الـ ... قلب فيه قلبا من الحبّ ثاني
إنّما شرعه القلب و الطبـ ... ع فزيدي صبابتي و افتتاني
و انتفاض الغرام في الروح معنى الر ... وح معني الحياة في الإنسان
ما أمرّ الهوى و أحلى معانيـ ... ه و أسمى صبابة الفنان
أنا لولاك ما انتزفت شبابي ... نغما خالدا خلود المعاني
لا و لا ذبت في فم الحبّ شدوا ... قدسيّ الصدى نديّ الحنان
***
و نشيدا متيّما ... مغرم الصوت و الصدى
يحتسبه الهوى كما ... تحتسي الزهرة الندى
كلّما استنطق الجوى ... صمت أوتاره شدا
و تندى عواطفا ... عاشقات و غرّدا
***
و تغنّى كأنّه الفجر يبثّ ... الصباح شكوى اللّيالي
فاسمعي لوعتي بأنفاس أوتا ... ري فإنّي سكبت فيها انفعالي
و احتسي من كئوس حبّي لحونا ... وارقصي رقصة الصبا و الدلال
و اسكريني يا هالة الحبّ بالحـ ... ب و بالسحر من كئوس الجمال
سكرة القلب بالهوى سكره الأز ... هار بالعطر و النّدى و الظلال
سكرة الحبّ سكرة الفجر بالأنـ ... وار سكر القلوب بالآمال
أنا من عشت في هواك أغنيّـ ... ك و أروي الغرام للأجيال
و معاني هواك في ثغر لحني ... بسمات بيض كأزهى اللآلي
كالشّذا في فم الربيع المندّى ... كالمنى في خواطر الأطفال
لا تسل عنّي
لا تسل عنّي و لا عن ألمي ... فلقد جلّ الأسى عن كلمي
و تعايا صوتي المجروح في ... عنفوان الألم المضطرم
ضقت بالصمت وضاق الصمت بي ... بعد ما ضاقت عروقي بدمي
فدع التسآل عمّا بي فقد ... ألجمت هيمنة الصمت فمي
و تهاديت كأنّي أمل ... يرتمي فوق بساط العدم
و دمي يصرخ في جسمي كما ... تصرخ الثكلى ببيت المأتم
و أراني آه مهزوم المنى ... و أنا أحنو على المنهزم
أرحم المحروم إحساسا و لم ... تدر كفّي كيف شكل الدرهم
و أنا أحنو على العاني و بي ... حسرة العاني وجوع المعدم
و أنا في عزلتي السودا و في ... قلبي الدامي قلوب الأمم
و تآويه الحيارى تلتقي ... في أحاسيسي و في روحي الظمي
آه كم وقّعت آلامي على ... عودي الباكي جريح النغم
و عبرت العمر مخنوق الإبا ... مطلق الحسّ حبيس القدم
قلق اليقظة مذعور الكرى ... ذاهل الفكر شريد الحلم
حائر الخطو كأنّي مذنب ... ميّت الغفران حيّ الندم
و كأنّي قصّة مبهمة ... في حنايا كبرياء الظلم