و قتلى دعوها ضحايا الظروف ... و كانوا الضحايا و كانوا الظروف
أكانوا ملاهي صروف ؟ ... و أولى و أخرى ملاهي الصروف
و تشتمّ فوق احمرار التراب ... صدى غائما من أغاني السيوف
و تلمح فوق امتداد الدروب ... سياط الخطايا تسوق الزحوف
و مقبرة يظمأ الميّتون ... عليها و يحسّون وعدا خلوف
و مجتمعنا حشريّا خلوف ... على غير شيء حنين الألوف
و يعد على دمه كالذئاب ... و يلقى الذئاب لقاء الحروف
***
فماذا هنا من صنوف السقوط ؟ ... أحطّ الصنوف و أخرى الصنوف
هنا الأرض مستنقع من ذباب ... هنا الجوّ أرجوحة من كسوف
يطيّل للخائنين الطريق ... كأنّ حصاه استحالت دفوف
مآتم و أعراس
كيف كنّا يا ذكريات الجرائم ... مأتما في الضياع يتلو يتلو مآتم
كيف كنّا قوافلا من أنين ... تتعايا هنا كشهقات نادم
و قطيعا من البراءات يهوى ... من يديّ ذابح إلى شدق لاقم
و مضينا يسوقنا سيف جلّاد ... و تجترّنا سكاكين ظالم
***
ضاع في حطونا الطريق فسرنا ... ألما واجما على إثر واجم
و السكون المديد يبتلع الحلم ... و يسري في وهمنا و هن جاثم
و الدجى حاقد يبيع الشياطين ... فنشري من التبور التمائم
و خطانا دم تجمّد في الأشواك ... جمرا و في الصخور مياسم
ورياح الثلوج تشتمّ مسرانا ... فتشوي وجوهنا بالشتائم
***
كيف كنّا نقتات جوعا و نعطي ... أرذل المتخمين أشهى المطاعم ؟
و جراحاتنا على باب "مولانا " ... تقيم " الذباب " منها ولائم
و هو في القصر يحتسي الشعب خمرا ... و دما و الكؤوس غضبى لوائم
و يرئي و في حناياه دنيا ... من ضحايا و عالم من مآثم
فنفدّيه و هو يغمد فينا ... صارما مدمنا و يستلّ صارم
و يشيد القصور من جثث الشعب ... المسجّى و من رفات المحارم
و يغطّي بالتاج رأسا خلايباه ... و أفكاره ذئاب حوائم
و تلال من الحراب و كهف ... من ضوار و غابة من أراقم
***
كف كنّا ندعوه مولى مطاعا ... و هو " للإنجليز " أطوع خادم
هدّنا الضعف فادعى قوّة " افلجنّ " ... و بأس الردى و فتك الضياغم
فتحاماه ضعفنا و اتّخذناه ... إلها من " شعوذات " المزاعم
عملق الدجل شخصه وهو قزم ... تتظنّاه قاعدا و هو قائم
و صبيّ الشذوذ و هو عجوز ... نصفه ميّت … و باقيه .. نائم !
و أثيم أيّامه … للدنايا ... و لياليه للبغايا … الهوائم
و يداه يد تجرح شعبا ... ويد تقطف الجراح " دراهم "
***
و يولّى على الوزارات و الحكم ... رجالا كالعانسات النواقم
و لصوصا كأنّهم قوم " يا جوج " ... صغار النهى كبار العمائم
و طوال الذقون شعثا " كأهل ... الكهف " بل كالكهوف صمّ أعاجم
يحكمون الجموع و العدل يبكي ... و المآسي تدمي سقوف المحاكم
تارة يرقصون فوق الضحايا ... و أوانا بشرّعون المظالم
فيسمّون شرعه الغاب حزما ... إن أصابوا فالذئب أحزم حازم
و يصلّون و المحاريب تستفتي ... متى تصبح الأفاعي … حمائم ؟
و يعودون يلفظون الحكايا ... مثلما تنثر النثيل البهائم
و يميلون يعبرون الرؤى خيرا ... وشرّا من خاطر الغيب ناجم
كلّهم متحف الغباء …. و كلّ ... يدّعي أنّه محيط المعاجم
فيلوكون من " مريض " التواريخ ... حروفا من فهرسات … التراجم
و ينيلون " باقلا " ثغر " قسّ " ... و يعبرون " مادرا " جود " حاتم "
كيف هنّا فقادنا أغبياء ... و لصوص متوّجون أكارم ؟
و صغار مؤنثون و غيد ... غاليات الحلى رخاص المباسم
***
هكذا كان حاكمونا و كنّا ... فنحرنا فينا خضوع السوائم
و انتظرنا الصباح حتّى أفقنا ... ليلة و هو ضجّة من طلاسم
أترى قامت القيامة أم هبّ ... العفاريت يطحنون القماقم ؟
و أصخنا تفسّر الوهم بالأوهام ... و الظنّ بالظنون الرواجم
ووراء الضجيج إيماء رعد ... يزرع الشهب في يديه خواتم
و الدجى يعلك السكون و يعدو ... مثلما تعلك الخيول الشكائم
و سألنا ماذا ؟ فأومت طيوف ... زاهرات البنان خضر المعاصم
و تحدّى صمت القبور دويّ ... شفقيّ الصدى عنيد الغماغم
و العيان الكبير ميعاد رؤيا ... أنكرت صدقه العيون الحوالم
و إذا فاجأ اليقين على الشك ... حسبت اليقين تهويل واهم
***
و هنا حرّق الغيوم انفجار ... و الصدى يعزف اللّهيب ملاحم
فتراخى " قصر البشائر " كالشيخ ... و لاذت جدرانه بالدعائم
و احتمى بالقوى فضجّ عليه ... لهب عارم يلبّيه عارم
و حريق يدمي قواه و يمضي ... و حريق جهنّميّ …. يهاجم
فارتمى في اللّظى الأفيال ... حمر الرؤوس جرحى القوائم
و تعالى الدخان و النار فاللّيل ... نهار صحو الأسارير غائم
و تنادى الشروق من كلّ أفق ... ثورة فانبثي الربىلا يا نائم
فإذا مأتم أعراس ... نشاوى مزغردات نواعم
***
أشرق الثائرون فالموت عرس ... و أنين الحمى لحون بواسم
وارتعاش الخريف دفء ربيعـ ... يّ؛ وصيف داني العناقيد دائم
و الجراح التي على كلّ شبر ... أثمرت فجأة و كانت براعم
***
من رأى الثائرين زحفا من الخصب ... وزحفا من شامخات العزائم ؟
و صباحا ضافي الشروق مطلا ... و صباحا في شاطيء اللّيل عائم
و شبابا توهجوا فانطفى " نيرون " ... وانهار أغبر الوجه فاحم
و استثاروا دفء الحياة فمات المـ ... وت ؛ و انقضّ عرشه و هو راغم
و أطلّت وجوههم من وراء ... اللّيل ؛ كالصحو من وراء الغمائم
و مشوا تزرع الدروب خطاهم ... موسما طيّبا يجرّ مواسم
و شموسا هواتفا و انتصارا ... حاسما يهتدي على إثر حاسم
و الضحى في الدروب يمرح كالأ ... فراح ؛ في أعين الصبايا النواعم
***
فتهادت مواكب الشعب ألوانا ... كنسيان مائج الحسن فاغم
و توالت حشوده الكثر تشدو ... فالربى و السهول شاد و باغم
و نسينا في غمره البشر … عهدا ... أسود القلب أحمر السيف قاتم
كلّما عب جيفه مدّ للأخرى ... كؤوسا كحنجرات … الضراغم
كان حكّامه ذبابا عليها ... من صديد الجراح أخزى المعالم
و ذئابا بلها قطيعا ... قسّمونا و استجمعونا غنائم
***
فانقسمنا برغمنا و سألنا ... أين أين القربى ؟ و أين المراحم ؟
أوما نحن إخوة أمّنا الخضراء ؟ ... فيم اختصامنا ؟ من تخاصم ؟
أنجيتنا هذي البلاد فأنهت ... بدع الفنّ قبل بدء العوالم
و غذتنا تآخينا كان أبقى ... من ربى ريفها ووهج العواصم
***
فمضوا يطعمونا الحقد حتّى ... جهل المرء قصده و هو عالم
و تمادوا في الهدم حتّى كسرنا ... معول الحقد في يدي كلّ هادم
و دفّنا حكم الشذوذ رفاتا ... واحتشدنا نتوّج الشعب حاكم
و التقينا نمدّ للفجر أفقا ... من دم التوأمين " عاد " و " هاشم "
و مراحا من تضحيات " البلاقيس " ... و مغدى من تضحيات " الفواطم "
فانطلق حيث شئت يا فجر إنّا ... قد فرشنا لك الدروب جماجم
وزحفنا نهدي الهدى ةو مددنا ... من قوانا إلى الأعالي سلالم
و سمونا صفّا مبادئه الحبّ ... و غاياته سماء المكارم
***
و أضأنا حتّى انثنى سارق الإسلام ... عريان يحتمي بالهزائم
و اشرأبّت أرض النبيّ تدوّي ... من " سعود " ؟ أطغى و أغشم غاشم !
و غبيّ سلم لكلّ عدوّ ... و هو حرب على أخيه المسالم
من رآه يرجو " حسينا " و يهذي ؟ ... من يقينا هولا من النار داهم ؟
فيعود الجواب عنه سؤالا ... هل لطاغ من غضبه الشعب عاصم ؟
الحريق والسجين
هناك وراء الأنين
أنين التراب
حريق سجين
يهدهد خلف امتداد ... الغيوم صباحا دفين
يمدّ نهود أغانيه ؛ ... يرضعن حلم الأنين
و تخضرّ بين جناحي ... صداه رمال السنين
على وجهه من سهاد ... اللّيالي ذهول حزين
وجوع إلى لا مدى ... حنين ينادي حنين
***
و شوق يفتّش في كلّ طيف ... عن الجنّة الضائعة
و ينهض من عثرات التراب ... منى ضارعة
و يحسو الفراغ ويسقيه ... أغنية رائعة
و يستودع الريح أنفاس ... رغبته الجائعة
***
و يوقد أشلاءه للرؤى ... و الصدى العـ
و يطمع أن يستفزّ ضمير ... الدجى … الحاقد
و حشرجة الشهب فيه ... بقايا دم جامد
و يعطي عيون الجليد ... رؤى الموسم الواعد
و تعوي الرياح فيخفق ... كالطائر البارد
و يعيا جناح فيسمو ... على جانح واحد
***
يدلّل فوق انتظار ... الربى منية كادحة
و يسقى الحنان قبورا ... هناك معذّبة صائحة
تعالج أوجاعها المعضلات " بياسين " و " الفاتحة "
و تخشى خيال الشروق فتغلق حفرتها النازحة
شمسان
حرّق " الجنوب " قذائف في مهجتي ... تغزو الحدود و تحرق الأسدادا
و حدي و في أرض الجنوب عشيرتي ... تتطلّب السقيا و ترجو الزادا
و تسير في الأصفاد تائهة الخطى ... تستنجد الأغوار و الأنجادا
فمتى تحرّق بالدما أصفادها ... و تبيد من صنعوا لها الأصفادا
دعني ألمّها في القيود … لعلّها ... تتذكّر الآباء … و الأجدادا
و لعلّها ترنو إلى تاريخنا ... فترى الفتوح و تعرف القوّادا
فعلى ربى التاريخ مجد جدودنا ... يهدي البنين و يرشد الأحفادا
أدنى المواطن موطن إن هزّه ... جرح الكرامة للصراع تمادى
و أذلّ ما في شعب يجتدي ... مستعمرا و يؤلّه استبدادا
و يئنّ من جلّاده و هو الذي ... صنع الطّغاه و سلّح الجلّادا
في الناس أنذال و أوغد أمّه ... من ولّت الأنذال و الأوغادا
" صرواح " يا شممم البطولة لم يزل ... " شمسان " يسطع باسمك الأطوادا
***
" شمسان " زمجر بالأباء وارعدت ... هضباته تتحرّق استشهادا
أنف الدخيل فسر إليه وشدّ في ... زنديك منه سواعد وزنادا
واذر العداة على السفوح و في الربى ... مزقا كما تذرو الرياح رمادا
قالت الضحيّة
كيف كنتم أيّام كنت مثيره ؟ ... حشرات حولي و كنت أميرة
كنت أمشي فتفرشون طريقي ... نظرات مستجديات كسيرة
و شجونا حمرا و شوقا رخيصا ... و نداء و ثرثرات كثيره
تتناجون بينكم : أتراها ... بنت " كسرى " أم " شهرزاد " الصغيرة ؟
لو رأى " شهريار " طيف صباها ... باع فيها سلطانه و سريره
و تحرمون تزرعون رمال الجوع ... نجوى و أمنيات و فيره
ليتها لي أو ليت أنّي طريق ... لخطاها تمدّ فيه المسيره
ليتني مشطها فأشتمّ منها ... شعرها أو أكون فيه ضفيره
ليتني ثوبها ؛ و يهمس ثان ... يدّعي أنّه مناها … الكبيرة
آخر العهد بيننا سمر الأمس ... شكوت الهوى و بثّت سعيره
لا تقولوا : سامرت وهما فما زال ... على ساعديّ دفء السميره
فليلبّيه ثالث : ليت أنّي ... نقطة فوق خدّها مستديره
و يجاريه رابع : فيغنّي ... ليتني البحر و هي فيّ ... جزيرة
و يعيد المنى أديب شجيّ ... ليتها جدول أناغي ... خريره
عكذا كنتم أمامي و خلفي ... غزلا مغريا و كنت ... غريره
و لأنّي و أمّي عجوز ... مات عنها أبي ، سقطت أجيره
***
كيف أروي حكايتي ؟ و إلى من ؟ ... كيف تشكو إلى العقور العقيره
نشأت قصّتي و كان أبي كهلا ؟ ... وقور السمات نذل السريره
بشتري كلّ حظّه من عجوز ... بالأساطير و الغيوب خبيره !
كان زور المديح يحلب كفّيه ... و يعطيه وسوسات خطيره
فيرى أنّ قومة أهملوه ... فأضاعوا لاأنقى و أغلا ذخيره
فتمنّى قتل الألوف و لكن ... مغيه صعبه القياد عسيره
فالتوى يذبح الصغار من الأطفال ... أو يخطف الصبايا النظيره
و يرابي بالبائسات وراء الحيّ ... و الهينمات تخفي ... نكيره
واحتمى بالصلاة لم يدن منه ... بصر الحيذ أو ظنون البصيرة
فانثنى ليله كما يخبط المخمور ... في الوحل ، و السماء مطيره
قلقا تجرح الفراغ خطاه ... و هو يصغي إلى خطاه الحسيره
و صفير السكون ينفخ أذنيه ... فيرتاب ، يستعيد صفيره
وتمادى تنهّد الجوّ حوليه ... ووالى شهيقه ... و زفيره
ورمى خلفه و بين يديه ... عاصفا أدمت البروق هديره
و على المنحنى حفيرة صخر ... جاءها فانطوت عليه الحفيره
و هناك انتهى أو انقضّت الجنّ ... عليه كما تقول : العشيره
زعموه كأن يصيح من الصخر ... و يرجو أصداءه أن تجيره
لست أدري كيف انتهى ؟ مات يو ... ما ورمى عبئه علينا ... و نيره
***
فتبنّى الصياع طفلا كسيحا ... و أنا ، و الأسى و أمّا فقيره
فسهرنا نشقى و نسترجع الأمس ... و نبكي أبي و نرويه سيره
كان يشري الحظوظ من أمّ يحيى ... كلّ يوم كانت له كالمشيره
كان يمتدّ ها هنا كلّ ليل ... و هنا يرتمي ... قبيل الظهيره
***
كنت في محنتي كزنبقة الرمل ... أعاني جفافه ... و هجيره
فأشرتم إليّ بالمغريات الخضر ... و البيض ، و الوعود الغزيرة
و ملأتم يدي و أشعلتموني ... شمهة في دجى الخطايا الضريره
و على رغم عفّتي ؛ رغم أمّي ... و أبي عدت مومسا سكّيره
و لهونا حينا و أشتى ربيعي ... فتعرّيت أرتدي ومهريره
وانصرفتم عنّي أما كنت يوما ... عندكم منية الحياة الأثيره ؟
وزعمتم بأنّني كنت وحلا ... آدميّا أما شريتم عصيره ؟
و أشعتم في الحيّ أنّي شرّ ... يتفادى دنوّه ... و نذيره
فتوقّى حتّى خيال وجودي ... و هو حيّ على الحياة جزيرة
***
كيف أبقى هنا و أنصاف ناس ... جيرتي ، ليس لي رفاق و جيره
و غدي رهبة و يومي انتحار ... واحتقار ؛ و الأمس ذكرى مريره
و هنا حيّنا خطاه إلى الأمس ... و أمجاده عظام نثيره
دفن الأمس جثّة من دنايا ... وانثنى يستعير منها مصيره
فهو حيّ من الجليد المدمّى ... يجتبي لصّه و يجفو خفيره
يدّعي المجد و هو مقبرة تهتزّ ... خلف التراب و هي قريره
يزدريني وحدي و إنّي و إيّاه ... ضحايا شروره المستطيره
يزدريني و توبتي و حناني ... فوق أهدابه صلاة منيره
هل أنادي الضمير و الخلق فيه ؟ ... لم أجد فيه خلفه أو ضميره
***
أيّها الآكلون عرضي لأنّي ... كنت ألعوبة لديكم أسيره
حقّروني يا دود لو لم تكونوا ... حقراء ما كنت يوما حقيره
لا تقولوا : كانت بغيّا ، أما الفجّار ... كثر و الفاجرات كثيره ؟
لست وحدي ، كم البغايا و لكن ... تلك مغمورة و هذي شهيره
صدّقوني إن قلت في دوركم مثلي ... قلست الأولى و لست الأخيرة
كلّ حسناء زهرة : هل يردّ الزهـ ... ر عنه حتّى الذباب المغيره ؟
الارتداد
الدرب شياطين فرحي ... زمر تهذي مرحي مرحي
و تخوض الدرب فتسلبه ... رؤيا أعينه القرحى
و تحوّل هجعه ... تربته ... تسهيدا ، و لياليه ... جرحى
و تعبّ دما و تمجّ دما ... و مداها ترتجل ... الذبحا
و الشهب حنين مصلوب ... ظمآن يجترع " الملحا "
فتئن الريح ... تمازحه ... و تلوّن أذناه المزحا
و الآفاق الوسنى ورق ... محيت ، أو أوراق ... تمحي
و الحيّ سكون مصفرّ ... كخطايا تستجدي الصفحا
و تموت الشكوى في فمه ... فيكلّف رعشته البوحا
إصغاء لم يسمع شدوا ... غنّاه و لم يذكر ... نبحا
صمت ؛ إغفاء ؛ ثلجي ... لم يلمح في الحلم الصبحا
***
فتثاءب حوليه جبل ... و تنهّد غاجترّ السفحا
و تلظّى دمه فامتدّت ... كالجذوة قامته السمّحا
و تسلّقت الأطياف إلى ... عينيه تقتبس اللّمحا
***
فرنا و الظلمة مشنقة ... بجراح الأنجم مبتلّة
و دخان عملاق يرخى ... فوق التيه العاني ظلّه
و يروع الحلم فباغته ... تيّار الصحو على غلفه
و تلوّى حينا في دمه ... و هوى أشلاء منحلّه
و تعالت أحلام الوادي ... تومي كعناقيد النخلة
و أفاق ثراه كموعود ... بالموت : أبلّ من العلّة
وتمطّى يبدأ ميلادا ... خصبا نيسانيّ الحلّه
واهتزّ كأسخى مزرعة ... حبلى تتمخّض بالغلّة
وافترّ و باحت شفتاه ... للبيدر بشرى مخصّلة
و منى كتبسّم زنبقه ... فتحت شفتيها للنحلة
و أعاد الجوّ حكايته ... كحديث الطفل إلى الطفله
و كغنج الوعد على ثغر ... خمريّ يستهوي القبلة
و أسال الجوّ مبهجه ... كالشلالات المنهلّة
و غلا في الثلج دم حيّ ... فأحال برودته شعله
***
وامتدّ عمودا جمريّا ... واحمرّ بعينيه الأرق
ماذا ؟ من أذكى الرمل هنا ؟ ... فهفا يخضر و ينطلق
و تنادى الترب فمقبرة ... تدوي ورماد يحترق
و هنا احتشد العدم الغافي ... كالصيف يفوح و يأتلق
يلد الميعاد بجبهته ... تاريخا يبدعه العرق
و يوشّحه أفق صحو ... بالدّفء ، و يحضنه أفق
و توالى موكبه الشادي ... فتغنّت وازدهت الطرق
و تعنقدت الشهب السكرى ... بيديه واخضرّ الشفق
يمضي يجترّ مواسمه ... و يزغرد حوليه العبق
و يجنّح فجرا معطاء ... ينصبّ و فجرا ... ينبثق
فتغيم هنالك أسئلة ... " تلغو " هل يرتدّ الغسق ؟
و تهزّ بقيّة أشباح ... تطفو فيرسّبها الغرق
و تزوّر بوحا مسلولا ... بسعال الدعوى يختنق
فتضجّ الربوات الجذلى ... لم يخفق في الموتى الرمق
فارس الآمال
أخي أدعوك من خلف اتقادي ... و أبحث عن لقائك في رمادي
و ينطبق الحريق عليّ ... قبرا ... فيمضغني و يعيى بازدرادي
و أحيا في انتظارك نصف ميت ... ورائحة الردى مائي وزادي
و أرقب " فارس الآمال " حتّى ... أخال إزاي حمحمة الجياد
و ترفعني إليك رؤى ذهولي ... فتتكيء النجوم على وسادي
و أهوى عنك أصفع وجه حظّي ... و أعطي كلّ " جنكيز " قيادي
و عاصفة الوعيد تهزّ حولي ... يد " الحجاج " أو شدقي " زياد "
***
فتخفق منك في جدران كوخي ... طيوف كالمصابيح الهوادي
فتشدو كلّ زاويه وركن ... و يبدع عازف و يجيد شادي
و يلمع و هم خطوك في الروابي ... فترقص كالجميلات الخرد
و يجمع جيرتي فرح التلاقي ... و يختلط احتشاد باحتشاد
و يظما الشوق في عيني " سعيد " ... فيندى الوعد من شفتي " سعاد "
***
و تعوي الريح تنثر وسوساتي ... وريقات تحنّ إلى المد
و تخنق حلم جيراني و حلمي ... و تسلب حيّنا صمت
و يحترق الطريق إليك شوقا ... فتطفئه أعاصير العوادي
و تقبر فيه قافلة الأماني ... و تردي الصوت في فم كلّ حادي
و يسأل هل تعود إلى حمانا ؟ ... فتسعد سمّر و يضيء نادي
مزارعنا إلى لقياك لهفى ... و بيدرنا إلى الحصاد
أترحل تستفزّ الفجر حتّى ... شققت دجاه - تبت عن المعاد
أتأبى أن تعود ألا تلبّي ... ندائي هل دريت من المنادي ؟
سؤال عنك يحفر كلّ تلّ ... و يسبر عنك أغوار الوهاد
أفتّش عنك أطياف العشايا ... و أهداب النسيمات الغوادي
و تنأى عن مدى ظني فأمضي ... إليك على جناح من سهاد
و أهمس أين أنت ؟ و أيّ ترب ... نما و اخضرّ من دمك الجواد
أيسألك النضال دما شهيدا ... فتسقيه و أنت تموت صادي ؟
أجب حدّث فلم يخمدك قتل ... فأنت الحيّ و القتلى الأعادي
أحسّك في براءه كلّ حيّ ... صبيّ و أحسّ نبضك في الجماد
و أشتمّ اختلاج صداك حولي ... يمنّيني و يعبق في فؤادي
فأدنو من نجيعك أصطليه ... و أشعل من تلظّيه اعتقادي
***
أتسأل كيف جئت إليك إنّي ... أفتّش في دمائك عن بلادي ؟
و أنضح من شذاها ذكرياتي ... و أقبس من تحدّيها عنادي
أتأبى أن تجيب ؟ و من يحلّي ... بغار النصر هامات الجلاد ؟
و هل أرتدّ عنك بلا رجاء ؟ ... يعاتبني و يخجلني ارتدادي ؟
أتدري أنّ خلف الطين شعبا ... من الغربان يفخر بالسواد ؟
يموت توانيا و يعيش وهما ... بلا سبب بلا أدنى مراد
يسير و لا يسير : يبيد عهدا ... و يأكل جيفه العهد ... المباد
يبيع و يشتري بالغبن غبنا ... و يجترّ الكساد إلى الكساد
و تهدي خطوة جثث كسالى ... تفيق من الرقاد إلى الرقاد
تعيد تثاؤبا أو تبتديه ... كأسمار العجائز في البوادي
***
" أعبد الله " كم يشقيك أنّا ... ضحايا العجز أو صرعى التمادي ؟
أينبض في ثراك اشعب يوما ... فتروق ربوة و يرفّ وادي
و تعتنق الأخوة و لتصافي ... و يبتسم الوداد إلى الوداد
رحلت إليك أستجدي جوابا ... و أستوحيك ملحمة الجهاد
يوم المفاجأة
جمال ! أيأتي ؟ أجل ! ربّما ... و تستفسر الأمنيات السما
أيأتي ؟ و يرنو السؤال الكبير ... يزغرد في مقلتيه الظما
فيخبره الحلم إخبار طفل ... يروض على اسم أبيه الفما
***
و في أيّ حين ؟ و صاح البشير ... فجاءت إليه الذرى عوّما
و أرخى عليه الضحى صحوة ... و دلّى سواعده سلّما
و حيّاه شعب رأى في الشروق ... جني الحلم من قبل أن يحلما
فأيّ مفاجأة باغتته ... ... كما تفجأ الفرحة الأيّما ؟
فماد ربيع على ساعديه ... و فجر على مقلتيه ارتمى
و لبّى الهتاف المدوّي هناك ... هتافا هنا . و هنا مفعما
يلبّي و يدعو فيطغى الضجيج ... و يعلو الصدى يعزف الأنجما
تثير الجماهير في جوّه ... من الشوق أجنحة حوّما
و تسأل في وجهه موعدا ... خصيبا و تستعجل الموسما
و تحدو غدا فوق ظنّ لاالظنون ... و أوسع من أمنيات الحمى
***