سورة التحريم
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى «عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ ويَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) أ ليس ذلك يدل على ان اللّه تعالى يأمرهم ويكلّفهم وعندكم ان الآخرة ليست بدار تكليف؟
وجوابنا انه في الآخرة يجوز أن يأمر تعالى ولا يكون أمره تكليفا كما تقوله في قوله تعالى (كُلُوا واشْرَبُوا هَنِيئاً) وانما نمنع من ثبوت الأمر في حال التكليف ولا يكون تكليفا واللّه تعالى يأمر الملائكة الموكّلة بعذاب أهل النار بما يتلذذون به من عذاب أعداء اللّه فلا يعصون كما ذكره اللّه تعالى ولا يجوز في الأمر إذا كان بشيء يلتذّ به أن يكون تكليفا وفي هذه السورة أدلّة على قولنا منها قوله تعالى (قُوا أَنْفُسَكُمْ وأَهْلِيكُمْ ناراً) فلو لم يكن تصرف العبد من فعله لما صح ان يقي نفسه وغيره ومنها قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ) لأنه لا يجوز أن يقول لا تعتذروا ولهم عذر لأن ذلك سفه فالمراد لا تعتذروا فما عذر لكم ولو كان تعالى خلق الكفر في الكافر وأراده وأوجده فيه بالقدرة والارادة لكان ذلك من أوكد ممّا يعتذرون به ولكان لهم أن يقولوا لو أقدرتنا على الطاعة لفعلنا وإنما أوتينا من جهة أنك لم تقدّرنا ولم تخلق فينا الايمان بل خلقت فينا ضدّه ومنها قوله تعالى (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فانه يدل على ان العمل من العبد والجزاء من اللّه تعالى.
سورة الملك
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ لَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) كيف يصح في النجوم ان يجعلها رجوما للشّياطين وهي ثابتة أبدا في مكانها؟ وجوابنا أن المراد ما ينفصل منها ممّا يشاكلها فيصح بذلك إضافة الرجوم إليها.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) أ ليس ذلك يدل على أنه الخالق لقولهم وسرهم؟ وجوابنا ان المراد ألا يعلم من خلق الصدر ما يودعون فيه من سر وجهر فكأنه بين انه عليم بذات الصدور ومقتدر عليها ومن هذا حاله لا تخفى عليه خافية وقوله من بعد (أَ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ) لا يدل على أن السماء مكانه لأن المراد من في السماء ملكه وقدرته على الخسف والكسف وكذلك قال بعده (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) وقوله تعالى (أَ ولَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ ويَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ) ربما تعلقوا به في انه الخالق فيهم الوقوف في الهواء. وجوابنا أن المراد أنه الفاعل في الهواء ما عنده يصح منها الطيران والوقوف.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) كيف يصح ذلك ومعلوم أن الماء المعين يخرجه من معه الآلة؟ وجوابنا أن المراد ان يصبحوا والماء قد غار ويبس وذلك يدل على انقطاع الماء في ذلك المكان ولا يعمل بالفأس إذا انتهى مكان الماء إلى هذا الحد وبعد فلولا أنه تعالى يمد بالماء لمكان الفأس لم تؤثر في ذلك.
سورة ن
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ ويُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) كيف يصح أن يكلف في الآخرة بالسجود من لا يستطيعه؟ وجوابنا أن ذلك ليس بدعاء على وجه الأمر بل هو توبيخ وتبكيت لهم من حيث تركوا السجود وهم متمكنون ولذلك قال بعده (وَ قَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وهُمْ سالِمُونَ) ولو كان الأمر كما يقوله المجبرة لكان الدعاء في الدنيا والآخرة سواء في أنه إن خلق فيهم السجود صاروا ساجدين وإن لم يخلق كانوا تاركين وفي قوله تعالى من بعد (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) دلالة على أنه تعالى يكتب في اللوح المحفوظ الكثير من الغيوب وأما ذكر السّاق فالمراد به شدّة الامر كقوله تعالى (وَ الْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) يعني الشدة بالشدة يوم القيامة.
[مسألة]
وربما تعلق بعضهم بقوله (وَ إِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) فقالوا إن العين حق.
وجوابنا أن المراد النظر المكروه منهم عند قراءة القرآن عليهم يبين ذلك أن العين لو كانت حقا كما يقولون لكانت تؤثر فيما يعجب به ويعظم لا في خلافه.
سورة الحاقة
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) كيف يصح ذلك ومن خوطبوا بذلك لم يحملوا في سفينة نوح؟ وجوابنا ان المراد حملنا من أنتم من نسله فهو بمنزلة قوله تعالى في سورة البقرة (وَ إِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) والمراد من أنتم منهم ونجاتكم بنجاتهم.
[مسألة]
وربما قالوا في قوله تعالى (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ ولا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) أ ليس ذلك خلاف قوله (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ)؟ وجوابنا انه لا يمتنع في قوم أن لا طعام لهم إلا من ضريع ويجوز أن يكون المراد ليس لهم طعام إلا من ضريع ولا شراب إلا من غسلين وهو ما يسيل من صديدهم فسمّاه طعاما من حيث يستطعم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) كيف جعله قول جبريل وهو كلام اللّه تعالى؟ وجوابنا أنه إذا سمع منه جازت هذه الاضافة لانه منه علم ولولاه لم يعلم فاما قوله من قبل (وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) فلا يصح أن يتعلق به المشبهة لأن العرش في السّماء مكان لعبادة الملائكة فيحملونه ويطوفون حوله ويضاف إلى اللّه تعالى من حيث خلقه كما يضاف العبد الى اللّه تعالى وقوله تعالى (وَ لَوْ تَقَوَّلَ
عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) لا يصحّ تعلقهم به لاثبات اليمين له تعالى لأن المراد القدرة على ما بيناه في غير موضع وعلى هذا الوجه يقال إن فلانا يملك فلانا ملك يمين إذا أمكنه التصرف فيه وإن لم يكن له يمين وعلى هذا الوجه قال الشاعر:
إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين
يعني ببأس وقوة.
تنزيه القرآن (38)
سورة المعارج
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ) أ ليس ذلك يدل على جواز الصعود والنزول عليه؟ وجوابنا أن إضافة الشيء لغيره بهذا اللفظ قد تكون بأن يفعله وقد تكون بخلافه وللّه تعالى معارج خلقها للملائكة ولذلك قال (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ والرُّوحُ إِلَيْهِ) فلا تعلق للقوم بذلك.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً ونَراهُ قَرِيباً) كيف يصح وهو متناقض وكيف يصح القرب على اللّه تعالى؟ وجوابنا ان المراد يوم القيامة وقوله تعالى (يَرَوْنَهُ بَعِيداً) بمعنى الظن (وَ نَراهُ قَرِيباً) بمعنى العلم وذلك لا يتناقض ولا يجوز أن تراد به الرؤية وذلك اليوم معدوم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) أ ليس يدل على أن هلعه من خلق اللّه تعالى؟ وجوابنا أن المراد انه خلق وهو على حد من الضعف يصيبه الهلع به عند الحوادث ولذلك قال تعالى بعده (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (أَ يَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلَّا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) ما
فائدة ذلك وهل هو تعلق بما وصفه من طمعهم وكيف يعلمون ممّا ذا خلقوا؟
وجوابنا أن ذلك ورد في الكفار الذين قال تعالى فيهم (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) ولا يمتنع فيهم أنهم كانوا يعرفون مع كفرهم انهم خلقوا من نطفة وان ذلك الخلق من فعله تعالى فيصح قوله تعالى (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) في الجملة وفائدته أنه بين أنّ من خلق من ماء مهين لا يجوز أن يستوجب الجنة وإنما يستوجبها لعلمه إذ الفضل يقتضي ذلك ويحتمل أن يريد خلقناهم مما يعملون من التكليف فكيف يصح أن يطمعوا فيما طمعوا فيه ولا أثر لهم فيه ولا عين.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ والْمَغارِبِ) كيف يصح ذلك وقد ذكر في موضع (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ ورَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) وفي موضع (رَبُّ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ)؟
وجوابنا أن المراد بالمشرق والمغرب جنس ذلك أو واحده في كل يوم والمراد بالمشرقين مشرق الشتاء ومشرق الصيف ومغربهما والمراد بالمشارق ما نعلمه من اختلاف المطالع في كل يوم فلا تناقض في ذلك.
سورة نوح
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ويُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ثمّ قال بعده (إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ) وهذا متناقض؟ وجوابنا أنه لا تناقض في ذلك، لأن ذلك الأجل المقدّر الذي ضمنه إذا عبد اللّه تعالى وأطيع لا يتأخر وهذا الأجل عندنا مقدّر غير محقق لأنهم إذا لم يعبدوه فأجلهم هو المكتوب ولا تأثير يقع فيه. فان قيل فكيف قال تعالى (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ واتَّقُوهُ وأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) ومن عبد اللّه واتقاه استحق غفران كلّ ذنوبه؟ وجوابنا أن من قد تدخل زائدة كما تدخل للتبعيض وهي هاهنا زائدة ويحتمل أنه يريد ان الغفران يكون في هذا الجنس كما يقال باب من حديد وقوله تعالى من بعد (قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا ونَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) المراد به تشدد القوم في الانكار والجحود والنفور من قبول الحق ولذلك قال تعالى (وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ).
[مسألة]
وربما تعلقت المشبهة بقوله تعالى (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً)؟ وجوابنا في ذلك أن المراد ما لكم لا تعظمونه حق عظمته إذ الوقار الذي يظهر في الاجسام يستحيل عليه تعالى ولذلك قال تعالى بعده (وَ قَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) فالمراد ما يتعلق بخلقه من شكر عباده.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (أَ لَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً وجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) كيف يصح ذلك ونور القمر يكون على الأرض لا فيما بين السموات؟ وجوابنا أن المراد وجعل القمر بينهن وبين الارض نورا أو لما جمع السماء أجمع بلفظة واحدة جاز في نور القمر وهو ينالها أيضا كما ينال الأرض ان يقول ذلك.
[مسألة]
وربما سألوا في قوله تعالى (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) كيف يصح ذلك وأكثر أهل الأرض من الكفار وكيف يصح ان يظهر خلاف ما قدره اللّه تعالى من بقاء هؤلاء الكفار وكيف قال تعالى بعده (وَ لا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) والمولود لا يكون بهذا الوصف؟ وجوابنا ان مراد نوح عليه السلام الكفار الذين كانوا في زمنه ومن أعلمه اللّه أنه لو أبقاهم أبدا لم يؤمنوا فدعا اللّه تعالى عليهم بهذا الدعاء وأجاب اللّه دعوته بأن أغرقهم فأما قوله تعالى (وَ لا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً) فالمراد من سيفجر ويكفر نبّه بذلك على أنه كما ان المعلوم أنهم لا يؤمنون فمن المعلوم أيضا أنه لا يكون في نسلهم مؤمنون.