و لا ، لا تقل معك الحبّ بل ... جريمته و الخطايا معي
و مال إلى اللّيل و اللّيل في ... نهايته و هو لم يهجع
و قد آن للفجر أن يستفيق ... و ينسلّ من مبسم المطلع
و كيف ينام " أثيم الهوى " ... و عيناه و السهد في موضع
هنا ضاق بالسهد و الذكريات ... وحنّ إلى الحلم الممتع
فألقى بجثّته في الفرا ... ش كسير القوى ذابل المدمع
ترى هل ينام وطيف الفجو ... ر ورائحة الإثم في المضجع ؟
و في قلبه ندم يستقي ... دماه و في حزنه يرتعي
و في مقلتيه دموع و في ... حشاه نجيب بلا أدمع
فماذا يلاقي و ماذا يحسّ ... و قد دفن الحبّ في البلقع
و عاد و قد أودع السرّ من ... حناياه في شرّ مستودع
فماذا يعاني ؟ ألا إنّه ... جريح الإبا صامت لا يعي
هكذا قالت
أشقيتني من حيث إمتاعي ... فليتعني من ظلمك الناعي
آلفتني حتّى ألفت اللّقا ... تركتني وحدي لأوجاعي ؟
أطمعتني فيك فخلّفتني ... لجوع آمالي و أطماعي
ورحت - لا عدت - و ألقيتني ... وديعة في كفّ مضياع
إن لم يكن لديك قلب ، فهل ... رحمت قلبا بين أضلاعي
رعيتني حتّى ملكت الغنى ... عنّي فكنت الذئب في الراعي
يا ظالمي و الظالم طبع الحنى ... قطفت عمري قبل إيناعي
قد ضاع ما أرجو فما خيفتي ... إذا دعاني للفنا داعي
لا ، لم أعاتبك فقد أقلعت ... عنك شجوني أيّ إقلع
إن كنت خدّاعا فإن الورى ... ما بين مخدوع و خدّاع
ما بين غلّاب و مستسلم ... ما بين محروم و إقطاعي
أوّاه كم أشقى و أسعى إلى ... قبري وويح السعي و الساعي
و هكذا قالت ، و في صوتها ... دموع قلب جدّ ملتاع
ليالي الجائعين
هذي البيوت الجاثمات إزائي ... ليل من الحرمان و الإدجاء
من للبيوت الهادمات كأنّها ... فوق الحياة مقابر الأحياء
تغفو على حلم الرغيف و لم تجد ... إلاّ خيالا منه في الإغفاء
و تضمّ أشباح الجياع كأنّها ... سجن يضمّ جوانح السّجناء
و تغيب في الصمت الكئيب كأنّها ... كهف وراء الكون و الأضواء
خلف الطبيعة و الحياة كأنّها ... شيء وراء طبائع الأشياء
ترنو إلى الأمل المولّي مثلما ... يرنو الغريق إلى المغيث النائي
و تلملم الأحلام من صدر الدّجا ... سردا كأشباح الدجا السوداء
***
هذي البيوت النائمات على الطوى ... توم العليل على انتفاض الداء
نامت و نام اللّيل فوق سكونها ... و تغلّفت بالصمت و الظلماء
و غفت بأحضان السكون و فوقها ... جثث الدجا منثورة الأشلاء
و تلملمت تحت الظلام كأنّها ... شيخ ينوء بأثقل الأعباء
أصغى إليها اللّيل لم يسمع بها ... إلاّ أنين الجوع في الأحشاء
و بكا البنين الجائعين مردّدا ... في الأمّهات و مسمع الآباء
ودجت ليالي الجائعين و تحتها ... مهج الجياع قتيلة الأهواء
****
يا ليل ، من جيران كوخي ؟ من هم ... مرعى الشقا و فريسة الأرزاء
الجائعون الصابرون على الطوى ... صبر الربا للريح و الأنواء
الآكلون قلوبهم حقدا على ... ترف القصور و ثروة البخلاء
الصامتون و في معاني صمتهم ... دنيا من الضجّات و الضوضاء
و يلي على جيران كوخي إنّهم ... ألعوبة الإفلاس و الإعياء
ويلي لهم من بؤس محياهم و يا ... و يلي من الإشفاق بالبؤساء
أنوح للمستضعفين و إنّني ... أشقى من الأيتام و الضعفاء
و أحسّهم في سدّ روحي في دمي ... في نبض أعصابي و في أعضائي
فكأنّ جيراني جراح تحتسي ... ريّ الأسى من أدمعي و دمائي
ناموا على البلوى و أغفي عنهمو ... عطف القريب ورحمة الرحماء
ما كان أشقاهم و أشقاني بهم ... و أحسّني بشقائهم و شقائي
حين يشقى الناس
أنت ترثي كلّ محزون و لم ... تلق من يرثيك في الخطب الألدّ
و أنا يا قلب أبكي إن بكت ... مقلة كانت بقربي أو ببعدي
و أنا أكدى الورى عيشا على ... أنّني أبكي لبلوى كلّ مكد
حين يشقى الناس أشقى معهم ... و أنا أشقى كما يشقون وحدي !
و أنا أخلو بنفسي و الورى ... كلّهم عندي و مالي أيّ عندي
لا و لا لي في الدّنا مثوى و لا ... مسعد إلاّ دجا اللّيل و سهدي
لم أسر من غربة إلاّ إلى ... غربة أنّكى و تعذيب أشدّ
متعب وركبي قدمي ... و الأسى زادي و حمّى البرد بردي
و الدجا الشاتي فراشي وردا ... جسمي المحموم أعصابي و جلدي
الشاعر
طائر عشّه الوجود و قلب ... ملهم عاشق وروح نبيلة
ركّب الله في طبيعته الفنّ ... و في فكره طموح الفضيلة
ينشر اللّحن في الوجود و يطوي ... بين أضلاعه الجراح الدّخيلة
يفعم الكون من معانيه شهدا ... ورحيقا حلوا و يطفي غليله
و يوشّي الحياة سحرا كما و شّـ ... ت خيوط الصباح زهر الخميلة
و فنونا ألذّ من بسمة الطفل ... و من نسمة الصباح العليلة
و حوارا أرقّ من قبل الحبّ ... على وجنه الفتاة الجميلة
أنت - يا شاعر الحياة - حياة ... و " كمنج " حيّ و دنيا ظليلة
تعشق النور و الندى و سموّ الـ ... روح في النشّ و العقول الجليلة
و تحبّ الطموح في الأنفس العظمى ... و تحنو على النفوس الضئيلة
تستشفّ الجمال من ظلم اللّيل ... و من زهرة الربيع البليله
من سكون الدّجا و من هجهة الصحـ ... را وحشة القفار المهيلة
و ترى الورد في الغصون خدودا ... قانيات و اللّيل عينا كحيلة
قد عرفت الجمال في كلّ شيء ... و تغنّيت همسة وهديله
و توحّدت للجمال تناجيه ... وللفنّ تستقي سلسبيله
ورفضت النفاق و الزور و الزلـ ... فى و خلّيت للورى كلّ حيله
و نبذت الرواغ و الملق المخـ ... زي و أعباءه الجسام الثقيلة
لم تحاول وظيفة المنصب العا ... لي و لا تبتغي إليه وسيلة
لا و لا تعشق النقود اللّواتي ... نقشتها يد الحياة الذليلة
قد تخلّيت للجمال تناجي ... هالة الوحي و السماء الصقيلة
فرأيت الفضائل البيض في الدنـ ... يا و لم تلمح الحنّى و الرذيلة
عشت في الطهر للخيال توف ... يه كما وافت الخليل الخليله
طائرا عن عوالم الشر لما ... أودع الله فيك روحا غسيله
سائل
مررت بشيخ أصفر العقل و اليد ... يدبّ على ظهر الطريق و يجتدي
ثقيل الخطا يمشي الهويتى بجوعه ... واحزانه مشي الضرير المقيّد
و يمضي و لا يدري إلى أين ينتهي ... و لم يدر قبل السير من أين يبتدي
و يزجي إلى الأسماع صوتا مجرّحا ... كئيبا كأحلام الغريب المشرّد
يمدّ اليد الصفرا إلى كلّ عابر ... و لم يجن إلاّ اليأس من مدّة اليد
فيلقي على الكفّ النحيل جبينه ... و يسأل هل في الأرض ظلّ لمسعد
هو الشرّ ملء الأرض و الشر طبعها ... هو اشر ملء الأمس و اليوم و الغد
وهذا غبار الأرض آهات خيّب ... و هذا الحصى حبذات دمع مجمّد
رمى الشيخ فيما حوله نظرة الأسى ... ومرّ كطيف المستكين المهدّد
فيا للفقير الشيخ يمشي على الطّوى ... و في مأتم الشكوى يروح و يغتدي
يظنّ أكفّ الناس تهوي بجودها ... إليه و لم يبصر سوى وهمه الردي
و جوع يلوّي نفسه في ضلوعة ... فينساق لا يدري إلى أين يهتدي
الشمس
أطلّت من الأفق بنت السماء ... مغلّفة بالشعاع الندي
ووشّت بساط الفضا بالسنا ... و باللّهب البارد العسجدي
و بالوهج الدافيء المشتهي ... وبالمنظر السحري الأجود
فجنّت بها نشوات الصبا ... و فاضت بصدر الضحا الأمرد
و أهدت سناها السماوي إلى ... رءوس الربا و اثرى الأوهد
إلى الطود و السهل و المنحنى ... إلى الماء و الطين و الجلمد
إلى الكوخ و القصر مهد الغنى ... إلى السوق و السجن و المعبد
ووزّعت النور في العالمـ ... ين و جادت على العبد و السيّد
على المترفين على البائـ ... سين على المجتدى و على المجتدي
و أدّت رسالتها حرّة ... إلى أقرب الكون و الأبعد
جرى عدل بنت السما في الوجو ... د حفيا بجيّده و الردي
و أنفقت النور أمّ الضحا ... فزادت ثراء إلى سؤدد
و أربت جمالا وزادت سنا ... ونورا إلى نورها السرمدي
و طالت حياة فما تنتهي ... من العمر إلاّ لكي تبتدي
و أعطت فدام سنا ملكها ... جديد الصبى دائم المولد
و ما زادها كثر إنفاقها ... سوى الترف الأكثر الأخلد
***
لقد ضرب الله أمثاله ... و من يضلّل الله لا يهتدي
أنا و الشعر
هاتي التآويه يا قيثارتي هاتي ... وردّدي من وراء اللّيل آهاتي
و ترجمي صوت حبّي للجمال ففي ... نجواك - يا حلوة النجوى - صبابتي
قيثارتي صوت أعماقي عصرت بها ... روحي و أفرغت في أوتارها ذاتي
***
قيثارتي أنت أمّ اشعر لم تلدي ... إلاّ غنا الخلد أو لحن البطولات
أودعت نجواك آيات النبوغ فيا ... قثارتي لقّني التاريخ آياتي
و غرّدي بخيالاتي العذاب فما ... حقيقة السحر إلاّ من خيالاتي
و شاعر الطبع موسيقى الغيوب إذا ... غنّى أرى الأرض أسرار السموات
قيثارتي إنّي ابن الشعر أنجبني ... للخلد ، للعبقريّات الفتيّات
و للحياة و للدنيا و نضرتها ... للحبّ للنور للزهر الصبيّات
***
وحدي مع الشعر هزّتني عواطفه ... فرقّصت عطفه النشوان رنّاتي
و شفّ لي خافي الدنيا و ألهمني ... سحر الجمال و أسرار الجلالات
وهبّت للشعر إحساسي و عاطفتي ... و ذكرياتي و ترنيمي و أنّتي
فهو ابتسامي ودمعي و هو تسليتي ... و فرحتي و هو آلامي و لذّاتي
يفنى الفنا ! و أنا و الشعر أغنية ... على فم الخلد يا رغم الفنا العاتي
أحيا مع الشعر يشدو بي و أنشده ... و الخلد غاياته القصوى و غاياتي
بعد الحب
لا تسل كيف ابتدينا ... لا ، و لا كيف انتهينا
لا تقل كيف انطوى الحبّ ... و لا كيف انطوينا
ملعب دار بعمرينا ... فولّى من لدينا
وانقضى الدور فعدنا ... عنه من حيث أتينا
لا تسل كيف تنائيـ ... نا و لا كيف التقينا
لا تقل كنّا و كان الشوق منّا و إلينا
هل شربنا خمرة الحب و هل نحن ارتوينا
آه لا خمر و لا حبّ ... متى كان و أينا
لاحت الكأس لثغريـ ... نا وجفّت في يدينا
***
عندما لاح بريق الكأس ولّت بالبريق
وارتشفنا من رحيق الحبّ أطياف الرحيق
و تلاشي حلم الصّفو ... كأنفاس الغريق
هكذا كان تلاقينا ... على الدور الأنيق
***
وانتهى الدور و ها نحن انتهينا من صبانا
حيث طاف الحبّ كالوهم ... و كالوهم تفانى
وانطوى عنّا كما تطوي ... الدياجير الدخانا
و تركنا في الرمال الحبّ ... آثار خطانا
غير أنا قد نسينا ... أو تناسينا لقانا
و سألنا الوهم بعد الحبّ هل كنّا و كانا
أين منّا الملعب الطفل تناغيه منانا
***
ملعب درنا به حينا ... فأصابانا و ملّا
ملعب ما كان أصفا ... ه و ما أشهى و أحلى
غاب في الأمس فولّينا ... عن الأمس وولّى
و تسلّينا و من لم ... يلق ما يهوى تسلّى
روح شاعر
صافحتك القلوب قبل النواظر ... و استطارت إلى لقاك الخواطر
و تلقّاك عالم اليمن الحرّ ... كما لاقت النفوس البشائر
وارتمى يسكب التراحيب ألوا ... نا كما تسكب اللّحون القياثر
و تملّت نزولك اليمن الخضرا ... قاضت بالأغنيات الحناجر
و تنزّلت في معاني حماها ... مثلما ينزل الشعاع المحاجر
و هفا الموطن الكريم يحيّي ... مشعل العلم في سناك الباهر
و تغلغلت في حناياه كالإيمان ... كالطهر في عفاف الضمائر
كالمنى في القلوب كالدم في الأبدان ... كالسكر في دماغ المعاقر
قد تلقاك موطني ينثر الترا ... حيب في راحتك نثر الجواهر
و انتشى من شعاعك العلم لمّا ... زرت " دار العلم " يا خير زائر
وازدهى الشعر ينثر النغم الحلـ ... و كما ينثر الربيع الأزاهر
قد رأى "موطني " بمرآك " مصرا " ... منبت الفنّ و الإبا و العباقر
مصر أم الحجار و اليمن الـ ... سامي و أمّ الشآم أم الجزائر
وحدة العرب راية في رباها ... و منى العرب في يديها وزاجر
شادها الله العروبة دارا ... وابتناها بنيّرات الزواهر
بلدة تنبت العلوم و أرض ... تلد المجد و العلا و المفاخر
نيلها المستفيض أنشودة الله ... على مسمع اللّيالي العوابر
وحماها كنانه الله تر ... مي في وجوه العدا السهام الثوائر
***
يابن مصر التي تلاقت عليها ... شيم العرب و النفوس الحرائر
علمك العلم ينشر الدين في الدنيا ... كما تنشر الشعاع المنائر
و تجوب الشعوب في خدمة الإسلام ... و الحق و ارتباط الأواصر
إيه عزّام أنت وعي من النيل ... إلى العرب تستثير المشاعر
و سفير تشيّد الوحدة الشما ... و تستنهض السنا في البصائر
و تنادي البلاد للإتّحاد الحر ... و الاتحاد أقوى مناصر
إن في وحدة العروبة مجدا ... خالدا ثائرا على كل ثائر
إنّما العرب أمّة وحّدتها ... لغة الضاد و الدما و العناصر
إنّما العرب أمّة هزّت الدنيا ... و شقّت سود الخطوب العواكر
إنّ للعرب غابرا داس " كسرى " ... و تمشّى على رءوس القياصر
فاستمدّي يا أمّتي من سنا الما ... ضي معاليك واعمري خير حاضر
يأنف المجد أن يلاقي بنيه ... في يدي غاصب و في كفّ آسر
فاطمحي أمّتي إلى كلّ مجد ... وانهضي نهضة الصباح الباكر
يا سفير التضامن الحر غنّت ... سعيك الحر أمنياتي الشواعر
و تلاشت على هوى العرب روحي ... نغما ملهم الغنا و المزاهر
و نشيدا أفرغت فيه أحاسيسي ... و ذاتي و خافقي و السرائر
فتلقّى يا شاعر النيل شعري ... فهو شعر عنوانه " روح شاعر
أمّي
تركتني ها هنا بين العذاب ... و مضت ، يا طول حزني و اكتئابي
تركتني للشقا وحدي هنا ... و استراحت وحدها بين التراب
حيث لا جور و لا بغي و لا ... ذرّة تنبي و تنبي بالخراب
حيث لا سيف و لا قنبلة ... حيث لا حرب و لا لمع حراب
حيث لا قيد و لا سوط و لا ... ظالم يطغى و مظلوم يحابي
***
خلّفتني أذكر الصفو كما ... يذكر الشيخ خيالات الشباب
و نأت عنّي و شوقي حولها ... ينشد الماضي و بي - أوّاه - ما بي
و دعاها حاصد العمر إلى ... حيث أدعوها فتعيا عن جوابي
حيث أدعوها فلا يسمعني ... غير صمت القبر و القفر اليباب
موتها كان مصابي كلّه ... و حياتي بعدها فوق مصابي
***
أين منّي ظلّها الحاني و قد ... ذهبت عنّي إلى غير إياب
سحبت أيّامها الجرحى على ... لفحة البيد و أشواك الهضاب
ومضت في طرق العمر فمن ... مسلك صعب إلى دنيا صعاب
وانتهت حيث انتهى الشوط بها ... فاطمأنّت تحت أستار الغياب
***
آه " يا أمّي " و أشواك الأسى ... تلهب الأوجاع في قلبي المذاب
فيك ودّعت شبابي و الصبا ... وانطوت خلفي حلاوات التصابي
كيف أنساك و ذكراك على ... سفر أيّامي كتاب في كتاب
إنّ ذكراك ورائي و على ... وجهتي حيث مجيئي و ذهابي
كم تذكّرت يديك وهما ... في يدي أو في طعامي و شرابي
كان يضنيك نحولي و إذا ... مسّني البرد فزنداك ثيابي
و إذا أبكاني الجوع و لم ... تملكي شيئا سوى الوعد الكذّاب
هدهدت كفاك رأسي مثلما ... هدهد الفجر رياحين الرّوابي
***
كم هدتني يدم السمرا إلى ... حقلنا في ( الغول ) في ( قاع الرحاب )
و إلى الوادي إلى الظلّ إلى ... حيث يلقي الروض أنفاس الملاب
و سواقي النهر تلقي لحنها ... ذائبا كاللطف في حلو العتاب
كم تمنّينا و كم دلّلتني ... تحت صمت اللّيل و الشهب الخوابي
***
كم بكت عيناك لمّا رأتا ... بصري يطفا و يطوي في الحجاب
و تذكّرت مصيري و الجوى ... بين جنبيك جراح في التهاب
***
ها أنا يا أمّي اليوم فتى ... طائر الصيت بعيد الشهاب
أملأ التاريخ لحنا وصدى ... و تغني في ربا الخلد ربابي
فاسمعي يا أمّ صوتي وارقصي ... من وراء القبر كالحورا الكعاب
ها أنا يا أمّ أرثيك و في ... شجو هذا الشعر شجوي و انتحابي
فلسفة الجراح
متألّم . ممّا أنا متألّم ؟ ... حار السؤال . و أطرق المستفهم
ماذا أحسّ . و آه حزني بعضة ... يشكو فأعرفه و بعض مبهم
بي ما علمت من الأسى الدامي و بي ... من حرقة الأعماق ما لا أعلم
بي من جراح الروح ما أدري و بي ... أضعاف ما أدري و ما أتوهّم
و كأنّ روحي شعلة مجنونة ... تطغى فتضرمني بما تتضرّم
و كأنّ قلبي في الضلوع جنازة ... أمشي بها وحدي و كلّي مأتم
أبكي فتبتسم الجراح من البكا ... فكأنّها في كلّ جارحة فم
***
يا لابتسام الجرح كم أبكي و كم ... ينساب فوق شفاهه الحمرا دم
أبدا أسير على الجراح و أنتهي ... حيث ابتدأت فأين منّي المختم
و أعارك الدنيا و أهوى صفوها ... لكن كما يهوى الكلام الأبكم
و أبارك الأمّ الحياة لأنّها ... أمّي و كظّي من جناها العلقم
حرماني الحرمان إلاّ أنّني ... أهذي بعاطفة الحياة و أحلم
و المرء إن أشقاه واقع شؤمه ... بالغين أسعده الخيال المنعم
***
وحدي أعيش على الهموم ووحدتي ... باليأس مفعمة وجوّي مفعم
لكنّني أهوى الهموم لأنّها ... فكر أفسّر صمتها و أترجم
أهوى الحياة بخيرها و بشّرها ... و أحبّ أبناء الحياة و أرحم
و أصوغ " فلسفة الجراح " نشائدا ... يشدو بها اللّاهي و يشجي المؤلم
تحت اللّيل
منك الجمال و منّي اللّحن و الشادي ... يا خمرة الحبّ في أكواب إنشادي
وحدي أغنّيك تحت اللّيل محتملا ... جوع الغرام ، و أشواق الهوى زادي
هنا أناجيك و الأطياف تدفعني ... في عالم الحبّ من واد إلى وادي
و القلب في زحمة الأشواق مضطرب ... كزورق بين إرغاء و إزباد
ووحشة الظلمة الخرسا تهدّدني ... كأنّها حول نفسي طيف جلّاد
و الصمت يجثو على صدر الوجود و في ... صمتي ضجيج الغرام الجائع الصادي
و اللّيل يسري كأعمى ضلّ وجهته ... و غاب عن كفّه العكّاز و الهادي
كأنّه فوق صمت الكون قافلة ... ضلّت و ضلّ الطريق السفر و الحادي
و لم أزل أشتهي منك بارقة ... من عاطف الحب ، أو إشراق إسعاد
و حبّك الحبّ أخفيه فأنفثه ... شعرا فينصبّ خافية إلى البادي
وحدي أناديك من خلف الشجون فيا ... نجيّة الحبّ نادي لوعتي نادي
فطالما تهت في دنيا هواك و ما ... هوّمت خلف الخيال الرائح الغادي
أهفو إليك و حولي كلّ أمنية ... تفنى و لليأس حولي ألف ميلاد
و اليأس يطغى وجوع الحبّ في كبدي ... يضجّ ما بين إبراق و إرعاد
البعث العربي
وحدة المجد و الفخار التليد ... زعزعت مرقد الصباح الجديد
واستطارت تحثّ قافلة الفتح ... و تطوي الحدود بعد الحدود
و تناجي العدا بألسنة النا ... ر و بالموت من شفاه الحديد
وحدة يعربيّة و انطلاق ... عربيّ يهزّ صمت اللّحود
إنّما العرب ثورة وحّدتها ... يقظة البعث وانتفاض الوجود
فابن " يحيى " مؤزّر " بجمال " ... " و جمال " مؤزّر " ط بسعود "
وحّدت شملهم كبار الأماني ... و الدم الحرّ واعتزاز الجدود
قد تلاقى الحجار و اليمن الميـ ... مون و النيل في اتّحاد الجهود
و استفاقت مواطن العرب الشـ ... مّ فعودي يا راية العرب عودي
واذكري في المعارك الحمر " سعدا " ... و " عليا " و " خالد بن الوليد "
تأنف العرب أن تدوس حماها ... الحرّ شرّ العبيد أدنى العبيد
آن آن الفدى و ثار الدم الحرّ ... يذيب القيود إثر القيود
يا نفوس اليهود ذوبي ، و ذوبوا ... من لظى الغيظ يا عبيد اليهود
فجيوش الجهاد تزحف للثأ ... ر و تهفو إلى الحمى المنشود
يا فلسطين حقّقت وحدة العر ... ب أمانيك فاطمحي و استزيدي
وانفضي عن رباك سود اللّيالي ... واستفيقي على زئير الأسود
هذه " غزّة " تفيض التهاما ... و الجنود الأباة تلو الجنود
و على " جدّة " تجدّد عهد الـ ... عرب و اهتاج للوثوب المجيد
***
يا بريطانيا و قد هيّىء الميـ ... دان هيّا إلى العراك العنيد
إنّما نحن أمّة تبذل الأر ... واح في ذمّة العلا و الخلود
تفتدي المجد بالنفوس و تشفى ... غلّه التأر من جراح الشهيد
فتخلّي عن الجنوب و خلّي ... " كمران " المصون حرّ البنود
دون ما تبتغين صاعقة المو ... ت و برق القنا و قصف الرعود
ويل من يعمر القصور على النـ ... ار و لا يتّقي حماس الوقود
أمّة العرب ضمّها الجر ... ح المدمي و كبرياء الحقود
كلّها أقسمت بأن تثير الأر ... واح دون الحقوق نثر الورود
و تروّي صدر الجهاد و تمحو ... عن جباه الأباة ذلّ السجود
و ترى مجدها البعيد بعيدا ... و لواها يرفّ خلف البعيد
جدّدت بالي العهود و أحيت ... ميّت المجد و الإبا من جديد
و تسامت تشيد مستقبل العر ... ب علّ زهوة الصباح الوليد
منبت الحبّ
ها هنا لاح الحبّ و غابا ... و تشظّى في يد الأمس و ذابا
نبت الحبّ هنا كيف غدا ... في تراب المنبت الزاكي ترابا