الممرات مغارات لها ... وثبة الجن، وإجفال الظباء
وهناك الشهب غربان ، بلا ... أعين ، تجتاز غيما لا نهائي
وهنا الشمس عجوز ، تحتسي ... ظلّها ، تصبو إلى تحديق رائي
من دنا منسّي ؟ وكالطيف النوى ... ونأى ، خلف خيالات التنائى
من وراء التلّ عنّت غابة ... من أفاع ، وكهوف من عواء
وعيون ، كالمرايا ، لمعت ... في وجوه ، من رماد وانحناء
انه حشد ، بلا اسم وجهه ... خلفه مرآه تزوير الطلاء
من يرى ؟ أي زحام ودرى ... انه يرنو إلى زيف الخواء ؟
***
وبلا زاد ولا درب مضى ... كالخيالات الكسيحات الظماء
تخفق الأحزان ، في أهدابه ... وتناغي ، كعصافير الشتاء
ينحني، يستفسر الاطراق من ... وجهه الذاوي ، وعن باب مضاء
عن يد ، صيفية اللّمس وعر شرفة ... جذلى ، وعن نبض غناء
وتأنت نجمة أرسى على ... جفنها طيف ، خريفيّ الرّداء
فتملاها مليّا وارتدى ... جوّ عينيه ، أصيلا من صفاء
والتظى برق ، تضنّى خلفه ... ألف دنيا ، من ينابيع السخاء
وبلا وعي دنا ، من كوخه ... كغريق ، عاد من حلق الفناء
فأحسّ الباب يلوي حوله ... ساعدي شوق ، وحضنا من بكاء
اين من يسأله ، يخبره ... عن مآسيه فيحنو أو يرائي؟
وجثا ، يحنو عليه منزل ... سقفه الثلج ، وجدران المساء
وكما تنجرّ أمّ ضيّعت ... طفلها ، يبحث عن أدنى غذاء
يجتدي الصمت نداء أو يدا ... أو فما يفترّ ، أو رجع نداء
ويداري السّهد أو يرنو الى ... ظلّه ، يختال في ثوب نسائي
فتعاطيه مناه أكؤسا ... من دخان ، واحتضانا من هباء
تحتسي أنفاسه أمسية ... عاقر ، تمتص ألوان الهواء
هل هنا لابن سبيل الريح من ... موعد ؟ أو ها هنا دفء لقاء ؟
عاد من قفر دخاني ، الى ... عامر ، أقفر من ليل العراء
وغدا يبتديء الأشواط من ... حيث أنهاها ، إلى غير انتهاء
يقطع التيّه ، إلى التيه ، بلا ... شوق أسفار ، ولا وعد انثناء
وبلا ذكرى ، ولا سلوى رؤى ... وبلا أرض ، ولا ظل سماء
عمره دوّامة من زئبق ... وسهاد ، وطريق من غباء
صديق الرياح
على اسم الجنيهات ، والأسلحة ... يتاجر بالموت ، كي يربحه
ويشتم كفّي مرابي الحروب ... فيزرع في رمله مطمحه
ذوائبه الحاضنات النّجوم ... بأيدي المرابين ، كالمسحه
يمنّيه طاغ ، حساه الفجور ... وجلمد في حلقه النحنحه
فيدمى وتغدو جراحاته ... مناديل .. في كفّ من جرحه
وتومى له حربة الهرمزان ... بقرآن (عثمان) والمسبحه
فيهوى ، له جبة من رماد ... ومن داميات الحصى أوشحه
على وجهه ، ترسب الحشرجات ... وتطفو ، قبور ، بلا أضرحه
ويجتره من وراء السراب ... أسىّ ، يرتدي صبغة مفرحه
فيجتاح تلاّ شواه الحريق ... وتلاّ ، دخان اللّظى لوّحه
ويغتال رابية ممسيا ... وتأكله ربوة ، مصبحه
وكالسّل يمتصّ زيت (الرياض) ... ويرضع من دمه المذبحه
ويسقط حيث تلوح النقود ... هنا أو هنا لا يعي مطرحه
طيوف الحياة على مقلتيه ... عصافير دامية الأجنحه
تغب أساريره الأمسيات ... وتنسى الصبحات أن تلمحه
وغاباته أن يدير الحروب ... ويبتز أسواقها المريحه
وما دام فيه بقايا دم ... فمن صالح الجيب أن يسفحه
يجود بأشلاته ولتكن ... (لابليس) أو (آدم) المصلحه
***
وتلك عوائده الخالدات ... يجوع ، ومن لحمه ، يأكل
بلا درهم كان يدمى فكيف ؟ ... وكنز ( المعزّ) له يبذل
أينسى عرافته أنه : ... أبو الحرب أو طفلها الأول
وما زال تنجبه كل يوم ... (بسوس) وأخرى به تحبل
إلى أين يسري ؟ ورد الصدى : إلى حيث لا ينثني الرّحل
وكان هناك سراج حزين ... يئنّ ، ونافذة تسعلى
فاصغى الطريق إلى مسمر ... كنعش ينوء بما يحمل
وقال عجوز سهى الموت عنه ... على من تنوح ومن نثكل؟
رمى أمس (يحيى) أخاه (سعيدا) ... وأردى ابن أختي أخي (مقبل)
فرد له جاره : لو رأيت ... متارينا كيف تستقل
تمور فتغشى الجبال الجبال ... ويبتلع الجندل الجندل
ويهوي الجدار على ظلّه ... ويجتر أسواره المعقل
وقالت عروس صباح الزفاف ... سعى قبل أن يبرد (المخمل)
ويوما حكموا أنه في (حريب) ... ويوما أتى الخبر المذهل
وصاح فتى : أخبروا عن أبي ... وأجهش ، حتى بكى المنزل
وولّى ربيع مرير ، وعاد ... ربيع ، بمأساته مثقل
وضاع المدى وصديق الرياح ... يحوم … وعن وجهه يسأل
ويمضي به عاصف قلّب ... ويأتي به عاصف حوّل
***
أما آن يا ريح أن تهدئي ... ويا راكب الريح أن تتعبا
وأين ترى شاطىء الموج با ... (براش) ويا نسمات الصّبا
ويا آخر الشوط : أين اللقاء ؟ ... ويا جدب أرجوك إن تخصبا
ويا حلم ، هل تجتلي معجزا ... تحيل خطاه الحصى كهربا
يبيد بكف ، نيوب الرياح ... ويمحو بكف ، حلوق الربى
ويغرس في الذئب رفق النّعاج ... ويمنح بعض القوى الأرنبا
أيأتي ؟، ويحتشد الانتظار ... يمد له المهد والملعبا
ويبحث عن قدميه الشروق ... ويحفر عن ثغره المغربا
وعادت كما بدأت غيمة ... توشّي بوارقها الخلّبا
وتفرغ أثداءها في الرمال ... وتهوي تحاول إن تشربا
و(صنعاء) ترتقب المعجزات ... وتحلم بالمعجز المجتبى
وكالصيف ، شعّ انتظار جديد ... على الأفق ، وامتد واعشوشب
وحدّق من كل بيت هوى ... يراقب عملاقه الأغلبا
ويختار أحلى الاسامي له ... وينتخب اللّقب الأعجبا
ويخلقه فارسا يمتطي ... هلالا ويتشح الكوكبا
سيدنو فقد آن للسّهد أن ... ينام وللنّوح أن يطربا
فعمر الرّصاص كعمر سواه ... وان طال جاء لكي يذهبا
وقد يقمر الجوّ بعد اعتكار ... وقد ينجل الأحمق الانجبا
كانت وكان
كانت له ، حيث لا ظلّ ولا سعف ... من النخيل الحوالي ، ناهد نصف
وكان أرغد نصفيها الذي ابتدأت ... أو انمحى من صباها الياء والألف
أغرى ، وافتن ما في بعض فتنتها ... طفولة ، وامتلاء مثمر هيف
كانت له بعض عام ، لا يمت إلى ... ماض ولا امتدّ من اخصابه خلف
ولى ، ولا خبر يهدى اليه وفي ... حقائب الريح ، من أخباره تحف
وقصة لملم التأريخ أحرفها ... فاستضحك الحبر في كفيه والصحف
وغاب أول يوم عن تذكره ... وفي تظنيّه من إيمانه نتف
كان الخميس أو الاثنين واحتشدت ... مواقف ، تدفع الذكرى وتلتقف
في بدء تشرين ، نادته نوافذها ... فحام كالطيف ، يستأني وينجرف
هل ذاك مخدعها ؟ تومى النجوم على ... جبينه ، وعلى عينيه تعتكف
بل تلك غرفتها أو تلك أيهما ؟ ... أو هذه ، وارتدت أزياءها الغرف
وبعد يوم وليل ، جاء يسألها ... عن عمها أخبروه أنه دنف
من ذا تريد ؟ وتسترخي عبارتها ... فيأكل الأحرف الكسلى ويرتشف
ويدّعي أنهم قالوا : أن ليس لها ... عمّ ويعتصر الدعوى وينتزف
ويستزيد جوابا هل هنا سكن ؟ ... أظن بيت فلان أهله انصرفوا
وخانه الريق ، فاستحلت تلعثمه ... واخضرّ في شفتيها العذر والأسف
ونصف (كانون) زارت بنت جارته ... فأفشت الخبر الأبواب والشرف
وقالت امرأة : من تلك ؟ والتفتت ... أخرى ، تكذب عينيها وتعترف
وعرفتها عجوز ، كل حرفتها ... صنع الخطايا ، لوجه الله تحترف
وقصّت امرأة عنها ، لجدّتها ... فصلا ، كما ذاب فوق الخضرة الصّدف
فعوّذتها وقالت: كنت أشبهها ... لكن لكل طويل يا ابنتي طرف
وغمغم الشارع المهجور : من خطرت ... كما تخطر تلّ مائج ترف
وحين عادت وحياها على خجل ... ردّت ، وما كان يرجو ، ليتها تقف
وخلفها أقتاده وعد السّراب إلى ... بيت نضيج الصّبا جدرانه الشّغف
حتى احتستسها شفاه الباب ، ولا أحد ... يومي اليه ، ولا قلب له ، يجف
وظن وارتاب حتى اشتّم قصته ... كلب هناك وثور كان يعتلف
وعاد من حيث لا يدري على طرق ... من الذهول إلى المجهول ينقذف
فاعتاد ذكراه بيت مسّه فمها ... في دربها ، وبظلّ الدار يلتحف
وقرّبت دارها من ظل ملجئه ... يد تعلّم من إغداقها السّرف
وكان يصغي فتدعو غيرها ابنتها ... وجارة غيرها تخفي وتنكشف
متى تبوح وهل يفضي بخطرتها ... درب ، ويخبر عنها الريح منعطف ؟
وحلّ شهر رماديّ الخطى هرم ... ضاعت ملامحه ، واسترخت الكتف
وفي نهايته ، جاءت تسائله ... عن هرّها … لم يزرنا ، فاتنا الشرف
فنغّمت ضحكة كسلى ، طفولتها ... جذلى ، على الرقة المغتاج تنقصف
فمدّ كفا خجولا ، وانحنى فرنا ... من وجهها الموعد المجهول والصلّف
وكان يرنو ، وجوع الأربعين على ... ذبول خدّيّه يستجدي ويرتجف
وقال ما ليس يدري فادعت غضبا : ... من خلتني ؟ قل لغيري : انني كلف
وأعرضت واستدرات : كيف شارعنا ؟ ... حلو .. أما ساكنوه السوء والحشف؟
(فلانه) لم تدع عرضا و(ذاك) فتى ... يغوي ويكذب في ميعاده الحلف
من ذلك اليوم يوم (الهرّ) كان له ... عمر ومتّجه غضّ ومنصرف
واخضر قدّامه عش تدلله ... على رفيف الدوالي روضة أنف
أجنت له أيها يدعو مجاعته ؟ ... وأي افنانها يحسو ويقتطف ؟
ومرّ عهد كعمر الحلم يرقبه ... متى يعود يمنيه ويختلف ؟
وكان فيه كمولود على رغد ... أنهى رضاعته التشريد والشطف
كانت له ويقصّ الذكريات على ... طيف ، يقابل عينيه وينحرف
واليوم في القرية الجوعى يضيّعه ... درب ، ودرب من الأشواك يختطف
يسيح كالرّيح في الأحياء يلفظه ... تيه ، ويسخر من تصويبه الهدف
نهاية حسناء ريفيّة
كما تذبل الدّاليات الصّبايا ... ذرت في سخاء المنى والعطايا
وكالثّلج فوق احتضار الطيّور ... تراخت على مقلتها العشايا
وكابن سبيل جثت وحدها ... تهدّج خلف الضيّاع الشكايا
وتسعل في صدرها أمسيات ... من الطين ، تبصق ذوب الحنايا
ويوما أشار أخوها القتيل : ... تعالى تشهّت يديك يدايا
فناحت كبنت مليك غدت ... بأيدي ( التّتار ) أذلّ السّبايا
أهاذي أنا ؟ وتعيد السؤال ... وتبحث عن وجهها في المرايا
اما كان ملء قميصي الربيع ؟ ... فأين أنا ؟في قميصي سوايا
وفرّ سؤال خجول تلاه ... سؤال ، على شفتيها تعايا
وأين الفراش الذي امتّصني ... أيرئي هشيم الغصون العرايا
وذات مساء تمطىّ السكون ... كباغ يهمّ بأدهى القضايا
وأقعى يهزّ الجدار ... أكفّا من الشوك خرس النوايا
وفي الصبح أهدت لها جارتان ... غبيا رضيّ الرّقى والسّجايا
يفضّ الكتاب ويشوي البخور ... ويستلّ ما في قرار الحفايا
فتشتمّ أمس المسجّى ، يعود ... وتجترّه من رماد المنايا
وتنتظر الزائرين كأم ... تراقب عود بنيها الضحايا
فلا طيف حبّ يشقّ اليها ... سعال الكوى أو فحيح الزّوايا
وكان يمدّ المساء النجوم ... اليها معبّأة بالهدايا
وتنّئد الشمس قبل الغروب ... توشي رؤاها ، بأزهى الخبايا
ويجثو الصباح مليا يرش ... شبابيكها ، بأرقّ التحايا
وتحمل عن هج أسمارها ... رياح الدجى هودجا من حكايا
وكانت كما يخبر الذاكرون ... أبضّ الغواني ، وأطرى مزايا
وأنظر من صاحبات (السّمو) ... ولكنها بنت أشقى الرعايا
تهادت من الريف عام الجراد ... تعاطي المقاصير أحلى الخطايا
وفي بدء (نيسان) حثّ الخريف ... اليها من الريح أمضى المطايا
فشظّى كؤوس الهوى في يديها ... وخبأ في رئتيها الشظايا
وخلّف منها بقايا الأنين ... وعاد ، فأنهى بقايا البقايا
لا اكتراث
روّية ، أو حطمّي في كفه القدحا ... فلم يعد ينتشي ، أو يطعم الترحا
لا ، لم يحسّ ارتواء ، أو يجد ظمأ ... أو يبتهج ، إن غدت أحلامه منحا
سدى ، تمنيّن من ماتت رغائبه ... من طول ما أغتبق (القطران) واصطبحا
فعاد ، لا يرتجي ظلا ولا شجرا ... ولا يراقب وعدا ، جدّ أو مزحا
إذا اشتهى اقتات شلوا من تذكره ... وامتصّ ما خطّ في رمل الهوى ومحا
كالطيّف يحيا بلا شوق ، ولا حلم ... ولا انتظار رجاء ، ضنّ أو سمحا
ينقّر السهد عن ميعاد أغنية ... كطائر جائع ، عن سربه نزحا
وينزوي ، كضريح يستعيد صدىّ ... يبكي ويهزج (لا حزنا ولا فرحا)
لا تسألي : لم يعد من تعرفين هنا ... ولّى وخلّف من أنقاضه شبحا
آسي بقايا ، أو شظّي بقيتّه ... للريح ، لم يدر من آسى ومن جرحا
رائد الفراغ
طاو ، يريد بلا اراده ... ظمآن ، يجترع اتّقاده
هيمان ، تركض فيه أشواق ... الجنين ، إلى الولاده
فيفتّش الأطياف ، عن ايماء ... قرط أو قلاده
عن وعد باذلة تجود ... فيستزيد ألي الزّياده
لفتاتها لحنّ، تتوق اليه ... أخيلة الأجاده
ويسائل الأشباح من أعصي، ومن أدنى قياده؟
من أملأ الجارات، من أشهى، يحوم بكل غاده
ويغيب في حمّى السّهاد، يعيد كارثة سعاده
وكما يقدّر يرتمي ... في دفء(تقوى) أو(سعاده)
ويمد زنديه، ويهصر من يظنّ ... بلا هواده
ويمور حتى يشتكي ... قلق الفراش ألي الوساده
ويعود يغفو ، أو يحرّق ... في ندامته ، سهاده
***
حتى أطلّت ليلة ... معطأة الأيدي، جواده
منحّته من رعد المواسم ... فوق أحلام الرّغاده
وعلى صبيحتها دهته ... صيحة ، وأدت رقاده
ضاعف كراء البيت ، أودعته ... … أتحرمني الإفاده ؟
ماذا يقول (لمدفن) ... ورث الغبارة والسّياده
ذهبت ملامح وجهه ... وتجلمدت فيه البلاده
من أين يعطي من قطعت ... سبيله ، وحكرت زاده
حسنا ، سأتركه ، أضفه ... إلى مبانيك المشاده
وانجز يرتاد الفراغ ... ويطعم الشوك ارتياده
والريح تبصقه ، وتصفع ... في ملامحه بلاده
من أين؟
من أين تهمسين لي ؟ ... فتستعيد الأهويه
من أين ؟ إنني على ... أيدي الظّنون ، ألهيه
من حيث لا أعي ولا ... تدرين ، أيّ أحجيه؟!
وتهمسين لي كما ... يندى اخضرار الأوديه
كما يبوح جنّه ... حبلى بأسخى الأعطيه
فيشرئب منزلي ... من الثّقوب المصغيه
عريان يغزل الصدى ... أسرّة وأغطيه
يمد كلّه إليك ... حضنه وأيديّه
أتشعرين أنني ... ألقاك ، كلّ أمسيه؟
على جفون خاطر ... أو احتمال أمّنيه
يطير بي اليك من ... هنا ، جناح أغنّيه
فارس الاصطياف
كان اسمه ((يحيى)) وكان يوافي ... بيتا ، من الميعاد والأحلاف
وأفاء أول مرة كمحدّف ... أعطى الضيّاع ، قيادة المجداف
وغداة حيّى الباب قطّب لحظة ... وصفا كوجه الوارث المتلاف
وهفا إلى لقياه ، انظر مدخل ... تومى روائحه ، إلى الأضياف
وأناه ثانيه ، فماس أمامه ... ثوب ، كوشي الموسم الهفهاف
فكأن كل خميلة ألقت على ... كتفيه أردية ، من الأفواف
ماذا وراء الثوب ؟ فجر راسب ... يهوى ويستحي وفجر طاف
ورنا إلى الشباك ، يرجو فاختفت ... وارتد بالوعد الجلي الخافي
وغدا إليه ، فرفّ شيء ، ظنّه ... حسناء ، ترفل في ثياب زفاف
ودعى ((حسناء)) مرة فأجابه ... صوت ، كساقيه من الاصداف
فاشتم اترف ربوة أجنت له ... ودنا ، فغابت عن يد القطّاف
فهنا مزار من طفولات الضّحى ... ومن الشذر ، وأصايل الأصياف
يمضي إليه ، على الحنين وينثني ... منه على فرس من الأطياف
هي تعده ، ويرتجي ميعادها ... وسدىّ يعنقد خضرة الصفصاف
فيرود كالسمسار ، متجر عمّها ... ويشيد ، بالبيّاع والأصناف
ويعود قبل العصر ، يقصد جدّها ... في البيت ، يطري حمقه ويصافي
ومضى يصادق عند مدخل بابها ... مقهى ، وبابا كالخفير الجافي
وبلا محاولة رآها مرّة ... جذلى كحقل الزنبق الرفّاف
كان المساء الغضّ عند رجوعه ... حقلا ربيعيّا ، ونهر سلاف
حقا رآها كالضحى ، والبوح في ... نظراته ، كالطائر الخواف
خلف الزّجاج تبرجت وأظلها ... شعر ، كأهداب الغروب الصافي
كانت تغني حنذاك وتنتقي ... ثوبا وترمي بالقميص الضافي
وأمام مرآة ، تعرّي نصفها ... وتموج تحت المئزر الشفاف
لم لا يناديها ؟ وكيف ؟ ويختفي ... عنه اسمها ، ويضيع في الاوصاف
شفقية الشفتين ، كحلى ناهد ... صيفية ، ثلجية الاعطاف
وخلى الطريق ، فلم يصخ إلا إلى ... أصدائها ، وعبيرها الهتاف
ومشى يحدّق والذهول الحلو في ... عينيه يبسم كالصبي الغافي
ويعيد رؤيتها ويحضن ظلها ... ويمد آمالا ، بلا أطراف
ويعي ، فيتهم المنى ، ويعوده ... حلم سخي الهمس والارجاف
فيشيد مملكة ، ويستولي على ... أسمى الرؤوس ، وأعرض الأكتاف
ويرن مذياع فيمسي مطربا ... في زحمة التصفيق والأرهاف
يشدو ، فتحتشد المسامر حوله ... موّاجة الأثداء ، والأرداف
وبمدّ خطوته قيركض ((عنتر)) ... في صدره ويكرّ ، ((عبد مناف))
فيغير ، يطعن ، أو يجوز فلانة ... وفلانة بشريعة الأسياف
فإذا اسمه ، أخباركلّ مدينة ... واذا صداه مسامر الأرياف
وتلين خطوته ، فيصبح تاجرا ... تكسوه ، أبهّة من الآلاف
إن النقود مفتاح كل مقاتل ... ما كان اصدق حكمة الاسلاف!
من كان أوضع من (( مثنّى)) فاحتوى ... مالا ، وأصبح أشرف الأشراف
سأفوق من أثروا ، وتخبر جدّتي ... أن الزّمان يرقّ بعد جفاف
وتقص أمي كيف كان دعاؤها ... حولي قناديلا ، تضيء مطافي
وانجر يهمس ، للطيوف ويجتلي ... وعدا، من الأغداق والإسراف
ويحول الدنيا ، بلمعة خاطر ... قيثارة ، موهبة العزّاف
فيعد مشروعا ، وينجز ثانيا ... كالبرق ، يحمله إلى الأهداف
وغدا ، ستخبر كلّ بنت أمّها ... عنه ، وتحسد أختها وتجافي
وتنافس الحلوات بنت مزاره ... فيه ، وتكمنح بلا استعطاف
وإلى مدى التحليق يرفعه هوى ... وهوى يخوض به مدى الاسفاف
ورنا ، بلا قصد ، فخال تحركا ... يدنو كقطّاع من الاجلاف
من ذا هناك ؟ وكان يسعل حارس ... ويقص ثان فرقة الألاف
وأجاب هر هرة فأجال في ... وجه السكون توسم العرّاف
فاعتاده شبح عليه عباءة ... شعثا ووجه كالضريح العافي
واحتج منعطف أطارت صمته ... ونعاسه نقالة الإسعاف
ماذا دنا منه ؛ توثب غابة ... من اذرع صخرية الاخفاف؟
ومشى كمتهم تكشرّ حوله ... وحشية المنفى ووجه النافي
وأشار مصباح فانكر وجه ... ويديه في ايمائه الخطاف
ورأى هواجسه على ظلّ الدجى ... كدم الشهيد على يد السّياف
وأحس عمته تقول لأمه : ... رجع ابن قلبك : فأمني أو خافي
وهناك أخبره التعثر أنه ... يمضي ويرجع وهو طاو حاف
وراء الرياح
تقولين لي : أين بيتي : مزاح ؟ ... من النار زاد رمادي جراح ؟
تقولين أين ؟ وبيتي صدى ... من القبر ، جدرانه من نواح
وتيه وراء ضياع الضياع ... وخلف الدجى ، ووراء الرياح
هناك قراري ، على اللاقرار ... وفي لا غدوّ وفي لا رواح
وراء النوى ، حيث لا برعم ... جنين ، ولا موعد ، من جناح
أموت ، واستولد الأغنيات ... وأبذلها ، للبلى في سماح
وأحلم ، حيث الرؤى ترتمي ... على غابة ، من لهاث النباح
وحيث الأفاعي ، تبيع الفحيح ... وتمتص جوع الحصى في ارتياح
لماذا اجيب ؟ وتستنبتين ... سؤالا ، يبرعم حلم الصباح
فأصغي ، وأسمع من لا مكان ... صدى واعدا ، زنبقيّ الصدّاح
وأشتمّ صيفا خجول القطاف ... تلعتم في وجنتيك وفاح
وناغى على شاطئي مقلتيك ... منى رضعا ، ووعودا شحاح
أحلن رمادي حريقا صموتا ... وأورقن في شفتيه فباح
لأّنا التقينا ، ولدنا الشروق ... وأهدى لنا كل نجم وشاح
فماج بنا منزل من شذا ... ومن أغنيات الصّبا والمداح
…يا نجوم
لفتة ! يا نجوم إني أنادي: ... من رآني ، أو من تجلّى المنادى؟
إنني يا نجوم كل مساء ... ها هنا ، أبلع الشفار الحدادا
وبلا موعد ، أمدّ بنانا ... من حنين ، لكل طيف تهادى
لكنوز ، من شعوذات التمني ... تتبدّى ثنى ، وتخفى فرادى
أزرع السّقف والزوايا فتوحا ... فتسوق الكوى إليها الجرادا
وأنادي والريح تمضي وتأتي ... كالمناشير ، جيئة وارتدادا
وتقص الذي حكته مرارا ... للروابي ، ولقنّته الوهادا
أتعيد الذي اعادت وتروّي ... من سعال البيوت فصلا معادا
من أنادي يا ريح ؟ : من لست أدري ... هل سيدنو ، أم يستزيد ابتعادا
من يراني ؟ اني هنا يا عشايا ... أنفخ السقف ، أو أدراي الرقادا
ورؤى ، تستفزني وتولّى ... ورؤى تزرع المساء سهادا
وهوى يعزف احتراقي ويشدو ... فاعيد الصدى ، وأحسو الرمادا
أم العرب
حيث الغبار الأهوج ... على الرياح ينشج
وحيث تشمخ الدمى ... ويستطيل العوسج
هناك ، حيث يدّعى ... على القشور البهرج
جزيرة ، تطفو على ... صحو الربى ، وتدلج
مطلة ، كأنها ... نعش أشمّ أبلج
تمضي به ، حنية ... جرحى ، وتلّ أعرج
سمراء ، حلمها على ... أيدي الرياح ، خودج
ومرود ، من الهوى ... ومرتع ، مضرج
نجثو كذاهل إلى ... ما لا يرى يحدج
كجائع يشتم من ... حوليه لحما ينضج
تسهوى ، وظل نفسها ... يخفيها ، ويزعج
فتحبل الرّؤى على ... أهدابها، وتخدج
على الفراغ ، تنطفي ... وللفراغ تسرج