سورة النازعات
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ النَّازِعاتِ غَرْقاً) ان ذلك قسم فعلى ما ذا وقع القسم؟ وجوابنا ان القسم قد يحذف جوابه اذا كان في الكلام دليل عليه فكأنه قال لتحشرن ولتبعثن أو لترون يوم ترجف الراجفة تعظيما لحال ذلك اليوم وبعثا على الخلاص من أهواله.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وأَغْطَشَ لَيْلَها) كيف يصح والسماء لا ليل فيها لأن الليل إنما يثبت بحركات الشمس فإذا ظهرت فهو نهار وإذا غابت فهو ليل وذلك متعذر في السماء؟ وجوابنا أن اضافة الليل إلى السماء كإضافة الشمس والقمر والنجوم الى السماء؟ لما كان لولاها، ولو لا حركات الشمس في الأفلاك لم يكن ليل ولا نهار.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) ان ذلك مخالف لقوله (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ). وجوابنا ان المراد بهذه الآية خلق نفس الأرض وأنه قبل السماء والمراد بقوله (وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) إنها وإن كانت مخلوقة فإن دحوها وبسطها متأخر فلا اختلاف في ذلك فأما قوله تعالى من بعد (وَ الْجِبالَ أَرْساها) فهو تشبيه بإرساء السفن إذا استقرت فالمراد أنه وقفها في أماكنها لا تزول ولا تحول وقوله تعالى (فَأَمَّا مَنْ طَغى وآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) من أقوى ما يدل على أن
العبد هو الفاعل لأنه لا يقال طغى في فعل شيء إلا مع التمكن من فعله، ولا يقال آثر شيئا على شيء إلا وهو قادر على فعله وقوله تعالى (وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى) يدل أيضا على تمكنه لأنه لا يوصف بذلك إذا كان الفعل مخلوقا فيه وفي قوله (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) مع أنه منذر للكل فائدة وهي أن من يخشى هو القابل للانذار والمنتفع به.
تنزيه القرآن (29)
سورة عبس
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ أَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى وهُوَ يَخْشى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) كيف يصح وصفه للرسول بالتلهّي؟
وجوابنا ان العادل عن غيره لتشاغله بسواه يقال لهي عنه فليس ذلك من اللهو الذي هو اللعب والتشاغل بما لا يفعله العاقل، وعظم اللّه قدر القرآن بقوله (كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ) ثمّ إنه تعالى وصف الانسان بما يكون بعثا له على الطاعة فقال (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ). فجمع هذه الكلمات ما يقتضي الخضوع للمعبود فقد خلقه كاملا ثمّ درجه الى أحوال الآخرة من الحشر والنشر ثمّ بيّن كيف قدر له الطعام مع ذلك بإنزال الماء والإنبات وكيف قدر له أنعاما أيضا للطعام ثمّ بيّن مع ذلك أن يوم القيامة (يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وأُمِّهِ وأَبِيهِ وصاحِبَتِهِ وبَنِيهِ) فان قيل كيف يفرّق في الآخرة ولا مفر؟ فجوابنا أن المراد عدوله عنهم لعلمه بأنه لا ينتفع بهم ولا ينتفعون به فيزول عن قلبه تلك الرقة والشفقة الى غير ذلك من الأحوال ولذلك قال تعالى (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ووُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها
قَتَرَةٌ أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) أما يدل ذلك على أنه ليس مع أهل الجنة الا الكفار؟ وجوابنا أن اثبات وصف الأمرين لا يدل على نفي ثالث إذا دل الدليل عليه فيجوز أن يكون بينهما من على وجهه غيرة ولا تلحقه القترة وهم الفساق الذين ليسوا بكفار بين ذلك قوله (أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) وفي الكفار من لا يوصف بأنه فاجر فلو قيل للخوارج هل يجب في كل كافر أن يكون فاجرا لم تجد في ذلك من الجواب إلا ما ذكرنا.
سورة التكوير
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) يعني جبريل عليه السلام، كيف يصح إضافة القرآن اليه وهو كلام اللّه؟ وجوابنا أنه المظهر لذلك حتى لولاه لما عرف فصحّت إضافة القرآن إليه وقد يضاف كلام الغير إلى من تحمله وذلك كثير في اللغة. فأما قوله من قبل (وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) وقوله (وَ إِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) فيدل على انه تعالى يعيد كل هؤلاء يوم القيامة ويدل على أن من لا ذنب له لا يجوز أن يؤلم فيضل بذلك قول من يزعم في أطفال المشركين أنهم يعذبون بذنوب آبائهم ويدل على بطلان القول بأن المعاصي مخلوقة من اللّه في الانسان لأنه يجب أن يكون تعالى يعذّبه ولا ذنب له وقد نفى اللّه تعالى ذلك وأبطله وقوله تعالى (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ) المراد به الاستقامة فأما غير ذلك فموقوف على الدليل.
سورة الانفطار
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) كيف ينكر ذلك عليه مع وصفه نفسه بالكرم؟
وجوابنا أن المراد ما غرّك بذلك في ارتكاب المعاصي العظيمة ولذلك قال تعالى بعد ذكر نعمه (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ) وهذا أحد ما يدل على قدرة العبد على أن يعصي ولو لا ذلك لم يصح أن ينسب إلى الاغترار وقوله تعالى (وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ) هو بعث للمرء على الطاعة لأنه إذا تحقق في كل ما يأتيه أنه محصى مكتوب في صحيفته محاسب عليه زجره ذلك عن فعله وقوله تعالى (وَ إِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ وما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ) يدل على أن الفاجر من أهل الصلاة مخلد في النار لأنه إذا لم يغب عن النار ولم يمت فهو كائن فيها، ويدل على أن الشفاعة لا تكون منه صلّى اللّه عليه وسلم لهم وإلا لم يكن ليعم كل فاجر بهذا الحكم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) أن ذلك تكرار لا فائدة فيه؟ وجوابنا أنه لما ذكر الأبرار وما ينالونه من النعم والفجار وما ينزل بهم من العذاب جاز أن يقول (وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) فيما يظهر فيه للابرار (ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) فيما يحصل فيه للفجار وذلك يفيد تعظيم شأن ذلك اليوم.
سورة المطففين
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) كيف يصح والمطفف قد يطفف اليسير وذلك من الصغائر؟ وجوابنا أن المراد ويل له بشرط أن لا يكون معه من ثواب طاعاته ما هو أعظم وبشرط أن لا يكون معه توبة فلا يلزم ما ذكروه؛ وبيّن تعالى أنهم إذا اكتالوا لأنفسهم يستوفون وإذا كالوا غيرهم يخسرون وينقصون ثمّ زجر عن ذلك بقوله تعالى (أَ لا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) فإذا كانت هذه حالة مطفّف فكيف حال من يأخذ أموال الناس بغير حساب وقوله تعالى (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) لا يدل على قوله المشبهة لان المراد تعظيم شأن ذلك اليوم في العقاب والثواب ولا يعظم بأن يكون تعالى قائما فيه تعالى اللّه عن ذلك فالمراد إنزاله بأهل الثواب والعقاب ما يستحقون ولذلك ذكر بعده الفجار والأبرار لبيان حال كل واحد منهم وعظم شأن الابرار بتعظيم كتابهم وحقر شأن الفجار بتحقير الكتاب، ثمّ بيّن تعالى ما ينال المؤمن في الدنيا عن المجرمين وأنهم يضحكون منهم وما يؤول أمر المؤمنين إليه في الآخرة من النعيم العظيم فقال (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ) فنبه بذلك على أن صنيع الفجّار وبال عليهم وأنه منقطع كأن لم يكن، وصنع المؤمنين بالفجار ما ذكره تعالى مع كونهم في نعيمهم يكونون أبدا.
سورة الانشقاق
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) أين الجواب لهذا الكلام؟ وجوابنا أن المراد واذكر إذا السماء انشقت وتدبر إذا السماء انشقت فهو تنبيه على حال ذلك اليوم وترغيب في الطاعة فلذلك قال تعالى بعده (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) وذكر تعالى من أوتي كتابه بيمينه وكيف يكون حسابه وانقلابه إلى أهله مسرورا وكيف حال من أوتي كتابه وراء ظهره وأنه الآن يدعو ثبورا ويصلى سعيرا وقد كان من قبل في أهله مسرورا، واذا ميّز التالي لهذه السورة بيّن هذين الامرين اللذين أحدهما يدوم ولا يبيد والآخر ينقطع ويصير وبالا رغبة ذلك في الطاعة وعمارة أمر الآخر وقوله تعالى (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) وقد دخل تحته المؤمن والكافر يدل على أن المراد بكل لقاء ذكره اللّه تعالى في كتابه لقاء ما وعد وتوعد لا كما يتعلق به من يقول إن اللّه يرى فيظن أن اللقاء إذا أضيف الى اللّه تعالى دلّ على الرؤية.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً ويَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً وأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً ويَصْلى سَعِيراً) كيف يصح ذلك وقد ذكر تعالى في عدة مواضع
اليمين والشمال وذلك مختلف؟ وجوابنا أنه لا يمتنع فيمن أوتي كتابه بشماله أن يكون فيهم من أوتي كتابه بشماله فقط، وفيهم من يؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره فلا يعد ذلك مختلفا ويحتمل أن في كل من يؤتى كتابه بشماله أن يؤتى على هذا الوجه فلا يتناقض ذلك أيضا. وربما يقال في جواب (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) انه في قوله تعالى (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ) فكأنه قال انك كادح (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ).
سورة البروج
[مسألة]
وربما يقال أين جواب القسم في قوله (وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ)؟ وجوابنا انه قوله (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) وقد قيل إنه محذوف ويحتمل ان يكون قوله (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) وقد قيل إنه محذوف ويحتمل ان يكون قوله (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِناتِ) جوابه وقوله (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) لا يدل على قول المشبهة في أن العرش مكانه لأن هذه الاضافة تصح في فعله كما تصح في المكان وقوله (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) انما يدل على أن ما يريده يفعله ولا يدل على أن كل فعل يقع هو مراده.