الكتاب : ديوان عبدالله البردوني

وأحمل الذكرى
واحمل الذكرى من الماضي كما ... يحمل القلب أمانيه الجساما
هات ردّد ذكريات النور في ... فنّك الأسمى و لقّنها الدّواما
ذكريات تبعث المجد كما ... يبعث الحسن إلى القلب الغراما
فارتعش يا وتر الشعر وذب ... في كئوس العبقريّات مداما
و تنقّل حول مهد المصطفى ... وانشد المجد أغانيك الرّخاما
زفّت البشرى معانيه كما ... زفّت الأنسام أنفاس الحزاما
و تجلّى يوم ميلاد الهدى ... يملأ التاريخ آيات عظاما
واستفاضت يقظة الصحرا على ... هجعة الأكوان بعثا وقياما
و جلا للأرض أسرار السما ... و تراءى في فم الكون ابتساما
جلّ يوم بعث الله به ... أحمدا يمحو عن الأرض الظلاما
و رأى الدنيا خصاما فاصطفى ... أحمدا يفني من الدنيا الخصاما
" مرسل " قد صاغه خالقه ... من معاني الرسل بدءا و ختاما
قد سعى - و الطرق نار و دم - ... يعبر السهل و يجتاز الأكاما
و تحدّى بالهدى جهد العدا ... و انتضى للصارم الباغي حساما
نزل الأرض فأضحت جنّة ... و سماء تحمل البدر التماما
و أتى الدنيا فقيرا فأتت ... نحوه الدنيا و أعتطه الزّماما
و يتيما فتبنّته السّما ... و تبنّى عطفه كلّ اليتامى
و رعى الأغنام بالعدل إلى ... أن رعى في مرتع الحق الأناما
بدويّ مدّن الصحرا كما ... علّم الناس إلى الحشر النظاما
و قضى عدلا و أعلى ملّة ... ترشد الأعمى و تعمي من تعامى
نشرت عدل التساوي في الورى ... فعلا الإنسان فيها و تسامى
يا رسول الحقّ خلّدت الهدى ... و تركت الظلم و البغي حطاما
قم تجد الكون ظلما محدثا ... قتل العدل و باسم العدل قاما
و قوى تختطف العزل كما ... يخطف الصقر من الجوّ الحماما
أمطر الغرب على الشرق الشّقا ... و بدعوى السلم أسقاه الحماما
فمعاني السلم في ألفاظه ... حيل تبتكر الموت الزؤاما
يا رسول الوحدة الكبرى و يا ... ثورة و سّدت الظلم الرغاما
خذ من الأعماق ذكرى شاعر ... و تقبّلها صلاة و سلاما

من أرض بلقيس
من أرض بلقيس هذا اللحن والوتر ... من جوها هذه الأنسام والسحر
من صدرها هذه الآهات، من فمها ... هذي اللحون. ومن تاريخها الذكر
من «السعيدة» هذي الأغنيات ومن ... ظلالها هذه الأطياف والصور
أطيافها حول مسرى خاطري زمر ... من الترانيم تشدو حولها زمر
من خاطر «اليمن» الخضرا ومهجتها ... هذي الأغاريد والأصداء والفكر
هذا القصيد أغانيها ودمعتها ... وسحرها وصباها الأغيد النضر
يكاد من طول ما غنى خمائلها ... يفوح من كل حرف جوها العطر
يكاد من كثر ما ضمته أغصنها ... يرف من وجنتيها الورد والزهر
كأنه من تشكي جرحها مقل ... يلح منها البكا الدامي وينحدر
يا أمي اليمن الخضرا وفاتنتي ... منك الفتون ومني العشق والسهر
ها أنت في كل ذراتي وملء دمي ... شعر «تعنقده» الذكرى وتعتصر
وأنت في حضن هذا الشعر فاتنة ... تطل منه، وحيناً فيه تستتر
وحسب شاعرها منها - إذا احتجبت ... عن اللقا - أنه يهوى ويدكر
وأنها في مآقي شعره حلم ... وأنها في دجاه اللهو والسمر
فلا تلم كبرياها فهي غانية ... حسنا، وطبع الحسان الكبر والخفر
من هذه الأرض هذي الأغنيات، ومن ... رياضها هذه الأنغام تنتثر
من هذه الأرض حيث الضوء يلثمها ... وحيث تعتنق الأنسام والشجر
ما ذلك الشدو؟ من شاديه؟ إنهما ... من أرض بلقيس هذا اللحن والوتر
فلسفة الفن
لا تقل ما دمع فنّي ... لا تسل ما شجو لحني
منك أبكي و أغنّيك ... فما يؤذيك منّي
سمّني إن شئت نوّحا ... و إن شئت مغنّي
فأنا حينا أعزّيك ... و أحيانا أهنّي
لك من حزني الأغاريد ... و من قلبي التمنّي
أنا أرضي الفنّ لكن ... كيف ترضي أنت عنّي
كلّ ما يشجيك يبكيني ... و يضني و يعنّي
فاستمع ما شئت و اتركني ... كما شئت أغنّي
***
لا تلمني إن بكى قلبي ... و غنّاك بكايا
لا تسلني ما طواني ... عنك في أقصى الزوايا
ها أنا وحدي و ألقا ... ك هنا بين الحنايا
ها هنا حيث ألاقيك ... طباعا و سجايا

حيث تهوي قطع الظلما ... كأشلاء الضحايا
و تطلّ الوحشة الخر ... سا كأجفان المنايا
و الدجى ينساب في الصمت ... كأطياف الخطايا
و السكون الأسود الغا ... في كأعراض البغايا
و أنا أدعوك في سرّي ... و أحلامي العرايا
***
يا رفيقي في طريق العمر ... في ركب الحياة
أنت في روحيّتي رو ... ح و ذات ملء ذاتي
جمعتنا وحدة العيش ... و توحيد الممات
عمرنا يمضي و عمر ... من وراء الموت آتي
نحن فكران تلاقينا ... على رغم الشتات
نحن في فلسفة الفنّ ... كنجوى في صلاة
أنا كأس من غنى الشو ... ق و دمع الذكريات
فاشرب اللّحن ودع في ال ... كأس دمع الموجعات
هكذا تصبو كما شا ... ءت و تبكي أغنياتي
***
يا رفيقي هات أذنيك ... و خذ أشهى رنيني
من شفاه الفجر أسقيـ ... ك و خمر الياسمين
من معين الفنّ أرويـ ... ك و لم ينضب معيني
لك من أنّاتي اللّحن ... و لي وحدي أنيني
و لك التغريد من فنّي ... و لي جوع حنيني
هل أنا في عزلة الشعر ... كأشواق السجين
حيث ألقاك هنا في خا ... طر الصمت الحزين
في أغاني الشوق في الذكرى ... و في الحبذ الدفين
في الخيالات و في شكوى ... الحنين المستكين
نار و قلب
يا ابنة الحسن و الجمال المدلّل ... أنت أحلى من الجمال و أجمل
و كأنّ الحياة فيك ابتسام ... و كأنّ الخلود فيك ممثّل
كلّ حرف من لفظك الحلو فردو ... س نديّ و سلسبيل مسلسل
كلّما قلت رفّ من فمك الفجر ... و غنّى الربيع بالعطر و اخضلّ
أنت فجر معطّر و ربيع ... و أنا البلبل الكئيب المبلبل
أنت في كلّ نابض من عروقي ... وتر عاشق و لحن مرتّل
كلّما استنطقت معانيك شعري ... أرعد القلب بالنشيد و جلجل
وانتزفت اللّحون من غور أغوا ... ري كأنّي أذوب من كلّ مفصل
و أغنيّك و الصبابات حولي ... زمر تحتسي قصيدي و تنهل
و أناجي هواك في معرض الأو ... هام في شاطيء الظلام المسربل
و فؤادي يحنّ في صدري الدا ... مي كما حنّ في القيود المكبّل

و هواك الغضوب نار بلا نا ... ر و قلبي هو اللّهيب المذلّل
أنت دنيا الجمال نمنمها السحر ... فأغرى بها الجمال و أذهل
فتنة أيّ فتنه هزّ قيثا ... ري صباها ففاض بالسحر وانهلّ
تسكر الكأس حين تسكرها الكأ ... س و تسقي الرحيق أحلى و أفضل
و فتون يهزّ شعري كما هزّ النّـ ... سين البليل زهرا مبلّل
و ألاقيك في ضميري كما لاقى الـ ... فم المستهام أشهى مقبّل
في دمي من هواك حمّى البراكـ ... ين العواتي و ألف دنيا تزلزل
و بقلبي إليك ألف عتاب ... و حوار و حين ألقاك أخجل
أنا أهواك للجمال و للإلـ ... هام للفنّ للحوار المعسّل
و الغرام الطهور معاني ... الحبّ . أسمى ما في الوجود و أنبل
فانفحيني تحيّة و تلقّي ... ما من جوانح الحبّ مرسل .
هائم
قلبه المستهام ظمآن عاني ... يحتسي الوهم من كئوس الأماني
قلبه ظاميء إليك فصبّي ... فيه عطر الهوى و ظلّ التداني
واذكري قلبه الحبيس المعنّى ... وامتلئي الكأس من رحيق الحنان
إنّه عاشق و أنت هواه ... إنّه فيك ذائب الروح فإنّي
أنت في همسة مناجاة أوتا ... ر و في صمته أرقّ الأغاني
إنّه في هواك يحرق بالحبّ ... و يدعوك من وراء الدخان
سابح في هواك يهفو كفكر ... شاعر يرتمي وراء المعاني
أين يلقاك أين ماتت شكاوا ... ه و جفّت أصداؤه في اللّسان
إنّه ظاميء إلى ريّك الحا ... ني مشوق إلى الظلال الحواني
تائه في الحنين يهوى كروح ... ضائع يسأل الدجا عن كيان
ظاميء يشرب الحريق المدمّى ... و يعاني من الظمأ ما يعاني
أنت في قلبه الحياة و كلّ الحـ ... ب كلّ الهوى و كلّ الغواني
فيك كلّ الجمال فيك التقى الحسـ ... ن و فيك التقت جميع الحسان
لم يهب قلبه سواك و لكن ... لم يذق منك غير طعم الهوان
فامنحيه يا واحة الحبّ ظلّا ... و انفضي حوله ندى الأقحوان
و اسكبي الفجر في دجاه وزفّي ... في شقا حبّه رفيف الجنان
إنّه هائم يعيش و يفنى ... بين جور الهوى و ظلم الزمان

ميّت لم يمت كما يعرف النا ... س و لكن يموت في كلّ آن
سحر الربيع
رصّع الدنيا أغاريد و شعرا ... و تفجر يا ربيع الحبّ سكرا
وافرش الأرض شعاع و ندى ... و ترقرق في الفضا سحرا و إغرا
يا ربيع الحبّ لاقتك المنى ... تحتسي من جوّك سحرا
يا عروس الشعر صفّق للغنا ... ترقص في ضفاف الشعر كبرا
أسفرت دنياك للشعر كما ... أسفرت للعاشق المحروم عذرا
فهنا الطير تغنّي و هنا ... جدول يذري الغنا ريذا و طهرا
و صبايا الفجر في حضن السنا ... تنثر الأفراح و الإلهام نثرا
و السهول الخضر تشدو و الربّا ... جوقة تجلو صبايا اللّحن خضرا
فكأنّ الجو عزف مسكر ... و الحياة الغضّة الممراح سكرى
و الرياحين شذيّات الغنا ... تبعث اللّحن مع الأنسام عطرا
و كأنّ الرّوض في بهجته ... شاعر يبتكر الأنغام زهرا
و كأنّ الورد في أشواكه ... مهج أذكى عليها الحبّ جمرا
و كأنّ الفجر في زهر الربا ... قبلة عطريّة الأنفاس حرّا
***
يا ربيع الحبّ يا فجر الهوى ... ما أحيلاك و ما أشذاك نشرا
طلعة فوجا و جوّ شاعر ... عاطفيّ كلّه شوق و ذكرى
تبعث الدنيا حسنها ... مثلما تجلو ليالي العرس بكرا
و تبثّ الحبّ في الأحجار لو ... أنّ للأحجار أكبادا و صدرا
أنت فجر كلّما ذرّ الندى ... أنبتت من نوره الأغصان فجرا
أنت ما أنت جمال سائل ... لم يدع فوق بساط الأرض شبرا
و فتون ملهم يضفي على ... صبوات الفن إلهاما و فكرا
ترانيما وفنّا كلّه ... عبقريّات توشّي الأرض تبرا
ما ربيع الحبّ يا شعر و ما ... سحره أنت بسحر الكون أدرى
كلّما أورقت الأعشاب في ... حضنه أورقت الأرواح بشرى
هو سرّ الأرض غذّته السما ... و جلته فتنا بيضا و سمرا
ورواها الفنّ لحنا للهوى ... وأدارته كئوس الزهر خمرا
منظر أودعه فنّ السما ... من فنون الخلد و الآيات سرّا
طائر الربيع
يا شاعر الأزهار و الأغصان ... هل أنت ملتهب الحشا أو هاني
ماذا تغنّي ، من تناجي في الغنا ... و لمن تبوح بكامن الوجدان ؟

هذا نشيدك يستفيض صبابة ... حرّى كأشواق المحبّ العاني
في صوتك الرقراق فنّ مترف ... لكن وراء الصوت فنّ ثاني
كم ترسل الألحان بيضا إنّما ... خلف اللّحون البيض دمع قاني
هل أنت تبكي أم تغرّد في الربا ... أم في بكاك معازف و أغاني
***
يا طائر الإنشاد ما تشدو و من ... أوحى إليك عرائس الألحان
أبدا تغنّي للأزاهر و السنا ... و تحاور الأنسام في الأفنان
و تظلّ تبتكر الغنا و تزفّه ... من جوّ بستان إلى بستان
و تذوب في عرش الجمال قصائدا ... خرسا و تستوحي الجمال معاني
لا الحزن ينسيك النشيد و لا الهنا ... بوركت يابن من فنّان
***
يا بن الرياض - و أنت أبلغ منشد - ... غرّد و خلّ الصمت للإنسان
واهتف كما تهوى ففنّك كلّه ... حبّ و إيمان و عن إيمان
دنياك يا طير الربيع صحيفه ... ذهبيّة الأشكال و الألوان
و خميلة خرسا يترجم صمتها ... عطر الزهور إلى النسيم الواني
و الزهر حولك في الغصون كأنّه ... شعر الحياة مبعثر الأوزان
و العشب يرتجل الزهور حوالما ... و يرفّ بالظل الوديع الحاني
و طفولة الأغصان راقصة الصبا ... فرحا ودنياها صبا و أماني
و الحبّ يشدو في شفاه الزهر في ... لغة الطيور و في فم الغدران
و الورد يدمى بالغرام كأنّه ... من حرقة الذكرى قلوب غواني
***
يا طائر الإلهام ما أسماك عن ... لهو الورى و عن الحطام الفاني
تحيا كما تهوى الحياة مغرّدا ... مترفّعا عن شهوة الأبدان
لم تستكن للصمت ؛ لم تذغن له ... بل أنت فوق الصمت و الإذغان
هذي الطبيعة أنت شاعر حسنها ... تروي معانيها بسحر بيان
ترجمت أسرار الطبيعة نغمة ... أبديّة في صوتك الرنّان
و عزفت فلسفة الربيع قصيدة ... خضرا من الأزهار و الريحان
***
هذا ربيع الحبّ يملي شعره ... فتنا معطّرة على الأكوان
يصبو و دنيا الحبّ في أفيائه ... تصبو على إشراقه الفتّان
الفنّ فنّك يا ربيع الحبّ يا ... سحر الوجود و فتنة الأزمان

عودة القائد
لمن الجموع تموج موج الأبحر ... و تضجّ بين مهلّل و مكبّر
لمن الهتاف يشقّ أجواز الفضا ... و يهزّ أعطاف النهار المسفر
و لمن تجاوبت المدافع و انبرت ... صيحاتها كضجيج يوم المحشر
لمن الطبول تثرثر الخفقات في ... ترنيمها المتهدّج المتكسّر
و لمن زغاريد الحسان كأنّها ... خفقات أوتار ورعشة مزهر
و لمن تفيض حماجر الأبواق من ... أعماقها بترنّم المستبشر
للقائد الأعلى الموشّح بالسنا ... علم الفتوح و قاهر المستعمر
لوليّ " عهد الملك " بنّاء الحمى ... حلم البطولة و الطموح العبقري
أهلا " وليّ العهد " فانزل مثلما ... نزل الشعاع مباسم الزهر الطريّ
أشرقت في مقل الجزيرة كالضّحا ... كالصبح كالسحر النديّ المقمر
و على جبينك غار أكرم فاتح ... و على محيّاك ابتسام نظفّر
لمّا طلعت أفاقت " الخضرا على ... فجر بأنفاس الخلود معطّر
و تعانقت فتن الجمال و تمتمت ... بالعطر أعراس الربيع الأخضر
و تسابق الإنشاد فيك و هازجت ... نغم المعرّي أغنيات البحتري
و هفت إليك من القوافي جوقة ... سكرى متيّمة الغناء المسكر
***
يا من تشخّصت المنى في شخصه ... و أهلّ فجر عدالة و تحرّر
حقّق طموح الشعب و اجعل حلمه ... فوق الحقيقة فوق كلّ تصوّر
وافيت فانتفضت أماني أمّة ... شمّا وشقّ البعث مرقد " حمير "
و يكاد " دويزن " يبعثر قبره ... و يطلّ حمير من وراء الأعصر
بلقيس يا أمّ الحضارة أشرقي ... من شرفة الأمس البعيد و كبّري
و استعرضي زمر الأشعّة و اسبحي ... فيها بناظرك الكحيل الأحور
مولاتي الحسنا أطلّي وانظري ... من زهوة الأجيال ما لم تنظري
و تغطرسي ملء الفتون و عنوني ... فمك الجميل ببسمة المستفسر
ها نحن نبني فوق هامة مأرب ... و طنا و نبني ألف صرح مرمري
و نشيد في وطن العروبة وحدة ... فوق الثريا خلف أفق " المشتري "
هي وحدة العرب الأباه تسنّمت ... في ربوه التاريخ أرفع منبر
و تعانقت صنعا و مصر و جلّق ... فيها عناق الشوق و الحبّ البرّي

و جرى على النيل المصفّق صنوة ... بردى فصفّق كوثر في كوثر
و ارتادت " الخضرا " الكنانة فانتشت ... نسمات مأرب في أصيل الأقصر
لولاك يا بطل الخلافة ما احتوى ... صنعا و جلّق حضن أم الأزهر
صافحت مصر فزدت في بنيانها ... " هرما " إلى الهرم الأشم الأكبر
أرض الجنوب - و أنت نخزة ثأرها - ... ظمأ تحنّ إلى الصراع الأحمر
أرضي و دار أبي وجدّي لم تزل ... في قبضة المتوحّش المتنمّر
تطوي على حلم الجهاد عيونها ... و تئنّ تحت الغاصب المستهتر
لا حرمة الإنسان تزجره و لا ... شرف و لا نهى المتحضّر
متجبّر و أصمّ لم يسمع سوى ... رهج الحديد المارد المتجبّر
فازحف إليه يابن بجدتها على ... لجج السلاح الفاتح المتهوّر
يا خير من لبّى و من نودي و من ... يغشى الوغى كالهول كاللّيث الجري
هذي وعامتك الفتيّة قصّة ... بفم الفتوح و في شفاه الأدهر
***
يا بدر هذا الشعب أنت زعيمة ... و هواك سحر غرامة المتعسّر
حملتك روح الشعب إيمانا فلم ... تخفق بحبّ سواك بل لم تشعر
فاسلم لتاريخ الزعامة آية ... بيضا كبهجة عصرك المتبلور
عروس الحزن
منزلها الكبير بجوار الصغير ، و قد لفني و إياها عاطف الحنان و الحنين فتلاقينا على بعد . تظل تغني ، و أظل أصغي إلى أغانيها ، و صوتها يتعثر في دمعها ، و دمعها يتحشرج في صوتها ، و في نغماتها تتحاضن الدموع و الترنم ، كأن صوتها عود ذو وتر واحد ، بعضه يبكي ، و ب
صوتها دمع و أنغام صبايا ... و ابتسامات و أنّات عرايا
كلّما غنّت جرى من فمها ... جدول من أغنيات و شكايا
أهي تبكي أم تغنّي أم لها ... نغم الطير و آهات البرايا ؟
صوتها يبكي و يشدو آه ما ... ذا وراء الصوت ما خلف الطوايا ؟
هل لها قلب سعيد و لها ... غيره قلب شقيّ في الرزايا ؟
أم لها روحان : روح سابح ... في الفضا الأعلى وروح في الدنايا ؟
أم تلاقت في حنايا صدرها ... صلوات و شياطين خطايا ؟
أن تناجت في طوايا نفسها ... لحن عرس و جراحات ضحايا ؟

لست أدري . صوتها يحرقني ... بشجوني إنّه يدمي بكايا
كلّما طاف بسمعي صوتها ... هزّ في الأعماق أوتار شجايا
و سرى في خاطري مرتعشا ... رعشة الطيف بأجغان العشا
أترى الحزن الذي في شجوها ... رقّة الحرمان أم لطف السحابا
أم تراها هدّجت في صوتها ... قطع القلب و أشلاء الحنايا
كلّما غنّت .. بكت نغمتها ... و تهاوى القلب في الآه شظايا
هكذا غنّت ، و أصغيت لها ... و تحمّلت شقاها و شقايا
***
يا عروس الحزن ما شكواك من ... أيّ أحزان و من أيّ البلايا
ما الذي أشقاك يا حسنا ؟ و هل ... للشقا كالناس عمر و منايا ؟
هل يموت الشر ؟ هل للخير في ... زحمة الشر سمات و مزايا ؟
كيف تعطي أمّنا الدنيا المنى ... و هي تطوي عن أمانينا العطايا
و لقوم تحمل البذل كما ... يحمل إلى الحسنا الهدايا
هل هي الدنيا التي تحرمني ... أم تراخت عن عطاياها يدايا ؟
أنا حرماني و شكوى فاقتي ... أنا آلامي و دمعي و أسايا
لم يرع قلبي سوى قلبي أنا ... لا ولا غذّبني شيء سوايا !
جارتي ، ما أضيق الدنيا إذا ... لم تشقّ النفس في النفس زوايا
أثيم الهوى
جريح الإبا صامت لا يعي ... و في صمته ضجّة الأضلع
و في صدره ندم جائع ... يلوك الحنايا و لم يشبع
تهدّده صيحة الذكريا ... ت كما هدّد الشيخ صوت النعي
و يقذفه شبح مفزع ... إلى شبح موحش مفزع
و يصغي و يصغي فلم يستمع ... سوى هاتف اللإثم في المسمع
و لم يستمع غير صوت الضمير ... يناديه من سرّه الموجع
فيشكو إلى من ؟ و ما حوله ... سوى اللّيل أو وحشة المخدع
كئيب يخوّفه ظلمه ... فيرتاع من ظلّه الأروع
و في كلّ طيف يرى ذنبه ... فماذا يقول و ما يدّعي
فيملي على سرّه قائلا ... أنا مجرم النفس و المطمع
أنا سارق الحبّ وحدي ! أنا ... خبيث السقا قذر المرتع
هوت إصبعي زهرة حلوة ... فلوّثت من عطرها إصبعي
توهّمتها حلوة كالحيا ... ة فكانت أمرّ من المصرع
أنا مجرم الحبّ يا صاحبي ... فلا تعتذر لي فلم تقنع

1 / 23
ع
En
A+
A-