أن يخلق ما يشاء لا يجوز أن يتخذ ولدا فعلى هذا الوجه ذكر ذلك وقوله تعالى (وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ) ربما سألوا فيه وقالوا كيف أنزلها؟
وجوابنا أنه تعالى خلقها في السماء ثمّ انزلها إلى الأرض كما خلق آدم في السماء ثمّ اهبطه إلى الأرض.
[مسألة]
وربما قيل ما معنى قوله (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) والمعلوم انه خلق واحد. وجوابنا ان المراد خلق ما تتغير به النطفة فتكون علقة الى ان يستقر الخلق التام فهذا هو المراد وقوله تعالى (وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) يدل على ان احدا لا يؤخذ بذنب غيره فيبطل بذلك قولهم ان الطفل يعذب بكفر ابيه.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ وأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) كيف يصح ان يكون أول المسلمين وقد تقدمه من المسلمين ما لا يحصى عدده؟
وجوابنا ان المراد وأمرت أن اكون أول المسلمين من قومي وذلك معقول من الكلام وفي قوله تعالى (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً) دلالة على ان الاعمال لا يستحق بها الثواب الا على هذا الوجه وقوله (قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) يدل على ان النبوة لا تمنع من هذا الخوف فكيف يمنع منه ان يكون المرء من أولاد الانبياء كما يقوله بعض العامة من الامامية حتى يزعمون أنّ من ولد من فاطمة عليها السلام قد حرّم اللّه تعالى النار عليه وقوله تعالى من بعد (فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) هو على وجه الزجر والتهديد لا انه أمر في الحقيقة وقوله تعالى من بعد (أَ فَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) يدل على ان الوعيد الوارد عن اللّه تعالى واجب لا يجوز خلافه واذا لم يجز أن ينقذ الرسول من النار فكيف يصح ما يقوله القوم من انه صلّى اللّه عليه وسلم بشفاعته يخرج الكثير من أهل النار؟

[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) انه يدل على أن الاسلام من قبله تعالى. وجوابنا ان شرح الصدر بالاسلام غير الاسلام فلا يدل على ما قالوه وانما المراد بذلك أنه تعالى يورد عليه من الطاقة ما يدعوه الى الثبات على الاسلام كما ذكرنا في قوله (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) وقوله (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) وهو القرآن فيدل على انه محدث من حيث أنزله ومن حيث سماه حديثا ومن حيث وصفه بانه متشابه وما هو قديم لا يصح ذلك فيه وقوله (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) يدل أيضا على حدوثه وقوله (ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ) يدل أيضا على ذلك وقوله (وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) المراد من يضلل اللّه عن طريق الجنة الى النار كما قدمناه من قبل وقوله (قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) يدل على حدوثه وعلى انه حدث بعد لغة العرب ليصح أن يوصف بانه عربي وقوله (وَ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ) لا يدل على ما قالوه لان المراد ومن يضلل عن طريق الجنة الى النار فما له من هاد اليها ومن يهده الى الجنة فما له مضل على ما تقدم ذكره وقوله من بعد (فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ ومَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) يدل على ما قدمنا ذكره من ان الاهتداء يضاف الى اللّه تعالى دون الضلال وان كانا جميعا من فعل العبد.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) انه يدل على أنه لا مؤمن الا ويغفر له اللّه تعالى وان ارتكب الكبائر.
وجوابنا ان المراد انه يغفر ذلك بالتوبة بدلالة قوله (وَ أَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ) والآية في الكفار وردت فلا شبهة في أنهم من أهل النار ويدل على ذلك قوله (وَ أَسْلِمُوا لَهُ)

وقوله من بعد (بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها واسْتَكْبَرْتَ وكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) وقوله تعالى من بعد (وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) مما روى فيه عن الحسن البصري رحمه اللّه أنه قال ما ورد ذلك الا فيمن كذب على اللّه بان أضاف الكفر اليه وزعم أن خلقه وأراده وكذلك سائر المعاصي وقوله من بعد (وَ يُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ) يدل على أن المتقين في الآخرة لا ينالهم من أهوالها كما يظنه بعض من خالفنا في ذلك وقوله من بعد (اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) قد تقدم معنى الاضافة وأن المراد به الأجسام التي قدرها اللّه تعالى الى سائر ما يتصل بها دون أفعال العباد وإذا كان اللّه تعالى تمدّح بانه خالق كل شيء فكيف يدخل فيه الكفر والكذب والفواحش مع أن خلق ذلك الى الذم أقرب وقوله تعالى (وَ سِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ) أحد ما يدل على قولنا لأنه تعالى لو كان خالقنا للكفر فيهم لكانت الحجة لهم بأن يقولوا وما ذا ينفع مجيء الرسل الينا مع ان اللّه تعالى خلق الكفر فينا وأراده وقضاه وقدره.

سورة غافر
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) كيف يصح ذلك وقد يجادل فيها المؤمنون؟ وجوابنا أن المراد المجادلة الباطلة في آيات اللّه ولذلك ذمهم بذلك فهو كقوله (وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ ومَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) كيف يصح مع عظم العرش وانه لا خلق أعظم منه أن يكونوا حاملين له ولئن جاز ذلك فما الذي يمكن في نفس الأرض ان تحمله الملائكة؟ وجوابنا أن العرش في السماء في أنه مكان لعبادة الملائكة كالبيت الحرام في الأرض ولذلك قال تعالى (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) حواليه ولا يمتنع مع ذلك أن يكونوا حاملين له اذا كان اللّه تعالى قد عظم خلقتهم وقواهم على ذلك. إما في كل حال وإما في بعض الأحوال.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ قِهِمُ السَّيِّئاتِ) أن ذلك يدل على ان السيئات ليست من فعلهم. وجوابنا ان هذه المسألة من الملائكة لاهل الآخرة فالمراد بذلك ان يقيهم جزاء السيئات وهو العقاب والا فنفس السيئات من فعلهم في دار الدنيا وليست الآخرة مما يقع تكليف فتقع هذه المسألة من الملائكة للمؤمنين ولذلك قال تعالى بعده (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ

فَتَكْفُرُونَ قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) ولو لم يصح عذاب القبر لكانت الاماتة مرة واحدة وقولهم (فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا) يدل على ان الذنوب من قبلهم ولو كانت من خلق اللّه تعالى فيهم لكانوا بدلا من اعترافهم يقولون ما ذنبنا اذا خلقت فينا ولم يمكننا أن ننفك منه وقوله تعالى من بعد (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) فالمراد به ما يرفعه من درجات غيره فليس للشبهة بذلك تعلق.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) كيف يصح ان يقول ذلك وقد أفنى الخلق على ما يروى في الأخبار ولا يكون فيه فائدة وان كان يقوله تعالى وقد أعاد الخلق فما الفائدة فيه وقد عرفوا في الآخرة أن الملك للّه الواحد القهار؟ وجوابنا أنه تعالى يقوله وقد أعاد منبها بذلك على انه لا حكم في الآخرة الا له ولا ملك الا له وان الآخرة مخالفة للدنيا فانها وان كان الملك فيها للّه لكنه قد فوّض الى الغير النظر في ذلك وما يرى من أنه تعالى يقوله ولا أحد ولا يصح بل القرآن يشهد بخلافه وهو قوله تعالى (لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) ثمّ قال تعالى (لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) فانما يقول ذلك في ذلك اليوم ولذلك قال تعالى بعده (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) والمعروف للمكلفين من أهل الثواب والعقاب أن الواقع بهم هو المستحق وأنه لا ظلم هناك وأنه بخلاف أيام الدنيا التي يجري فيها الظلم وغيره وقوله تعالى (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) يدل على أن العبد هو الذي يفعل المعصية ولو كان تعالى يخلقها فيه ثمّ يعذبه أبد الآبدين لكان ذلك ظلما ويدل أيضا على ان أطفال المشركين لا يعذبون لانهم لو عذبوا ولا ذنب لهم لكان العقاب من أعظم الظلم وقوله تعالى (فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) يدل على أنه تعالى ليس بجسم وإلا كان يجب في محاسبة الخلق أن تطول كما يطول ذلك منا فإنما يكون سريع الحساب

بأن يفعل المحاسبة في أجسام وأن يكون الكل في حال واحد وقوله تعالى (وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ) ثمّ قال تعالى من بعد (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ ولا شَفِيعٍ) يدل على أن الشفاعة لا تكون الا للمؤمنين فتزيدهم منزلة على وجه التفضل ولو كانت الشفاعة لاهل الكبائر المصرّين لم يصح هذا الظاهر وقوله تعالى من بعد (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ) يدل على أن الذي لأجله حسن منه أن يعاقبهم أن الرسل جاءتهم بالبينات ومع ذلك اختاروا الكفر ولو كان تعالى خلق ذلك فيهم لكان مجيء مرسل اليهم وأن لا يجيئوا اليهم سواء.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ) كيف يصح ان يكون كاتما لإيمانه مع أنه حكى عنه (وَ قالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ) ثمّ قال (وَ قالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ) ولو كان مظهرا لإيمانه لم يزد على ذلك. وجوابنا أنه يحتمل في الاول أن يكون كاتما لإيمانه ثمّ من بعد لما جربهم وسلم منهم أظهره وذلك لا يستحيل ويحتمل ان يكون معرضا بتلك اللغة وحكى اللّه عنه على حسب مراده فيكون بالعربية تصريحا وان كان بتلك اللغة تعريضا.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ قالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ) كيف يصح ذلك منهم مع علمهم بأنه لا يخفف البتة؟ وجوابنا أن مثل ذلك لا يقع من الممتحن على وجه الاستعانة بالغير والاسترواح الى هذا القول وان علم ان ذلك لا يتم. وقد قيل ان ذلك يحسن في الآخرة لقوله تعالى (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها).

[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) كيف يصح ذلك وانما كان هذا القتل في حال ولادة موسى لا في هذه الحال؟ وجوابنا أنه في تلك الحال كان يأمر بقتل الاولاد لمّا ظهر في الاخبار أنه سيكون هناك من يغلبه من الانبياء وفي هذه الحال أمر أيضا بهذا القتل لئلا يكثر أتباع موسى فهما حالان مختلفان فأما قوله تعالى من بعد (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) وقوله تعالى (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) يدل على أن الايمان فعل للعبد وأنه اذا فعله طوعا ينتفع به واذا فعله على وجه الالجاء لا ينتفع به ولو كان خلقا للّه لم يصح ذلك.

سورة فصلت
بسم اللّه الرحمن الرحيم
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وفِي آذانِنا وَقْرٌ ومِنْ بَيْنِنا وبَيْنِكَ حِجابٌ) كيف يصح ذلك مع التكليف؟ وجوابنا ان ذلك حكاية تشددهم في الامتناع من القبول لا انهم بهذا الوصف ولذلك ذمهم وزجرهم بقوله تعالى (فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ) وقوله تعالى من بعد (كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً ونَذِيراً) يدل على أن القرآن محدث من جهات وقوله تعالى (وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) يدل على ان كفرهم لا يمنع من وجوب الصلاة والزكاة عليهم وإن كان فعلهم إنما يصح بأن يقدموا الايمان.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قُلْ أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) ثمّ قال (وَ قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) فتلك ستة ثمّ قال (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) فصارت ثمانية كيف يصح ذلك مع قوله تعالى في غير موضع (خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) وتلك مناقضة ظاهرة؟
وجوابنا أن قوله (وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وبارَكَ فِيها) تنزيه القرآن (24)

(وَ قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) المراد به مع اليومين المتقدمين فلا يكون ذلك مخالفا للآيات الأخر وقد يقول المرء لولده أ ليس علمتك القرآن في سنة وفقّهتك في الدّين في سنتين يعني مع التي تقدمت فأما قوله تعالى من بعد (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وهِيَ دُخانٌ) فالمراد به قصد خلق السماء فالاستواء في الحقيقة لا يصح على اللّه تعالى وقوله تعالى (فَقالَ لَها ولِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) فالمراد أنه أراد منهما الانقياد لما يريده فاستجابا وذلك كقوله تعالى (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) والمراد أن تكون وقد يقول القائل أردت كذا وكذا فقالت نفسي لا تفعل وقد يقال أتت السحاب فأمطرت قال الشاعر: امتلأ الحوض وقال قطني. وذلك كقوله تعالى (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) وكل ذلك ظاهر في اللغة وإنما يلتبس على من يقل تأمله وقوله تعالى (وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) يدل على انه تعالى قد هداهم بأن دلهم وبين لهم وأنهم لما لم يقبلوا لم يهتدوا فالاهتداء فعلهم والهدى من قبل اللّه تعالى لا كما يقول من خالفنا في ذلك وزعم ان الهدى هو الايمان وقوله تعالى (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وأَبْصارُهُمْ وجُلُودُهُمْ) فالمراد به الردع عن المعاصي لأنه إذا فعلها بهذه الجوارح شهدت عليه في الآخرة وقد ذكرنا من قبل أن هذه الشهادة من فعل اللّه تعالى فيها وقوله تعالى (قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) فالمراد به ما ذكرنا من أنه فعل فيها ما صورته صورة الشهادة وقوله تعالى (وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ) فالمراد به ما كنتم تظنون ذلك ولذلك قال تعالى (وَ لكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) وقوله تعالى من بعد (وَ قَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ) فالمراد به التخلية فلما لم يمنعهم من ذلك جاز أن ينسبه الى نفسه وذلك كقوله تعالى (أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا)

وكقول القائل لغيره قد أرسلت كلبك على الناس إذا لم يطرده عن بابه وقوله تعالى من بعد (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ) يدل على أنه لا بد مع التوحيد من الاستقامة في الأفعال والأحوال حتى يصير المرء من أهل الثواب وقوله تعالى من بعد (وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وعَمِلَ صالِحاً) يدل على أن من أعظم الأعمال الدعاء ويدل على أنه إذا لم يقترن به العمل الصالح لم ينتفع به. فان قيل فقد قال (وَ قالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) وانتم تمنعون ذلك؟
وجوابنا أن المراد من المنقادين للحق وذلك أوجب عندنا وقوله من بعد (وَ لَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا) يدل على أنه تعالى فعله فجعله عربيا وكان يجوز أن تجعله أعجميا.

34 / 47
ع
En
A+
A-