[72]
فإن كان هذا كافيا فهو عندنا * وإني من غير اكتفاء لاوجل (1)
ولكن لي في آل أحمد أسوة * وما قد مضى في سالف الدهر أطول
على انني فيما يريد عدوهم * من العرض الادنى اسم وأسمل (2)
وإن أبلغ القصوى أخض غمراتها * إذا كره الموت اليراع المهلل (3)
نضحت أديم الود بيني وبينهم * بآصرة الارحام لو يتبلل (4)
فما زادها إلا يبوسا وما أرى * لهم رحما والحمد لله توصل
ويضحي أناة والتقيات منهم * أداجي على الداء المريب وادمل (5)
____________________
1- يقول: إن كان القعود عن نصرتهم كافيا فنفسي تأبى أن تبتعد عنهم وتعد الاكتفاء عارا. واني لاوجل حين يقال قعد عن نصرتهم. 2- اسم أصلح يقال سممت الشئ اسمه أصلحته وسممت بين القوم أصلحت وأسمل أصلح أيضا. والعرض الادنى: يعني متاع الدنيا. 3- يقول: إن بلغت الغاية التي أرومها وهي الحرب فاني أخوضها غير هياب. واليراع: الجبان الذي لا عقل له ولا رأي، والاصل في اليراع القصب ثم سمى به الجبان الضعيف. والمهلل الفزع الفار يقال: هلل فلان هللا وهلا أي فرقا وحمل عليه فما كذب ولا هلل أي ما فزع وما جبن، والتهليل أيضا الفرار والنكوص. 4- نضحت الاديم أي بللته أن لا ينكسر وهنا نضحت أديم الود أي وصلت والاديم الجلد وبيني وبينهم: أي بني أمية. والآصرة ما عطفك على رجل من رحم أو قرابة أو صهر أو معروف يقال: ما تأصرني على فلان آصرة أي ما يعطفني عليه منة ولا قرابة. 5- الاناة الوقار والحلم والتقيات جمع تقية وهو الحذر. وأداجي من المداجاة وهي المواربة: أي أدارى العدو وأضمر له العداوة لاني لا أستطيع إظهار ما في نفسي والمريب المخيف. وأدمل أصلح.
[73]
وإني على أني أرى في تقية * أخالط أقواما لقوم لمزيل (1)
وإني على إغضاء عيني لمطرق وصبري على الاقذاء وهي تجلجل (2)
وإن قيل لم أحفل وليس مباليا * لمحتمل ضبا أبالي وأحفل (3)
فدو نكموها يال أحمد إنها * مقللة لم يأل فيها المقلل (4)
مهذبة غراء في غب قولها * غداة غد تفسير ما قال مجمل (5)
____________________
1- مزيل أي مزايل مفارق لهم ومبتعد عنهم وعن آرائهم وفي حذر وتقية منهم على أني مخالط لهم في مجالسهم. 2- الاقذاء جمع قذى وهو ما يقع في العين وما ترمي به يقال فلان بغضي على القذى إذا سكت على الذل والضيم وفساد القلب. وفي الحديث: يبصر احدكم القذى في عين أخيه ويعمى عن الجذع في عينه، ضربه مثلا لمن يرى الصغير من عيوب الناس ويعيرهم به وفيه من العيوب ما نسبته إليه كنسبة الجذع للقذاة. ومطرق أي صامت: وهي تجلجل: أي العين تتحرك. يقول إني صابر على الضيم واجم لا أتكلم وعيني تكاد من الغم تنطق بما في نفسي. 3- الضب الحقد وقوله: لمحتمل خبر أن في البيت قبله يقول: احتمل الحقد والضغينة لهم وإن كنت أظهر المودة بلساني. 4- دونكموها: يعني القصيد مقللة: أي أنها ترى قليلة بالنسبة لكم وإن كان لم يأل جهدا في تنميقها وإبداعها. 5- مهذبة أي لا عيب فيها وغراء أي واضحة نقية، وقوله: تفسير ما قال مجمل يقول: إني أجملت فيها القول.
[74]
أتتكم على هول الجنان ولم تطع * لنا ناهيا ممن يئن ويرحل (1)
وما ضرها أن كان في الترب ثاويا * زهير وأودى ذو القروح وجرول (2)
وقال رضي الله عنه:
طربت وهل بك من مطرب * ولم تتصاب ولم تعلب (3)
صبابة شوق تهيج الحليم * ولاعار فيها على الاشيب (4)
وما أنت إلا رسوم الديار * ولو كن كالخلل المذهب (5)
ولا ظعن الحي إذ أدلجت * بواكر كالاجل والربرب (6)
____________________
1- الجنان القلب لا ستتاره في الصدر وقيل لوعيه الاشياء يقول: أنشأتها والقلب في حال اضطراب وفزع. ويئن من الانين. 2- ذو القروح: هو امرؤ القيس وسمي بذلك لان ملك الروم بعث إليه قميصا مسموما فتقرح منه جسده. وجرول اسم الحطيئة العبسي قال الكميت: وما ضرها أن كعبا ثوى * وفوز من بعده جرول 3- المطرب الطرب وهو الفرح. ولم تتصاب من الصبابة وهي رقة الشوق: أي ولم تمل إلى اللهو واللعب 4- الاشيب صاحب الشيب يقول: إن ميلي وشوقي لا عار فيه لاني لا أميل إلى اللهو. 5- الخلل واحدها خلة وهي بطانة يغشى بها جفن السيف تنقش بالذهب وغيره. 6- الظعن جمع ظعينة وهي المرأة ما دامت في الهودج والادلاج السير من أول =
[75]
ولست تصب إلى الظاعنين * إذا ما خليلك لم يصبب (1)
فدع ذكر من لست من شأنه * ولا هو من شأنك المنصب (2)
وهات الثناء لاهل الثناء * باصوب قولك فالاصوب
بني هاشم فهم الاكرمون * بنو الباذخ الافضل الاطيب (3)
وإياهم فاتخذ أوليا * ء من دون ذي النسب الاقرب
وفي حبهم فاتهم عاذلا * نهاك وفي حبلهم فاحطب (4)
أرى لهم الفضل في السابقات * ولم أتمن ولم أحسب (5)
____________________
= الليل. بواكر من البكور وهو التعجيل. والاجل الجماعة من البقر. والربوب القطيع من بقر الوحش وقيل من الظباء ولا واحد له. 1- الظاعن الراحل وتصب ويصبب من الصبابة وهي رقة الشوق وشدته. 2- المنصب: المتعب من النصب. 3- الباذخ العالي: أي بنو الشرف العالي والمجد الرفيع. 4- فاتهم عاذلا: أي اتهم بسوء النية من ينهاك عن الارتباط بمحبتهم... وفي حبهم فاحطب: أي أطع لهم في الامر وشاركهم في المنافع.. واحطب: من قولهم حطبني فلان جمع لي الحطب وأتاني به مثل احتطب جمع الحطب ومنه قولهم: فلان حاطب ليل يضرب مثلا لمن يتكلم بالغث والسمين مخلط في كلامه وأمره كالحاطب الذي يحطب ليلا كل ردئ وجيد لانه لا يبصر ما يجمعه في حبله. وشبه به أيضا الجاني على نفسه بلسانه لانه ربما وقعت يده على أفعى فنهسته. 5- يقول: أرى فضلهم عظيما وآثار أعمالهم خالدة ومدحي لهم حقيقي ليس بأماني أو ضرب من الحسبان.
[76]
مساميح بيض كرام الجدود * مراجيح في الرهج الاصهب (1)
مواهيب للمنقس المستراد * لامثاله حين لا موهب (2)
أكارم غر حسان الوجوه * مطاعيم للطارق الا جنب (3)
وردت مياههم صاديا * بحائمة ورد مستعذب (4)
فما حلاتني عصي السقات * ولا قيل يا ابعدو لا يا اغرب (5)
ولكن بجأجأة الاكرمين * بحظي في الاكرم الاطيب (6)
لئن طال شربي بالآجنات * لقد طاب عندهم مشربي (7)
____________________
1- مساميح أولو سماحة وكرم جمع مسمح ومراجيح أي أولو رزانة وثبات في مواطن القتال. والرهج الغبار. والاصهب المائل إلى الغبرة. 2- المنفس: الشئ النفيس. والمستراد المطلوب وموهب أي هبة. 3- الطارق الذي يطرق ليلا والاجنب الغريب. وغر جمع أغر وهم البيض الوجوه والاعراض. 4- الصادي العطشان والحائمة الناقة التي تحوم حول الماء. وقوله: ورد مستعذب أي ورد طالب الماء. 5- حلاتني منعتني. يقول: لما وردت ورودهم لم يطردني السقاة ولم يقولوا لي ابعد وتنح. 6- يجأجأة الاكرمين: أي بترحيبهم لي وإكرامهم والجأجأة أن يصوت بالابل لتشرب. 7- الآجنات جمع آجن وهي المياه المتغيرة من وقوفها. والشرب بالخفض والرفع اسمان من شربت وبالفتح المصدر.
[77]
أناس إذا وردت بحرهم * صوادي الغرائب لم تغرب (1)
وليس التفحش من شأنهم * ولا طيرة الغضب المغضب (2)
ولا الطعن في أعين المقبلين * ولا في قفا المدبر المذنب
نجوم الامور إذا ادلمست * بظلماء ديجورها الغيهب (3)
وأهل القديم وأهل الحديث * إذا عقدت حبوة المحتبي (4)
وشجو لنفسي لم أنسه * بمعترك الطف فالمجتبى (5)
كأن خدودهم الواضحا * ت بين المجر إلى المسحب
صفائح بيض جلتها القيو * ن مما تخيرن من يثرب (6)
أومل عدلا عسى أن أنا * ل ما بين شرق إلى مغرب
____________________
1- الصوادي العطاش والغرائب الابل الغريبة وذلك أن الابل إذا وردت الماء فدخل عليها غريبة من غيرها ضربت وطردت حتى تخرج عنها. 2- التفحش الكلام القبيح الفاحش... وطيرة الغضب: أي الخفة وسرعة الغضب يصفهم برجاحة العقل. 3- ادلمست اشتدت ظلمتها. والديجور الظلام. والغيهب الاسود. 4- أي أنهم أهل علم ومعرفة فإذا ما جلسوا أفادوا جليسهم علما بمعرفة الحوادث قديمها وحديثها. والحبوة أن يجمع الرجل رجليه فيدير عليها أزاره ويشد طرفه في ظهره ويعقد على ركبتيه انما يوصف به الرجل عند الرزانة. 5- الشجو الحزن. والطف والمجتبي موضعان. 6- الصفائح جمع صفيحة النصل العريض. والقيون جمع قين الحداد وجلتها صقلتها.
[78]
رفعت لهم ناظري خائف * على الحق يقدع مسترهب (1)
وقال رحمه الله تعالى:
نفى عن عينك الارق الهجوعا * وهم يمتري منها الدموعا (2)
دخيل في الفؤاد يهيج سقما * وحزنا كان من جذل منوعا (3)
لفقدان الخضارم من قريش * وخير الشافعين معا شفيعا (4)
لدى الرحمن يصدع بالمثاني * وكان له أبو حسن قريعا (5)
____________________
1- يقدع أي يكف ويمنع والقدع الكف يقال أقدع نفسك عن هواها أي امنعها ومسترهب أي خائف من الرهبة. 2- نفى طرد. والارق السهاد والهجوع النوم ويمتري يجلب، يقال: امتري الرجل الناقة إذا مسح درعها للحلب. 3- دخيل أي هم دخيل متملك في الفؤاد. والجذل الفرح والسرور. 4- الخضارم السادات جمع خضرم. 5- يصدع يفصل وينفذ والصدع الفصل. يصدع بالحق أي يفصل وهنا يصدع بالمثاني: أي يفصل. والمثاني فاتحة الكتاب وهي سبع آيات واحدتها مثناة. قيل لها مثاني لانها يثنى بها في كل ركعة من ركعات الصلاة قال تعالى: ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم. وقال حسان: من للقوافي بعد حسان وابنه * ومن للمثاني بعد زيد بن ثابت قيل: ويجوز أن يكون من المثاني مما اثنى به على الله لان فيها حمد الله وتوحيده وذكر ملكه وقوله: له أي للنبى صلى الله عليه وآله وأبو حسن هو علي عليه السلام. وقريعا أي مختارا يقال اقترعه أي اختاره.
[79]
حطوطا في مسرته ومولى * إلى مرضاة خالقه سريعا (1)
وأصفاه النبي على اختيار * بما أعيى الرفوض له المذيعا (2)
ويوم الدوح دوح غدير خم * أبان له الولاية لو أطيعا (3)
ولكن الرجال تبا يعوها * فلم أر مثلها خطرا مبيعا
فلم أبلغ بها لعنا ولكن * أساء بذاك أو لهم صنيعا
فصار بذاك أقربهم لعدل * إلى جور وأحفظهم مضيعا
أضاعوا أمر قائدهم فضلوا * وأقومهم لدى الحدثان ريعا (4)
تناسوا حقه وبغوا عليه * بلا ترة وكان لهم قريعا (5)
____________________
1- حطوطا أي ينحط في مسرته وهواه فلا تغره الدنيا بلهوها وزخارفها ولا تخدعه بلذاتها. والمولى ابن العم والمولى السيد.
2- وأصفاه أي اصطفاه واختاره. بما أعي الرفوض: أي بالذي أعي الرافض لذكر فضائله وأعي الذي أذاعه عنه أن يكتم منزلته. والمذيع من الاذاعة الافشاء الذي يذيع ذكره.
3- الدوح الشجر العظيم، الواحدة دوحة. وغدير خم: موضع بين مكة والمدينة. أبان بين. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه فقال عمر: طوبي لك يا علي أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة.
4- الريع: الطريق، قال تعالى: " أتبنون بكل ريع آية تعبثون. والحدثان صروف الزمان.
5- الترة: الزحف. والقريع السيد.
[80]
فقل لبني أمية حيث حلوا * وإن خفت المهند والقطيعا (1)
ألا أف لدهر كنت فيه * هدانا طائعا لكم مطيعا (2)
أجاع الله من أشبعتموه * وأشبع من بجوركم أجيعا
ويلعن فذ أمته جهارا * إذا ساس البرية والخليعا (3)
بمرضي السياسة هاشمي * يكون حيا لامته ربيعا (4)
وليثا في المشاهد غير نكس * لتقويم البرية مستطيعا (5)
يقيم أمورها ويذب عنها * ويترك جدبها أبدا مريعا (6)
وقال رضي الله عنه:
سل الهموم لقلب غير متبول * ولا رهين لدى بيضاء عطبول (7)
____________________
1- المهند: السيف الهندي. والقطيع السوط. 2- الهدان: الجبان. 3- الفذ: الفرد وهو أول القداح يريد به قاتل علي والخليع الوليد بن عبدالملك. 4- الحيا: الخصب وربيع أي كالربيع يعم الرعية بالخيرات. 5- النكس: الدنئ المقصر، وأصل ذلك في السهام وذلك أن السهم إذا ارتدع أو نالته آفة نكس في الكنانة ليعرف من غيره. 6- الجدب: القحط. والمريع الخصب. 7- المتبول الذي تبله الحب أي أفسد قلبه. والعطبول الحسنة العنق.
[81]
ولا تقف بديار الحي تسألها * تبكي معارفها ضلا بتضليل (1)
ما أنت والدار إذ صارت معارفها * للريح ملعبة ذات الغرابيل (2)
نفسي فداء الذي لا الغدر شيمته * ولا المعاذير من بخل وتقليل
الحازم الرأي والمحمود سيرته * والمستضاء به والصادق القيل
وقال أيضا:
أهوى عليا أمير المؤمنين ولا * ألوم يوما أبا بكر ولا عمرا
ولا أقول وإن لم يعطيا فدكا * بنت النبي ولا ميراثه كفرا (3)
____________________
1- الضل والضلال والتضليل واحد. 2- ذات الغرابيل التى تنخل التراب وتسفيه. ومعارف الدار معالمها. 3- فدك قرية روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تصدق بها على فاطمة رضي الله عنها. وأما منع الخليفتين فاطمة فإن أبا بكر سمع رسول الله صلى الله عليه وآله. يقول: نحن معشر الانبياء لا نورث ما تركناه صدقة بالضم، فالشيعة يروونه صدقة فنصبوا صدقة على الحال والتقدير لا نورث ما تركناه حال كونه صدقة. ومفهومه أنهم يورثون غيره. وأما تملك فدك: فهو أن النبي صلى الله عليه وآله بعث إلى أهلها في سنة سبعة من الهجرة يدعوهم إلى الاسلام فصالحوه على نصف الارض فقبل منهم ذلك وصار نصف فدك خالصا لرسول الله لانه لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب يصرف ما يأتيه منها على أبناء السبيل وفعل ذلك الخلفاء الراشدين فلما ولي معاوية الخلافة أقطعها مروان بن الحكم فوهبها مروان بنيه. ولما ولي عمر بن عبد العزيز خطب الناس وأعلمهم أمر فدك وأعلمهم أنه قدردها إلى ما كانت عليه مع رسول الله والخلفاء الراشدين. فوليها أولاد فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ثم أخذت عنهم ثم ردها إليهم المأمون في سنة عشرين ومائتين.