على اصفرار وجهها ... تعملق التشنج
فبعضها ، لبعضها ... توحش ، مهيج
يومي إلى ركامها ... ركامها المدجّج
فترجع (البسوس) في ... أحشائها تهملج
ويعصر التحامها ... دماءها ، ويمزج
وتنثني يهزها ... تبجح ، محشرج
تقص عن جدودها ... كم أخمدوا ، وأججوا
وأبدعوا ، مقابرا ... وأسقطوا ، وتوّجوا
وأتخموا سوق الرّدى ... وأكسدوا ، وروّجوا
وأين صال ((جرهم)) ... وأين جال ((جزرج))
فيشرئب ((هاشم)) ... من رملها ((ومذحج))
فتغزل الحياة من ... ثلج البلى ، وتنسج
سل الرياح : هل لها ... خلف الرؤى ، توهج
هل يستفز وجهها ... إلى الضحى ، التبرج
هناك ذرّ برعم ... فأوما التأرج
إلى تثير موعدا ، على ... عينيه ، طيف ادعج
هناك : نبض مولد ... فافصح التلجلج
وكرمة ، عيونها ... أحلام انثى ، تزوج
ومنحنى ، يخضر في ... حروفه ، التهدج
وواحة ، حلبى تعي : ... متى ؟ وكيف تنتج ؟
فتبتدي جزيرة ... أخرى أجدّ أبهج
لها طفولة ، على ... ركض البزوغ ، تدرج
على امتداد حضنها ... تندى الحصى ، وتهزج
وينتشي ((عرارها)) ... ويفرح البنفسج
فللكوى ، تلفت ... وللربى تموج
أخر جديد
مولاتي ، يا أحلى الأحلى ... عندي لك ، أخبار عجلى
قالوا عن ؟((حورية)) أمتلئت ... فتنا ، أغلى ما في الأغلى
نهداها : كبر شموخهما ... خدّاها ، نظرتها ، النجلا
أنّى خطرت ، لبست حقلا ... من غزل ، وانتعلت حقلا !
فهنا وهناك ، لمشيتها ... تأريخ ، يستهوي النحلا
أملاه يوما منطعف ... والريح ، اعادت ما أملى
((وثريا)) اجنت ، وحواها ... عشّ ، فاخضوضر واخضلا
وحكى عن ((مريم)جيرتها ... ميعادا ، ولقاء نذلا
حتى عرّاها إخوتها ... من اكفان الحسب الأعلى
وانحلت عن ((يحى)) قمر ... واستهوت مطلاقا كهلا
***
لكن ، أأقصّ لغاليتي ... من آخر أخباري فصلا
إني وحدي ، والبرد على ... أنقاضي ، يسقط كالقتلى
أجتر الطين ، وأعزفه ... وأغنّي ، للريح الشكلى
***
بالأمس ، شدا المذياع ، هنا ... فشممتك ، اغنية جذلى

وكزهر الرمّان اختلجت ... شفتاك ، وخفّتك الخجلى
وتناغى الطيب ، كعزّاف ... ولدت قيثارته الحبلى
وكأن لقاء يحضننا ... أرجو ، فتجيدين البذلا
***
واليوم ، تقمّصني قلق ... مجنون، لم يعرف منهلا
فتقاذفني التّجوال كما ... تستاق العاصفة الرملا
فعبرت زقاقا مأهولا ... وزقاقا ، هرما منحلا
وترابا ينسج أقنعة ... لوجوه لم تحمل شكلا
وطريقا سمحا أسلمني ... لمضيق يلتحف الوحلا
وإلى سوق في آخره ... منعطف ينشدني أهلا
وسألت هنالك ((فلفلة)) ... عن دارك فادّعت الجهلا
أولا تدرين ، تلقاني ... عبق ، من شرفتك انهلا
وهناك جثوت ، أعبّ صدى ... حيّا ، واعيد صدى ولى
وإخال الممشى يسترخي ... ويلحن خطرتك الكسلى
فأصيخ ، إلى ما لا أدري ... وأضم ، الهرة والطفلا
ورآني الباب ، فمد على ... كتفيّ ، الخضرة والظّلاّ
وحكى لي ، كيف تلاقنا ... في تلك الأمسية الكحلى
ومتى تأتين ؟ أيخبرني ؟ ... وتلعثم ، بالخبر الأجلى
***
والآن ، رجعت ، كما تسري ... في الغاب ، القافلة العزلا
هذا ما جدّ ، ولا أدري ... ماذا سيجدّ ، وما يبلى
خدعة
من تمنحين ، الضحكة الواعده ... والهزة المعطاءه ، الناشده
سدى ، تمدين اليه اللظى ... لن تستحرّ الكومة الخامده
قد أصبح الجوعان ، يا روحه ... شبعان ، تزدان له المائده
الجمرات ، الخضر ، في لمسه ... تثلجت ، واحدة ، واحده
تساءلي : أين اختفى وجهه ؟ ... كيف انطقت أعرافه الواقده ؟
وفتّشي عينيه ، هل فيهما ... حتى رماد الجذوة البائده
من ذا تثيرين ، كما تقتفي ... صبيّة ، عصفورة شارده
يداه ، في مجناك ، لكنه ... ريّان ، يحسو ، قهوة بارده
وكان لا يصحو ، ولا يرتوي ... من دفء هذي الثروة الحاشده
عودي إلى ، الأمس يريه ، كما ... كان اجتداء أو منى ساهده
أو حاولي أن تصبحي ، لعبة ... أخرى ، ومدّي نظرة كائده
فالحلوة الأولى على نضجها ... وخصبها ، كالسلعة الكاسده
فكيف ، والأخرى غدا عنده ... أولى ، فيا للخدعة الخالده !

ماذا تقولين ، أكل الذي ... يبني ، وتبنين ، بلا قاعده
صدى
من ذا يناديني ؟ احسّ نداء ... يعتادني ، فيحيلني اصداء
خلفي ، وقداّامي ، يزنبق دفئه ... وينرجس اللفتات والإغراء
فأشدّ أنفاسي وأعراقي إلى ... فمه ، وأغزل من شذاه رداء
من ذا ؟ ويلثمه التساؤل والمنى ... يحفرن عنه الحيرة الشقراء
والباب يلثغ ، باللقاء وينطوي ... في صمته ، يتحرّق استجداء
والسهد يلهث ، في الرفوف ، ويحتسي ... أنفاسه ، ويجرجر الأعياء
فأقول للجدران : من ظ وتقول لي : ... من ؟ والكزى تتساجل الأيماء
وتمد اذرعها اليه ، وتنحني ... تصغي ، وتجمع ظلّها ، أشلاء
والليلة الكحلى ، تصيخ إلى الصدى ... فتحيلها معزوفة سمراء
وتميس ، من خلف الثقوب ، كناهد ... خجلى ، تريد وتحذر الإفشاء
من ذا يناديني ؟ ويدنو من يدي ... حتى أهمّ بلمسه ، يتناءى
كيف استسرّ ؟ وأستحيل ترقبا ... شرها ، يداري السّهد والإغفاء
حتى يعود .. أكاد أهتف باسمه ... ويريبني ، فأضيّع الأسماء
من أين يدعوني ؟ وأنبش لهفتي ... عن نبعه ، وأفتش الأصغاء
وأمدّ أسئلة ، يمنّي بعضها ... بعضا ، ويضحك بعضها استهزاء
من أين باح ؟ أمن هناك ؟ ربما : ... أم أنّه من ها هنا ، يتراءى
من حيث لا أدري ، وأدري انه ... يعتادني ، فيحيلني اصداء
أصيل القرية
تدلّى كمزرعة من شرر ... معلقة ، بذيول القمر
وحسام ، كغاب من الياسمين ، ... تندّى على ظلّه واستعر
فمالت تودّعه ، ربوة ... وتهتز ، كاللهب المحتضر
كحسناء عرّى العتاب الخجول ، ... هواها وبالبسمات استتر
تعابثه ، وتباكى الطيور ... وتستعبر الرابيات الأخر
ومدّت له القرية الهينمات ... كلغو الرؤى كاصطخاب (التّتر)
وأعلت له ، جوفة من دخان ... ومعزوفة ، من خوار البقر
فرفّ ، كأجنحة ، من نضّار ... كأردية ، من دموع النهر
وعرّاء ، صحو المدى ، فارتدى ... لهيب ذوائبه ، واتّزر
***
تهادي ، يجمع من كلّ أفق ... صدى عمره ، ولهاث البشر

ويحبو كموج يمد … يديه ... إلى شاطىء من مزاح القدر
وأرسى على كتفيّ شاهق ... كأرجوحة ، من ذهول الفكر
يلملم من جمرتي مقلتيه ... حبالا ، يخيط شراع السّفر
ويجبل آثار أقدامه ... أباريق حب ، ونجوى سهر
واغضى ، فمنادى الرواح الرعاة ، ... فعادوا اثنى ، وتوالو ا زمر
وناشت خطاهم هدوء التراب ... ورعش الكلا ، وسكون الحجر
ونقّر خطو القطيع الحصى ... كما ينقر السقف وقع المطر
وشدّ الرعاة ، إلى الراعيات ... شباب المنى ، وملاهي الصغر
وكانت (غزال) غناء الرعاة ... وصيف الربى ، وشذا المنحدر
مآرزها ، من رنوّ الحقول ... إليها ، ومن قبلات النّهر
وقامتها ، من عمود الصبّاح ... ذوائبها ، من خيوط السّحر
***
وكانت تماشي (مثنّى صلاح) ... وتقرأ في وجه (تقوى) الأثر
ولمّا دنا الحيّ ضجّت (سعاد) ... أضاع (حسين) الخروف الأغر
فمن من رآه ؟ تعالوا نعد ... مواشينا ، قبل تيه النظر
ولما أتمّوا ، حكت (وردة) ... و(فرحان) عن كل واد خبر
فأخبر : أين ذوى مرتع ؟ ... وأين زكا مرتع وازدهر؟
وفي أي شعب ، تمدّ الذئاب ... حلاقمها ، من وراء الحذر
***
ومرّوا كحقل ، تلم الريّاح ... وريقاته ، وتميل الثّمر
كقيثار هاو ، دؤوب ، يلحّ ... على وتر ، ويدمّي وتر
وأدمى الوداع ، نداء العيون ... ولوّن ظلّ الغروب الخفر
***
وحيّا فم القرية العائدين ... ونادى ممرّ ، ولبّى ممر
وأخفى (عليا) مضيق طويل ... ووراى (ثقى) شارع مختصر
ودارت ثوان ، فران السكون ... ينوع ، بالذكريات السّمر
ففي مسمر ، ذكريات (مريم) ... أباها ، وناحت كيوم انتحر
وفيمسمر بث ( سعد) أباه ... شجون الزواج ، وأغضى البصر
وثرثر في كل بيت حديث ... وأحزن كلّ حديث وسر
(فأم ثريا) تفوق الرجال ... وتوجى أمرّ … وأحلى الذكر
فكيف تجلّت مساء الزفاف ... وفي الصبح ، مات أبوها الأبر
(وأم علي) تربّي الدّجاج ... تكدح خلف ارتعاش الكبر
ترقع أسمال أطفالها ... وتحسو عروق يديها … الإبر

(وحسّان) خان غرور البنات ... به ، وانتقى : أمّ إحدى عشر
وباع (رجا) اخته في ((الرياض)) ... بألفين ، للتاجر المعتبر
ومات (ابن سرحان) يوما وعاد ... يخبر جيرانه ، عن سقر
وأصغى السكون ، إلى كل بيت ... كحيران ، ينوى وينسى الوطر
وأغفى رفاق الهوى والقطيع ... على موعد الملتقى ، المنتظر
وليلتهم ذكريات وحلم … ... كلمع الندى ، في اخضرار الشجر
طيوف ، كما حثّ سرب الحمام ... قوادمه ، خلف سرب عبر
وكلّت رياح ،وجنّت رياح ... ونجم تأنّى ، ونجم طفر
وفتّش عن قدميه الدّجى ... ودبّ ، كأعمى يجوس الحفر
فأذكى هنا جمرات السهاد ... وأعطى هناك الرؤى والخدر
وأفنى هزيعا وأدهى هزيعا ... فعاد الأصيل المولّي سحر
لص في منزل شاعر
شكرا ، دخلت بلا إثاره ... وبلا طفور ،، أو غراره
لما أغرت خنقت في ... رجليك ضوضاء الإغاره
لم تسلب الطين السكون ، ... ولم ترع نوم الحجاره
كالطيف ، جئت بلا خطى ... وبلا صدى ، وبلا إشاره
أرأيت هذا البيت قزما، ... لا يكلفك المهاره ؟
فأتيته ، ترجو الغنائم ، ... وهو أعرى من مغاره
***
ماذا وجدت سوى الفراغ ... هرّة تثتم فاره
ولهاث صعلوك الحروف ... يصوغ ، من دمه العباره
يطفي التوقد باللظى ... ينسى المرارة ، بالمراره
لم يبق في كوب الأسى ... شيئا حساه إلى القراره
***
ماذا ؟ أتلقى عند صعلوك البيوت ، ... غنى الإماره
يا لصّ ، عفوا إن رجعت ... بدون ريح ، أو خساره
لم تلق إلا خيبة ... ونسيت صندوق السجاره
شكرا ، أتنوى ان تشرفنا ، بتكرار الزياره! ؟
ذهول الذهول
لديه ، من أحلى الحكايا شكول ... تثير فيها عنفوان الفضول
يخبرها .. يسألها .. ينتقي .. ... من قصة الأشواق أشهى الفصول
وكيف ظ ينسل اليها إذا ... تثاءب الباب ، وأرمى الدخول
وغاب في التفكير ، واعتاده ... ظلّ دخاني ، كوجه العذول
ماذا ؟ إذا لاحت له فجأة ... وأنكرته ، واحتمت بالأقول
لا ، لم يغب عن بالها ،إنه ... كان لها جارا عطوفا وصول

لكن أتدري أن أشواقه ... كما تكب العاصفات السيول ؟
ألا ترى ، أن اختلاجاته ... أمامها شهق الحريق الأكول؟
وكان يخشى بين جيرانها ... جارا ترابيّ الأماني ختول
يحمحم الشيطان في صدره ... وبين فكيّه يصلّي بتول
واستنطق الباب ومدّ المنى ... وهو احتراق وانتظار سئول
واستنزلتها قبضتا وهمه ... فضمّها ، قبل احتمال النزول
***
من ذا ؟.. وإذ لاحت رماه الى ... شموخ نديها ، الخيال العجول
وأقبلت في موكب من شذى ... ملحن الخطو طروب الذبول
مفاصل الممشى على هطوها ... عادت صنوجا ، واستحالت طبول
ومقلتاها ، تغزلان الرؤى ... حمائما زرقا ، وصحوا كسول
كيف يناجها : ألا تنطوي ... أحرفه ، تحت اصفرار الذبول؟
فينحني خجلان ، لكنّها ... حسناء يرضيها اللهف الخجول
ماذا يلاقي ؟ شعلة بضّة ... من الصبا ، والكبرياء الملول!
دفئا ، واشراقا ، كما يرتمي ... فجر الرّبى ، فوق اخضرار السهول
يحبو على أهدابها ، موعد ... طفل ، ويسترخي عليه الخمول
في أي زاه من تهاويلها ؟ ... يرسو ، وفي أي اخضرار يجول ؟
يذهله عن بعضها بعضها ... فما الذي يغوي ظ وماذا يهول ؟
***
وعاد يحكيها لناي الهوى ... ويسأل الأشباح ماذا يقول؟
هل يخبر الأشواق عنها كما ... يخبر عن (جنات ) عدن رسول
وجهه ، أسئله حوّم ... ظوامىء ، يمتصهنّ النحول
يخقن كالأوراق ، يسألن عن ... روائح الأنثى ، رياح القبول
***
وكان يطوى شارعا جوّه ... غاب ، كثيف ، من زنود (المغول)
كالنعش ، يستلقي عليه الدّجى ... وتعجن السحب عليه الوحول
وساءل الدرب الثقات الحصى ... من ذلك الآتي ؟ كطيف الطّلول !
يمدّ رؤياه الى لا مدىّ ... ويذرع الأوهام عرضا وطول
عهدته مرّ عشاء وفي ... عينيه ، من أطياف (قيس ) فلول
وزار دارا بين جدرانها ... صيف ، نبيذيّ الجنى والحقول
مضى إليها ذاهلا وانثنى ... عن بابها ، وهو ذهول الذهول
ذكريات شيخين
كان يا (عمرو) هنا بيت المرّح ... زنبقيّ الوعد ، صيفي المنح

الطيوف الحمر ، والخضر على ... مقلتيه ، كنعاقيد البلح
أشمست فيه الليالى .. والمدى ... يثريات دواليه اتّثح
كان مضيافا ، إذا ما جئته ... شعّ كالفجر ، وكالورد نفح
فانمحى : يا للتلاقي بعدما ... نزح الروّاد عنه ونزح!
***
يا ترى ، من أين نمشي ؟ ها هنا ... قام حي ، وهنا أرسى مصع
وعهدنا منزلا قزما هنا ... من ترى عملقة ، حتى طمح ؟
واستراحت ها هنا مقبرة ... قرب العمران منها فاكتسح
ووراء السور ، أرسى مصنع ... وهناك ، امتد سوق وانفسح
أين نحن الآن ؟ وارى عهدنا ... وجههه ، وانطفأت فيه الملّح
أنكر (النهرين) وجهينا من ... قبله ، أنكرنا (باب السّبح)
من يقوّينا ، وكنا زمنا ... كبغال (الروم) أوخيل (جمع)
***
ها هنا نجلس ، يا (عمرو) ترى ... ما اقتنى التأريخ منا واطّرح ؟
خط آثار خطانا ، زمن ... بيديه وبرجليه ، مسح
فانحنى (عمرو) وقال : اذكر لنا ... يا (علي) الأمس واترك ما اجترح
أمسنا ، كان كريما معدما ... وزمان اليوم ، أغنى وأشح
كيف كنّا ننطوي ، خلف اللّحى ... ونواري من هوانا ، ما افتضح
يوم أعلنت (روضة) برقعها ... واستجدنا ما اختفى مما اتضح
أطمتنا .. وألحّت في النوى ... عن يدينا ، وتشهّينا ألح
فترددنا على جار لها ... نشتري التبغ ، ونطري ما امتدح
وأطلّت ذات صبح مثلما ... يرتدي صحو الربى (قوس قزح)
فارتعشنا ، وانجلت دهشتنا ... ثم أومأنا اليها ، بالسّبح
فاقتفتنا ، وتركمنا للهوى ... كل أمر ، وأطعنا ما اقترح
ومضى عامان ، لا ندري متى ... جدّ حادي العمر ، أو أين مزح؟
كيف كنا ، قبل عشرين نعي ... همسة الطيّف ، وإيماء الشبح
ونغني كالسكارى ، قبل ان ... يعد العنقود اشواق القدح
ثم اصبحنا نشازا ، صوتنا ... في ضجيج اليوم ،كالهمس الأبح
كلّ شيء صار ذا وجهين ، لا ... شيء يدري ، أين وجهه أصح ؟
***
يا (علّي) : انظر ، ألاح المنتهى ... لا انتهى المسعى ، ولا الساعي نجح !

لم تعد نهنأ ، ولا نأسى ، ذوت ... خضرة الانس ، خبت نار الترح
أو خبا الحسّ الذي كنّا به ... نطعم الحزن ، ونشتمّ المرح
لم يعد شيء كما نألفه ... فعلام الحزن أو فيا الفرح؟!
*
دخلت (صنعاء) بابا ثانيا ... ليتها تدري ، إلى اين أفتتح
سياح الرماد
يريد ، ويمضي ، الى لا مراد ... يخوض إلى الوعد ، موج الرماد
ويرمي سفينته للحريق ... ةتنشد أهدابه : لا ارتداد
فيقذفه سفر حالم ... إلى سفر ، من رؤى (شهرزاد)
وتجترّه من غيوم الصّديد ... بلاد من الطيب ، في لا بلاد
يتم عليها اختلاج البروق ... فتمتد عيناه ، في .. لا امتداد
فتبصقه الريح ، من كل فج ... وتمضغ في مقلتيه .. العتاد
وتسأله : هل يعود الى ... مصيف رباه ، ودفىء الوهاد ؟
فيسألها : هل له منزل ... على شرفتيه ، انتظار المعاد
فتخبره : أن دنياه ريح ... ودرّامة ، من طيوف السهاد
ضجيج فراغ ، يلوك صداه ... ويوهم شدقيه ، بالازدراد
ووديانه ، في ضياع الضيّاع ... وموعده ، رحلة (السّندباد)
يغازل خلف امتداد الخيال ... مدى للفنون ، عليه احتشاد
سواعده ، سلّم للشموس ... وأهدابه للثريّا وساد
ذوائبه ، لجج من رحيق ... وأحضانه الخضر ، صيف جواد
لوافته ، من أغاني الطيوب ... وأبوابه ، أذرع ، من وداد
حنون الممرّات ، جدرانه ... نجوم كسالى ، تدير الرّقاد
كلمة كل نهار
كيف اشرأب (ظفار) وانتخى (صبر) ... يوم التقى الشعب ، والآمال ، والقدر
وكيف عاد (لصنعاء) العجوز ، صبا ... أطرى ، وأشمس ، في ارجائها السمر
وكيف يا (نقم) المولود ، كيف همت؟ ... أصداؤه الخضر ، حتى أورق الحجر
وكيف أنكرت يا (صرواح) كل صدى ... حتى تورّد في أهدابك الخبر
وكان يوم نشور الشعب منتظرا ... وافى ، كما انهلّ في ميعاده المطر
أطلّ ، فاحتضنته كلّ رابية ... وبشّر الوادي الممتد ،منحدر
وسار ، والفجر في كفيّه ألوية ... ومن جراح الضحايا ، خلفه ، سحر
فهنّأت جارة أخرى ، وهنأها ... جار ، وزغردت الشرفات والجدار

وها هنا غمغم التأريخ : أين أنا ؟ ... من قائد الزحف ، سيف الله أو عمر ؟
ماذا هنا اليوم ، يا دنيا ؟ هنا يمن ... طفل ، على شفتيه يبسم الظفر
هذا النشور ، أو الميلاد ، مدّ فما ... الى الأعالي ، فدلّى نهده القمر
مضى ، وكلّ طريق تحت موكبه ... شدو ، وكل حصاه حوله ، وتر
***
وذات يوم ، ربيعي الضحى ، نبحت ... (صنوان) عاصفة تعوي وتنفجر
من ذا أهاج رماد الأمس ، فاشتعلت ... في أعين الريح ، من ذرّاته ، شرر
أهذه الحرب ، يا تأريخ ، كيف ترى ... من خلف (جنات عدن) أومأت (سقر)
ومرّ عام ، جحيمي ، روائحه ... دم ، بحشرجة البترول ، متّزر
ودب ثان ، خريفي المدى ، قلق ... يفني ، ويفنى ، ويحيا ، وهو ينتحر
وطال كالسّهد ، حتى انهدّ في دمه ... تثأبت من بقايا وجهه ، الحفر
وغاب خلف الشظايا ، فابتدت سنة ... تعبّىء النار ، ثدييها وتعتصر
فأجهد الموت شدقيه وقبضته ... فى تجلمد في أنيابه الضّجر
وقال كل نهار : لن تنال بد ... من ثورة ، مات في ميلادها ، الخطر
ليلة خائف
كانت قناديل المدينة ... كالشرايين ، النوازف
والجو يلهث ، كالداخن ... فوق أكتاف العواصف
وهناك مذعور ، بلا ... حان على الأشواك عاكف
كالطائر المجروح ، في ... عش ، بأيدي الريح واجف
السّقف ينذره ، ويصمت ... أو يوسوس ، كالزّواحف
والظلّ ، يلمحه ، وفي .. ... عينيه ، تحترق الهواتف
والباب ، يلغظ ، بالوعيد ... وينتفي ، أعمق الرّواجف
ماذا هناك ؟ وراعه ... شيء ، كلعلعة القذائف !
فأحسّ أفواج (التتار) ... طوائفا ، تتلو طوائف
ورأى النوافذ أعينا ... كالجمر ، مطفأة العواطف
أين المفرّ ؟ وهمّ ، واستأنى ... وأحجم ، نصف تالف
فيفرّ ، وهو مسمّر ... والبيت ، يهرب وهو واقف
ومضت نجوم مطفأت ... وانثنت ، أخرى كواسف
فروت اليه الريح ، خفقة ... معزف ونحيب عازف
وعلى اختناق لهائه ... ضحّى ، بصوت غير آسف
وهنا ، تحدّى الرعب ، أو ... داراه ، أو ألف المخاوف

فهمى على عينيه إغفاء ، ... كأسحار المصائف
وتبنّت الأحلام ، هجمته ، ... وبدّلت المواقف
فانهار قطّاع الطريق ، ... وأسكت الجوّ ، العواصف
ورأى فراديسا تدلّله ، ... تمدّ له ، المقاطف
وبرغمه ، عصف التيقظ ، ... بالعلالات الخواطف
فأفاق ، ربع مخدّر ... ثلثي صريع ، نصف خائف
أم في رحلة
هل هذا طفلك ؟ واقتربت ... كالطفل ، تناغي ، وتنادي :
طفلي ، هل أعجب سيدتي ؟ ... حلو ، كهديا الأعياد
وكأوّل إحساس الأنثى ... برنوّ المعجب والصّادي
ما اسم المحروس ؟ : اجب يا إبني : (نعمان) كجد الأجداد
أهلا (نعمان ) فيستحيي ... ويرفرف، كالورد النادي
فتحاكي لثغته الخجلى ... وتغم كالنبع الشادي
ما أروعه ؟ يا عم وما ... أسخى عينيه ، بإسعادي
أولادي الأربعة ، اختلطوا ... فيه ، ما أحلى أولادي
عيناه ، كعيني (عائشة) ... خدّاه ، كخدّي (عبّاد)
فمه ، يفتر ، كثغر (لمى) ... زنداه ، كزنده (حمّاد)
***
شكل حلو ، ما أجمله ... كالطيف ، كأطيار الوادي
كالحب كدغدغة الذكرى ... كالحلم ، كهمس الميعاد
أشتمّ حليبي .. في فمه ... قبلاتي أنفاس بلادي
وتمدّ إلّي ملامحه ... فرحي ، وعذاب الميلاد
زهوي بالحمل ، كجاراتي ... صرخات المهد ، وإجهادي
وتعيد إلّي طفولته ... صغري ، وطفولة أندادي
فكأني ولداتي نشدو ... أو نركض ، كالسّيل العادي
***
(نعمان ) أعاد صبا عمري ... يا عمّ ، وايقظ ، إيقادي
كهوى ، كلّت أنشودته ... وتلظّى ، رجع الإنشاد
خلفي ، يا عم ، نداءات ... وأمامي ، سحر الأبعاد
أمضي ، وأعود ، وأطفالي ... أسفاري ، أشواق معادي
لا تأسي ، يا بنتي ، إني ... سافرت العمر ، بلا زاد
خضت الخمسين ، بلا ولد ... يرجى ، وبلا أمل حادي
وأتى الأولاد ، بلا رزق ... وبلا طرق ، وبلا هادي
فصبرنا صبر الدّرب على ... أقدام الرائح ، والغادي
واستنجدنا المولى حتى ... لبّانا ، أسخى انجاد
***
أتحبين ابني ؟ : كلّ ابن ... في الأرض ، وكلّ الأحفاد
***

14 / 23
ع
En
A+
A-