اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) مع أن اللّه تعالى بعثه هاديا ومبينا. وجوابنا ان المراد ليس هو الدلالة لان اللّه تعالى قال (وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) بل المراد اللطف لان ذلك ليس في مقدوره صلّى اللّه عليه وسلم ولا يعلم الحال فيه فلذلك قال (وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) ويحتمل ان يريد به الثواب لان ذلك في مقدوره تعالى، فقد كان صلّى اللّه عليه وسلم يغتم اذا لم يؤمنوا فبين ان ان ذلك ليس اليه.
[مسألة]
وربما قيل ان قوله (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ) كيف يصح ذلك وعندكم ان الشيطان لا يقدر على مثل ذلك. وجوابنا إن مس الشيطان إنما هو بالوسوسة كما قال تعالى في قصة أيوب (مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وعَذابٍ) كما يقال فيمن تفكر في شيء يغمه قد مسه التعب وبين ذلك قوله في صفة الشيطان (وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) ولو كان يقدر على ان يخبط لصرف همته إلى العلماء والزهاد وأهل العقول لا الى من يعتريه الضعف واذا وسوس ضعف قلب من يخصه بالوسوسة فتغلب عليه المرة فيتخبط كما يتفق ذلك في كثير من الانس اذا فعلوا ذلك بغيرهم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) فجعل العلة ما يعتري من النسيان وذلك قائم في الرجلين أيضا فكيف يقتصر عليهما في الشهادة وجوابنا ان الأغلب في النساء لنقصهن جواز النسيان وليس كذلك في الرجال فلذلك فصل بين الامرين.

[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (رَبَّنا ولا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) ان هذا يدل على جواز تكليف ما لا يطاق والا لم يكن لهذه المسألة معنى. وجوابنا ان مسألة الشيء لا تدل على أن خلافه يحسن أن يفعل يبين ذلك قوله تعالى (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ) ولا يجوز أن يحكم بغيره وقول ابراهيم عليه السلام (وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) ولا يجوز أن يخزي اللّه تعالى الانبياء فبطل ما ذكرته وبعد فيجوز أن يكون المراد بذلك (وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) من العذاب في الآخرة والطف بنا حتى ننصرف مما يؤدي الى ذلك.

سورة آل عمران
[مسألة]
ربما قيل اذا كان في القرآن ما يخالف ما في التوراة والانجيل من النسخ وغيره فكيف يقال (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ). وجوابنا ان الناسخ به لا يكون مخالفا لان المنسوخ تعبّد به في وقت والناسخ تعبّد به بعد ذلك الوقت فلا خلاف فيه وفي شريعتنا ناسخ ومنسوخ وليس ذلك بموجب ان لا يصدق بعضه بعضا.
[مسألة]
وربما قيل في قوله (وَ أَنْزَلَ التَّوْراةَ والْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ) أ فما يدل ذلك على ان ننظر فيهما كما ننظر في القرآن وجوابنا ان من عرف تلك اللغة وأمن التحريف يحسن منه أن ينظر فيهما لكنه لا يجب من حيث كان العقل والقرآن يغني عن ذلك وانما يمنع من النظر فيها لما يجري من التحريف الذي لا يميزه مما لا تحريف فيه.
[مسألة]
وربما قيل ما معنى قوله (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) كيف يجوز أن ينزل ما يشتبه والمراد البيان. وجوابنا ان ذلك ربما يكون أصلح وأقوى في المعرفة وفي رغبة كل الناس في النظر في القرآن اذا طلبوا آية تدل على قولهم ويكون أقرب اذا اشتبه الى النظر بالعقل ومراجعة العلماء وهذا يجوز ان يعرف المدرس انه اذا ألقى المسألة الى المتعلم من دون جواب يكون أصلح ليتكل على نفسه وغيره.

[مسألة] وربما قيل فما معنى قوله (وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ والرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) كيف يجوز في بعض القرآن أن لا يعلمه العلماء وانما يؤمنون به وقد أنزله اللّه بيانا وشفاء. وجوابنا ان في العلماء من يتأوله على ما تؤول اليه أحوال الناس في الثواب والعقاب وغيرهما فبين تعالى انه جل جلاله يعلم ذلك وهو تأويله وان الراسخين في العلم يؤمنون بجملة ذلك ولا يعرفونه ولم يمن بذلك الأحكام والتعبد وهذا كقوله (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ) وأراد به المتأول وقال بعض العلماء المراد ان الراسخين يعلمون أيضا وهم مع ذلك يؤمنون به فيجمعون بين الامرين بأنه قد يعلم معنى الكلام من لا يؤمن به وقد يؤمن به من لا يعلم معناه بقوله تعالى (وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ والرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) أي والا الراسخون في العلم ويقولون مع ذلك (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) وكلا الجوابين صحيح وبيّن تعالى ان من في قلبه زيغ يتبع المتشابه كاتباع المشبهة والمجبرة ظاهرة ما في القرآن فذمهم بذلك. والواجب اتباع الدليل وليس في المتشابه آية الا ويقترن بها ما يدل على المراد. والعقل يدل على ذلك فاللّه تعالى جعل بعض القرآن متشابها ليؤدي الى اثارة العلم والى أن لا يتكلوا على تقليد القرآن ففيه مصلحة كبيرة. وقد قيل ان المراد لا يعلم تأويله على التفصيل عاجلا أو آجلا الا اللّه تعالى وان كان الراسخون في العلم يعلمون ذلك على الجملة دون التفصيل.
[مسألة]
وربما سألوا في قوله في أول السورة (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ) ويقولون انه تعالى ذكر ذلك ثمّ كرره بقوله (وَ أَنْزَلَ الْفُرْقانَ) وأنتم تمنعون من مثل هذا التكرار في كتاب اللّه تعالى. وجوابنا ان المعنى والغرض ذا اختلفا لم يكن تكرارا ففي الاول بين انه أنزل الكتاب بالحق وأنه مصدق لما بين يديه من الكتب وفي الثاني ان

التوراة والانجيل كما جعلهما هدى للناس كذلك الفرقان جعله هدى ومفرّقا بين الحق والباطل.
[مسألة]
وربما قيل في قوله (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ما فائدة الشهادة منه تعالى ومن لا يعلم ويعرف بصفاته وعدله لا يوثق بقوله؛ وكذلك شهادة الملائكة فما الفائدة في ذلك. وجوابنا أنه تعالى قد نبه على طريق معرفته في مثل قوله (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) وفي آية المحاجة لإبراهيم صلّى اللّه عليه وسلم وغير ذلك فأراد تعالى أن يحقق التوحيد بذكر شهادة الملائكة والعلماء ومثل ذلك بعد البيان يكون مصلحة وليس المراد بذلك الشهادة التي هي مثل البينات في الحقوق بل المراد التنبيه على وضوح الشيء ووضوح أدلته وبعث السامعين على تأمل طريقته.
[مسألة]
وربما قالوا في قوله تعالى (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا) ان ذلك كالدلالة على أنه يزيغ قلوب البعض من العباد وانه يصرفهم عن الهدى.
وجوابنا ما تقدم من أن السائل قد يسأل ما المعلوم أنه تعالى لا يفعل خلافه فليس في هذه المسألة دلالة على أنه تعالى يفعل ببعضهم زيغ القلب كما ليس في قوله (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ) دلالة على انه يحكم بالباطل والمراد انهم سألوا أن يلطف بهم في أن لا يزيغ قلبهم بعد الهدى لأن المهتدى قد يحتاج الى الالطاف ليثبت على ذلك ويزداد هدى الى هدى.
[مسألة]
وربما قالوا فعلى هذا التأويل سألوا اللّه تعالى أن يلطف لهم في أن لا يزيغ قلبهم عن الهدى وهو اللطف فيجب في قوله (وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) أن يكون تكرارا لأنّ الاول أيضا رحمة ونعمة. وجوابنا ان المسألة الاولى هي اللطف في باب الدين والثانية في التفضل في المعجل في مصالح الدنيا فالمعنى مختلف.

[مسألة]
قالوا لم ذكر تعالى في قوله (وَ مَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) ولا تعلق لوصفه تعالى بأنه سريع الحساب بقوله ومن يكفر بآيات اللّه فكيف يصح ذلك. وجوابنا ان المراد بالحساب المجازاة على ما يأتيه المرء لان العلماء في الحساب مختلفون فمنهم من يقول المراد به بيان ما يستحقه المرء على عمله ومنهم من يقول بل المراد نفس المجازاة وعلى الوجهين جميعا للثاني تعلق بالأول فكانه قال (وَ مَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ) المحاسبة له ولغيره فيظهر ما يستحقه ويحل به وهذا نهاية في التهديد وفي بيان العدل لانه تنبيه على ما ينزل به من العقاب فهو بحسب ما يستحقه لانه يفعل به على وجه المجازاة ولذلك قال تعالى بعده (وَ اللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) لما كان من باب التفضل.
[مسألة]
وربما سألوا عن قوله (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ويَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ ويَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ما الفائدة في ذكر قتل الأنبياء بعد الكفر وقتل المؤمنين ومعلوم انهم يستحقون العقاب على كفرهم وان لم يفعلوا شيئا من ذلك. وجوابنا ان ما بشر به من العذاب لا يجب أن يرجع الى مجموع ذلك بل يرجع الى كل خصلة منه فكأنه قال (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ويَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ ويَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) فكمثل ذلك فلا يدل ذكر الكل على ما ذكره لان الوعيد راجع الى كل واحد وقد قيل ان الآية نزلت في اليهود الذين كان سلفهم بهذه الصفات.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ اللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ) إنه يقع من العباد فكيف أضافه اللّه اليه. وجوابنا ان النصر قد يقع من العباد بعضهم على بعض والأكثر منه ما يقع من اللّه بأمور يفعلها فتقوى

القلوب عندها في الجهاد وغيره.
[مسألة]
وقالوا في قوله (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ والْبَنِينَ) الخ: اذا كان تعالى زينه فكيف يعاقب العبد على ما زينه له. وجوابنا انه تعالى لم يذكر من الذي زين فيحتمل أن يريد من يدعو الى المعاصي من شياطين الانس والجن ويحتمل أنه تعالى زين لهم بالشهوات وخلق المشتهى لكنه يضم الى ذلك فيما هو معصية التخويف والوعيد وذلك مما يحسن ولذلك ذكر المال والخيل والأولاد ثمّ قال في آخره (ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا واللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) فرغب في الآخرة العاقبة وزهد في العاجلة فلهذا تأولناه على ان المراد ما جبل العباد عليه من الشهوات واللذات ولذلك قال بعده (قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ) ثمّ وصفها بما ذكره بعده وأضاف الى ذلك رضوان اللّه تعالى ثمّ اتبعه بقوله (وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) ليتصور المرء في كل ما يأتيه أنه تعالى مطلع عليه وذكر في وصف الجنة (وَ أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) والمراد بذلك انهن مطهرات مما ينفر في الدنيا من حيض وغيره وقيل من الذنوب والاول أقرب لأن فيهن من لم يكلف، ومن كلف منهن فليست الحال حال تكليف فيذكر ذلك.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) كيف يكون العلم وحصوله طريقا للاختلاف المذموم. وجوابنا ان من علم فعاند وبغى فذلك يكون عقابه أعظم فيحتمل أن يريد بذلك أهل الكتاب الذين عرفوا فعاندوا، ولذلك خص اللّه تعالى أهل الكتاب بالذكر، ويحتمل أن يكون المراد بقوله (مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) الدلالة وما هو طريق العلم لان من قصر في النظر فيه يعظم عقابه ويوصف بأنه قد بغى في ذلك.

[مسألة]
وربما قالوا في قوله (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ ومَنِ اتَّبَعَنِ) فيقولون كيف يبطل بذلك محاجتهم. وجوابنا ان المحاجة اذا كانت بغير الحجاج لا تدفع الا بمثل ذلك فاذا كان النبي صلّى اللّه عليه وسلم قد بيّن وكرر ذلك البيان ثمّ وقع منهم محاجة صح دفعها بمثل هذا الكلام والواحد منا اذا بيّن لمن خالف الحق حالا بعد حال لصح من بعد؛ وقد كرر على المخالف أن يقول أنا أتوكل على اللّه وأستسلم له وأسلمك فيما تأتيه الى خالقك وربما يكون ذلك أوكد وأرفع لباطله ممن أراد الحجاج عليه حالا بعد حال ولذلك قال تعالى بعده (وَ قُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ والْأُمِّيِّينَ أَ أَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) فنبه بذلك على ان الابلاغ قد تقدم منه صلّى اللّه عليه وسلم حالا بعد حال.
[مسألة]
وربما سألوا عن قوله (قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ) فقالوا أضاف تعالى ملك الملوك الى نفسه وانه يفصل بين الظالم والعادل وقال مع ذلك (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) والطاعة أجمع من الخير فيجب أن تكون من فعله. فجوابنا أن الأصل في كل ملك هو العقدة والعقل والتمكين ولا يكون ذلك الا منه تعالى وانما يختلف حال الملوك فيما عدا ذلك فمنهم من يفعل بعد ذلك أنواعا من أنواع الظلم فيقوى بها. ومنهم من لا يتعدى. فاذا حملنا الملك على ما ذكرناه أولا، وهو الاصل فكل ذلك مضاف الى اللّه تعالى، وهو الذي يؤتيه وهو الذي ينزعه فأما العز فلا يكون في الحقيقة الا من اللّه تعالى؛ على كل حال لان من يعز بالمعاصي فهو ذليل، ولذلك لا يعد الكفر عزا وان كان بعضهم يعز بعضا بذلك. وبعد فانه تعالى ذكر أولا انه مالك الملك وان ما يملكه يؤتيه من يشاء وينزعه عمن يشاء فلا يدخل في ذلك ما لا يضاف الى ملكه من ظلم الظلمة.
فأما قوله تعالى (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) فالمراد انه لا وصول الى الخير الا باللّه

تعالى وعلى هذا الوجه نقول في الطاعات إنها من اللّه لما كان المطيع لا يصل الى فعلها الا بأمور من قبله وقصده بتلك الامور أن يفعل الطاعة فينال الثواب ولذلك قال تعالى بعده (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) فذكر ما هو كالاصول لمنافع الخلق وسائر ما يصلون به الى الملك وغيره.
[مسألة]
وربما قيل في قوله (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) كيف يصح ذلك ومعلوم من حال كثير أنهم يتخذونهم أولياء. وجوابنا ان ذلك بمعنى النهي ولذلك قال بعده (وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ) فان قيل فما المراد بهذه الولاية.
فجوابنا انها الولاية الراجعة الى الدين دون ما يتصل بأمور الدنيا، لان للمؤمن معاملة الكافر ومعاوضته ومعاشرته في الاكل وغيره وانما يحرم عليه ان يتولاه في باب الدين بالمدح وبالذب عنه فيما يتصل بالدين.
[مسألة]
وربما قيل ما معنى قوله (وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) ان المحذّر غير المحذّر منه فكيف يصح ذلك. وجوابنا انه تعالى يذكر نفسه على وجه التأكيد وطريقة اللغة تشهد بذلك والمراد بذلك التحذير من عقوبته ليتوق المرء من المعصية لاجل ذلك، وذلك معقول في الشاهد لان الوالد قد يقول لولده وقد نهاه عن العقوق وغيره، وأنا أحذرك نفسي فاتق اللّه فيما تأتي وتدبر ويعني بذلك المجازاة والتأديب ولذلك قال بعده (وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) لأن من جملة الرأفة هذا التحذير الذي هو طريق الثواب وزوال العقاب.
[مسألة]
وربما سألوا في قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ ونُوحاً وآلَ إِبْراهِيمَ وآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) وذلك يدل على أنه يخصهم بهذا الفضل؛ وذلك يوجب أن، فضلهم من قبل اللّه تعالى. وجوابنا ان المراد أنه

اصطفاهم بالنبوة والرسالة وذلك لا يكون الا من قبله تعالى وان كان جل وعز لا يختارهم إلا لأمور كثيرة كانت من قبلهم وتكون أيضا من قبلهم فيما بعد.
وربما أورد ذلك من يقول ان الانبياء أفضل من الملائكة. وجوابنا أن المراد بذلك اصطفاهم بالرسالة على عالمي زمانهم، وذلك لا يتأتى في الملائكة لأن الملائكة كلها رسل على ما ذكره اللّه تعالى. واختلفوا في العالمين فقال بعضهم يدخل فيه كل الخلق وقال بعضهم العقلاء ومن هو من جنسهم، وقال بعضهم الناس دون غيرهم لانهم الذين يظهر فيهم الجمع والتفريق ولذلك يقول القائل جاء في عالم من الناس ولا يقول جاء في عالم من البقر وكل ذلك يزيل هذه الشبهة خصوصا وقد ثبت بآيات كثيرة أن الملائكة أفضل كما ثبت أن نبينا صلّى اللّه عليه وسلم أفضل فكما لا يمكن في هذه الآية أن يقال ان هؤلاء الانبياء أفضل من رسولنا صلّى اللّه عليه وسلم فكذلك ما ذكرناه في الملائكة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ) انه يدل على أنه جعلها صالحة لانها لم تكن نبية.
وجوابنا أنه تعالى خصها بولادة عيسى عليه السلام من بين سائر الانبياء وذلك من قبل تعبدها.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) كيف يصح تحرير ما في البطن.
وجوابنا ان المراد بذلك أنها نذرت أن يكون ما في بطنها مسلما للّه تعالى ذكرا كان أو انثى موفرا على عبادة اللّه تعالى. وقد كان مثل ذلك من عبادات ذلك الزمان فلذلك قال تعالى (فَتَقَبَّلْ مِنِّي) ولذلك قال (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) وكل ذلك لما في المعلوم من أمر عيسى عليه السلام.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ لَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى)

6 / 47
ع
En
A+
A-