سورة المجادلة
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ ولا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ) أ ليس ذلك كله يدل على جواز المكان على اللّه تعالى؟ وجوابنا بل يدلّ ذلك على خلافه لأنه قال تعالى (وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ ولا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ) فالمراد به العلم والتّبيّن لا أنه كائن معهم ولذلك خصّ تعالى النّجوى التي تستر ليبيّن أنه عالم بكل ما يخفي على سواه ولذلك قال تعالى بعده (فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللَّهُ ونَسُوهُ) ولو لا صحّة ذلك لوجب أن يكون تعالى مع كل واحد منّا حتى يكون في الاماكن كلّها وحتى إذا انتقل أحدنا من مكان إلى مكان يجب أن يكون تعالى منتقلا ليكون معه وذلك يوجب فيه انه محدث تعالى اللّه عزّ وجلّ وقوله تعالى من قبل في صيام الظّهار (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) يدل على قولنا لأن عندهم أن الصحيح القوي لم يدخل في الصوم ولو يستطيع الصيام فلا يكون لهذا الشرط فائدة بل يلزم الكل الاطعام والقول في الاطعام كالقول في الصيام وقوله تعالى من بعد (إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ) ولم يقل من الرحمن يدل على انه فعل العباد لا خلق اللّه تعالى وقوله (وَ لَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) يعني أن كل ضرر من غمّ وغيره يحصل عند الوسوسة

فليس من فعل الشيطان بل هو من قبل اللّه تعالى وهذا خلاف قولهم إن الشيطان يحبط الأعمال.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ ولا مِنْهُمْ ويَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وهُمْ يَعْلَمُونَ) كيف يصح أن يحلفوا على الكذب في الآخرة وقوله تعالى بعده (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ ويَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ)؟ وجوابنا أن المراد بذلك أنهم يحلفون أنهم كانوا مؤمنين عند أنفسهم لا كفارا فلا يكون ذلك كذبا منهم وقوله تعالى (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) يعني في الدنيا فلا سؤال علينا فيه وقوله تعالى (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ) المراد به فعل ما عنده فسقوا وأطاعوه.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) أ ليس ذلك يدل على أنه خلق الايمان؟ وجوابنا أن المراد أنه كتب ما يعلم به الملائكة ايمانهم فنحن نحمله على الحقيقة وان كان الايمان من فعل العبد.

سورة الحشر
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ) أنه يدل على ان اخراجهم من خلق اللّه. وربما قيل أيضا ما معنى (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) فسمى خروجهم حشرا؟ وجوابنا أنه تعالى لما فعل سبب إخراجهم أضيف ذلك إليه ولما أمر بإخراجهم أضيف اليه أيضا ولذلك قال تعالى (وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ) وذلك لا يصح الا والخروج من قبلهم وانما سمّاه حشرا من حيث وقع خروجهم على وجه الجمع والسوق كقوله تعالى (وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً) وقوله تعالى من بعد (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ ورَسُولَهُ) يدل على قولنا لأن مشاقّة العبد للّه ورسوله بأن اللّه تعالى يخلق ذلك فيه لا تصح وقوله تعالى (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ ولِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) قد قيل فيه ان المراد بالاذن العلم وقد قيل بل المراد فبأمر اللّه ولذلك قال تعالى من بعد (وَ لِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ لَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) أ ليس ذلك كالمتناقض؟ وجوابنا أنه بين بقوله تعالى (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) أنه لا نصرة يجدونها بعد هذه النصرة وعلى ذلك صح.

[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ولْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ واتَّقُوا اللَّهَ) ما فائدة هذا التكرار؟ وجوابنا أن المراد بالاول أن يتقوا اللّه في حفظ ما فعلوا من الطاعات والمراد بالثاني ان يتقوا في جميع ما كلّفوا ولذلك قال (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) وأما معنى قوله تعالى (وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) المراد أنه بتركهم طاعة اللّه خلاهم وخذلانهم ولذلك قال (أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) كيف يصح ذلك في الجبل وهو جماد؟ وجوابنا أن ذلك مثل ضربه اللّه تعالى لمن لا يتفكر في القرآن ولا يخشع عنده ولذلك قال تعالى (وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ) ويمكن أن يقال إن المراد به أن الجبل لو كان حيا يصح أن يسمع ويتدبر لكان هذا حاله.

سورة الممتحنة
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) كيف يصحّ ان يستغفر له مع كفره؟ وجوابنا أنّ ذلك وعد منه وقد قال تعالى (وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) وذلك يقتضي أنّ استغفاره كان بشرط وعلى وجه يحسن عليه ولو كان استغفاره مطلقا لما قال (وَ ما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ) فإن قيل فما معنى قوله تعالى من بعد (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) قيل له أنهم سألوا ربهم أن يزيل عنهم الامور التي عندها يشمت الكفار بهم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ) كيف وصفهن بالمؤمنات قبل الهجرة وقبل القبول من الرسول صلّى اللّه عليه وسلم لانه قال «فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ»؟ وجوابنا أن المراد بذلك المظهرات للايمان الراغبات في ذلك فلا تناقض في هذا الكلام لأنّهن يظهرنه ويرغبن فيه ثمّ يدّعين ويختبرن فتعرف حالهن.

سورة الصف
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ) أنه جعلهم مع الكبيرة مؤمنين وذلك بخلاف قولكم. وجوابنا أنه قد يكون مؤمنا وإن وعد بما لا يفعل إذا كان وعده خبرا عن عزمه فلا يكون كاذبا ولكنه إذا أطلق الوعد ولم يستثن ثمّ لم يفعل يقبح منه وقد حكي عن الحسن أنه قال المراد المنافقون أظهروا الايمان وحالهم هذه والاول أقرب وقوله تعالى من بعد (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) فالمراد به عاقبهم على زيغهم على نحو قوله تعالى (وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها).

سورة الجمعة
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ ويُزَكِّيهِمْ) كيف يصح أن يزكّيهم قبل أن يظهر منهم القبول والطاعة؟ وجوابنا أن المراد ويزكيهم على الوجه الذي يحسن كما يتلو عليهم آياته على هذا الوجه ويجوز أن يراد به التزكية التي معها يجوز التكليف من عقل وتمييز وغيرهما ويجوز أن يريد ويدعوهم الى ما يتزكون به ولذلك قال تعالى (وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) وقوله تعالى (ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) لا يدل إلّا على أن النبوّة والكتاب من فضله فليس لأحد أن يتعلق بذلك.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (انْفَضُّوا إِلَيْها) لم لم يقل إليهما؟
وجوابنا أن الكلام إذا دلّ على ذلك جاز مثله وقد قيل إن المراد التجارة لأنها المقصودة من اللهو الذي هو تابع لها فكأنه نبّه بذلك على ما ينفضون أجمع لاجله دون ما يختص به بعضهم دون بعض.

سورة المنافقين
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ واللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ واللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) كيف يكونون كاذبين في هذه الشهادة التي هي حق؟ وجوابنا أن شهادتهم كالأخبار عن اعتقادهم ولم يكونوا معتقدين لذلك فصاروا كاذبين وقوله تعالى من بعد (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) يدل على ذلك وأنهم أظهروا ما لا حقيقة له وقوله تعالى (فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) يدل على أن الافعال من قبلهم لأن اللّه تعالى إن كان خلق ذلك فيهم فكيف يصح كونهم صادّين أو ليس ذلك يوجب أنهم يصدّون الخالق الفاعل وذلك محال.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) كيف يصح في النبي صلّى اللّه عليه وسلم أن يكون استغفاره إذا وقع لا ينفع ولا يجاب إلى ملتمسه؟
وجوابنا أن المراد ما لم يقع وما لم يقع لو وقع فكيف يكون حاله فليس في ذلك أنه لا يجاب الى ما يلتمس وبعد فانه يحتمل أن يستغفر لهم بشرط معلوم من حالهم خلاف ذلك لأن ذلك ورد في المنافقين فيجوز أن يريد استغفاره لهم على الظاهر فاذا علم اللّه تعالى نفاقهم علم أنه لا يغفر لهم ولا يكون في ذلك تركا لإجابته لأن طلب الغفران لهم إن كانوا على صفة ليس هم عليها.

سورة التغابن
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ ومِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) أما يدل ذلك على انه خلق الكافر كافرا وخلق المؤمن مؤمنا؟ وجوابنا انه ليس فيه إلا انه خلقهم ثمّ من بعد قسمهم فلا يدل إلا على أن فيهم كافرا ومؤمنا ثمّ الكلام في أنّ ذلك الايمان والكفر ممّن ليس في الظاهر؛ وقال أويس عليه رحمة اللّه لو كان كما ذكروا لما قال فمنكم كافر ومنكم مؤمن وقوله تعالى من بعد (خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ بِالْحَقِّ) يدل على ما نقوله من أنه خلقه لمنفعة العباد ولكي يطيعوا ووصفه تعالى ذلك اليوم بالتغابن يدل على أن المقصّر بالكفر والمعصية يعلم أنه كان يمكنه أن لا يقصر وقوله تعالى (وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) يدل على ما نقوله من علامات يفعلها ليميز الملائكة المؤمنين من غيرهم.

سورة الطلاق
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) أن ذلك يدل على ان الرجعة هو الذي يحدثها؟ وجوابنا أنه تعالى لم يفسر الأمر والمراد عندنا الشهوة ومحبة القلب اللذان يدعوانه الى الرجعة ويغتم لأجلهما بما فعل من الطلاق وقوله تعالى من بعد (قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) وقد تقدم ذكر المعنى وأن المراد حكمه في هذه الامور وقوله تعالى (وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ) المراد به من ضيّق عليه رزقه أمره بأن لا يبسط يده إلى ما لا يحلّ له بل ينفق مما آتاه من الخيرات.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) كيف يصح ذلك وفي الناس من لا يجد اليسر بعد العسر؟ وجوابنا أنه لا أحد ممّن ضيّق عليه اللّه تعالى إلا ويؤتيه يسرا بعد عسر من جهة أرزاق الدنيا أو من جهة ثواب الآخرة اذا صبر واحتسب.

39 / 47
ع
En
A+
A-