سورة العصر
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) كيف يصح ذلك واللّه تعالى خلقه لينتفع؟ وجوابنا ان المراد المكلف دون غيره فبين أنه لفي خسر إلا الذين آمنوا ثمّ بيّن صفتهم فقال تعالى (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ولم يقتصر على ذلك حتى وصفهم بالنظر في أمر غيرهم لأن المكلف كما يلزمه ما يخصه من ايمان وعبادة كذلك يلزمه ما يتعلق بغيره من أمر بمعروف ونهي عن منكر وتعليم للدين وصرف عن الباطل فلذلك قال تعالى (وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) وهاتان الكلمتان قد دخل فيهما كل امر يلزم المرء في غيره وان فسرناه طال القول فيه.
نسخة: حاشية وجدت بخط اليشكري من أصحاب أبي رشيد سألت قاضي القضاة عن الامر الذي يلزم المرء في غيره ما هو قال هو كثير من جملته ما يدخل في قوله تعالى (وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ) والدعاء الى الدين والتوحيد والعدل والانصاف في المعاملات والامر بالمعروف والنهي عن المنكر واصلاح ذات البين ويدخل في قوله (وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ) وهو الصبر على الطاعات والصبر عن المعاصي والصبر على ما يلحق المرء من المحن والشدائد والمصائب من جهة اللّه تعالى ومن جهة عباده الظلمة بان لا يجزع ولا يهلع ولا ينتصف من ظالمه بأكثر من حقه ولا يريده بأكثر مما حده الله فيه ولا يحمله الغضب والجزع على ان يتعدى فيه الى حد ذم فان من الناس من اذا لحقته محنة من ظالم يريد ان يلحق سائر الناس مثل ما لحقه ولو تمكن منه ومن التشفي به لفعل وربما سعى به الى السلطان وكل هذا مما نهى اللّه عنه والواجب على المؤمنين ان يوصى بعضهم بعضا بذلك كما ندب اللّه اليه. وفقنا اللّه للعمل بما يرضيه ويزلفنا اليه والسلام اه.

سورة الهمزة
[مسألة]
وربما قيل هل يدخل في قوله تعالى (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) غير الكافر او لا يدخل فيه الا الكفار؟ وجوابنا ان ذلك محتمل لاجل قوله تعالى (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) وذلك مما لا يليق إلا بالكفار الذين لا يعتقدون في أموالهم انها من قبل اللّه تعالى فلذلك رجحنا قول من صرف ذلك إلى الكفار.

سورة الفيل
[مسألة]
وربما قيل فيه كيف يصح في الطير الصغير أن يرسل الحجر فيؤثر في الناس التأثير الذي ذكره اللّه تعالى في هذه السورة؟ وجوابنا ان ذلك يصح من احد وجهين إما بأن يزيد اللّه تعالى في قوة الطّيور فلزيادة قوتهم يؤثر ذلك الحجر التأثير العظيم، فقد روى ان ذلك الحجر كان ينفذ في الراكب وفي فرسه حتى يخرقهما جميعا والثاني ان يكون اللّه تعالى عند رمي الطير كيف يفعل فيه من الانحدار الشديد ما يؤثر هذا التأثير. فان قيل كيف يصح ذلك ولم يكن في الزمان نبي وهذا من المعجزات العظام؟ وجوابنا أنه لا بد من نبي في الزمان يكون هذا الامر معجزة له وقد كان قبل نبينا أنبياء بعثوا الى قوم مخصوصين فلا يمتنع أن يكون هذا الأمر ظهر على بعضهم كما روى انه صلّى اللّه عليه وسلم قال في خالد بن سنان ذلك نبي ضيعه قومه، وكما قال في قس بن ساعدة أنه يبعث يوم القيامة امة واحدة لقلة من قبل عنه فهذه طريقة الكلام في هذا الباب.

سورة قريش
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) كيف يصح ذلك ومعلوم أن فيهم من لم يطعمه اللّه من جوع كالذين يقطعون الطريق ويفسدون في الارض وفيهم من لم يؤمنه من خوف كالذين يخافون الفتن وغيرها في تلك البقعة وغيرها؟ وجوابنا أن قوله تعالى (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) مخصوص لأنه راجع إلى قوله تعالى (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ والصَّيْفِ) فانما ورد في هؤلاء التجار وهؤلاء لا يمتنع أن يكون ما ذكره اللّه تعالى واقعا فيهم فأطعمهم اللّه جميعهم من جوع وآمنهم من خوف، فان قيل فان كان اللّه تعالى أطعمهم فيجب أن يكون هو الخالق للأكل فيهم كما يقوله أهل الاجبار؟ وجوابنا أنه من جهة العادة يقال ان فلانا أطعم القوم اذا مكنهم من الأكل وأباح ذلك لهم فلما كان تعالى أباح لهم التصرف في التجارات وغيرها ورزقهم من ارباحها ما يكون طعاما لهم جاز أن يصف نفسه بأنه اطعمهم من الجوع وآمنهم من الخوف ومعلوم أنه قد خص اللّه تعالى هذه البقعة من الأمن بما باينت به غيرها من البقاع ولم يقل تعالى وآمنهم من كل خوف فورود بعض أسباب الخوف عليهم لا يخرجهم من أن يكونوا قد آمنوا من بعض آخر.
تنزيه القرآن (31)

سورة الماعون
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) كيف يصح مع السهو؛ والسهو من قبل اللّه تعالى والساهي معذور فيما سها عنه فكيف يكون له الويل؟ وجوابنا أن المراد بقوله تعالى (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) ليس هو السهو الذي يفعله تعالى فيهم بل هو ما ينالهم من الغفلة لقلة توفرهم على الصلاة وقد اوجب اللّه تعالى على المكلف ان يتوفر بقلبه وبدنه ولسانه على الصلاة فاذا قصر في ذلك مع التمكن جاز ان يوصف بأنه سها عن صلاته فهذا هو المراد ولذلك قال تعالى بعده (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ ويَمْنَعُونَ الْماعُونَ) والمرائي بما يفعله لا يجوز ان يكون ساهيا على الوجه الذي يكون معذورا معه في تلك العبادة.

سورة الكوثر
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحَرْ) ما وجه تعلق النحر بالصلاة حتى يعطف عليها وما وجه تعلق هذا الامر بانعام اللّه تعالى عليه بالكوثر؟ وجوابنا أنه قد روي عن امير المؤمنين أن المراد به وضع احدى اليدين على الاخرى عند الصدر ولذلك تعلق بالصلاة لأنه أحد ما سن فيها على ما روى عنه صلّى اللّه عليه وسلم أنه قال ثلاث من سنن المرسلين احدهما وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة وقد قيل ان المراد بهذا النحر ما له تعلق بالصلاة يوم الاضحى وفي المناسك وقيل إنه تعالى ذكر في العبادات ما هو الاشق من الصلاة وأتبعه بما هو الأشق في نفار الطبع.

سورة الكافرون
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) كيف يحسن ذلك في الحكمة مع التكرار الذي فيه؟
وجوابنا أنه لا تكرار في ذلك لان قوله تعالى (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) المراد به في المستقبل وقوله تعالى (وَ لا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) المراد به في الحال (وَ لا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) المراد به في المستقبل وفي الحال أي لا أعبد ما تقدمت عبادتكم له، ومن يعد ذلك تكرارا فمن قلة معرفته وتدبره لأنه ينظر الى اللفظ ويعدل عن تأمل المعنى.

سورة النصر
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ والْفَتْحُ ورَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) ما وجه تعلق الأمر بأن سبح بما تقدم ذكره ومعلوم أنه مأمور بذلك في كل حال؟
وجوابنا ان المراد (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) لاجل هذه النعمة العظيمة وهي النصر والفتح وتوفر الناس على الدخول في الدين لأن كل ذلك من النعم الزائدة على محمد صلّى اللّه عليه وسلم وعند كل نعمة متجددة يجب الشكر المتجدد فأمره اللّه تعالى بذلك وبالتوبة والانابة لأنه ما من حال يجب فيها شكره وتنزيهه الا ويجب معها التوبة وقد قيل ان السورة نزلت آخرا وقد نعى الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم نفسه فنبه بهذا الكلام على ما ينبغي أن يتسدد فيه عند مفارقة الدنيا.

سورة المسد
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وتَبَّ) كيف يصح أن يعرّفه اللّه تعالى بأنه سيصلى النار وأنه لا يؤمن ومثل ذلك اذا عرفه المرء صار كالصّارف عن الإيمان والإغراء بالكفر؟ وجوابنا أن في العلماء من قال ان هذا الخبر مشروط كما شرط اللّه تعالى في الوعد الثبات على الطاعة واجتناب الكبائر وشرط اللّه تعالى في الوعيد أن لا يتوب ولا يأتي بطاعة أعظم من معاصيه واذا كان مشروطا فيجوز أن يؤمن فيخرج عن أن يكون خاسرا وأن يكون ممن يصلى النار قطعا ومن العلماء من قال يجوز أن يكون مقطوعا به وإعلامه بذلك لعلم اللّه تعالى فيه أنه لا يؤمن ولا يمنع ذلك من حسن التكليف لانه في أن لا يؤمن إنما يؤتى من قبل نفسه وعلى هذا اختلفوا أيضا في تعريف اللّه له هل هو بأنه لا يؤمن أو بأنه يبقى الى حين.

سورة الاخلاص
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (اللَّهُ الصَّمَدُ) أ ليس في الرواية أنه المصمت الذي لا جوف له وذلك يدل على ما تقوله المشبهة؟ وجوابنا أن المروى عن ابن عباس أن الصمد السيد والمروى عن الحسن وغيره أنه الذي يصمد اليه في الحوائج ويفزع اليه في الطلبات وكلاهما من أوصاف اللّه تعالى التي تمنع من أن يكون جسما لان السيد الذي لا يتقدمه غيره في السؤدد وغيره لا يجوز أن يكون جسما ولأن من يفزع في الامور على كل حال لا يجوز أن يكون جسما. وفي الخبر ان بعض أهل الكتاب قالوا للنبي صلّى اللّه عليه وسلم أنعت لنا ربك أ من ذهب أم فضة فأنزل اللّه تعالى هذه السورة وبين لهم فيها فساد ما اعتقدوه لان قوله تعالى (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) يتضمن أنه الذي تحقّ له العبادة وذلك لا يصح إلا للقدرة على خلق من يستحق أن يعبده والانعام عليه بالعقل وغيره ثمّ قال في وصفه إنه أحد ولا يكون واحدا لا عديل له إلا وهو قديم لا يشبه الاجسام ولا مثل له ولا نظير في الآلهية وثمّ قال تعالى (اللَّهُ الصَّمَدُ) فأعاد ذكر الآلهية عند وصفه إليه في الأمور ثمّ قال تعالى (لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ) فبيّن أن ذلك مستحيل عليه ولو كان جسما لم يستحل عليه ذلك ثمّ قال تعالى (وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) ليعلم انه لا نظير له ينازعه في الملك وهذا إذا تأمله المرء عرف دخول كل أوصاف اللّه تعالى من الوحدة والعدل في جملته لأن الآلهية تقتضي على الاجسام والفعل والحياة وغيرهما وتقتضي العلم بأن المكلف كيف يعبد وكيف

45 / 47
ع
En
A+
A-