ورجايّ ألاّ تسألي ... هل مت … أو ما زلت باقي ؟
عينة جديدة من الحزن
مثلما تعصر نهديها السحابه ... تمطر الجدران صمتا وكآبه
يسقط الظلّ على الظلّ كما ... ترتمي فوق السآمات الذبابه
يمضغ السّقف وأحداق الكوى ... لغطا ميتا وأصداء مصابه
مزقا من ذكريات وهوى ... وكؤوسا من جراحات مذابه
***
تبحث الأحزان في الأحزان عن ... وتر باك وعن حلق ربابه
عن نعاس يملك الأحلام عن ... شجن أعمق من تيه الضبابه
تسعل الأشجار ، تحسو ظلّها ... تجمد الساعات من برد الرتابه
ها هنا الحزن على عادته ... فلماذا اليوم للحزن غرابه ؟
ينزوي كالبوم يهمي كالدّبى ... يرتخي . يمتدّ . يزداد رحابه
يلبس الأجفان . يمتصّ الرّؤى ... يمتطي للعنف أسراب الدعابه
يلتوي مثل الأفاعي ، يغتلي ... كالمدى العطشى ويسطو كالعصابه
يرتدي زي المرائي … ينكفي ... عاريا كالصّخر شوكي الصلابه
***
وبلا حس يغنّي وبلا ... سبب يبكي ويستبكي الحطابه
يكتب الأقدار في ثانيه ... ثمّ في ثانيه يمحو الكتابه
للثواني اليوم أيد وفم ... مثلما تعدو على المذعور غابه
وعيون تغزل اللّمح كما ... تغزل الأشباح أنقاض الحرابه
***
من ينسيّنا مرارات العدى ؟ ... من يقوّينا على حمل الصحابه ؟
من يعيد الشجر للأحزان ؟ من ... يمنح التسهيد أوجاع الصبابه ؟
من يردّ اللّون للألوان ؟ من ... يهب الأكفان شسئا من خلابه
***
كان للمألوف لون وشذى ... كان للمجهول شوق ومهابه !
من هنا ..؟ أسئلة من قبل أن ... تبتدى تدري . غرابات الإجابه
في بيتها العريق
من ؟ .. قلت : أنا يا غزوله ... … أهلا ! بحروف مثلوله
أهلا .. ! في لهجة قائلة ... تخشى أن تمسي مقتوله
ماذا تخشين ؟ .. أليت لي ... بالدار صلات موصوله ؟!
أولت صديقا تعرفني ... هذي الحجرات المملوله ! ؟
***
هذا الدهليز المستلقى ... هذي الجدران المصقوله …
***
إصعد … لكن هل في فمها ... أخرى ؟.. أو أذني مخلوله ؟
وصعدت كمجهول قلق ... يختاز شعابا مجهوله !
ومعي صعدت … كانت تبدو ... جذل بالحسرة مكحوله !
كمؤمّرة … من تحكمهم … ... ماتوا ، أو باتت معزولبه
في نصف العمر بعينيها ... أجيال وعود ممطوله
وشظايا معركة بدأت ... نصرا وارتدّت مخذوله
***
شرّفت ، وزادت ترحيبا ... كزواق عروس معلوله
عندي ضيف ، ومددت يدي ... لبنان كسلى مقفوله
أهلا ، فأجاب كمن يلقي ... أعذارا ليست مقبوله
***
إجلس ، قالتها واقربت ... تروي أخبارا معقوله
عندي الجارات … وزوج (هدى) ... وطبيب … إني منزوله
وهنا انتزعتني قهقهة ... وصدى نحنحة مغلوله
فسمعت من الغرف الأخرى ... أنفاس حنايا متبوله
بوحا كالحبل المسترخي ... تحت الأثواب المبلوله
نبرات نداء وجواب ... كلهاث عجوز مسعوله
ضحكات ذئاب جائعة ... همسات نعاج مأكوله
هل هذا البيت بعزته ... أمسى أحضانا مبذوله ؟
بيت خدّاع . ربته ... من زيف الدعوى مجبوله
أيكون الحل سوى خل … ... حتى في الكأس المعسوله
لكن … ما بال الضيف يرى ... وجهي بلحاظ مذهوله
***
ما جئت أفتش عن عبث ... أو عن لحظات مسلوله
ما جئت لأتزل منطقة ... بنعوش سكارى مأهوله
قولي لي أنت . بلا ذوق ... فلتذهب … إنّي مشغوله
***
ما جئت إليك على أمل ... أسفاري ليست مأموله
لكي جئت بلا سبب ... ردّيني . لست المسؤوله
ورجعت كما أقبلت بلا ... هذف كالريح المخبوله
مدينة بلا وجه
أتدرين يا صنعاء ماذا الذي يجري ... تموتين في شعب يموت ولا يدري ..
تموتين … لكن كلّ يوم وبعدما ... تموتين تستحين من موتك المزري
ويمتصّك الطاعون لا تسألينه ... إلى كم .. ؟ فيستحلي المقام ويشتري
تموتين … لكن في ترقب مولد ... فتنسين أو ينساك ميعاده المغري
***
فهل تبحثين اليوم عن وجهك الذي ... فثقدتيه أو عن وجهك الآخر العصري
إلى أين هل تدرين من أين ..؟ ربما ... طلعت بلا وجه وغبت بلا ظهر ؟
تسيرين من قبر لقبر لتبحثي ... وراء سكون الدفن عن ضحية الحشر
أتستنشقين الفجر في ظلمة بلا ... هدوء .. بلا نجم .. يدل على الفجر ؟
خبا كلّ شيء فيك لا تسألينه ... لماذا ..؟ ألا يعينك شيء من الأمر
وحتى الروابي فيك باعت جباهها ... وما عرفت ماذا تبيع وما تشري ..!
وحتى عشايا الصيف فيك بلا رؤى ... وحتى أزاهير الربيع بلا عطر
وحتى الدوالي فيك ضاع مصيفها ... وحتى السواقي ضيعت منبع النهر
وحتى أغاني الحبّ مات حنينها ... وحتى عيون الشعر فيك بلا شعر
أتدرين أن الشمس فوقك لا ترى ... وأنّ لياليك المريضات لا تسري
سدى تنشدين الفجر في أيّ مطلع ... وفي ناظريك الفجر أو ليلة القدر
لعيني أم بلقيس
لها أغلى حبيباتي ... بداياتي … وغاياتي
لها غزوي وإرهاقي ... لها أزهى فتوحاتي
وأسفاري إلى الماضي ... وإبحاري إلى الآتي
لعيني (أم بلقيس) ... فتوحاتي وراياتي
وأنقاضي وأجنحتي ... وأقماري وغيماتي
لها تلويح توديعي ... لها أشواق أو باتي
أشرّق وهي قدّامي ... أغرّب وهي مرآتي
إليها ينتهي روحي ... ومنها تبتدي ذاتي
***
أغنّي … وهي أنفاسي ... وأسكت وهي إنصاتي
وأظمأ … وهي إحراقي ... وأحسو … وهي كاساتي
أموت وحبّها موتي ... وأحيا وهي مأساتي
***
تروّيني لظّى وهوى ... وأشدو ظامئا : هاتي
فتقّصيي كعادتها ... وأتبعها كعاداتي
وأغزل من روايحها ... مجاديفي ومرساتي
هنا وهناك مولاتي ... وأسأل : أين مولاتي ؟
***
أنا فيها وأحملها ... على أكتاف آهاتي
على أشواق أشواقي ... على ذرّات ذرّاتي
وأذوي … وهي تحملني ... فتنمو في جراحاتي
وأسأل : أين ألقاها ؟ ... فتغلي في صباباتي
وترنو من أسى همسي ... ومن أحزان أوقاتي
ومن صمتي كتمثال ... أشكّل وجه نحّاتي
وتبدو من شدا غزلي ... ومن ضحكات حلواتي
ومن نظرات جيراني ... ومن لفتات جاراتي
ومن أسمار أجدادي ... ومن هذيان جدتي
ومن أحلام أطفالي ... ومن أطياف أمواتي
***
هنا ميلاد غاليّي ... هنا تاريخها العاتي
هنا تمتدّ عارية ... وراء الغيهب الشّاتي
حنّ إلى الغد الأهى ... فيمضي قبل أن ياتي
صبوة
دكتورة الأطفال إني هنا ... من يوم ميلادي بلا مرضعه
عندي عصافير الهوى تجتدي ... حنان هذي الكرمة الطيّعه
وربما استكذبتي إنما ... من أين لي … أن أحرق الأقنعه
نريني كهلا وفي داخلي : ... من التصابي صبية أربعه
مجاعة الحمسين في أضلعي ... طفولة أعىّ من الزوبعه
خلف اتزاني مائج صاخب ... سفينة ناريّة الأشرعه
***
دكتورة الأطفال لا تبعدي ... عنّي وعن مأساتي الموجعه
لقد زرعت الحب … لكني ... ما ذقت إلاّ حنظل المزرعه
عمري بلا ماض … ومستقبلي ... كأمسيات الغابة المفزعه
يمني في بلاد الآخرين
من أين أنا ؟ من يدري ... أو ليست لي جنسيه؟
نسبي رايات حمر ... وفتوحات ذهبيه
فلماذا تستغربني ... هذي الزمر الخشبيه
يا أخوتي أصلي من ... صنعاء أمّي : (دبعيه)
صنعاويّ … حجريّ ! ... ما صنعاء … ما الحجريه ؟
***
من أين أنا ؟ تشريني ... بتغابيها السخريّه
عربيّ لا تعرفني … ... حتى الدّنيا العربيه
وابي ـ قالوا ـ يمنيّ ... أمّي ـ قالوا ـ يمنيّه
لكن أنستي لوني ... وفمي … أيدي الهمجيه
سنوات جوعي عطشى ... وقيادات تبعيّه
وغرابات لا تروى ... وغرابات مرويّه
***
يا ريح … بلادي خلفي ... ومعي مثلي منسيه
حتى أرضي يا أرضي ... كأهاليها منفيّه !!
وطني أسفار تمضي ... وتعود بلا أمنيه
تشريد لا بدء له ... ومسافات وحشيه
حرّاس حدود يقظى ... وتقانين وثنيّه
مدن لا أسماع لها ... وزحامات عدميّه
أسواق كبرى أدنى ... ما فيهن البشريه
وبدائيات غرقى ... في الأقنعة العصريه
وعلى رغمي أستجدي ... كلّ الحجريه
***
وبلاد بلادي منفى ... ومتاهات أبديه
من أين أنا ؟.. مجهول ... جوال دون هويّه
وبلا وطن لكني ... موهوم بالوطنيه
اعتيادان
حان لي أن أطيق عنك ابتعادا ... والتهابي سيستحيل رمادا
وتجيئين تسألين كلهفى ... عن غيابي ، وتدّعين السّهادا
وتقولين : أين أنت ؟ أتنسى ؟ ... وتعيدين لي زمانا مبادا
***
أو ما كنت أغتلي وأرجي ... قطرات ، فتبذلين اتّق
نزرعين الوعود في جدب عمري ... وتدسيّن في البذور الجرادا
***
كان لا بدّ أن أقول : وداعا ... وبرغمي لا أستطيع ارتدادا
غير أنّي أودّ أن لا تظنّي ... إني خنت أو أسأت اعتقادا
ربما تزعمين أن ابتعادي ... عنك أدنى (رضية) أو (سعادا)
أو تقولين : إن جوع احتراقي ... عند أخرى لاقى جنى وابترادا
اطمئي … لديّ غير التسلّي ... ما أعادي من أجله وأعادى
***
قد أنادي نداء (قيس) ولكن ... كل (قيس) وكل (لبنى) المنادى
لي نصيبي من التفاهات ، لكن ... لن تريبي … أريد منها ازديادا
لم أكن (شهريار) لكن تمادت ... عشرة صوّرتك لي (شهرزاد)
كان حبّي لك اعتيادا وإلفا ... وسأنساك إلفة واعتيادا
صنعاني يبحث عن صنعاء
هذي العمارات العوالي ضيّعن تجوالي … مجاني
حولي كاضرحة مزوّرة بألوان اللآلي
يلمحني بنواظر الإسمنت من خلف التعالي
هذي العمارات الكبار الحرس ملأى كالحوابي
أدنو ولا حرفتي أبكي ولا يسألن : مالي
وأقول : من أين الطريق ؟ وهنّ أغبى من سؤالي
كانت لعمّي ها هنا دار تحيط بها الدوالي
فغدت عمارة تاجر (هندي) أبوه (برتغالي)
وهناك حصن تامر كان اسمه (دار الشلالي)
وهناك دار عمالة كان اسمها (بيت العبالي)
وهنا قصور أجانب غلف كتجّار الموالي
***
هل هذه صنعا …؟ مضت صنعا سوى كسر بوالي
خمس من السنوات أجلت وجهها الحرّ (الأزالي)
من أين يا إسمنت أمشي ؟ ضاعت الدنيا حيالي
بيت ابن أختي في (معمّر) في (الفليحي) بيت خالي
أين الطّريق إلى (معمر ) ؟ يا بناتي يا عيالي
وإلى (الفليحي) يا زحام … ولا يعي أو لا يبالي
بالله يا أمّاه دليّني ورقّت لابتهالي
قالت : إلى (النهرين) … قدّامي وأمضي عن شمالي
وإلى (القزالي) ثمّ أستهدي ب(صومعه) قبالي
من يعرف … (النهرين) ؟ .. من أين الطريق إلى (القزالي)
***
من ذا هناك ؟ مسافر مثلي يعاني مثل حالي
حشد من العجلات يلهث في السياق وفي التوالي
وهناك (نصرانية) كحصان (مسعود الهلالي)
وهناك مرتزق بلا وجه … على كتفيه (آلي)
***
اليوم (صنعا) وهي متخمة الديار بلا أهالي
يحتلّها السمسار ، والغازي ، ونصف الرأسمالي
والسّائح المشبوه ، والدّاعي ، وأصناف الجوالي
من ذا هنا ؟ (صنعا) مضت واحتلها كلّ انحلالي
***
أمّي ! أتلقين الغزاة بوجه مضياف مثالي ؟
لم لا تعادين العدى .. ؟ من لا يعادي لا يوالي
من لا يصارع … لا نسائيّ الفؤاد … ولا رجالي
إنّي أغالي في محبة موطني … لم لا أغالي ؟
***
من أين أرجع … أو أمرّ ..؟ هنا سأبحث عن مجالي
ستجدّ أيام بلا منفى وتشمس يا نضالي !
وأحبّ فجر ما يهلّ عليك من أدجى اللّيالي
اعتراف بلا توبة
غابت هذه القصيدة عن الدواوين
السابقة إجابة لرغبة أستاذنا الذي وجهت
إليه … ولمّا أصبح بلا رغبة لدخوله
عالم الصمت رغبت القصيدة أن تخرج من
مخبأيها كصورة لتحدي الصبا …
وكصورة لأفكار بعض أساتذة الجبل
الماضي:
أن يدّع العلم فلا فرية ... فالصّدق كلّ الصدق فيما ادّعى
لكنّ سرّ العلم في نفسه ... كالعسل الصافي خبيث الوعا
***
يقول : شيطان وشيطانة ... دعت .. قلبّى … أو هفت إذ دعا
ولم يقل : إلف ومألوفة ... تجمعا … سبحان من جمّعا
***
لأنّني استحليت أمسية ... يردّني عن درسه موجعا
إن كنت ألقى نادرا حلوة ... فهو يلاقي … دائما أربعا
أريد أنسا مثله … أشتهى ... كالناس أن أروى … وأن أشبعا
***
يا سيدي المفضال : قالوا : ترى ... تعليم مثلي قطّ لن ينفعا
أغلقت باب البيت والدرس في ... وجهي … سألقى الدرس والموضعا
يا (لطف) … مهما لمتي لم أدع ... هذا السلوك الشائن الممتعا
ولتمنع التعليم عني كما ... تهوى … فخير منك لن يمنعا
***
أبصرتي من بيتها خارجا ... كالكلب … أمشي واجفا مسرعا ؟
نعم … جرى هذا وإن تبتغي ... شهادة أقوى سل المضحعى
تقول : انّي منكسر بعدما ... ألقت لديك التهمة البرقعا
فالاعترف … لا ناويا توبة ... إني ومن سميت بتنا معا
تقرير الى عام 71 حيث كنا
حيث كنّا كما أراد الإمام ... كل دعوى .. منّا .. علينا .. اتهام
إنما سوف ندّعي ولتصدق ... يا ((وصابان)) ولتثق يا (رجام)
غير أنّا وبعد تسع طوال ... حيث كنّا مرّ عام
***
كلّما جدّ ، أنّنا قد كشفنا ... أوجها دلنّا عليها اللّثام
وعرفنا من العمالات صنفا ... كان أطرى ما أحدث ((العم سام))
يرتدي كلّ ساعة ألف لون ... وله كلّ ساعتين نظام
***
حيث كنّا ، لكن لماذا أضعنا ... في التعادي سبعا ، وفيم الحصام ؟
جرّحتنا الحروب في غير شيء ... وبلا غاية دّهانا السّلام
****
الغزاة الذين يوما تلاشوا ... بقوانا ، لهم علينا اقتحام
إنهم يوغلون فينا ونغضي ... فلماذا … رعناهموا حين حاموا
***
الرّكام الذي نفضناه عنّا ... ذات يوم له علينا ازدحام
ونعال الغزاة وهي كثير ... فوق أعناقنا جباه وهام
***
والأباة الذين بالأمس ثاروا ... أيقظوا حولنّا الذئاب وناموا
حين قلنا قاموا بثورة شعب ... قعدوا قبل أن يروا كيف قاموا
ربّما أحسنوا البدايات لكن … ... هل يحسّون كيف ساء الحتام ؟
مات (سبتمبر ) البشير ولكن ... أمّه ناهد هواها غبلم
مواطن بلا وطن
مواطن بلا وطن ... لأنّه من اليمن
تباع أرض شعبه ... وتشترى بلا ثمن
يبكي إذا سألته ... من أين أنت ؟.. أنت من ؟
لأنّه من لا هنا ... أو من مزائد العلن
***
مواطن كان حماه ... من (قبا) إلى (عدن)
واليوم لم تعد له ... مزارع ولا سكن
ولا ظلال حائط ... ولا بقايا من فنن
***
بلاده سطر على ... كتاب : (عبرة الزّمن)
رواية عن (أسعد) ... أسطورة عن (ذي يزن)
حكاية عن هدهد ... كان عميلا مؤتمن
وعن ملوك إستبوا ... أو سبأوا مليون دن
الملك كان ملكهم ... سواه (قعب من لبن)
***
واليوم طفل حمير ... بلا أب بلا صبا
بلا مدينة … بلا ... مخابىء … بلا ربى
يغزوه ألف هدهد ... وتنثي بلا نبا
***
يكفيه أن أمه ... (ريّا) وجده (سبا)
وأنّ عمّ خاله ... كان يزين (يحصبا)
وأنّ خال عمه ... كان يقود (أرحبا)
كانوا يضيئون الدّجى ... ويعيدون الكوكبا
يدرون ما شادوا … ولا ... يدرون ماذا خرّبا
يبنون للفار العلى ... ويزرعون للدنيا
يا ناسج (الإكليل) قل : ... تلك الجباه من غبا
أو سمّها كواكبا ... تمنعت أن تغربا
فهل لها ذرية ... من الشموخ والإبا ؟
***
اليوم أرض (مأرب) ... كأمها موجهه
يقودها كأمها ... فار … وسوط (أبرهو)
فما أمرّ أمسها ... ويومها ما أشبهه
تبيع لون وجهها ... للأوجه المموّهه
***
(تموز) في عيونها ... كالعانس المولّهه
والشمس في جبينها ... كاللّوحة المشوّهه
***
فيا (سهيل ) هل ترى ... أسئلة مدلّهه ؟
متى يفيق ها هنا ... شعب يعي تنبّهه ؟
وقبل أن يرنو إلى ... شيء يرى ما أتفهه …
فينتفي تحت الضّحى ... وجوهه المنزذهه
يمضي وينسى خلفه ... عاداته المسفّهه
يفى بكلّ ذرّة ... من أرضه المؤلّهه
هنا يحسّ أنه ... مواطن له وطن
أبو تمام وعروبة اليوم
ما أصدق السيف! إن لم ينضه الكذب ... وأكذب السيف إن لم يصدق الغضب
بيض الصفائح أهدى حين تحملها ... أيد إذا غلبت يعلو بها الغلب
وأقبح النصر... نصر الأقوياء بلا ... فهم.. سوى فهم كم باعوا... وكم كسبوا
أدهى من الجهل علم يطمئن إلى ... أنصاف ناس طغوا بالعلم واغتصبوا
قالوا: هم البشر الأرقى وما أكلوا ... شيئاً.. كما أكلوا الإنسان أو شربوا
ماذا جرى... يا أبا تمام تسألني؟ ... عفواً سأروي.. ولا تسأل.. وما السبب
يدمي السؤال حياءً حين نسأله ... كيف احتفت بالعدى (حيفا) أو النقب)
من ذا يلبي؟ أما إصرار معتصم؟ ... كلا وأخزى من (الأفشين) ما صلبوا
اليوم عادت علوج (الروم) فاتحة ... وموطنُ العَرَبِ المسلوب والسلب
ماذا فعلنا؟ غضبنا كالرجال ولم ... نصدُق.. وقد صدق التنجيم والكتب
فأطفأت شهب (الميراج) أنجمنا ... وشمسنا... وتحدى نارها الحطب
وقاتلت دوننا الأبواق صامدة ... أما الرجال فماتوا... ثَمّ أو هربوا
حكامنا إن تصدوا للحمى اقتحموا ... وإن تصدى له المستعمر انسحبوا
هم يفرشون لجيش الغزو أعينهم ... ويدعون وثوباً قبل أن يثبوا
الحاكمون و»واشنطن« حكومتهم ... واللامعون.. وما شعّوا ولا غربوا
القاتلون نبوغ الشعب ترضيةً ... للمعتدين وما أجدتهم القُرَب
لهم شموخ (المثنى) ظاهراً ولهم ... هوىً إلى »بابك الخرمي« ينتسب
ماذا ترى يا (أبا تمام) هل كذبت ... أحسابنا؟ أو تناسى عرقه الذهب؟
عروبة اليوم أخرى لا ينم على ... وجودها اسم ولا لون.ولا لقب
تسعون ألفاً (لعمورية) اتقدوا ... وللمنجم قالوا: إننا الشهب
قبل: انتظار قطاف الكرم ما انتظروا ... نضج العناقيد لكن قبلها التهبوا
واليوم تسعون مليوناً وما بلغوا ... نضجاً وقد عصر الزيتون والعنب
تنسى الرؤوس العوالي نار نخوتها ... إذا امتطاها إلى أسياده الذئب
(حبيب) وافيت من صنعاء يحملني ... نسر وخلف ضلوعي يلهث العرب
ماذا أحدث عن صنعاء يا أبتي؟ ... مليحة عاشقاها: السل والجرب
ماتت بصندوق »وضاح«بلا ثمن ... ولم يمت في حشاها العشق والطرب
كانت تراقب صبح البعث فانبعثت ... في الحلم ثم ارتمت تغفو وترتقب
لكنها رغم بخل الغيث ما برحت ... حبلى وفي بطنها (قحطان) أو(كرب)
وفي أسى مقلتيها يغتلي (يمن) ... ثان كحلم الصبا... ينأى ويقترب
»حبيب« تسأل عن حالي وكيف أنا؟ ... شبابة في شفاه الريح تنتحب
كانت بلادك (رحلاً)، ظهر (ناجية) ... أما بلادي فلا ظهر ولا غبب
أرعيت كل جديب لحم راحلة ... كانت رعته وماء الروض ينسكب
ورحت من سفر مضن إلى سفر ... أضنى لأن طريق الراحة التعب
لكن أنا راحل في غير ما سفر ... رحلي دمي... وطريقي الجمر والحطب
إذا امتطيت ركاباً للنوى فأنا ... في داخلي... أمتطي ناري واغترب
قبري ومأساة ميلادي على كتفي ... وحولي العدم المنفوخ والصخب
»حبيب« هذا صداك اليوم أنشده ... لكن لماذا ترى وجهي وتكتئب؟
ماذا؟ أتعجب من شيبي على صغري؟ ... إني ولدت عجوزاً.. كيف تعتجب؟
واليوم أذوي وطيش الفن يعزفني ... والأربعون على خدّي تلتهب
كذا إذا ابيض إيناع الحياة على ... وجه الأديب أضاء الفكر والأدب
وأنت من شبت قبل الأربعين على ... نار (الحماسة) تجلوها وتنتخب
وتجتدي كل لص مترف هبة ... وأنت تعطيه شعراً فوق ما يهب
شرّقت غرّبت من (والٍ) إلى (ملك) ... يحثك الفقر... أو يقتادك الطلب
طوفت حتى وصلت (الموصل) انطفأت ... فيك الأماني ولم يشبع لها أرب
لكن موت المجيد الفذ يبدأه ... ولادة من صباها ترضع الحقب
»حبيب« مازال في عينيك أسئلة ... تبدو... وتنسى حكاياها فتنتقب
وماتزال بحلقي ألف مبكيةٍ ... من رهبة البوح تستحيي وتضطرب
يكفيك أن عدانا أهدروا دمنا ... ونحن من دمنا نحسو ونحتلب
سحائب الغزو تشوينا وتحجبنا ... يوماً ستحبل من إرعادنا السحب؟
ألا ترى يا »أبا تمام« بارقنا ... (إن السماء ترجى حين تحتجب)
نصيحة سيئة
أن تريدي سيارة واداره ... فلتكوني قوّادة عن جداره
ولتعدي لكل سلطان مال ... كلّ يوم زواجة مستعاره
ولتكوني عميلة ذات مكر ... تشربين القلوب حتى القراره
ولتبيتي سرير كل وزير ... ولتمني من انتظار الوزاره
وبهذا النشاط تمسين أعلى ... من وزير … وربما مستشاره
فسراويل الحاكمين تعاني ... رغم تبريدها وثوب الحراره
***
أنت أدرى بهم فليس لديهم ... غير ما تعرفين أدنى مهاره
إنما … هل ترين هذا امتيازا ؟ ... مثل هذا يجربه فار وفاره
***
ليس للحاكمين أي طموح ... غير تحقيق أمسيات العهاره
والتماس المساعدات لتفى ... جبهة الشعب تحت نعل التجاره
واجتلاب المخطّطين صنوفا ... كي تضيع البلاد في كل قاره
***
أنت أدرى بهم وليس غريبا ... فالبغايا عيون حكم الدّعاره
أنت تشرينهم بدفء اللّيالي ... فيبيعون في هواك الأماره
وتقودين المنتنات إليهم ... فتقودينهم بأخفى إشاره
***
لا تضيقي فلم يعد ذاك سرا ... إن أقوى الرياح ريح القذراه
فلتزيدي من النشاط لتبني ... كالسلاطين كل شهر عماره
تلك أخزى نصيحة فاقبليها ... ـ كي تفوزي ـ ولا تكوني حماره