و صدورا نهدى تضمّ صدورا ... واحتضانا غضّا يلفّ احتضانا
و الجمال العريان يطغي المحبّين ... و يهوى الجنون و الطغيانا
***
ما ترى يا " أبا نوّاس " ؟ ترى ... الأكواب ملأى و تحتسي الحرمانا
تتشهّى مدامة … لم تجدها ... فتغنّي خيالها الفتّانا
لو وجدت الرحيق ما ذبت شجوا ... و تحرّقت في المنى أشجانا
شاعر الحبّ يهجره المحـ ... بوب يفتنّ في الحنين افتنانا
عشت تبكي على المدام وتذرو ... في هوى الكأس دمعك الهتّنا
و تنادي الهناء في كلّ وهم ... و تهنّي البساط و الصولجانا
***
بدعة الذلّ أن تحنّ و تبكي ... و تغنّي " الرشيد " و " و الخيزرانا "
ملك يرضع الدنان كما يهوى ... و أنت الذي تغنّي الدنانا
و " الأمين " النديم يمنعك الخمر ... و يحسو و تنحني ظمآنا
و هو في القصر يحتسي عرق الشعب ... و يروي القيان و الغلمانا
يملأ من دموع اليتامى ... و يغنّي على نشيج الحزانى
و يرى أنّه أمين على الدين ... و إن ضيّع الرشاد و خانا
كيف دين الإله ظلوم ... يتحدّى الإله و الإنسانا ؟
يدّعي عصمة الملائكة الطهر ... و يأتي ما يخجل الشّيطانا
***
هكذا يا " أبا نواس " تلوّى ... حولك الشعب في الجراح وهانا
كيف مرّغت وجهك الحرّ في الذّلّ ... و أسلست للطغاة العنانا ؟
و تغنّيت " للأمين " فأصغى ... و تراخى في غيّه و توانى
و تخيّرت " للرشيد " بحورا ... قلّدت جيده الغلظ جمانا
و هززت " الخصيب " فاهتزّ جنـ ... باه و ذوّبت مقلتيك فلانا
و تباكيت بين كفّيه كالطفل ... فيا للشموخ كيف استكانا ؟ !
***
كيف ألقاك يا أخا الكأس في ... المدح ذليلا و مطرقا خجلانا ؟
تسأل الصمت كيف حلّت قوا ... فيك من الذلّ و لانفاق مكانا ؟
أفترضى للفنّ أخزى مكان ؟ ... إنّ للفنّ حرمة وصيانا
و ألاقيك في ترنّمك الخمري ... ربيعا مرنّما ... جذلانا
تعزف العطر و الفتون المندّى ... و تهزّ الشباب و العنفوانا
***

لا تقل لي : كيف القينا ؟ و قل لي : ... بارك الفنّ و الخيال لقانا !
شاعر الكأس قرّب الطيف عهدينا ... فكيف اتّفاقنا ؟ كيف كانا ؟
بعد العهد بيننا فادّكرنا ... واختصرنا بالذكريات الزمانا
واعتنقنا على النوى و التقينا ... نتشاكى من الأسى ما عنانا
أنا أشقى كما شقيت و لكن : ... لا تتمتم ... و أيّنا أشقانا ؟
لا تسلني : فمحنتي أن لي في الـ ... يأس أهلا و في الأسى إخوانا
نحن من نحن ؟ مزهران من ... الشوق كلانا العذاب كلانا
" شاعر الكأس و الرشيد " وداعا ... وسلاما يشذيك آنا فآنا
ليلة
رنت و الدجى في خاطر الصمت هاديء ... يطاوعه حلم و حلم يناوىء
و بين حنايا اللّيل دهر مكفّن ... قديم ودهر في حناياه ناشيء
رنت و السنى في مقلة اللّيل متعب ... يئنّ و في دور المدينة طافيء
***
فلاحت لعينيها خيالات عابر ... يحثّ الخطى حينا و حينا يباطيء
و جالت بعينيها هناك و ها هنا ... فطالعها وجه على العشق طاريء
و قالت : من الآتي ؟ فأرعد قلبه ... و أخجل عينيه الغرام المفاجيء
رفّت له من كلّ مرأى صبابة ... وضجّ حنين بين جنبيه ظاميء
و قال : فتى تاهت سفينة عمره ... و غابت وراء اليأس عنه المرافيء
يفتّش عن سلواه في التّيه مثلما ... يفتّش عن أهليه في الطيف لاجيء
فحلارت به واحتار في الحبّ مثلها ... فهل تبدأ الشكوى ؟ و هل هو باديء ؟
***
و لفّهما ظلّ السكينه و الهوى ... يعاند أحيانا و حينا يمالي
فحدّق يستقصي مفاتن جسمها ... كما يتقصّى أحرف السطر قاريء
***
وقال : فتاتي فيك تورق فتنة ... و يختال فجر كالطفوله هانيء
و يهتزّ في نهديك موج مضرّم ... عميق و في عينيك يحلم شاطيء
و ألفاظك النعسا تشعّ كأنّها ... على شفتيك الحلوتين لآليء
و ضمّتهما في زحمة الحبّ نشوة ... و هوّم في حضن الخطيئة خاطيء
فتاة يموج الحسن فيها ة ترتمي ... عليها الصبابات الجياع الظواميء
جمال و إغراء وروح نديّة ... و جسم بأحضان الغواية دافيء

يوم العلم
ماذا يقول الشعر ؟ كيف يرنّم ؟ ... هتف الجمال : فكيف يشدو الملهم
ماذا يغنّي الشعر ؟ كيف يهيم في ... هذا الجمال ؟ و أين أين يهوّم ؟
في كلّ متّجه ربيع راقص ... و بكلّ جو ألف فجر يبسم
يا سكرة ابن الشعر هذا يومه ... نغم يبعثره السنى و يلملم
يوم تلاقيه المدارس و المنى ... سكرى كما لاقى الحبيبة مغرم
يوم يكاد الصمت يهدر بالغنا ... فيه و يرتجل النشيد الأبكم
يوم يرنّحه الهنا و له ... غد ... أهنا و أحفل بالجمال و أنغم
***
يا وثبة " اليمن السعيد " تيقّظت ... شبّابة و سمت كما يتوسّم
ماذا يرى " اليمن " الحبيب تحقّقت ... أسمى مناه و جلّ ما يتوهّم
فتحت تباشير الصباح جفونه ... فانشقّ مرقده وهبّ النوم
و أفاق و الإصرار ملء عيونه ... غضبان يكسر قيده و يدمدم
و مضى على ومض الحياة شبابه ... يقظان يسبح في الشعاع و يحلم
***
و أطلّ " يوم العلم " يرفل في السنى ... و كأنّه بفم الحياة ... ترنّم
يوم تلقّنه المدارس نشأها ... درسا يعلّمه الحياة و يلهم
و يردّد التاريخ ذكراه و في : ... شفتيه منه تساؤل و تبسّم
يوم أغنّيه و يسكر جوّه ... نغمي فيسكر من حلاوته الفم
***
وقف الشباب إلى الشباب و كلّهم ... ثقة وفخر بالبطولة مفعم
في مهرجان العلم رفّ شبابه ... كالزهر يهمس بالشذى و يتمتم
و تألّق المتعلّمون ... كأنّهم ... فيه الأشعّة و السما و الأنجم
***
يا فتية اليمن الأشمّ و حلمه ... ثمر النبوغ أمامكم فتقدّموا
و تقحّموا خطر الطريق إلى العلا ... فخطورة الشبّان أن يتقحّموا
وابنوا بكفّ العلم علياكم فما ... تبنيه كفّ العلم لا يتهدّم
و تساءلوا من نحن ؟ ما تاريخنا ؟ ... و تعلّموا منه الطموح و علّموا
***
هذي البلاد و أنتم من قلبها ... فلذ و أنتم ساعداها أنتم
فثبوا كما تثب الحياة قويّة ... إنّ الشباب توثّب و تقدّم
لا يهتدي بالعلم إلاّ نيّر ... بهج البصيرة بالعلوم متيّم
و فتى يحسّ الشعب فيه لأنّه ... من جسمه في كلّ جارحة دم

يشقى ليسعد أمّه أو عالما ... عطر الرسالة حرقة و تألّم
فتفهّموا ما خلف كلّ تستّر ... إنّ الحقيقة دربه و تفهّم
قد يلبس اللّصّ اعفاف و يكتسي ... ثوب النبيّ منافق أو مجرم
ميت يكفّن بالطلاء ضميره ... و يفوح رغم طلائه ما يكتم
***
ما أعجب الإنسان هذا ملؤه ... خير و هذا الشرّ فيه مجسّم !
لا يستوي الإنسان هذا قلبه ... حجر و هذا شمعه تتضرّم
هذا فلان في حشاه بلبل ... يشدو و هذا فيه يزأر ضيغم
ما أغرب الدنيا على أحضانها ... عرس يغنّيها و يبكي مأتم !
بيت يموت الفأر خلف جداره ... جوعا و بيت بالموائد متخم
ويد منعّمة تنوء ... بمالها ... و يظلّ يلثمها و يعطي المعدم
***
فمتى يرى الإنسان دنيا غضّة ... سمحا فلا ظلم و لا متظلّم ؟
يا إخوتي نشء المدارس يومكم ... بكر البلاد فكرّموه تكرّموا
و تفهّموا سفر الحياة فكلّها ... سفر ودرس و الزمان معلذم
ماذا أقول لكم و تحت عيونكم ... ما يعقل الوعي الكريم و يفهم ؟
في الجراح
وحدي وراء اليأس و الحزن ... تجترّني محن إلى محن
و طفوله الفنّان .. تذهلني ... عن ثقل آلامي و عن وهني
فأنا هنا طفل بدون صبا ... و اليأس مرضعتي و محتضني
و عداوة الأنذال تتبعني ... و تغسّل الأدران بالدرن
و تفوح جيفتها هنا و هنا ... كالريح في المستنقع النتن
و تغيب عن دربي .... و أعينها ... في الدرب غابات من الإحن
و عداي أقزام ... يخوّفهم ... صحوي و يرتاعون من وسنى
ما خوفهم منّي ؟ و ما اقترنت ... بالحقد أسراري و لا علّني
خافوا لأنّ الشرّ معنتهم ... و أنا بلا شرّ بلا مهن
و لأنّني أدري نقائصهم ... و لأنّهم خانوا و لم أخن
و لأنّهم باعوا عروبتهم ... و علوت فوق البيع و الثمن
و رضيت أن أشقى و أسعدهم ... وهج الوحول وزخرف العفن
***
أحيا كعصفور الخريف بلا ... ريش ؛ بلا عشّ ، بلا فنن
أقتات أوجاعي و أعزفها ... و أشيد من أصدائها سكني
و أتيه كالطيف الشريد بلا ... ماض ؛ بلا آت ، بلا زمن

و بلا بلاد : من يصدّقني ؟ ... إنّي هنا روح بلا بدن
من ذا يصدّق أنّ لي بلدا ... عيناه من حرقي و لم يرني ؟
و أنا هنا أرضعت أنجمه ... سهدي ووسّد ليلة شجني
أأعيش فيه و فوق تربته ... كالميّت الملقى بلا كفن ؟
وولائدي بسفوحه نهر ... و مشاعل خضر على القنن
ماذا؟ أيدري إخوتي و أبي ... أنّي يمانيّ بلا يمن ؟
هل لي هنا أو هاهنا وطن ؟ ... لا ، لا : جراحي وحدها وطني
تحدّي
هدّدزنا بالقيد أو بالسلاح ... واهدروا بالزئير أو بالنّباح
و كلوا جوعنا و سيروا على أشـ ... لائنا الحمر ؛ كالخيول ... الجماح
واقرعوا فوقنا الطبول و غطّوا ... خزيكم بالتصنّع الفضّاح
هدّدونا لن ينثني الزحف حتّى ... يزحف الفجر من جميع النواحي
***
قسما لن نعود حتّى ترانا ... راية النصر في النهار الضاحي
خوّفونا بالموت : إنّا استهنّا ... في الصراع الكريم بالأرواح
قد ألفنا الردى كما تألف الغا ... بات عصف الخريف بالأدواح
و احتقرنا قطع الرؤوس و أدمـ ... نّا المنايا في حانه السفاح
فاحفروا دربنا قبورا فإنّا ... سوف نمضي للدّفن أو للنّجاح
***
نحن شعب أعيا خيال المنايا ... و تحدّى يد الزمان الماحي
كلّما أدمت الطّغاة جناحا ... منه أدمى نحورها بجناح
أتعب السجن و القيود و لم يتعب ... و أغفى سجّانه و هو صاحي
ساهر كالنجوم يستولد الفجر ... و يومي إليه بالأجراح
***
أيّها العابثون بالشعب زيدوا ... ليلنا واملأوه بالأشباح
لغّموا دربنا : و مدّوا دجانا ... واطفئوا الشهب وانتظار الصباح
سوف نمشي على الجراحات حتّى ... نشعل الفجر من لهيب الجراح
فاستبيحوا دماءنا تتورّد ... وجنة الصبح بالدم المستباح
إنّما تنبت الكرامات أرض ... " سمّدت تربها " عظام الأضاحي
ودماء الشهيد أنضر غار ... في جبين البطولة اللّمّاح
وجراحنا على الأفق أبهى ... شفق لامع و أزهى وشاح
قد أجبنا صوت المروءات لمّا ... عربد الظالم العنيد الإباحي

وابتنى القصر من ضلوع الملا ... يين ؛ و جوع الأجير و الفلّاح
فخلعنا عن صدره قلب " شمـ ... شون " و عن وجهه قناع " سجاح "
نحن سرنا على ادماء إليه ... و على النار و القنا و الصفاح
وانطلقنا على المنايا كأنّا ... نتمنّى الحتوف في كلّ ساح
لم ترنّح مصباحنا أيّ ريح ... دمنا الزيت في فم المصباح
نحن شعب خضنا إلى الفجر هولا ... فاغرا في الطريق كالتمساح
و عبرنا ليلا كألسنة الحيّات ... و الدرب عاصف بالتلاحي
و تفشّت دماؤنا في الروابي ... السمر ؛ كالعطر في مهبّ الرياح
بيننا و المرام خطوة عزم ... واثب كالضحى شباب الطماح
قسما لم نقف عن السير حتّى ... نضفر الغار في جبين الكفاح
رحلة التيه
هدّني السجن و أدمى القيد ساقي ... فتعاييت بجرحي ووثاقي
و أضعت الخطو في شوك الدجى ... و العمى و القيد و الجرح رفاقي
و مللت الجرح حتّى … ملّني ... جرحي الدامي و مكثي وانطلاقي
و تلاشيت فلم يبق سوى ... ذكريات الدمع في وهم المآقي
***
في سبيل الفجر ما لاقيت في ... رحلة التيه و ما سوف ألاقي
سوف يفنى كلّ قيد و قوى ... كلّ سفاح ، و عطر الجرح باقي
سوف تهدي نار جرحي إخوتي ... و أعير الأنجم الوسنى احتراقي
فلنا شعب فمن ينكرني ... و هو في دمعي و سهدي و اشتياقي ؟
أنا ألقاه شجونا و منى ... فألاقيه هنا قبل التلاقي
الحكم للشعب
لن يستكين و لن يستسلم الوطن ... توثب الروح فيه و انتحى البدن
أما ترى كيف أعلا رأسه ... و مضى يدوس أصنامه
و هبّ كالمارد الغضبان متحشا ... بالنار يجتذب العليا و يحتضن
فزعزعت معقل الطغيان ضربته ... حتّى هوى و تساوى التاج و الكفن
و أذّن الفجر من نيران مدفعه ... و المعجزات شفاه و الدنا أذن
تيقّظت كبرياء المجد في دمه ... واحمرّ في مقلتيه الحقد و الإحن
***
يا صرعة الظلم شقّ الشعب مرقده ... و أشعلت دمه الثارات و الضغن
ها نحن ثرنا على إذعاننا و على ... نفوسنا واستثارت أمنا " اليمن "

لا لا " البدر " لا " الحسن " السجّان يحكمنا ... الحكم للشعب لا " بدر " و لا " حسن "
نحن البلاد و سكّان البلاد و ما ... فيها لنا ، إنّنا السكان و السكن
اليوم للشعب و الأمس المجيد له ... له غد و لهع التاريخ … و الزمن
فليخسأ الظلم و لتذهب حكومته ... ملعونة و ليوليّ عهدها النتن
***
كم كابد الشعب في أشواطه محنا ... ماذا ترى ؟ أنضجته هذه المحن !
كم خادعته بزيف الوعد قادته ... هيهات أن يخدع الفهّمة الفطن
لن ينثني الشعب هزّ الفجر غضبته ... فانقضّ كالسيل لا جبن و لا وهن
حنّ الشمال إلى لقيا الجنوب و كم ... هزّت فؤاديهما الأشواق و الشحن
و ما الشمال ؟ و ما هذا الجنوب ؟ هما ... قلبان ضمّتهما الأفراح و الحزن
ووحّد الله و التاريخ بينهما ... و الحقد و الجرح و الأحداث و الفتن
***
" شمسان " سوف يلاقي صنوة " نقما " ... و ترتمي نحو " صنعا " أختها " عدن "
المجد للشعب و الحكم المطاع له ... و الفعل و القول و هو القائل اللّسن
من ذا هنا
من أنادي ؟ و أنت صمّا سميعه ... بين صوتي و بين أمّي قطيعه
من أنادي ؟ من ذا هنا ؟ لم يجبني ... آه ، إلاّ صمت القبور الصديعه
يا بلادي : و أنثني أشغل التفتيش ... عنّي ، و عن بلادي الصريعة
كيف ماتت ؟ كما يموت شباب العطر ... في صفرة الغصون الخليعة
من درى كيف أطبقت مقلتيها ... ورمى اللّيل حلمها في مضيعه ؟
أوكلت أمرها الطغاه … كراع ... نام واستودع الذئاب قطيعة
و تعامت فاستبعدتها عبيد اللّهو ... باسم الهدى و باسم الشريعة
وانزوت وحدها تئنّ و تستلقي ... وراء الحياة ، خلف الطبيعة
لنعترف
أين أضعنا يا رفاق السماح ... فجرا أفقنا قبل أن يستفيق
نسقيه من خلف اللّيالي الشحاح ... دما و يسقينا خيال الرحيق
و فجأة من شاطئ اللّيل لاح ... و غاب فيه كالوليد … الغريق
لا تغضبوا ضاع كرجع الصداح ... في ضجّة الفوضى و سخف النعيق
***
"لنعترف " أنا أضعنا الصباح ... فلنحترق حتّى يضيء … الطريق

ألم نؤجّج نحن بدء الكفاح ؟ ... فلنتّقد حتّى مداه … السحيق
لن ننطفي ما دام فينا جراح ... مسهّدات في انتظار الحريق
لن ننطفي رغم احتشاد الرياح ... فبيننا و النصر وعد وثيق
و فجرنا الآتي يمدّ الجناح ... لنا و يومي باختلاج البريق
ثائران
من جمال و من أسمّي جمالا ؟ ... معجزات من الهدى تتوالى
و شموخا يسمو على كلّ فكر ... و على كلّ قمّة … يتعالى
من " جمال " ؟ حقيقة تنثني ... عنها الخيالات يحترقن انفعالا
و عناد أعيا البطولات حتّى ... رجع الموت عنه يشكو الكلالا
***
موكب من مشاعل إنطفى الحسّاد ... من نفخه وزاد اشتعالا
و تدلّت أضواؤه كالعناقيد ... فأذكت في كلّ عين ذبالا
وتملأ ثوّار " صنعا "هداه ... فاستطاروا يحرّقون الضلالا
و التقوا يغسلون بالنار دنيانا ... و يمحون بالدم الأوحالا
وأضاءوا و اللّيل يبتلع الشهب ... و أمّ الهلال تطوي الهلالا
فتناغى و مض المآذن : ماذا ؟ ... أيّ فجر أشتمّ فيه " بلالا " ؟
***
ووراء الحنين شعب مسجّى ... ملّ موت الحياة ؛ ملّ الملالا
و الرؤى تسأل الرؤى كيف ضجّ ... الصمت ؛ و استفسر الخيال الخيالا
من أطلقوا كصحو نيسان يكسون ... الربى الجرد خضرة و اخضلالا
و مضى الثائرون يفدون شعبا ... يتدّون باسمه الآحالا
كالقلاع الجهنّميات ينقضّون ... يرمون بالجبال الجبالا
و يشبّون ثورة رمت التاج ... و هبّت تتوّج … الأجيالا
و مشت و الشروق في خطوها الجـ ... بّار ، ينثال في الدّروب انثيالا
و مددنا المنى فكانت عطاء ... سرمديا تجاوز الآمالا
فطفرنا إلى الحياة كموتي ... فعتهم قبورهم … أطفالا
***
و بدأنا الشوط الكبير و أعددنا ... لأحداثه الكبار … جمالا "
و اهتدينا به فكان دليلا ... و أبا يحمل الجهود … الثقالا
و بلونا فيه أخا لم تزده ... لهب الحادثات إلاّ صقالا
ودروب الكفاح تنبيك عنه ... كم طواها و أتعب الأهوالا
و ثنى الموت في " القناة " و ألقى ... في أساطيله الحريق … ارتجالا

ورمى الغزو و الغزاةى رمادا ... تخبر العاصفات عنه الرمالا
و فلولا تكابت الروح فيها ... مثلما تكبت العجوز السعالا
***
لا تسل " بور سعيد " و اسأل عداه ... كيف أدمى اللّظى وجال وصالا
و تحدّى الردى الغضوب و "مصر " ... خلفه تسحب الذيول اختيالا
و انتظار الفرار و النصر وعد ... يحتمي يدني … المحالا
و الضحى يرتدي رداء من النار ... و يرخى من الدخان … ظلالا
و منايا تمضي و تأتي منايا ... و قتال دام يثير … قتالا
و سؤال يمضي و ما من جواب ... و جواب يأتي يعيد السؤالا
فإذا " ناصر " يقود تلالا ... من شباب القوى تدك تلالا
و جحيما تحتلّ أجساد من جاءوا ... يرمون عنده … الإحتلالا
و أباه لا يعتدون و يهدون ... إلى المعتدي الأثيم الزوالا
و يطيرون يضفرون النجوم الخضر ... " غارا " يكلّلون النضالا
و إذا النصر بين كفّي " جمال " ... ينحني خاشعا و يندى ابتهالا
***
من " جمال " ؟ سل البطولات عنه ... كيف أغرب به العدى الأنذالا ؟
فتبارت أذناب " لندن " تزري ... باسمة فازدهى اسمه و تلالا
و أجادوا فيه السبابا و لكن ... يحسن الشمّ من يسيء الفعالا
كيف يخشى أذيال لندن من صبّ ... على لندن المنايا العجالا … ؟
إنّ من تضرب الرؤوس يداه ... لا يبالي أن يركل الأذيالا
***
يا لصوص العروش عيبوا " جمالا " ... واخجلوا أنّكم قصرتم و طالا
فسقطّتم على الوحول ذبابا ... و سما يعبر الشموس مجالا
و اكتلمتم نقصا وزاد كمالا ... و مدى النقص أن يعيب الكمالا
فبنى أمّة وشدتم عروشا ... خائنات تبارك القتالا
و قصورا من الحنا مثقلات ... بالخطايا كالعاهرات الحبالى
فسلوا عنكم اللّيالي السكارى ... و الحسان المدلّلات الكسالى
و ضياع الحمى و ما لست أدري ... و دنايا شتّى عراضا طوالا
لا تضيقوا فإنّ للشرف العالي ... رجالا و للدنايا رجالا
لا تضيفوا "إنّ العروبه تدري ... من " جمال " و تعرف " السلالا "
بطل الثائرين وافى أخاه ... و البطولات تجمع الأبطالا

أخوان تلاقيا فاشرأبّت ... " وحده "ك العرب تنحر الإنفصالا
فاهتفي يا حياة إنّا اتّحدنا ... في طريق المنى وزدنا اتّصالا
و التقى " النيل " و السعيدة جسما ... صافحت كفّه اليمين الشمالا
وطني
وطني أنت ملهمي ... هزج المغرم الظميّ
أنت نجوى خواطري ... و الغنا الحلو في فمي
و معانيك ، شعلة ... في عروقي و في دمي
أنت في صدر مزهري ... موجة من ترنّم
و صدى مسكر إلى ... عالم الخلد ينتمي
و نشيد … معطّر ... كالربيع … المرنّم
و هتاف مسلسل ... كالرحيق … المختّم
***
إيه يا موطني أفق ... من كراك … المخيّم
طالما تهت في الدجى ... و الظلام المطلسم
و قطعت المتاه في ... مأتم بعد مأتم
و تمشّيت في اللّظى ... و العذاب المنظّم
أنت تجثو على اللّظى ... و على الشوك … ترتمي
ساسك الجوع و الشقا ... و النظام الجهنّمي
إنّ بلواك منك هل ... أنت من أنت تحتمي ؟
فتوثب إلى العلا ... وثبة الفارس الكمي
و خضّ النار و احتمل ... كبرياء … التألّم
واصرع الظلم تكتفي ... ذلّ شكوى التظلّم
عازف الصمت
أطلّت هنا و هناك الوقوف ... تلبّي طيوفا و تدعو طيوف
و في كلّ جارحة منك … فكر ... مضيء و قلب شجي شغوف
تغنّي هنا و تناجي هناك ... و تغزل في شفتيك الحروف
و تهمس حتّى تعير الصخور ... فما شاديا و فؤادا عطوف
و تعطي السهول ذهول النبيّ ... و تعطي الربى حيرة الفيلسوف
تلحّن حتّى تراب القبور ... و تعزف حتّى فراغ الكهوف
و تفنى وجودا عتيقا حقيرا ... و تبني وجودا سخيّا رؤوف
و تغرس في مقلتيك الرؤى ... كروما تمدّ إليك القطوف
و ترنو ؛ و ترنو و عيناك شوق ... هتوف يناجيه شوق هتوف
و أنت حنين ينادي حنينا ... و ألف سؤال يلبّي ألوف
و دنياك عشّ يغنّي ثراه ... فتخضرّ أصداؤه في السقوف
***
و حين تفيق و تفنى رؤاك ... و ينأى الخيال المريد العزوف
ترى ها هنا و تلاقي هناك ... صفوفا من الوحل تتلو صفوف
عليها أراق النفاق ... ملامحها ؛ و أضاع الأنوف

10 / 23
ع
En
A+
A-