(يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ) فدل ذلك على ان المراد بالاول من يختص بالخير دون أهل الشر.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ ولا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً) ثمّ قال (مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ) كيف يصح ذلك والمعلوم من حال الكفار انه ينتفع بما ينفقه في وجوه البر ويكون ذلك تخفيفا في عقابه. وجوابنا أن المراد بذلك ان ما ينفقه لا يحصل له ثمرته من الثواب وان كان عقابه أقل من عقاب كافر لم يفعل من البر ما فعله ولذلك قال تعالى بعده (وَ ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ ولكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) وهذا دلالة على انه تعالى منزه عن الظلم ولو كان هو الذي خلق الكافر وكفره ليدرجه الى النار لما صح هذا التنزيه.
[مسألة]
وربما سألوا عن قوله (لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) واللّه تعالى قال بعده (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ) وذلك تناقض.
وجوابنا أن المراد لو آمن من لم يؤمن منهم لانه لا يصح الا فيهم وقوله (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ) يعني من تقدم ايمانهم فلا تناقض في ذلك.
[مسألة]
وربما قالوا كيف يقول تعالى (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً) والاذى هو الضرر فكأنه قال لن يضروكم الا ضررا. وجوابنا ان المراد انهم لا يتمكنون الا من الضرر اليسير بما يكون من كلامهم ولذلك قال بعده (وَ إِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ) وقال (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) وبين انهم لا يضرون المسلمين الضرر الذي يظنون وانما ينالهم من جهتهم التأذي فالكلام متفق.
[مسألة]
وربما قيل ثمّ وصف جل وعز أهل الكتاب الى أن قال
(وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ويَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) ثمّ قال (لَيْسُوا سَواءً) فما المراد بذلك وقد وصفهم بالكفر وبهذه الصفات. وجوابنا انه لما قصد وصف الكثير منهم بذلك بين انهم يقاربون في ذلك لئلا يقدر بأن حالتهم واحدة ويحتمل ان بعضهم آمن فلذلك قال (لَيْسُوا سَواءً) وقوله من بعد (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ) يقوى الوجه الثاني.
[مسألة]
وربما قيل في قوله (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ ولا يُحِبُّونَكُمْ) الى قوله (وَ إِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) كيف يجوز أن يحبهم مع نفاقهم وجوابنا ان المنافق والكافر يلزمنا ان نحب صلاحه في الدين والدنيا وان كانوا لا يحبون شيئا من مصالحنا وهذا كما يريد تعالى صلاحهما وان يلطف لهم وان كان هم لا يحبون طاعة ربهم وعبادته.
[مسألة]
وربما قيل في قوله (إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) كيف يصح أن يكون محيطا بعملنا والإحاطة لا تجوز الا على الأجسام وما يجري مجراها وجوابنا ان المراد احاطة علمه بما نعمل وذلك مشبه بالجسم المحيط بغيره فكما ان ذلك الغير لا يخرج عن ما أحاط به فكذلك أعمالنا لا تخرج عن أن تكون معلومة للّه وذلك من اللّه تعالى ترغيب في عمل الخير وتحذير من المعاصي.
[مسألة]
وربما قيل كيف قال تعالى (وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) كيف يوصف الفضلاء من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم بأنهم أذلة وجوابنا انه تعالى نبه بقوله (وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ) على ان المراد بقوله (وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) قلة العدد والعدة والآلات والخوف من غلبة الكفار ولم يرد الذل الذي يجري مجرى الذم والنقص ومنه يقال لقليل العدد
اذا كان في مقابلتهم الجيش العظيم انهم أذلة ولذلك قال بعده (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَ لَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ) فبين انه نصرهم بهم وأخرجهم من أن يكونوا أذلة.
[مسألة]
وربما قيل كيف يجوز (أن يمدّهم بثلاثة آلاف من الملائكة) من ان صورة الملائكة بخلاف صورة البشر منا فكيف يصح ذلك وجوابنا انه تعالى يغير خلقهم حتى يكون الظاهر منهم مثل صورة الانس رجالا وركبانا، واللّه تعالى قادر على ذلك وبهذا القدر لا يخرجون من ان يكونوا ملائكة لان ما لأجله صاروا ملائكة من الصورة ثابت فيهم.
[مسألة]
وربما سألوا فقالوا كيف يقال للكفار (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) فيأمر نبيه بأن يبقوا على الكفر لانهم إن لم يبقوا عليه لم يموتوا بغيظ المؤمنين.
وجوابنا ان ذلك بصورة الامر وهو دعاء بهلاكهم كما يقول الانسان لمن يخالف في الحق مت كمدا وذلك مشهور في اللغة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ مَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) ان ذلك يدل على ان فعل المجاهد خلقه. وجوابنا أن المراد ان مجموع النصر لا يتم إلا بأمور من قبله وان كان لا بد من سعي المجاهد وهذا كما تقول في فضل الابن وعلمه انهما من جهة الوالد لما كان ذلك لم يتم الا من قبله ولذلك قال بعده (لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) انه قد نفى ان يكون له صلّى اللّه عليه وسلم فعل وصنع وذلك بخلاف قولكم.
وجوابنا أن المراد أنه ليس له في تدبير مصالح العباد وما يكون صلاحا لهم في الدين شيء لان كل ذلك من قبله تعالى وليس المراد نفي صنعه وفعله وكيف يجوز
ذلك وقد نصبه مبشرا ونذيرا وقال (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) وأضاف له الطاعة ومدحه بضروب المدح وقوله تعالى من بعد (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ) يدل على ان المراد بذلك ما قدمنا لانه بين أن صلاحهم يحصل بالتوبة ولا يحصل بمحبته صلّى اللّه عليه وسلم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ اتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) كيف يصح أن يصفها بأنها أعدت للكافرين ويقولون فيمن ليس بكافر من الفساق إنه يدخلها وكيف يصح من العباد اتقاء النار وهم يقهرون عليها. وجوابنا أن المراد بقوله (وَ اتَّقُوا النَّارَ) اتقاء المعاصي التي توجب استحقاق عقاب النار وذلك ظاهر اذا قيل للمرء اتق ربك واتق السلطان أن المراد اتقاء ما يؤدي الى تأديبهم فأما قوله (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) فلا يمنع من كونها معدة لغيرهم لان ذلك الشيء بحكمه لا ينفي ان ما عداه مثله وهذا كقوله تعالى في وصف النار (وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) ومعلوم ان من لا يوصف بذلك من الحور والاطفال يجنبون النار أيضا.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ والْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) كيف يصح في الجنة وهي في السماء أن يكون عرضها السموات والارض. وجوابنا أنه قادر في نفس السماء والارض أن يزيد فيها أضعافا كثيرة وكذلك يقدر على الجنة التي عرضها كعرض السماء والارض وزيادة على ذلك. وقوله تعالى بعده (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) وان كان يدخلها من ليس بمتقي فبطل قولهم انه لما ذكر (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) دل على أنه لا يدخلها سواهم ثمّ بين تعالى صفة المتقين الذين يستحقون الجنة فقال (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ والْكاظِمِينَ الْغَيْظَ والْعافِينَ عَنِ النَّاسِ واللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ والَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ
فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ومَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ولَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا) ثمّ قال تعالى بعده (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ثمّ قال تعالى بعده (وَ نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) وكل ذلك ترغيب التمسك بطاعة اللّه وبالتوبة والانابة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ) فعم ثمّ قال (وَ هُدىً ومَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) لما ذا فرق بين الأمرين وعندكم انه بيان للكل وهدى وموعظة للكل. وجوابنا أنه بيان وهدى للكل لكنه تعالى في كونه بيانا عم وفي كونه هدى وموعظة خص المتقين من حيث تمسكوا به فصار كأنه ليس بهدى ولا موعظة الا لهم كما ذكرناه في أول سورة البقرة في قوله (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) كيف يصح أن يقول ذلك في الكافرين وكيف يصح أن يقول (وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا) واللّه تعالى عالم لم يزل قبل أن يمس القوم القرح الذي ذكره.
وجوابنا أنه تعالى قد قوّى الكافر ومكنه بالآيات وغيرها وأمره ونهاه كما فعل ذلك بالمؤمن وانه خص المؤمن بالالطاف وغيرها فصح لذلك أن يقول في تلك الايام (نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) ولذلك قال بعده (وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ويَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) وقال (وَ لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ويَمْحَقَ الْكافِرِينَ) فجعل تعالى المداولة محنة على الكافرين ونعمة على المؤمنين وأما (وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا) فالمراد وقوع المعلوم ونبه بذكر العلم عليه لما كان معلوم العلم يحب ان يكون على ما تناوله العلم ولذلك قال اللّه تعالى بعده (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ولَمَّا)
(يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ ويَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) فنبه بذكر العلم على وقوع الجهاد منهم لان ذلك هو الذي يستحق به الجنة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) كيف يصح أن يلقى الموت وهو ينظر. وجوابنا أن المراد رؤيته أسباب الموت ومقدماته دون نفس الموت لان الميت لا يتمكن من أن يكيف الموت ويراه وهو كقوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) والمراد به المرض الذي يخاف منه وهو كقوله تعالى في قصة ابراهيم عليه السلام (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) والمراد الاضجاع الذي هو مقدمة الذبح. وربما سألوا في هذه الآية فقالوا أ ليس تمنيهم الموت هو تمني قتل الكفار لهم وذلك مما يقبح فكيف يصح ذلك. وجوابنا ان الموت غير القتل أو يكون من قبل اللّه تعالى لا من قبل الكفار فيصح أن يتمنوه تخفيفا للتكليف عليهم. فبعث بذلك على الجهاد لكي لا يزهدوا فيه خوف الموت وقد يتمنى ذلك على وجه لا يحصل معه من الثواب ما يحصل بالموت في الجهاد.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) ان ذلك لا تعلق له بما تقدم من الترغيب في الجهاد. وجوابنا ان المروي في ذلك انهم قالوا لما انهزم أصحاب النبي صلّى اللّه عليه وسلم أنه قد قتل فنحن نعود الى ديننا الاول فقال اللّه تعالى (أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) وقال أيضا (وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ) فلما انهزمتم وقد رغبكم اللّه في الثواب العظيم ان انتم ضربتم وان أتى القتل عليكم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا) ان ذلك يدل على ان قتل الكفار لهم يوم أحد من قبل اللّه لا من فعل الكفار. وجوابنا انه تعالى اراد بالاذن العلم والكتابة ولم يرد الأمر لأن الموت لا يؤمر ولا الميت يؤمر بالموت ويحتمل اذنه تعالى الملائكة بالتوفي والاماتة وليس في الآية ذكر القتل ولو دخل فيها كان لا يمتنع لان المجاهد في الاكثر يجرح ثمّ تكون الاماتة من قبل اللّه تعالى وفي العلماء من يقول انه وان دخل فلا بد من وجود الموت من قبل اللّه تعالى فيه ونبه بقوله تعالى من بعد (وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها ومَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها) على أن اختيار الراحة بترك الجهاد ليس فيها الا النفع المعجل وفي المصابرة على الجهاد ثواب الآخرة فرغب تعالى بذلك في المجاهدة.
[مسألة]
وربما قيل ما معنى قوله تعالى (وَ سَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) بعد ذكر الموت وانه لا يكون إلا باذنه تعالى. وجوابنا أنه أراد مجازاة الصابرين على الجهاد وجعل صبرهم على الجهاد شكرا من حيث عبدوه تعالى تقربا اليه وطلبا لمرضاته وهذا كقوله تعالى (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) فجعل عبادتهم شكرا للّه تعالى لما فعلوه تعظيما له كما يشكر المنعم على وجه التعظيم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ) كيف يصح ذلك ونحن قد نجد في الذين كفروا من لا رعب في قلبه وربما يكون الرعب في قلوب المؤمنين.
وجوابنا انه لا كافر يلقى الحرب مع المسلمين الا وفي قلبه رعب كما ذكره اللّه تعالى لانه لا يرجع في مقاتلته الى دين يسكن اليه كالمؤمن، ولأن المؤمن يزداد تنزيه القرآن (6)
لطفا الى لطف ويعرف ذلك عنه الكافر وهذا كقوله (وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) وقيل ان ذلك نزل في كفار مخصوصين يوم أحد وهم الذين قال اللّه تعالى بحقهم (وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ) فبين تعالى انه سيلقي الرعب في قلوبهم فيغلبهم المسلمون.
[مسألة]
وربما قيل قد قال (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ) وذلك في يوم أحد وهو كالدلالة على أنه تعالى يفعل فيهم الاقدار والصرف.
وجوابنا أنه تعالى ذمهم في قوله (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ) فأراد انه يوم بدر أراهم ما يحبون لما لم يعصوا ويوم أحد عصوا وقد كان صلّى اللّه عليه وسلم رتب لهم في مجاهدة الكفار ترتيبا خالفوه فلما لم يثبتوا في المحاربة على ما رسمه لهم لم يلطف لهم لاجل المعصية بل شدد التكليف عليهم فجاز ان يقول (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ) ولذلك قال تعالى (لِيَبْتَلِيَكُمْ) أي ليمنحكم بمصالح العاقبة ثمّ قال (وَ لَقَدْ عَفا عَنْكُمْ) ولو كان الصرف من خلق اللّه تعالى فيهم لم يكن لذلك معنى وانما ضمن لهم النصرة بشرط طاعة الرسول فلما خالفوه ولحقهم بذلك الغم الصارف جاز أن يصفهم تعالى بذلك.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) وفي قوله من بعد (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) ان ذلك يدل على ان لا صنع للعبد. وجوابنا أنه تعالى حكى عنهم ما ذمهم عليه وهو قوله (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا) فلا دلالة فيما حكاه عنهم فأما قوله تعالى (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) فالمراد به ما يتصل بالنصرة والتمكين ولو لا ذلك لما أمرهم بالجهاد ولما ذمهم على تركه ولذلك قال بعده (يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ) فنبه على انه تعالى يعلم من حالهم ما لا يعلمه صلّى اللّه عليه وسلّم وقوله تعالى بعد ذلك (وَ لَوْ)
(كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) ترغيب للرسول صلّى اللّه عليه وسلم في جميل الاخلاق ليكون قبولهم أقرب ويدل على أن صرفهم فعلهم لانه لو كان خلقا من اللّه فيهم لما صح ان يقول (فَاعْفُ عَنْهُمْ واسْتَغْفِرْ لَهُمْ وشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) لانه لا يصح منا أن نشاور فيما يخلقه تعالى ولما صح قوله (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) ولما صح قوله (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ) لان ما يوجد في الغالب والمغلوب هو من قبل اللّه تعالى.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) كيف يصح ذلك على الانبياء. وجوابنا ان المراد ما كان له أن ينسب إلى ذلك في إحدى القراءتين وفي القراءة الاخرى ما كان له ان يفعل فنزهه عن الأمرين.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً) كيف يصح ذلك وقد قتلوا وماتوا. وجوابنا ان المراد شهداء يوم أحد بين تعالى أنه قد أحياهم فلا ينبغي أن يظن فيهم انهم أموات وذلك صحيح وقد قال بعضهم مثل ذلك في كل الشهداء اذا ماتوا على توبة وطهارة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله (وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) كيف يصح أن يبقيهم لتقع منهم المعاصي. وجوابنا أن المراد عاقبة أمرهم وذلك كقوله تعالى (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وحَزَناً) والا فمراده من جميعهم العبادة والطاعة كما قال تعالى (وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ والْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ)
(قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ ونَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا) كيف يصح ذلك ممن يدين بالإله أن يقول ذلك. وجوابنا أن حكاية اللّه تعالى عنهم وقد ثبتت حكمته لا طعن فيه فمن سلم حكمته فلا كلام له وان لم يسلم دللنا على الأصل ولم نتكلم في الفروع فقد كان في العرب على ما ذكره اللّه تعالى في سورة الأنعام من يقول ذلك حتى يجعل من الانعام نصيبا من اللّه ولا يمتنع في المشبهة أن يكون فيهم من يقول ذلك فاذا جاز أن يدينوا بأنه تعالى رمدت عينه فعادته الملائكة الى غير ذلك لم ينكر ما حكاه اللّه عنهم، ومن اليهود من يقول بنهاية التشبيه فيصح أن يكون هذا قوله.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا ويُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) فما الفائدة في أن كرر قوله (وَ لا تَحْسَبَنَّ). وجوابنا أنه قد حكى ان قوما من اليهود كانوا يفرحون باضلالهم الناس واجتماع كلمتهم على تكذيب الرسول صلّى اللّه عليه وسلم ومع ذلك يقولون نحن ابناء اللّه وأحباؤه فقوله أولا (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) أراد به ما ذكرناه أولا وقوله (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) أراد به ما ذكرناه ثانيا ويصح ايراد ذلك اذا طال الكلام بعض الطول فيكون من باب التوكيد الذي يحتاج اليه ثمّ ذكر تعالى قوله (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ والْأَرْضِ واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ لَآياتٍ) والمراد بذلك أن يعتبر الخلق بالنظر في ذلك ويستدلون به على اللّه تعالى وقوله (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وقُعُوداً وعَلى جُنُوبِهِمْ) يدل على ان الواجب على المرء أن لا يفارق ذكر اللّه تعالى على اختلاف أحواله ولذلك قال تعالى (وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ والْأَرْضِ) ويقولون (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا) ولو كان تعالى يخلق الظلم وسائر القبائح لما صح ذلك ولما صح قوله (سُبْحانَكَ) لان معنى ذلك تنزيهه تعالى عن كل سوء كما روى عنه صلّى اللّه عليه وسلم.