سورة الشورى
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) كيف يصح ذلك مع قوله تعالى (وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا)؟ وجوابنا ان المراد ويستغفرون لاهل الارض الذين هم المؤمنون لا لأهل السماء لأن أهل الأرض هم المحتاجون الى الاستغفار ويحتمل أن يكون المراد ويستغفرون لأهل الأرض لإزالة عذاب الاستئصال عنهم والأول أقوى لأن إحدى الآيتين يجب أن تبنى على الاخرى كما يبنى المجمل على المفسر.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى ومَنْ حَوْلَها وتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ) وهو يوم القيامة كيف يصح ان ينذر يوم القيامة والتكليف منقطع؟ وجوابنا ان المراد ينذرهم ما يلقون يوم الجمع وهم يخافون فحال الانذار هو حال التكليف ولذلك قال تعالى (لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) فبين وجه التخويف في ذلك وقوله تعالى (وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً) المراد ان يلجئهم الى الايمان لكنه لم يشأ الا على وجه الاختيار تعريضا للمثوبة وقوله تعالى من بعد (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ربما قالوا فيه أن ظاهره يتناقض لانه يقتضى ان لمثله مثلا ولو كان كذلك لما صح النفي لانه يقتضى الاثبات. وجوابنا ان ذلك وإن كان مجازا فهو مؤكد للحقيقة على ما جرت به عادة العرب وهو أوكد من قول القائل ليس مثله شيء وقوله تعالى من بعد (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً والَّذِي أَوْحَيْنا

إِلَيْكَ وما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ ومُوسى وعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) فالمراد به أنه شرع لكل الانبياء أن يقيموا الدين فيما يتصل بالاعتقاد والتوحيد لان ذلك مما لا يقع بينهم فيه خلاف فأما الشرائع المختلفة فلكل منهم دين وما هو دين أحدهم بمنزلة ما هو دين غيره لأنه دين لهم مضاف اليهم ولذلك قال بعده (وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) فنبه بذلك على ما ذكرنا وقوله (اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) المراد به ويهدي الى رضوانه وثوابه من ينيب فلا تعلق للمخالفين بذلك وقوله تعالى (وَ ما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) ربما سألوا فيه وقالوا كيف يؤدي علمهم الى التفرق؟ وجوابنا انه تعالى أراد بالعلم البيان وأنهم تفرقوا بعد البيان وبعد قيام الحجة ويحتمل ان يكون المراد تفرقوا بعد العلم على وجه البغي كما ذكره تعالى والمراد المبطلون دون المحقّون.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (لَنا أَعْمالُنا ولَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وبَيْنَكُمُ) كيف يصح أن لا يكون له عليهم حجة؟ وجوابنا ان المراد إنا قد بالغنا في إقامة الحجة حتى لم تبق باقية فلا حجة بيننا وبينكم وهذا على وجه التوبيخ وإلا فمعلوم من دين الرسول صلّى اللّه عليه وسلم أنه كان لا يعذر القوم بل له الحجة العظيمة عليهم ولذلك قال بعده (اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) وقال تعالى بعده فيمن يحاج في اللّه من المبطلين (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ولا يجوز ذلك الا وحجة المحقين ثابتة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ والْمِيزانَ) كيف يصح القول بأنه أنزل الميزان وهو أمر يتولى فعله الناس؟ وجوابنا ان المراد أنه انزل الكتاب بالحق وانزل التمسك بالميزان في باب المعاملات وقد قيل انه في الابتداء أنزله اللّه تعالى وعرفهم كيف يتعاملون

وقد قيل ان المراد بالميزان العدل نفسه وقوله تعالى من بعد (وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) أحد ما يرغب في التوبة ويخوف من تركها وذلك لطف عظيم للمكلفين.
[مسألة]
وربما قيل كيف يصح قوله (وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) ومعلوم ان فيمن يريد حرث الدنيا من له نصيب في الآخرة. وجوابنا ان المراد من كانت إرادته مقصورة على حرث الدنيا لأن من هذا سبيله لا نصيب له في الآخرة وبين تعالى أنه لا يبخل عليه بما أراده من أمر الدنيا وان كانت هذه حاله وقوله من بعد (تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وهُوَ واقِعٌ بِهِمْ) أحد ما يدل على أن من لم يتب من الظلمة سيعاقب لا محالة. ثمّ ذكر تعالى من بعد رحمته فقال (وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ ويَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ ويَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) وقوله تعالى من بعد (وَ لَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) يدل على انه لا يفعل إلا ما يبعث على الطاعة والعبادة فلذلك قال (وَ لكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ) وقوله تعالى من بعد (وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) فالمراد به الجزاء على السيئة وذلك مجاز مشهور في اللغة ولذلك قال تعالى بعده (فَمَنْ عَفا وأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) والمراد بذلك من عفا عن السيئة ولم يقابل بمثلها ولا كافأ عليها ولذلك قال بعده (وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) فبيّن أنه إذا انتصر وقد ظلم فلا سبيل عليه ولو كان ما فعله سيئة لما صح ذلك ولذلك قال بعده (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ ويَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) وبعث تعالى على الصبر فقال (وَ لَمَنْ صَبَرَ وغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) وقوله تعالى (وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ) المراد من يضلله بالعقوبة وبالصرف عن الثواب فلا ولي له

لأنه لا ناصر له وهذه حاله ولذلك قال بعده (وَ تَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ) فيتمنّون الرجعة لكي يؤمنوا وعند ذلك بين اللّه عز وجل أن المؤمنين يقولون (إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) اذا عاينوا ما أنزل بهؤلاء الظالمين ولذلك قال بعده (أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ وما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ) وقوله تعالى من بعد (وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا) أحد ما يذكر في ان الرؤية على اللّه تعالى لا تجوز وإلا فقد كان أصح انه يكلم البشر على غير هذه الوجوه وربما قالوا في ذلك ما معنى قوله (إِلَّا وَحْياً) وهل معناه غير ما ذكر في قوله (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا) وما معنى (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) والحجاب على اللّه تعالى لا يجوز. وجوابنا عن الاول أن المراد على وجه الخاطر والالهام وقد يوصف ذلك بأنه وحي من اللّه. وعن الثاني بأن الحجاب في نفس الكلام يصح وان كان على اللّه تعالى لا يصح وقوله تعالى من بعد (وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ ولَا الْإِيمانُ) أحد ما يدل على انه من قبل النبوة لم يكن مكلفا بشريعة ابراهيم ولا غيره ولا كان يعرف الايمان وقوله تعالى من بعد (يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) المراد به من يكلفهم دون غيرهم فلا يدل على انه تعالى هدى بعض المكلفين دون بعض ولذلك قال بعده (وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ومعلوم أنه هدى كل المكلفين.

سورة الزخرف
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا) كيف يصح في القرآن ذلك وانما أنزله على الرسول صلّى اللّه عليه وسلم؟ وجوابنا ان المراد انه كتبه في اللوح المحفوظ على الوجه الذي تعرفه الملائكة ثمّ حصل الانزال الى السماء الدنيا في ليلة مباركة كما ذكره تعالى ثمّ حصل الانزال حالا بعد حال بحسب الحاجة إلى الاحكام والقصص وفي كل ذلك مصلحة فاما في الأول فالملائكة يعرفون به ما يدعوهم الى طاعته ويعرفون به أنه من عالم الغيب لأنه تعالى ذكر عند إثبات القرآن في اللوح المحفوظ ما سيكون من حاله وحال الرسول صلّى اللّه عليه وسلم من المصالح المعروفة فلا تناقض في ذلك وقوله تعالى من قبل (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) أحد ما يدل على حدوثه من وجوه وقد بينها من قبل.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) كيف يصح ذلك وفي الانبياء من قبلوا منه وعظموه؟ وجوابنا ان المراد بذلك من دخل تحت قوله (وَ كَمْ أَرْسَلْنا) وذلك لا يعم جميع المرسلين ولذلك قال بعده (فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً ومَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ والْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا

عَلى ظُهُورِهِ) كيف يصح بعد ذكر الانعام ان يقول على ظهوره ولا يقول على ظهورها؟ وجوابنا ان ذلك يرجع الى لفظة ما فقد يصح ان يفرد ما يرجع اليه كما يصح ان يجمع وهذا كما نقوله في لفظة من أنها تارة يجمع ما يرجع اليها وتارة يوحد وفي قوله (ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا) دلالة على ما يلزم العبد من الشكر عند كل نعمة دقت أو جلت ثمّ قبح تعالى ما قاله بعض العرب من أن الملائكة بنات اللّه تعالى وبيّن أن ضربهم المثل للّه تعالى بما يعدونه نقصا من عجائب كفرهم فقال (وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وهُوَ كَظِيمٌ) وبين بقوله (أَ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ) ان كل قول لا علم معه بصحته يصير وبالا وقوله من بعد (وَ قالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) يدل على انه تعالى لا يشاء عبادة غيره ولو لا ذلك لما قال (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) وقبح التقليد بقوله (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) ثمّ قال (وَ إِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) وقال بعد ذلك (قالَ أَ ولَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ) وهذا هو الذي يبطل التقليد ويعلم أن الواجب اتباع الهدى والدلالة وقوله تعالى من بعد (وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ) أحد ما يدل على أنه تعالى لا يخلق الكفر ولا يدعو إليه لأنه إن كان هو الخالق له فلا فائدة في هذا وانما يكون له فائدة إذا كان الكلام مع المختار للكفر فعند هذا الضرب من النعم يختار ما لولاها كان لا يختاره ثمّ بين تعالى أن كل ذلك متاع الدنيا وأن الآخرة عند اللّه للمتقين والاتقاء معناه أن لا يتخذوا زخرفا في الدنيا من المعصية فيترك المعصية ويتقي النار وذلك لا يصح الا وهم المختارون لذلك.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ

الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) كيف يصح ان يكون تعالى يمنع من اتباع الشيطان ويقيضه للعبد؟ وجوابنا أن المراد من يعش عن ذكر الرحمن في الدنيا نقيض له شيطانا في الآخرة فيصير قرينه كما ذكره اللّه تعالى في غير موضع ولو لا هذا التأويل لحملناه على معنى التخلية كما تأولنا عليه قوله تعالى (أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) ولذلك قال بعد (حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) ولذلك قال بعده (وَ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ) وكل ذلك يبين صحة ما تأولنا.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) ما فائدة هذا الكلام وكيف ينتفعون بالاشتراك في العقاب؟ وجوابنا أن المراد أن كل ممتحن في دار الدنيا إذا انفرد بالمحنة تكون محنته أثقل وأعظم وأغلظ منها إذا كان له شركاء فيها فبين اللّه تعالى أن هذا القدر من الروح والخفة لا يحصل في الآخرة لأهل العذاب إذا اشتركوا فيه وقوله تعالى من بعد (أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ) أحد ما يدل على أنه تعالى يذكر مثل هذا الوصف فيمن يمتنع من الإصغاء والقبول على ما تأولناه من قبل.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ قالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) كيف يصح أن يصفوه بأنه ساحر ويسألوه أن يدعو ربه وذلك متناقض؟ وجوابنا أن المراد أنهم قالوا بحسب اعتقادهم وقالوا إن لم تكن كذلك على ما نعتقده فادع لنا ربك وقد قيل إن هذه اللفظة تستعمل في اللغة فيمن يعتقد فيه التقدم في معرفة الأمور فعلى هذا الوجه قالوا ومعنى قوله تعالى (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ) أغضبونا فالأسف في الحقيقة لا يجوز إلا على من يجوز عليه الحزن والغم وقد قيل ان المراد آسفوا رسلنا.

[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) كيف يصح أن يجعل من الناس ملائكة؟ وجوابنا أن المراد بقوله (مِنْكُمْ) ليس ما ذكرته بل المراد ان ينزل الملائكة بحيث يرون في جملتهم فيكونون منهم بين اللّه تعالى بذلك أن عيسى وأن فارق حاله في كونه لا من أب حالهم فليس ذلك ببعيد عند اللّه تعالى كما لا يبعد أن يجعل مع الناس ملائكة واللّه تعالى أنشأهم بلا ولادة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها) ما المراد بذلك؟ وجوابنا أنه قد ظهر في الأخبار نزول عيسى عليه السلام عند الساعة وأن اللّه تعالى جعله دلالة للساعة فلذلك قال تعالى (فَلا تَمْتَرُنَّ بِها) لأن العلم والدلالة تمنعان من المرية وقوله تعالى من بعد (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) يدل على أنهم في الآخرة بخلاف ما هم في الدنيا ففي الدنيا يحبّ بعضهم بعضا وفي الآخرة يغلّظ اللّه قلب بعضهم على بعض ويكون ذلك زائدا في غمومهم وقوله تعالى من بعد (يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ولا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) يدل على ان المتقين لا تلحقهم أهوال الآخرة وتعلق بعضهم في ان اللّه تعالى يرى لجهله بقوله تعالى (وَ فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) وزعم ان من أعظم لذات العين رؤية اللّه تعالى وهذا جهل عظيم لأن الواجب ان يثبت أولا أنه يرى ثمّ يقول ذلك كما لو قال قائل إنه داخل تحت قوله تعالى (وَ فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ) بالمعانقة والملامسة لكان إنما يبطل بأن يقال يجب ان تثبت أولا أنه جسم يصح ذلك عليه ثمّ تقول هذا القول وقوله تعالى من بعد (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ) يدل على أن غير الكفار من المجرمين هذا وصفهم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ ونَجْواهُمْ بَلى ورُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) كيف يصح

أن يكتبوا السر وهم لا يعلمونه؟ وجوابنا أنه تعالى يعرف الحفظة ما يفعله العبد بأمور من قبله فتكتبه إذا كان ذلك مما لا يشاهد فهذا الوجه وجه الكلام.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) كيف يصح أن يكون أوّل عابد لمن له ولد؟
وجوابنا ان المراد فأنا أول الآنفين من عبادة من هذا حاله وقد ذكر عن الفرزدق أنه قال:
واعبد أن يهجي كليب بدارم. وأراد به الآنفة ويحتمل أن يريد بذلك تبعيد أن يكون له ولد لأن عبادته له تمنع من ذلك وقوله تعالى (وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) يدل على أنه يجوز عليه المكان وأنه يدبر الاماكن ولو كان على العرش كما قالوا لم يصح ذلك.

سورة الدخان
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) كيف يصح ذلك وانما أنزله في المدة الطويلة حالا بعد حال؟
وجوابنا أنه أنزله الى السماء الدنيا في ليلة مباركة على ما تقدم ذكره ولذلك قال (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) لأنه تعالى أمر في تلك الليلة بأن الملائكة ينزلون القرآن حالا بعد حال بحسب الحاجة اليه والمصلحة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) ما المراد بذلك وكيف يرتقب ما لا يوجد في الدنيا؟
وجوابنا أنه يحتمل ان يريد فارتقب ذلك للكفار والعصاة على وجه الردع لهم ويحتمل أن يكون هذا الدخان أحد المعجزات كما روي عن ابن مسعود في انشقاق القمر وقوله تعالى من بعد (وَ لَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ) المراد به امتحناهم وكلفناهم وليس المراد انا خلقنا الكفر فيهم كما يزعمه بعضهم ولذلك قال تعالى (وَ جاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ) كيف يصح أن يخوف تعالى بشجرة الزقوم وهي لا تعرف؟ وجوابنا أنه اذا وصف حالها صح التخويف بها ولذلك قال تعالى (كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) وقوله تعالى من بعد (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ

35 / 47
ع
En
A+
A-