سورة الطارق
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ ولا ناصِرٍ) كيف يصح أن لا تكون له قوة وإن كان يصح أن لا تكون له نصرة؟ وجوابنا أن المراد لا قوة له على دفاع ما ينزل به كما لا ناصر له وذلك من اللّه تعالى زجر وتخويف وفيه دلالة على ما نقوله وذلك لأنه لو كان لا قدرة له في الدنيا على الايمان لم يكن ليصح أن يهدّد بذلك ويبكّت ويدل على أنه لا شفاعة لأهل العقاب لأنه لو كان لهم شفيع لكان لهم أقوى ناصر وقوله (وَ أَكِيدُ كَيْداً) فالمراد به إنزال العقاب بهم من حيث لا يشعرون في الآخرة ويحتمل أن يريد إنزاله الخذلان بهم في الدنيا من حيث لا يشعرون وذلك تشبيه لا تحقيق.

سورة الأعلى
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ) كيف يصح والتسبيح هو التنزيه أن ينزه الاسم وإنما يصح تنزيه المسمى الذي هو اللّه تعالى؛ وهلا دلّ ذلك على أن الاسم عين المسمى؟ وجوابنا ان الاسم غير المسمى لأنه حروف مؤلفة تسمع وتكتب وليس كذلك المسمى لكن المراد تنزيهه تعالى فذكر الاسم وأريد المسمّى تعظيما وتفخيما، وربما يقول القائل في نبينا صلّى اللّه عليه وسلم صلوات اللّه على ذكره ويريده نفسه فيكون ذلك أدخل في الاجلال ولذلك قال تعالى بعده (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) وذلك من صفاته لا من صفات الاسم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ) كيف يصح ذلك والنسيان من فعل اللّه تعالى لا من فعل العبد؟
وجوابنا أن المراد سنقرئك فلا تترك تعهد ما أنزلنا عليك ولا تدع التمسك بالعمل به ويكون معنى قوله تعالى (فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ) بطريقة النسخ فإنه إذا نسخ تلاوة شيء كان متروكا ولا يجب أيضا العمل به إذا نسخ معناه وحكمه.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) كيف يصح ان يأمره بأن يذكر من تنفعه الذكرى وقد علمنا أنه يلزمه أن يذكر من هذا حاله ومن لم تنفعه الذكرى بأن لا يقبل ويتمرد؟ وجوابنا أن

المراد تجديد الذكرى على من هذا حاله وإن كان البيان من جهته قد حصل بكل ومن المعلوم أن من حاله أن تنفعه الذكرى يكون في جملة ألطافه تكرير الذكرى عليه ويحتمل أن يريد الكل سواء قبلوا أم لم يقبلوا لأنهم إن لا يقبلوا لا يخرجوا من أن تكون الذكرى قد نفعتهم كما ينتفع الجائع بتقديم الطعام إليه وإن لم يختر الأكل.
[مسألة]
وربما قيل ما معنى قوله تعالى (وَ يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها ولا يَحْيى) كيف يصح أن يكون في النار لا حيّا ولا ميتا؟ وجوابنا أن المراد أنه لا يموت فيستريح من من ذلك العقاب ولا يحيى حياة ينتفع بها.

سورة الغاشية
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ) كيف يصح ذلك في الوجوه وذلك من صفات الحي الذي الوجه بعضه؟ وجوابنا أن المراد جملة المرء دون العضو وقد يذكر الوجه ويراد به نفس الشيء كما يقال هذا وجه الأمر وعلى هذا الوجه تأول العلماء قوله (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) ولذلك قال تعالى بعده (تَصْلى ناراً حامِيَةً تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) وذلك منه تعالى زجر عن المعاصي التي تؤدي إلى هذا الوصف وقوله تعالى (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) تدل على قدرتها على خلاف ذلك لان من خلق فيه الشيء لا يوصف بهذا الوصف ثمّ بيّن تعالى الفضل بينهم وبين أهل الجنة فقال تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ لِسَعْيِها راضِيَةٌ فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) فرغب بذلك في الطاعة ثمّ عطف على الجميع فقال تعالى (أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) بعث بذلك على النظر في أدلّة اللّه تعالى ونعمه ثمّ قال (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) فبيّن أن الذي اليه هذا القدر قبلوا أو لم يقبلوا. ودل بذلك على أنهم ممكنون لان الامر من اللّه تعالى لرسوله بأن يذكر لا يصح والمرء قد خلق فيه ما يمنعه من الكفر وقدرة الكفر.

سورة والفجر
[مسألة]
ربما تعلقت المشبهة بقوله تعالى (وَ جاءَ رَبُّكَ والْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا). وجوابنا أن المراد أمر ربك فلو جاز المجيء عليه لجاز عليه المشي والانتقال ومن هذا حاله لو جاز ان يكون قديما لم نثق بأنّ العلم محدث وهذا كقوله تعالى (وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ) فاذا لم يمكن توجه السؤال اليها حملناه على من يصح أن يسأل وكذلك قوله تعالى (وَ جاءَ رَبُّكَ) وقوله تعالى (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وأَنَّى لَهُ الذِّكْرى يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) دليلنا على أن العبد في الدنيا قادر على الايمان وان كان كافرا والا ما كان يصح أن يتمنى ما لا يقدر عليه ولا كان يصح أن يوصف بأنه يتذكر وأنى له الذكرى لأنه على قولهم في الدنيا أيضا كان لا تمكنه الذكرى.

سورة البلد
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) ما معنى ذلك وانما خلق الانسان في بطن امه؟ وجوابنا أن المراد أحد الأمرين أما ما ذكر عن الحسن أنه خلق يكابد السّرّاء والضّرّاء وشدائد الدنيا، أو يكون المراد مكابدته في الوضع فانه تلحقه الشدة في ذلك وقوله تعالى (أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ولِساناً وشَفَتَيْنِ وهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) يدل على أنه قد هدى الكل من كافر ومؤمن.

سورة والشمس
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وتَقْواها) بعد قوله تعالى (وَ نَفْسٍ وما سَوَّاها) أ ليس يدل ذلك على أن الفجور والتقوى من خلق اللّه تعالى؟ وجوابنا أن المراد بقوله تعالى (فَأَلْهَمَها) أعلمها وبيّن لها الفجور لتجتنب ذلك والتقوى لتقدم عليها فلا يصح ما قالوه وقوله تعالى من بعد (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) لا يدل على أنه تعالى يخلق في العبد ما به يتزكى لأن المراد قد افلح من زكّى نفسه بأن يفعل ما به يصير زكيّا او يكون المراد من وصف نفسه بالايمان والطاعة لا على وجه التفاخر لكنه على وجه دفع التهمة عن نفسه فلا يدل على ما قالوه.

سورة والليل
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى واتَّقى وصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) أ ليس قد خص من هذه صفته بأنه يسّره للايمان فيجب أن يكون مخلوقا من قبله فيهم وكذلك قوله تعالى (وَ أَمَّا مَنْ بَخِلَ واسْتَغْنى وكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى)؟ وجوابنا أن المراد باليسرى الثواب العاجل والآجل وبالعسرى العقاب العاجل والآجل فلا يصح ما قالوه ويحتمل أن يكون المراد فيمن صدّق بالحسنى تيسيره للالطاف التي لأجلها يثبت على الايمان وفيمن كذّب بالحسنى تيسيره لأمور لأجلها يفضل الثبات على ما هو عليه فيكون كقوله تعالى (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ومَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) وقوله تعالى (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى) يدل على ان الهدى هو البيان فانه تعالى بالتكليف قد أوجبه على نفسه.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وتَوَلَّى) أ ليس يدل ذلك على ان من لم يكذب ويتولى لا يصلى النار وهذا يدل على ان فساق أهل الصلاة
تنزيه القرآن (30)

آمنون من النار؟ وجوابنا ان المراد به نار مخصوصة لا يصلاها إلا هؤلاء الكفار لأن هناك نيرانا ولها مراتب فلا يدل على ما قالوه وبيّن ذلك ان في الكفار من لا يوصف بأنه يكذب ويتولى فلو سئلوا عنهم لم يكن جوابهم إلّا هذا الذي ذكرنا فلا يمتنع في الفساق أن يكونوا في غير هذه النار وبين في الفساق ذلك بقوله تعالى (وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي) فمعلوم أن غير الأتقى يجنبها أيضا كمن ليس بمكلف من المجانين والاطفال.

سورة والضحى
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) أ ليس ذلك يدل على جواز الضلال على نبينا صلّى اللّه عليه وسلم وعلى سائر الانبياء؟
وجوابنا أن المراد بذلك ضالّا عن النبوّة والرسالة وسائر ما خص اللّه تعالى به نبينا صلّى اللّه عليه وسلم من التعظيم وغيره فهداك اللّه إليها لأنه في اللغة قد يقال ضلّ عن كيت وكيت إذا كان ذلك طريق منافعه ولم يقل اللّه تعالى ووجدك ضالا عن الدين حتى يصح تعلقهم وقوله تعالى (وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) يدل على وجوب الشكر للّه تعالى على نعمة ظاهرة لا خفيّة ويدل قوله تعالى (وَ أَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) على وجوب الاحسان الى السائل إما بالعطية وإما بالبشر والطلاقة كما روي عنه صلّى اللّه عليه وسلم (اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة فإن لم يكن فبكلمة طيّبة).

43 / 47
ع
En
A+
A-