فتلامعت أيدي علوج ((الترك)) تومىء من بعيد
وتقول : يا ريح ابدئي صخبي ، ويا دنيا : أعيدي
ونمد تلمس من هناك ... ذوائب اليمن السعيد
حيث اختلاجات الغروب ... على الربى ، لفتات غيد
حيث المزارع ، وانتظار ... الجوع حبّات الحصيد
حيث الصراع على السفاسف ، والزّحام على الزهيد
ومضى العبلوج اليه كالأعصار ، كالسّيل الشديد
وبرغمه أدموا إلى ... ((صنعاء)) بيدا بعد بيد
فتثآبت أبوابها ... لزحوف ((أبرهة)) الجديد
***
وهنا انحنى ((نقم)) الصبور...وأذعنت كثبان (0ميدي))
وتهافت الأجداد ، فاتكل ... المطيق على القعيد
وتخدّ روا بروائح الموتى ... وعهدهم الرغيد
وكما تقلّد أمّ أمّي ... لثغة الطفل الوليد
راحوا يعيدون المعاد ... عن ((الحسين)) وعن ((يزيد))
عن مهر ((عنترة)) وعن ... صمصامة الشيخ الزّبيدي
عن((شهرزاد)) و((باب خيبر)) و((ابن علوان)) لنجيد
وغذاؤهم زجل (( الخفنجي)) واللحوم بكل عيد
ومصيرهم حلم على ... أهداب شيطان مريد
وتململوا يوما وفي ... نظراتهم كل الوعيد
فمحوا دخان ((الترك)) ... وارتدّوا إلي الغسق الحميدي
فتخيروا للحكم أوثانا ... من الدم والجليد
أهواءهم كمسارب الحيات ... في الغار المديد
أو كالمقابر ، يبتلعن ... ويستزدن الى المزيد
كانوا عبيد خمولهم ... والشعب عبدان العبيد
كانوا يعيرون المدى ... شرعية الذبح المبيد
أو يقتلون ويخرجون ... يرحمّون على الفقيد
خلف الدخان يمثلون ... رواية (( اليمن)) الشهيد
***
اتقول لي ؟ وهل انطقت ... في ذلك العهد النجوم ؟
دفن الغبار هواءه ... فتجلمدت فيه الغيوم
وتهدج الراوي كما ... يستعطف الام الفطيم
واجتّر نبرته ، وقال ... وكفن الزمن السّهوم
تمشي الفصول كما يخشخش ... في يد الريح الهشيم
أنّى أصخت فلا صدى ... ينبي ، ولا يوحي نسيم
الاّ رفات البائدين ... تقيّأتهن الجحيم
وعلى امتداد التيه يزعق ... وهدهد )) ويصيح ((بوم))
وهناك كانت قرية ... تجثو كما ارتكم الرميم

جوعى ويطبخها الهجير ... وتحتسي دمها السّموم
نسيت مواسمها فأشتت ... قبل أن تلد الكروم
تروي حكايا الثقوب ... فيسعل الجوّ الكليم
ووراء تلويح الطلاء ... مدينة جرحى تؤوم
تبيض من بعد كما ... يتكلف الضحك اللئيم
وعلى الشوارع تنعس الذكرى ، ويصفّر الوجوم
وعلى تجاعيد الرماد ... يهينم الثلج البهيم
وتغوّر السّنة العجوز ... وتبدأ السنة العقيم
حتى تفجر ليلة ... حدث كما قالوا : عظيم
فهوى كما زعموا ((الحرام)) ... وناح ((زمزم)) و((الحطيم))
***
ماذا جرى ؟ من يخلف المرحوم ؟ من أتقى وأخشى ؟
أو تحسب الجو الكفيف
محى الدجى ، أو صار أعشى ؟
ألقته غاشية الى ... أخرى الى أدجى وأغشى
فجنازة ((المنصور)) أمس ... غدت ((ليحي)) اليوم عرشا
فأجال سبحته وزاد ... على امتداد الغش غشا
واذا بعجل ((الترك)) عاد ... على الضحايا العزل وحشا
يردي ويجهر أو يحوك ... مكايدا حمرا ورقشا
وعلاه (جوخ) فاختفت ... أظفاره وأجاد بطشا
وعمامة كبرى تنوج ... رأس طاعون موشّى
وتزينه ، للعاثرين ... كما يزين الدفن نعشا
فيشق للشعب القبور ... ويستحيل الشعب رفشا
وضحية تروي هوى ... جلادها وتموت عطشا
ويجود للكف الذي ... يعطيه تمزيقا ونهشا
ويعود يستجدي الرغيف ... ويرهق التفتيش نبشا
ماذا يقول ؟ ايرتجي ؟ ... مولاه ، هل يعطيه قرشا ؟
لا الجوع أنطقه وان ... نم الذبول به وأفشا
أتراه لم يحنل فما ... فيبوح إطراقا ورعشا
ويحس أذرعه وأرجله ... أمام الريح قشا
يهوى وتبلع ما يريد ... ضراعة مسخته كبشا
وجه كأقدم درهم ... لم يبق فيه المسح نقشا
سنوات ((يحي)) تستقي ... دمه ، ويرجوه ويخشى
***
ويدير أسئلة ، ويحذر ... همسه ويعي انكساره
ويهم حقد هوانه ... فتفر من دمه الجساره
ويمد عينيه كما ... ترنوا الى النسور ((فاره))
فتشد نفقته الطبول ... اليه أبّهة الحقاره
وغداة يوم أو مضت ... من حيث لا يدري إشاره
فأطل نجم من هناك ... ومن هنا لمعت شراره

حتى تنهّد ((حزيز)) ... وتناشد الصمت انفجاره
نبض الهدوء الميت واحمرّت على الثلج الحراره
ماذا ؟ أقمرت النوافذ والسطوح بكل حاره
وتناغمت ((صنعاء)) تسأل جارة ، وتجيب جاره
حرّية ((دستور)) صغناه ... وأعلينا شعاره
((سجل مكانك )) وانبرى ... التاريخ يحتضن العباره
ةاطل جوّ لم تلد ... أمّ الخيالات انتظاره
وهناك أدرك ((شهرزاد)) ... الصبح ، فارتقبت نهاره
وانثال أسبوع ، تزف ... عرائس الفجر اخضراره
وتلاه ثان لحنّت ... بشراه أعراق الحجاره
حتى تبدّى ثالث ... لمحت ولادته انتحاره
حشد الخريف إزاءه ... همجية الريح المثاره
وتلاقت الغلوات حوليه ، ... وأشعلت الأغاره
ماذا جرى يا ((شهرزاد)) ؟ ... تضاحكي ، يا للمراره !
عشرون يوما ، وانثنى ... الماضي ، فردينا الأغاره
***
من ذا أطلّ ؟ وأجهش الميدان : ((أحمد)) و (الوشاح)
أسطورة الأشباح دق ، طبوله ساح ، وساح
يسطو ، فتعتصر الربى ... يده ، ويسبقه الصّباح
ويزف أعراس الفتوح ... الى مقاصره السفاح
((عوج ابن عنق )) شق أنف الشمس منكبه الوقاح
الجنّ بعض جنوده ... والدّهر في يده سلاح
أو هكذا نبح الدعاة ... وعمّم الفزع النباح
فاحمرّ من وهج المذابح ... في ملامحه ارتياح
واغبّر بالذبح المسير ... وماد بالجثث الرّواح
وسرى ، وعاد ((السندباد)) ... ودربه الدم ، والنّواح
خمس من السنوات لا ... ليل لهن ولا صباح
يبست على السهد العيون ... وأقعد الزمن الكساح
((ناشدتك الإحساس يا أقلام )) ... واختنق الصّداح
لم ينبض الوادي ولم ... ينست لعصفور جناح
فتنام التاريخ والتأمت على الجمر الجراح
لكن وراء السّطح أسئلة ، يجدّ بها المزاح
أو ينطوي صوت النبي ... وتدّعى فمه ((سجاح))
فدوى ((الزبيري)) الشريد ... وأفشت الوعد الرياح
وتناقل الجوّ الصّدى ... فزقى التهامس والطماح
ماذا تقول الريح ؟ فالغابات تومىء والبطاح
ويحدق الراعي فتخبره ... مراتعه الفساح
ستكل يوما ((شهرزاد)) ... ويسكت السّمر المباح
***

فاذا ((الثلايا)) والبطولة ... يركلان شموخ ((صاله))
فتضاءل ((الفيل)) المخدر ... وارتدى جلد ((الثعاله))
وكموعد الرؤيا أراح ... الجنّ ، واطرّح الجلالة
وانحط تاج ، وارتقى ... تاج ، عمودا من عماله
ماذا يرى ((صبر)) ؟ وغاصت ، خلف جفنيه الدلاله
وكما تميد على شحوب السجن أروقة الملاله
مضت الليالي الخمس ، أجهل بالمصير من الجهاله
فتحسس الفيل المهيض ، ... قواه ، وابتدر العجاله
وعلا الجواد ، وموّج الصمصام ، واكتسح الضّحاله
والشارع المشلول يزمر ، للبطولة ... والسّفاله
وكما انتهى الشوط ايتدى ... يذكى الدّم الغالي مجاله
فيمد عفريت الدخان ... على أشعته ، ظلاله
ويخاف أن يلد ((الثلايا)) ... قبره ، ويرى احتماله
فتعسكر الاشباح في ... أهداب عينيه خياله
من ذا ؟ ويتهم الصدى ... وتدين يمناه شماله
فانهار ((شمشون)) وناه برأسه ، ووعى انحلاله
واستنزف الفلك المعطل ... عن جناحيه البطاله
وانساق يغزل كل حين ... كوكبا ، ويديرها له
ويشب نجما ، لم يعد ... من نبضه الا ثماله
وهنا تلفّت موعد ... في أعين القمم المشاله
وتدافع الزمن الكسيح ... على جناح من علاله
وانثال كالريح العجول ... يلوّن الفلك اشتعاله
وتساءلت عيناه ، من ذا ... ها هنا ؟ فرأى حياله
إشراقة (( العلفى)) إطراق ... ((اللقية)) وانفعاله
فرمى على زنديهما الجلّى ... واعباه الرساله
***
والى العشي تعاقدا ... واستبطأا سير الثواني
ألسّاعة المكسال مثل الشعب ، تجهل ما تعاني
أيكون مستشفى ((الحديدة)) ... مولد الفجر اليماني
وعلى امتداد اليوم ضمهما ... التفرق والتداني
يتفرقان من الشكوك ... وللمنى ، يتلاقيان
يتخوفان فيحجمان ... ويذكران فيهزأن
هل بحت بالسّر المخيف ... الى فلان أو فلان ؟
اني أحاذر من رأيت ... على الطريق ومن يراني
كم طال عمر اليوم ، لم ... لا يختفي قبل الأوان ؟
حتى ارتمى الشفق الغريب ... على سرير الدخان
وكأن هدبي مقلتيه ... شاطئان معلّقان

نظرا إليه ، يفتشان ... عن الصباح ويسألان
وكما أشار ((الهندوانه)) ... أبديا بعض التواني
ومشى الثلاثة شارعين ... من المشانق والأماني
ودعى النّفير ، فسار ((أحمد)) ... سير متهّم مدان
يرنو ، أيلمح حمرة ؟ ... كلا ، وتلمع نجمتان
فيمور داخل شخصه ... شخص غريب الوجه ثاني
ويعي ضمان منجّميه ... فيستريح الى الضّمان
ودنا فماج الباب وانهال ... السّكون على المكان
من أين نبغته ؟ ويمّم ... فجأة ، قسم الغواني
فتنادت الطّلقات فيه ... كالزغاريد القوافي
وانهدّ قهّار البنادق ... كالجدار الأرجواني
أترى حصاد القبر يرجع ... كالرّضيع بلا لبان
وعلى يقين الدفن رد ... بنبضتين من البنان
فتطلعت من كل أفق ... تسأل الشهب الرواني
كيف انطفا الشهب (الثلاثة) ... في ربيع العنفوان
وتراجع ((الباهوت) يحرق ... بالمواجع وهو فاني
يحيى ولا يحيى يموت ... ولا يموت بكل آن
فتبرجت مأساة ((واق الواق)) ... تغدق كالجنان
وتجول تظفر من ذوائبها ... غروبا من أغاني
وتهز نهديها اعتلاجات ... المحبة والحنان
فاخضر عام بالمواعد ... واحتمالات العيان
وأهل عام عسجدي اللمح ... صخريّ اللسان
فرمى الى حلق التراب ... بقية البطل الجبان
وهنا ابتدى فصل تروّى ... فيه ابداع الزمان
ماذا هنا ؟ ((سبتمبر)) ... اشواق آلاف الليالي
حرق العصافير الجياع ... الى البيادر والغلال
بثّ المسامر والرؤى العطشى وأخيلة الخيال
خفق النوافذ وارتجافات ... الرياح على التلال
وتطلّع الوادي وأسئلة ... النجوم إلى الجبال
وتلهّف الكأس الطريح ... الى انهدالات الدوالي
كان احتراقات الإجابة ... وابتهالات السؤال
وتلفّت الآتي ، الى ... آثار أقدام الأوالي
عشرين عاما قلبّا ... حلبت به أمّ النضال
نسجته من شفق المقاصل والجراحات الغوالي
حتى أطل على عقاب من أساطير المحال
في كل ريشة جانح ... منه ((أبو زيد الهلالي))
في النفخة الأولى رمى ... بالعرش أغوار الزوال

وأمال زوبعة الرمال ... الى سراديب الرمال
يعطي المواسم والمحبة ... باليمين وبالشمال
أنى مشى ، أجنى ((الوليد)) ... من المنى وأجدّ بالي
موج سماوي النضارة ... شاطئاه من اللآلي
ماذا هنا ! ((سبتمبر)) ... أتقول لي ، أجلى المجالي
شيء وراء تصور الدنيا وأبعاد الجمال
فوق احتمالات الرجاء ... وفوق اخصاب النوال
أتقول لي ؟ وهل انتهى ... في جثة الأمس النزوع ؟
شاء الرجوع وسلّحته البيد ،فانتحر الرجوع
وزوته حفرته وأطبق فوق مرقده الهجوع
وعلا الدخان أزقة البترول ، فانتبه الصريع
واهتاج ثانية فمد ... زنوده (( النيل)) الضليع
وأحاطت الخضراء من ... أقوى سواعده دروع
وارتد ظل الأمس والتحم التوقع والوقوع
فتنادت النيران والتفت المصارع والجموع
وانجرّ عامان نجومهما وشمسهما النجيع
فبكل رابية إلى ... لحم ابنها ظمأ وجوع
وبكل منعرج إلى ... تمزيق اخوته ولوع
فهنالك انقصفت يدان ... وثمة انتثرت ضلوع
وهناك خرّت فمه ... وهنا هوى تلّ منبع
فلكل شبر من دم الشهداء ، تاريخ يضوع
أرأيت حيث تساقطوا ... كيف ازدهى النصر المريع
حيث اغتلى الوادي ولف ... ((عليا)) الصمت الجزوع
رضع الدجى دمه فأشمس ... قبل أن يعد الطلوع
حيث التي (( الخمري)) ذا ... بالغيم واحترق الصقيع
حيث انطفى ((سند)) تدلت أنجم ، وعلت شموع
حيث ارتمى (( الكبسي )) أ و ... رق منجم ، وشدى ربيع
وأعادت الأحداث ... سيرتها فأرعدت الربوع
وتعطش الميدان فانفجر الضحى ودوى الهزيع
ومشت على دمها الذئاب وغاض في دمه القطيع
حتى توارى الأمس ... زغردت المآتم والدموع
وهفت أغانيها ، تضجّ ... ((ليسلم الشرف الرفيع))
وتبوح للنصر انطلق ... فمجالك الأبد اللموع
ولمرضعي ((سبتمبر)) ... دمهم ، لقد شب الرضيع
***
اتظن رابية تنوق ... الى دم أغلى يسيل ؟
أو ما ارتوي عطش الرمال واتخم العدم الأكول ؟
يا للأسى ، كيف استطب ... مماته ((اليمن )) العيل
ورنى السؤال الى السؤال وبغتة وجم السؤول

ماذا استجد فباحت الأصداه ، ... وارتجف الذهول
لبّى الدّم الغالي دم ... أغلى الى الداعي عجول
من مات ؟ واستحيا السؤال وأطرق الرد الخجول
أهنا ((الزبيري)) المضرّج ؟ ... بل هنا شعب قتيل
وأعادت القمم الحكاية ... واستعادتها السهول
من ذا انطوى ؟ علم ... خيوط نسيجه الألم البتول
في كل خفق منه ((جبريل)) ... وفي فمه رسول
بدأ الرعيل به السرى ... فكبا وسار به رعيل
وخبا وراء حنينه ... جيل ، واشرق فيه جيل
وعلى الحراب أتم أشواطا ، مداها المستحيل
وعلى منى ميلاده الثاني تكاتفت الفلول
لفظ البلى غربان ((واق الواق)) وانثنت (( المغول))
فاحتز رحلته الرصاص النذل والطين العميل
فغفى وصدق الفجر في ... نظراته سحر بليل
أتقول عاجله الافول ؟ ... فكيف أشعله الافول ؟
فعلى الجبال من اسمه ... شعل مجنّحة تجول
وصدى تعنقده الربى ... وهوى تسنبله الحقول
وبكل مرمى ناظر ... من لمحة صحو غسيل
كيف انتهى ولخطوه ... في كل ثانيه هديل
هو في النهار الذكريات ... وفي الدجى الحلم الكحيل
وهنا ضحى من جرحه ... وهناك من دمه أصيل
غرب الشهيد وبينه ... والمنتهى الموعود ((ميل))
من ذا يكر الى مداه ؟ ... وقد خلا منه السبيل
فليبتهج دمه الى ... أبعاد غايته وصول
أو ما رأى الشهداء كيف ؟ ... اخضوضرت بهم الفصول
فرشوا ((السعيدة )) بالربيع ... ليهنأ الصيف البذول
ومضوا لوجهتهم ويبقى الخصب ان مضت السيول
أنسى ان أموت
تمتصّني أمواج هذا الليل في شّره صموت
وتعيد ما بدأت … وتنوي أن تفوت ولا تفوت
فتثير أوجاعي وترّغمني على وجع السّكوت
وتقول لي : متّ أيها الذواي … فأنسى أن أموت
***
لكنّ في صّدري دجى الموتى وأحزان البيوت
ونشيجّ أيتام … بلا مأوى … بلا ماء وقوت
وكآبة الغيم الشّتائي وارتجاف العنكبوت
وأسى بلا اسم … واختناقات بلا اسم أو نعوت
***
من ذا هنا ؟ غير ازدحام الطين يهمس أو يصوت
غير الفراغ المنحي … يذوي … لايصرّ على الثّبوت

وتعبّه الآحاد والأعين الملآى بأشلاء الكبوت
***
من ذا هنا ؟ غير الأسامي الصفر تصرخ في جفوت
غير انهيار الآدمية وارتفاع (البنكوت)
وحدي ألوك صدى الرياح وأرتدي عرّي الحبوت
صنعاء والموت والميلاد
ولدت صنعاء بسبتمبر
كي تلقى الموت بنوفمبر
لكن كي تولد ثانية
في مايو … أو في أكتوبر
في أوّل كانون الثاني ... أو في الثاني من ديسمبر
ما دامت هجعتها حبلى ... فولادتها لن تنأخّر
رغم الغثيان تحنّ إلى : ... أوجاع الطلّق ولا تضجر
***
ينبي عن مولدها الآتي ... شفق دام فجر أشقر
ميعاد كالثّلج الغافي ... وطيوف كالمطر الأحمر
أشلاء تخفق كالذكرى ... وتنام لتحلم بالمحشر
ورماد نهار صيفي ... ودخان كالحلم الأسمر
ونداء خلف نداءات ... لا تنسى (عبلة) يا (عنتر)
أسماء لا أخطار لها ... تنبي عن أسماء أخطر
***
هل تدري صنعاء الصّرعى ... كيف انطفأت ؟ ومتى تنشر؟
كالمشمش ماتت واقفة ... لتعدّ الميلاد الأخضر
تندى وتجف لكي تندى ... وترفّ ترفّ لكي تصفر
وتموت بيوم مشهور ... كي تولد في يوم أشهر
ترمي أوراقا ميتة ... وتلّوح بالورق الأنضر
وتظلّ تموت لكي تحيا ... وتموت لكي تحيا أكثر
من منفى الى منفى
بلادي من يدي طاغ ... إلى أطغى إلى أجفى
ومن سجن إلى سجن ... ومن منفى إلى منفى
ومن مستعمر باد ... إلى مستعمر أخفى
ومن وحش إلى وحشين ... وهي النّاقة العجفا
بلادي في كهوف الموت ... لا تفى ولا تشفى
تنقّر في القبور الحرس ... عن ميلادها الأصفى
وعن وعد ربيعي ... وراء عيونها أغفى
عن الحلم الذي يأتي ... عن الطيف الذي استخفى
فتمضي من دجى ضاف ... إلى أدجى … إلى أضفى
بلادي في ديار الغير ... أو في دارها لهفى
وحتى في أراضيها ... تقاسي غربة المنفى
إلا أنا وبلادي
تسلياتي كموجعاتي ، وزادي ... مثل جوعي ، وهجعتي كسهادي
وكؤوسي مريرة مثل صحوي ... واجتماعي بإخوتي كانفرادي
والصداقات كالعداوت تؤذي ... فسواء من تصطفي أو تعادي

إن داري كغربتي في المنافي ... احتراقي كذكريات رمادي
يا بلادي ! إلّي يقولون عنها : ... منك ناري ولي دخان اتّقادي
ذاك حظّي لأن أمي (سعود) ... وأبي (مرشد) وخالي (قمادي)
أو لأنّي أطعت أولاد جاري ... ورفاقي دفاتري زمدادي
أو لأنّي دفعت عن طهر أختي ... وبناتي مكر الذئاب العوادي
أو لأنّي زعمت أن لديهم ... لي حقوقا من قبل حق (ابن هارون)
***
يا بلادي هذي الرّبى والسواقي ... في ضلوعي تنهّدات شوادي
إنما من أنا وليس بكفي ... مدفع والتراب بعض امتدادي !
ربما كنت فارسا لست أدري ... قبل بدء المجال مات جوادي
العصافير في عروقي جياع ... والدّوالي والقمح في كلّ وادي
في حقولي ما في سواها ولكن ... باعت الأرض في شراء السماد
***
يا ندى … يا حنان أم الدوالي ... وبرغمي يجيب من لا أنادي !!
هذه كلّها بلادي … وفيها ... كل شيء … إلاّ أنا وبلادي !!
صنعاء والحلم والزمان
صنعاء يا أخت القبور ... ثوري فأنك لم تثوري
حاولت أن تتقئي ... في ليلة عّفن العصور
وأردت قبل وسائل البنيان ... تشييد القصور
ونويت في تشرين أن ... تلدي أعاجيب الزهور
***
فذهاك غزو مثلما ... يحكون عن يوم النّشور
أيد كأيدي الأخطبوط ... وأوجه مثل الصخور
فتساقطت شرفاتك النّعسا ... كأعشاش الطّيور
وانصب إرهاب المغول ... من البكور إلى البكور
وامتدّ من باب إلى ... باب كغابات النّمور
حتى رآى ((نقم)) ذراك ... تخرّ دامية الظّهور
ورأى قلوبك في الضّحى ... الأعمى تفرّ من الصدور
ورأى خماءلك الظّليلة ... يرتحلنّ من الجذور
هرب الجدار من الجدار ... هوى النّفور على النّفور
صنعاء من أين الطّريق ... إلى الرجوع أو العبور
ماذا ترين أتسبحين ؟ ... أتعبرين بلا جسور ؟
هل تسفرين على الشروق ؟ ... أتخجلين من السّفور ؟
أتزاحمين العالم المجنون ؟ ... يا بنت الحدور
شهر ، وعدت كما أتيت ... بلا مكان أو شهور
تتنهّدين بلا أسى ... أو تضحكين بلا سرور
***

صنعاء ماذا تشتهين ؟ ... أتهدئين لكي تموري
تتوهجين ولا تعين ... وتنطفين بلا شعور
كم تحملين ولا ترين ... وتعتبين على الدّهور
ما زال يخذلك الزمان ... فتبزغين لكي تغوري
يا شمس صنعاء الكسول ... أما بدّا لك أن تدوري
بلاد في المنفى
لأنّ بلادي الحبيبة ... في مرتباها غريبه
لأنها وهي ملأى ... بالخصب … غير خصيبه
لأنها وهي حبلى ... بالري عطشى جديبه
***
جاعت ومدت يديها ... إلى الأكفّ المريبه
ثمّ ارتمت كعجوز ... هن قبل بدء الشبيبه
تنسى المصير ويأتي ... مصيرها في حقيبه
لأنّ دار أبيها ... لها مناف رهيبه
امرأة وشاعر
أتسائلين من التي ... آثرت … أو أين اشتياقي ؟
وتردّدين ألست من ... أبدعت صحوي وائتلاقي ؟
شطآن عينيّ … اخضرار ... مواسمي … دفئي … مذاقي
بستان وجهي … أمسيات ... جدائلي … ضحوات ساقي
***
سميتني وهج الضّحى ... قمرا يجلّ على المحاق
بوح الزنابق والورود ... إلى النّسيمات الرفاق
أنسيتني بشريّتي ... ونسيت بالأرض التصافي … !
وذهبت يا أغلى مرايا ... الحسن … أو أحلى نفاق
أتعود لي … تبكي غروبي ؟ ... أو تغني لانبئاقي ؟
***
لن تعدمي غيري ولن ... تلقي كصدقي واختلاقي
قد كنت موثوقا إليك … ... من التي قطعت وثاقي ؟
لمّا وجدت القرب منك ... أمرّ من سهر الفراق
آثرت حزن البعد عنك ... على مرارات التّلاقي
***
وبدون توديع ذهبت ... كما أتيت بلا اتفاق
ونسيت بيتك والطريق ... … نسيت رائحة الزقاق
لم أدر من أين انطلقت ... … ومن لقيت لدى انطلاقي
انسقت … لا أدري الطريق ... ولا الطريق يعي انسياقي
حتى المصابيح التي ... حولي تعاني كاختناقي
كان اللّقاء بلا وجوه ... والفراق بلا مآقي
***
فلتركيتي للنّوى ... أظما وأمتص احتراقي
وبرغم هذا الجدب لن ... أأنسى على الحلّ المراق
***
لكنّ لماذا تسألين ؟ ... بمن أهيم … ومن ألاقي ؟
فلتستريحي إنّني ... وحدي ، وأحزاني رفاقي
كالسندباد بلا بحار ... كالغدير بلا سواقي

16 / 23
ع
En
A+
A-