سورة الجن
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ أَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ) كيف يصح ذلك؟ وجوابنا أن المراد ميلهم اليهم وإلى القبول منهم ومن أطاع غيره وعظمه يوصف بذلك كما قال تعالى (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ ورُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) بأن أطاعوهم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ أَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ) كيف يصح ذلك مع انقضاض الكواكب والشّهب عليهم ومنعهم من ذلك؟ وجوابنا أن المراد طلبنا لمس السماء والقرب منها لتعرف الاخبار فلذلك قال بعده (فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وشُهُباً) وذلك بيان منهم انهم منعوا من ذلك.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً) كيف يتعلق ما أمر به من ترك عبادة غير اللّه بأنّ المساجد للّه؟ وجوابنا أنها مكان العبادة ومبنية لذلك فقال فلا تعبدوا فيها سوى اللّه.

اللام لام العاقبة؟ فأما الكلام في الضلال والهدى فقد تقدم وقوله تعالى من بعد (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ وما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ) فالمراد به الذكر الذي هو الطاعة لأنه من قبيل ما لا يصح من العبد أن يشاءه إلا واللّه قد شاء منه وكلفه إياه.

سورة القيامة
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) أنه اقوى دليل على أن اللّه تعالى يرى في الآخرة؟ وجوابنا أن من تعلق بذلك إن كان ممن يقول بأن اللّه تعالى جسم فإنا لا ننازعه في أنه يرى بل في أنه يصافح ويعانق ويلمس تعالى اللّه عن ذلك وانما نكلمه في انه ليس بجسم وان كان ممن ينفي التشبيه على اللّه فلا بد من أن يعترف بأن النظر الى اللّه تعالى لا يصح لان النظر هو تقليب العين الصحيحة نحو الشيء طلبا لرؤيته وذلك لا يصح إلا في الاجسام فيجب أن يتأوّل على ما يصح النظر اليه وهو الثواب كقوله تعالى (وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ) فإنا تأولناه على أهل القرية لصحة المسألة منهم وبين ذلك ان اللّه ذكر ذلك ترغيبا في الثواب كما ذكر قوله (وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) زجرا عن العقاب فيجب حمله على ما ذكرناه وقوله من قبل (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ولَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) يدل على أنه لا عذر للعبد إذا هو عصى ربه ولو كان الكفر مخلوقا فيه لكان له أوكد العذر على ما قدمنا من قبل؟ وقوله تعالى من بعد (ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ والْأُنْثى أَ لَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) هو الذي يورده العلماء على جواز الاعادة وصحتها فانه تعالى إذا قدر على الاحياء أولا على هذا الحد الذي نجد الاحياء عليه فيجب ان يقدر على اعادة ذلك.

سورة المزّمل
[مسألة]
ربما قالوا في قوله تعالى (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) ما معنى وصف الوحي بالثقل؟ وجوابنا أن المراد ثقل العمل بما فيه وتدبره والمعرفة بمراد اللّه تعالى؟ ويحتمل أنه كان يثقل عليه ان يحفظه وأن يبلغه وكان يحتاج في ذلك إلى تكليف وربما قيل في قوله تعالى (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) كيف يصح وصف اليوم بذلك وكيف يضاف إليه؟ وجوابنا أن المراد ما يحصل في ذلك اليوم من الأهوال فضرب له هذا المثل كما يقال مثله في المخاطبات عند ذكر الامور الهائلة.

سورة المدّثر
[مسألة]
ربما قيل ما معنى قوله تعالى (وَ لا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) وكيف يتعلق أحدهما بالآخر؟ وجوابنا ان المراد لا تستكثر ما تنعم به على غيرك بعثا له على الزيادة في الانعام ويحتمل ان يكون المراد لا تستكثره على وجه الامتنان.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) كيف يصح مع فضلهم أن يجعلهم أصحاب النار وكيف يصح قوله تعالى (وَ ما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) وأي تعلق لعدتهم بافتتان الكفار؟ وجوابنا ان المراد الموكلون بعذاب أهل النار لأنهم يضافون إلى النار بأنهم أصحابها بل إضافتهم الى ذلك أحق لأنهم يتصرفون في التعذيب بها ومعنى قوله تعالى (وَ ما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً) أن المعلوم من كثرة عددهم أنه اقرب إلى غمهم وحسرتهم وكل ذلك بعث من اللّه سبحانه على الطاعة وزجر عن المعصية فلذلك قال تعالى (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ويَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً) وقوله تعالى من بعد (وَ لا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ والْمُؤْمِنُونَ ولِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ والْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ) قالوا فيه كيف يصح أن يجعل تعالى لهم عدة لهذا الوجه الذي يقبح منهم فعله؟ وجوابنا أن هذه

سورة الانسان
[مسألة]
وربما قيل في قوله (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) كيف يصح وقد وصفه بأنه إنسان وأتى عليه حين من الدهر أن لا يكون مذكورا ولا شيئا؟ وجوابنا أن المراد لم يكن له عند هذا الوصف من البنية والحياة والعقل ما أخبر به اللّه تعالى في خلق آدم صلّى اللّه عليه وسلم ثمّ قال تعالى بعد خلق آدم صلّى اللّه عليه وسلم (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وإِمَّا كَفُوراً) أما يدل ذلك على أنه ليس في المكلفين إلا كافر أو مؤمن؟ وجوابنا أن الشاكر قد يكون شاكرا وان لم يكن مؤمنا برّا تقيا لأن الفاسق بغضب أو غيره قد يكون شاكرا فلا يدل على ما قالوا بل في الآية دلالة على ما نقول من أن الكافر والمؤمن هما سواء في أن اللّه تعالى قد هداهما لا كما قالت المجبرة أنه تعالى إنما هدى المؤمنين والمراد به أنه دلّ الجميع وأزال علتهم فمن عصى فمن جهة نفسه أتى.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً) كيف يصح الترغيب في ذلك وليس هو بمستطاب في الدنيا؟ وجوابنا أن رائحة الكافور لا شبهة في أنها مستطابة واليسير منها مستطاب فرغّب تعالى في ذلك على الجملة كما رغّب في

الخمر، وان كان طعمه في الدنيا لا يستطاب وقد قيل ان المراد يشربون من نهر تربته الكافور وكذلك إذا سألوا عن قوله (كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا) إذا المراد التنبيه على الجملة وإن كان شراب أهل الجنة في نهاية اللذة.
[مسألة]
وربما قالوا في قوله تعالى (وَ يُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ) وهذا متناقض فلا يكون من فضة ويكون قوارير؟ وجوابنا أن المراد أنها من فضة وقد بلغت في الصفاء والحسن بحيث يرى ما فيها حتى لا تكون حاجزا ولا حائلا كالقوارير وهذا نهاية ما يقع به الترغيب فأما قوله (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا وما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ) فالمراد به ما تشاءون من اتخاذ السبيل الى الرب إلا واللّه قد شاءه والمراد انه شاء العبادات ولذا أنكره على القوم أنهم يصرحون بأنه تعالى قد شاء الفواحش واللّه يتعالى عن ذلك.

سورة المرسلات
[مسألة]
وربما طعنوا على تكرير قوله تعالى (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) وجوابنا ان القصص اذا كانت مختلفة رجع الكلام الى كل واحد منها فيحسن كما ذكرناه في سورة الرحمن.
[مسألة]
وربما قالوا في قصص الانبياء لم كرّره اللّه تعالى؟ وجوابنا أنه تعالى أنزل ذلك تسلية للرسول صلّى اللّه عليه وسلم فيما كان المشركون يأتون به فكان ينزل مرة بعد مرة ليسليه في حال بعد حال ولأن التالي يعتبر بذلك اعتبارا بعد اعتبار وقوله تعالى (أَ لَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ) وربما تعلق به بعض المجبرة على أن افعال العباد مخلوقة من جهته تعالى وذلك بعيد لأن كون ذلك الماء في الرحم من فعل اللّه تعالى وقد بيّنّاه من قبل. وقوله تعالى (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ ولا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) من أقوى ما يدل على قولنا في العدل لأنهم إذا لم يعتذروا ولهم عذر فذلك لا يصح وقد نزل بهم من العقوبة ما لا دليل عليه فالصحيح أن لا عذر لهم وذلك لا يصح مع القول بأنه تعالى هو الذي خلق فيهم الكفر وقدرة الكفر وإرادة الكفر.

سورة عمّ يتساءلون
[مسألة]
وربما قيل لما ذا قال تعالى (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) كيف يصح مع القول بخلودهم في النار أن يقدر كونهم فيها بالأحقاب؟ وجوابنا أن المراد أحقاب لا آخر لها كما يقال أوقاتا وساعات لا نهاية لها لا أن المراد أحقاب منقطعة والآية وردت في الذين لا يرجون حسابا وهم الكفار فلا يمكن أن يتأول على فساق أهل الصلاة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً ولا شَراباً) كيف يذاق البرد وإنما خلقت هذه الحاسة ليذاق بها الطعم؟ وجوابنا ان البرد قد يذاق بحاسة الطعم لا من حيث كانت حاسة لكن لأن محل الذوق يدرك به البرد ومعلوم من حال المشرب أنه يكون باردا يبلغ في اللذة ما لا يبلغه ما ليس كذلك فهذا معنى الكلام. وربما قالوا في قوله تعالى من قبل (وَ جَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) كيف يصح ذلك والسبات والنوم واحد فكأنه قال وجعلنا نومكم نوما؟ والجواب أن السّبات هو نوم مخصوص يجد الانسان فيه من الراحة ما لا يجده في غيره ولذلك يوصف ذو النوم عند التعب بأنه في سبات ولا يوصف بذلك إلا وقد غرق في النوم فبين تعالى نعمته بهذا النوع وقوله تعالى (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً) فالمراد به أنها طريق الكل ثمّ بالقرب منها يتميز المثاب من غيره كما قال تعالى (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا ونَذَرُ

الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) وأما قوله تعالى (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ والْمَلائِكَةُ صَفًّا) فقد قيل إن المراد به جبريل عليه السلام وقد قيل هو ملك في صورة آدم صلّى اللّه عليه وسلم وقد قيل بل المراد من له الروح وهم بنو آدم فذكر تعالى انهم يقومون والملائكة بهذا الوصف وأن جميعهم لا يتكلمون إلا بإذن الرحمن وأنهم لا يتكلمون في الآخرة إلا بالصواب نبّه تعالى بذلك على الفصل بين الآخرة والدنيا.

41 / 47
ع
En
A+
A-