سورة الحجرات
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) كيف يصح أن تنسب إلى أحدنا محبة ذلك مع كونه كارها وكيف يجوز تشبيه ذلك بأكل لحم أخيه ميتا؟ وجوابنا ان قوله تعالى (أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ) نفي للمحبة لا إثبات لها فكأنه قال كما لا يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكذلك حال الغيبة يجب أن يكرهها ككراهة أكل لحم الميت فأما هذا التشبيه فمن أحسن ما يضرب به المثل وذلك لان المرء نافر النفس عن أكل لحم أخيه الميت لقبحه فبين اللّه تعالى أن غيبته تجري في القبح وفي أنه يجب ان ينفر عنها هذا المجرى.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ولكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) أ فليس قد ميّز بين الايمان والاسلام؟ وجوابنا ان الاسلام في اللغة هو الاستسلام والانقياد وذلك ليس باسلام في الدين على الحقيقة ولذلك قال (وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ومن يكون مسلما في الحقيقة فقد دخل الايمان قلبه ولذلك قال بعده (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) فبيّن تعالى أنّ الاعراب لم يكونوا كذلك بل كذبوا في قولهم آمنا وفي السورة أدلة على ما نقول منها قوله (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ)

فبين به أن رفع الصوت بحضور الرسول يحبط سائر طاعتهم حتى يصيروا كأنهم لم يفعلوها ومنها قوله (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) فدل بذلك على ان الفعل لا يحسن إلا مع المعرفة دون أن يتبع في ذلك الفعل قول قائل مع الشك ومنها قوله (وَ لكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ والْفُسُوقَ والْعِصْيانَ) فدل بذلك على أن في الفسوق ما ليس بكفر وفي العصيان ما ليس بفسق ولو لا ذلك لم نميز بين الثلاثة ومنها ما نجعله أصلا في النهي عن المنكر وهو قوله (وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما) فأمر بالاصلاح أوّلا ثمّ قال (فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ) فأمر بالقتال ثانيا ونبه بالطرفين الذين هما الاصلاح والقتال على ما بينهما من الوسائط فان قيل فقد سمى الطائفتين مؤمنين وعندكم أنهما إذا اقتتلا لم يصح ذلك فيهما؟ فجوابنا أنه أثبتهما مؤمنين قبل البغي والقتال لان قوله (وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) معناه اختاروا المقاتلة في المستقبل ومنها قوله (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) فدل بذلك على أن الفسق يخرج فاعله من أن يكون مؤمنا ومنها قوله (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) لأن ذلك يدل على أن الايمان من نعمة اللّه تعالى من حيث ألطف لنا وسهل سبيلنا إلى فعله.

سورة ق
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (ق والْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) أن قوله (وَ الْقُرْآنِ) قسم فكيف يصح أن يقسم بالقرآن وليس هناك شيء مقسم عليه؟ وجوابنا أن المقسم عليه قوله (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وعِنْدَنا) وما بعده فأكد هذا الخبر بالقسم على عادة العرب ونبه بذلك على ما يكون ردعا عن المعاصي من حيث لا يعرفون طريق الاحتراز ومن حيث يعلم ما يأتون ويذرون وحكي عن الحسن أن المراد تأخير القسم فكأنه قال (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) والقرآن يؤكد بذلك ما تعجبوا منه.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ قالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ) كيف ثنّى ذلك والامر هو لواحد؟ وجوابنا أن في النار خزنة ولهم عدد فلا يمتنع أن يكون خطابا للاثنين وأن يكون كما جعل على المكلف في الدنيا رقيبين فكذلك في الآخرة يوكل به ملكين من الخزنة وقد قيل إن الواحد قد يعبر عنه بالتثنية ويكون ذلك كالتوكيد كأنه قال ألق ألق كما يؤكد المرء أمر غيره بأن يقول اضرب اضرب.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) كيف يقول ذلك وقد أطغاه والكذب في الآخرة لا يقع؟ وجوابنا أن المراد

ما أكرهته على الطغيان ولا ألجأته إليه لكنه اختار ذلك كقوله تعالى (أَ نَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) كيف يصح مخاطبتها وهي جماد؟
وجوابنا في ذلك ان المراد نقول لخزنة جهنم وهذا كقوله وأسأل القرية ويحتمل أن يكون المراد استجابة جهنم لما يريده اللّه من حصول أهلها فيها كقوله تعالى (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) واللّه تعالى قد أخبرنا فقال (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ والنَّاسِ أَجْمَعِينَ) فبيّن انه سينتهي الحال إلى أن يملأها بعد المحاسبة.
[مسألة]
وربما قيل ما معنى قوله تعالى (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) وكل المكلفين لهم قلب؟ وجوابنا أن المراد لمن كان مستعملا قلبه في التفكر والتدبر فان فيهم من ليس هذا سبيله.
[مسألة]
وربما قالوا في قوله تعالى (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) ما معنى ذلك؟ وجوابنا أن المراد المعرفة وأنها قوية في الآخرة فالشبهة زائلة فشبهت في القوة بالحديد لأن معرفتهم في الآخرة ضرورية وإلا فالقوم ينظرون من طرف خفي وفي السورة أدلة على ما نقول منها قوله تعالى (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ) ولو كان الكافر ممن لم يعط قدرة الايمان وخلق الكفر فيه لكانت الحجة له فكان لا يجوز أن يقال له ذلك ومنها قوله (وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) لان ذلك يدل على أن ما توعد اللّه به لا يتخلف ومنها قوله تعالى (وَ ما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) لأنه يدل على أنهم قد فعلوا ما استوجبوا به العقاب ولو لا ذلك لكان كل العقاب من باب الظلم والعبث من حيث خلق فيهم ما عاقبهم لاجله ومن حيث خلقهم للكفر ومن حيث خلقهم للنار فلو ابتدأهم بها لكان أقرب من

أن يستدرجهم إليها ومنها قوله تعالى (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) فذلك انما يصح اذا كانت الخشية تصرفه عن الفعل ولو كان مخلوقا فيه لما صح ذلك وقوله تعالى (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها ولَدَيْنا مَزِيدٌ) يدل على انه تعالى يضم الى ثوابهم التفضل ولا نمنع من أن يكون ذلك عند شفاعة الرسول صلّى اللّه عليه وسلم فليس لمن خالفنا في الشفاعة أن يتعلق بذلك وقوله في آخر السورة (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) يحقق ما نقوله في الوعيد وبين أن ذلك يصرف عن المعاصي فلذلك أمر اللّه جل وعز نبيه صلّى اللّه عليه وسلم أن يذكرهم به ولو كان ذلك خلقا فيهم من جهة اللّه تعالى لما صح ذلك.

سورة الذاريات
[مسألة]
وربما قالوا كيف أقسم بالذاريات التي هي الرياح وبغيرها؟
وجوابنا أنه تعالى قد بيّن مراده بقوله تعالى (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) وبقوله تعالى (فَوَ رَبِّ السَّماءِ والْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) وبين الرسول حيث قال من كان حالفا فليحلف باللّه فيجب إذا أن يكون المراد بكل ذلك ورب الذاريات ورب الطور ورب القرآن وهذا أحد ما يدل على ان القرآن من جملة أفعاله وأن اللّه تعالى ربه ومعنى رب الذاريات أنه المالك ولا يجوز ان يملك إلا ما يفعله ويقدر عليه فجميع ما أقسم اللّه تعالى به في أوائل السور يجب أن يحمل على هذا الوجه لكن مع ذلك فيه فائدة وهي تعريف العباد إنعامه بما ذكر كقوله تعالى (وَ الْفَجْرِ) وكقوله (وَ الضُّحى) وكقوله تعالى (وَ التِّينِ والزَّيْتُونِ) الى غير ذلك.
[مسألة]
وربما قيل لما ذا قال تعالى (وَ فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وما تُوعَدُونَ) ومعلوم من رزقنا أنه في الارض. وجوابنا أن المراد ما هو الاصل لأرزاقنا وهو الماء النازل من السماء ولولاه لما حصل ما نأكل ونشرب ونلبس الى غير ذلك وقوله تعالى (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) يدل على ان الايمان تنزيه القرآن (26)

والاسلام واحد والا كان لا يكون لمن نفى من المسلمين تعلق بمن أخرج من المؤمنين.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) أ ليس ذلك يدل على جواز الجوارح على اللّه تعالى؟ وجوابنا ان المراد به القوّة والقدرة ولو لا ذلك لوجب إثبات أيدي كثيرة له تعالى عن ذلك.
[مسألة]
وربما قيل ما معنى قوله تعالى (وَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) وفي الاشياء ما لا زوج له كالجمادات وغيرها. وجوابنا أنه لا شيء الا وقد خلق اللّه تعالى ما يخالفه بعض المخالفة ليدل بذلك على قدرته ولتتكامل به نعمته وهذا كالذّكر والأنثى وكما نعلمه في الثمار والفواكه وكالليل والنهار وكالحجر الصلب والرخو من الاشياء وذلك تنبيه من اللّه تعالى على عظم قدرته وانعامه فلذلك قال تعالى (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فأما قوله تعالى (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) فلا يدل على أنه تعالى في مكان بل المراد الفرار إلى طاعته وعبادته والتخلص من عقابه فلذلك قال تعالى (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) فأما قوله جل وعز (وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ والْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فدلالة على أنه تعالى أراد من جميعهم عبادته وأنه خلقهم لذلك لا كما يقوله المخالف من أنه أراد من المؤمنين الايمان ومن الكافرين الكفر وأنه خلق بعضهم للنار وبعضهم للجنة وقد بينا أن قوله تعالى (وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ والْإِنْسِ) لا يعارض ذلك لان المراد ذرأناهم للعبادة لكن مصيرهم الى جهنم من حيث لم يختاروها فهذه اللام لام العاقبة كقوله عز وجل (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وحَزَناً) وقوله من بعد (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) فالمراد به وصفه بالاقتدار على الامور لا أن المراد اثبات قوة له تعالى اللّه عن الحاجة علوّا كبيرا ولو كان المراد ظاهره لوجب مع قوته أن يوصف بالمتانة التي هي الصلابة وذلك من صفات الاجسام.

سورة الطور
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ اصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) أن ذلك يدل على ان للّه علينا كما يقوله بعض المشبهة. وجوابنا أنه إن دل على ذلك دل على عيون وليس أقله بأن يدل أولى من أكثره وليس ذلك قولا لأحد فالمراد به أنك بمرأى منا ومسمع وإنا نعلم تعيين أحوالك وذكرها تعالى ليبعثه على التشدد في الابلاغ والصبر على كل عارض دونه.
[مسألة]
وربما تعلق بعض المجبرة بقوله تعالى (وَ الَّذِينَ آمَنُوا واتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) وزعموا أن ذلك يدل على أن الايمان من فعل اللّه. وجوابنا ان المراد من يبلغ من الذرية ويؤمن فبين تعالى أنه لأجل مشاركتهم لهم في الايمان ألحقهم بهم وبين ذلك قوله (وَ ما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) والعامل لا يكون الا مكلفا وقوله تعالى من بعد (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) يدل على أن احدا لا يؤخذ بكسب غيره فيبطل قول من خالفنا وزعم أن أطفال المشركين يؤخذون بذنب آبائهم.

سورة النجم
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) أن ذلك يدل على انه صلّى اللّه عليه وسلم رأى ربه مرة بعد أخرى. وجوابنا أن المراد بذلك جبرائيل عليه السلام لأنه المذكور من قبل بقوله تعالى (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى) ثمّ قال بعد ذلك (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) فأثبته رائيا له ثمّ قال (وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) فأثبته رائيا له ثانيا وأراد رؤيته له على صورته التي هو عليها فقد كان ينزل على غير صورته في سائر الحالات وبين ما قلناه قوله تعالى (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) وذلك لا يليق إلا بجبرائيل عليه السلام وقوله تعالى من بعد (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ والْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) يدل على أنه يغفر إلمام الانسان بصغائر المعاصي إذا اجتنبت الكبائر وقوله تعالى (وَ إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى) فيه دلالة على أن أحدا لا يؤخذ بذنب غيره.
[مسألة]
وربما قالوا ان قوله تعالى (وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأَبْكى) يدل على أن أفعالنا مخلوقة للّه تعالى. وجوابنا أن ذلك إن دل فانما يدل على أنه فعل الضحك والبكاء ولا عموم فيهما فان فعلهما تعالى باثنين ثمّ الظاهر فمن أين أن كل ضحك وبكاء من فعل اللّه تعالى. فان قيل فما قولكم في الضحك أ هو من فعل العبد أو من فعل اللّه وقد يتعذر على المرء ترك الضحك فكيف يكون من

فعله. وجوابنا أن الضحك هو التفتح المخصوص الذي يظهر في الوجه وذلك يكون من فعل العبد ولا حال يضحك فيها الا ويجوز أن يتركه لأنه لو خوّف من الضحك لتركه فأما الابكاء فهو من فعله تعالى لأنه إنزال ما يدفع صفة الوجه فحقيقته أنه تعالى تعالى هو الذي يبكي العبد وإن كان العبد قد يتسبب في ذلك وقد قيل ان المراد بقوله (أَضْحَكَ) انه أنعم على اهل الثواب بالجنة والثواب (وَ أَبْكى) انه عاقب اهل النار واستدلوا على ذلك بقوله تعالى (ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى وأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى وأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأَبْكى) وذلك لا يليق الا بأمر الآخرة فشبه ما ينالهم من النعيم والسرور بالضحك وما ينالهم من العقاب بالبكاء.
[مسألة]
وربما قيل في قوله (وَ أَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ والْأُنْثى مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى) كيف يصح ذلك ونحن نعلم ما لا يخلق من النطفة من الذكر والانثى؟ وجوابنا ان جميع ما فعله من الذكر والأنثى أصل الخلقة فيه النطفة وإن كانت ربما تكون بواسطة وربما لا تكون وما يوجد على غير هذا الوجه لا نعلم فيه الذكر من الانثى وقوله عز وجل (وَ أَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى) يدل على وجوب الاعادة لاجل الاثابة لان في قوله (وَ أَنَّ عَلَيْهِ) دلالة الوجوب. وقوله تعالى (وَ أَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) ظاهره أن بعد عاد عادا ثانيا فيكون هو الاول وقد روى ذلك في الاخبار. ومن قال أنه واحد تأول على ما قاله الحسن لانه قال هم الاول لنا من حيث كانوا قبلنا ونحن كالآخر لهم.

37 / 47
ع
En
A+
A-