سورة أ لم نشرح
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) ان ذلك يدل على ان إيمانه من اللّه تعالى لأن شرح صدره إنما يقع بالايمان.
وجوابنا أن شرح الصدر ليس من الايمان بسبيل وان كان قد يتقدم الايمان ويتبعه والمراد بذلك تكرير الأدلة والمعجزات عليه على ما بيّنه اللّه تعالى في كتابه في غير موضع وأما قوله تعالى (وَ وَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) فلا يدل على جواز الكبائر عليه وقد يقال إنه تعالى امتن عليه بأمر كان يجوز أن يفعله ولو كان ذلك من الصغائر لم يصح ذلك فيه؟ وجوابنا ان الكبائر لا تجوز على الانبياء والمراد بذلك ما يتفق على وجه السهو من الصغائر؛ والصغائر يضعها اللّه تعالى ويرفعها وقد يكون ذلك مما لا يجوز في الحكمة أن لا يفعله وقوله تعالى من بعد (الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) في وصف ما وضعه من الوزر لا يدل على أنه من الكبائر إذ المراد أنه انزل به الشدائد من حيث يلزمه من التوبة والندامة ما فيه كلفة فأما قوله تعالى (وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) فمن جملة ما امتن به من النعم لأن ذلك مما يقتضي سرورا عظيما وقد ذكر في الخبر أنى لا أذكر إلا ذكرت معي كما في الآذان وغيره.
سورة والتين
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) كيف يصح ذلك ونحن نعلم ان في الصورة المقدور عليها ما هو أحسن من خلق الانسان؟ وجوابنا ان المراد بذلك البنية التي خصّ اللّه تعالى بها الانسان فهي أحسن من سائر البني التي خلق عليها سائر الحيوانات وإن كانت صورة الانسان تتفاوت وتتفاضل.
[مسألة]
وربما قيل ما معنى قوله تعالى (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) أما يدل ذلك على انه رده من الايمان إلى الكفر؟ وجوابنا أن المراد رددناه إلى العقاب الذي هو على الوصف اذا تمرد وعصى زجر بذلك العبد عن المعاصي ولذلك قال بعده (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) وهذا الاستثناء لا يليق الا بما قلنا.
سورة العلق
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) أ ليس ذلك يدل على أنه أغناه وإن ادى ذلك الى الطغيان وهذا هو المفسدة التي تنزهون اللّه تعالى عن فعلها؟ وجوابنا انه ليس في الظاهر انه تعالى فعل ذلك حتى ذلك السؤال وقد يجوز ان يقول (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) ويغنيه مع ذلك ويجوز أن يقول ولا يغنيه لأجل ذلك ومع ذلك فليس فيه دلالة على انه لو لم يستغن كان لا يطغى بل يجوز ان يطغى على كل حال عند ذلك وعند عدمه فلا يدل على ما قالوه ويجوز ان يكون المراد يطغى بما يتمكن منه عند الاستغناء، ولو لا ذلك كان لا يتمكن كالانفاق في وجوه المعاصي فيكون ذلك تمكينا لا مفسدة وهذه الآية تدل على ان العبد يتمكن من الطاعة إذا عصى لأنه لا يجوز في الاستغناء أن يدعوه الى المعصية إلّا وهو متمكن من الامرين ولو كان ما فيه من الكفر خلقا للّه كان لا يصح ذلك وقوله تعالى من قبل (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) أحد ما استدل به العلماء على أن القرآن مخلوق لأنه تعالى ذكر اسم ربه ثمّ وصفه بأنه خلق فيترجح أن يكون هذا الوصف راجعا إليه وان جاز ان يرجع الى غيره.
سورة القدر
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) كيف يصح أن يراد به القرآن ولم يتقدم له ذكر؟
وجوابنا انه قد تقدم ذكره في قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) وغير ذلك، واذا صار الامر معروفا جاز ان يحذف ذكره لعلم التالي به.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) كيف يصح ذلك وهل المراد به خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ونفس الليلة كيف يصح ان تكون خيرا؟ وجوابنا ان المراد العمل فيها خير من العمل في الف شهر تخلو عن ليلة القدر وليس في الآية تفصيل ذلك وان هذا الخير في كل المكلفين أو بعضهم في كل الاعمال أو في بعضها فيحتمل أن يريد انها خير على الجملة للعباد ويحتمل لكل مكلف ويحتمل ان تكون خيرا من ألف شهر لما يفيضه اللّه فيها من الأرزاق والنعم فلا يصح ما سألوا عنه ولذلك أتبعه تعالى بقوله (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ والرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) فنبه على ما ذكرناه.
سورة البينة
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ ويُقِيمُوا) ما الفائدة في قوله تعالى (حُنَفاءَ) واذا عبدوا اللّه واخلصوا كفى ذلك؟ وجوابنا ان المراد مستقيمي الطريقة لأنهم أمروا بأن يعبدوا اللّه مخلصين له الدين على هذا الوجه وقد قيل في الاخلاص أن المراد به تخليص الطاعات من الكبائر فيشهد لما ذكرناه ويجوز أن يراد به وما أمروا إلا بذلك على هذا الوجه السهل كما قال صلّى اللّه عليه وسلم بعثت بالحنيفيّة السّمحاء وهذه الآية دالة على أن كل عبادة من الدين وعلى أن ما يعبد اللّه به يجب أن يفعل على هذا الوجه وفعله على هذا الوجه دون غيره لا يتم إلا والعبد متمكّن من فعله على غير هذا الوجه وقوله تعالى (وَ يُقِيمُوا الصَّلاةَ ويُؤْتُوا الزَّكاةَ وذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) يدل أيضا على ما ذكرنا.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ والْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ) أ ليس يدل ذلك على ان في الكفار من ليس بمشرك وكذلك قوله تعالى في أول السورة يدل على ذلك؟
وجوابنا انه في أصل اللغة المشرك هو الكافر المخصوص الذي يتخذ مع اللّه شريكا لكن من جهة عرف الشرع أطلق ذلك على كل كافر كما عقل من قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ
لِمَنْ يَشاءُ) ومن قوله (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) فلا يمتنع أن يفضل بينهما في بعض المواضع وهذا كما يقال مثله في المسكين والفقير وقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) الى قول اللّه (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) يدل على ان العلماء خير البرية لقوله (إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) وانت إذا جمعت بين الآيتين تثبت ما ذكرناه.
سورة الزلزلة
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ومَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) أ ليس ذلك يوجب ان الكافر والفاسق إذا فعلا طاعات يريان ثوابها وذلك خلاف قولكم؟
وجوابنا ان الخير المستحق على الطاعة هو الثواب وانما يستحقه فاعل الخير اذا لم يكن معه معصية أعظم من الطاعة فأما اذا كانت معاصيه من باب الكفر والفسق فلن يرى ذلك لأن الوعد والوعيد مشروط بما ذكرنا في الثواب والعقاب وبعد فإن من يفعل الخير اذا كانت أحواله سليمة يرى ثوابه واذا كانت غير سليمة باقدامه على المعصية يرى أيضا التحقيق بذلك من عقابه فيستقيم الكلام على هذا الوجه.
سورة العاديات
[مسألة]
وربما قيل كيف يصح ان يقول تعالى (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) وليست هذه حال كل انسان؟ وجوابنا أنه تعالى أتى بوصف لهذا الانسان يدل على المراد به الخصوص وهو قوله تعالى (وَ إِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ وإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) ويحتمل أن يراد ان الجميع كذلك لكن بعضهم يصرف نفسه عمّا حيل عليه من الهوى والشهوة وبعضهم على خلاف ذلك فيكون الكل داخلين فيه ويكون المراد هذه طريقة من انصرف عن هذا الامر أو أقدم عليه وذلك زجر من اللّه تعالى عن المعاصي ولذلك قال بعده (أَ فَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ وحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) واذا تصور المرء في كل ما يأتي ويذر أنه تعالى عالم خبير كان ذلك زاجرا له عن المعاصي.
سورة القارعة
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ وأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) أ ليس ذلك يدل على موازين لكل أحد وما معنى قوله (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) وكيف تكون جهنم أمّا للبشر؟ وجوابنا أنه ليس هناك ثقل في الحقيقة لان اعمال المكلف قد تقضّت وهي مع ذلك عرض لا ثقل فيه وإنما أراد بذلك رجحان طاعته على معاصيه فشبه بما يوزن من الاشياء الثقيلة ولا ينكر مع ذلك أن يكون هناك موازين يوزن بها صحائف أعمال العباد فيبين حال من رجح في باب الطاعة وإنما قال تعالى (وَ أَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) تنبيها بذلك على لزوم العقاب له كلزوم الأم للشيء وذلك ممّا إذا تبيّنه التالي عرف كثرة وجوه الفائدة في هذا الكلام القليل وعرف به مزيّة القرآن في الفصاحة.
سورة التكاثر
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) كيف يحسن هذا التكرار؟ وجوابنا أن المراد بهما مختلف فالمراد بالأول (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) ما ينزل بكم في الدنيا في حال الحياة والممات، والمراد بالثاني (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) ما يكون لكم في الآخرة من ثواب وعقاب وهذا بعث من اللّه تعالى على التمسك بطاعته وقوله تعالى من بعد (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ) المراد به التنبيه على تقصيرهم في المعرفة وذلك خاص ببعضهم وقوله تعالى (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) يدل على ان الواجب الشكر للّه تعالى على نعمه وان من لم يفعل يسأل عن ذلك وهذا يدل على قدرته على القيام بحق الشكر وإلا لم يكن يسأل عنه بل كان يجب ان كان تعالى يخلق فيه كفر النعمة أن يكون سائلا نفسه ومحاسبا لنفسه تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.