[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَ نُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ) ما معنى ذلك وهل يصح وقوعه من عاقل؟
وجوابنا أن الجاحد لربه والمنكر للقول بان هذه النعم من جهة فاعل حكيم قد يجوز أن يقول لمن يعتقد ربه وان النعم من قبله هذا القول لظنه انه كالشبهة فيما ذهب اليه القول اذا كان الاطعام والارزاق من قبله تعالى فما الفائدة في ان يحوج العبد الى غيره وهلا كفاه بنفسه فعلى هذا الوجه يقع مثل هذا الكلام من العاقل ولو علموا ان الاحسان من اللّه على العبيد لا بد ان يكون بحسب المصالح وأنه قد يجعل حاجته الى غيره ويحمله الكلفة في ذلك لكي ينتفع فكون له مصلحة في الطاعة التي يلتمس بها الثواب وازالة العقاب لعلموا أن ذلك هو الحكمة والصواب وقوله تعالى (ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وهُمْ يَخِصِّمُونَ فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً) أحد البواعث على المبادرة الى الطاعات والى الثواب من حيث لا يأمن المرء الاحترام في كل وقت ولذلك قال تعالى (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً ولا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) وقوله تعالى من بعد (فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ولا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) يدل على ان العبد يفعل ويستحق على فعله الثواب أو العقاب وأنه لا يجوز أن يؤاخذ بعمل غيره وأنه لا يجوز منه تعالى أن يعذب الاطفال بذنوب الآباء وقوله تعالى من بعد (أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ) المراد به القبول من الشيطان على ما تأولنا عليه قوله تعالى (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ ورُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) قال صلّى اللّه عليه وسلم لما أحلوا وحرموا بقولهم وصفهم بذلك وقوله تعالى من بعد (وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً) يدل على ان الاضلال في الدين لا يكون من قبله تعالى كما يقوله القوم والا كانت الاضافة الى الشيطان لا وجه لها وقوله من بعد (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) احد
ما اذا تصوره المرء يكون زاجرا له عن المعاصي لئلا تشهد عليه جوارحه بها يوم القيامة فتكون الفضيحة الكبرى وقد بينا من قبل ان هذا الكلام يفعله تعالى فيصير بصورة أن يكون الكلام كلام اليد والرجل وأن هذا أقرب من قول من يقول هو كلامهم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) كيف يصح ذلك والمعلوم من حال كثير ممن يعمر انه لا ينكس في الخلق؟ وجوابنا انه لا بد من تقدير شرط في الكلام فان التعمير هو تطويل العمر واطالة العمر قد تختلف فاذا بلغ حدا مخصوصا فلا بد من ان ينكسه في الخلق فتغير أحواله فيجب أن يكون هذا هو المراد.
[مسألة]
وربما تعلقوا بقوله تعالى (وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وما يَنْبَغِي لَهُ) كيف يصح ذلك وهو صلّى اللّه عليه وسلم أفصح العرب؟ وجوابنا أن المراد أن ما علمناه إنشاء الشعر فيكون حاله كحال من اتسع في معرفة اللغة فما هو منهم ولا يجوز حمله على أنه لم يكن يعرف أوزان الشعر أو لم يكن يحفظ الشعر فإنه كان يحفظه ولا ينطق به فإذا صار ذلك عادة له معروفة أبعد من التهمة فيما جعله اللّه معجزة له ولذلك قال تعالى (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وقُرْآنٌ مُبِينٌ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (أَ ولَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً) أ ليس ذلك يدل على أن للّه تعالى يدين؟ وجوابنا إن دل فيجب أن يدل على أيدي ولا يقول بذلك أحد وإذا وجب أن يتأول ذلك فكذلك سائر الآيات وذكر تعالى الأيدي على طريق توكيد اضافة العمل إليه كما قال تعالى (بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) وكما يقال في كلام وقع من المرء هذا ما عملت يداك وإنما تذكر اليد من حيث أنها
أقوى آلات الافعال وختم جل وعز السورة بالرد على من انكر الاعادة والذي أورده من أقوى ما يورد في ذلك وهو انه إذا ابتدأ الحي وصح منه ذلك وهو عالم لذاته صح أن يعيده إذا أفناه لان حال المعاد في صحة وجوده لا تغير حال القديم تعالى في صحة إيجاد ما يقدر عليه.
سورة الصافات
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) كيف يصح ذلك والكواكب لا اتصال لها بسماء الدنيا لأنها جارية في أفلاكها؟ وجوابنا أنها في المنظر كذلك فصحّ أن يصفها تعالى بهذا الوصف وكل ما علا يوصف بأنه سماء.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (بَلْ عَجِبْتَ ويَسْخَرُونَ) وأنه قد قرئ بالضم وذلك يوجب جواز التعجب على اللّه تعالى. وجوابنا أن المراد قل يا محمد بل عجبت ويسخرون فيكون فيه هذا الحذف ويحتمل أن يكون المراد استكثاره تعالى لذلك الامر فأجرى هذا اللفظ عليه مجازا.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) كيف يصح ذلك على الأنبياء وعندكم ان أحكام النجوم باطلة؟ وجوابنا أنه ليس في الظاهر أنه أراد أحكام النجوم فيحتمل أنه نظر في نفس النجوم ويحتمل أنه أراه نجوما كان تعالى قد جعلها علامة له فيما يريد معرفته أو كانت علامة لهم فيما كانوا ينظرون فيه.
[مسألة]
وربما قيل في قوله جل وعز (إِنِّي سَقِيمٌ) كيف يصح على الانبياء الكذب؟ وجوابنا أنه يجوز في حال ما قال هذا القول أنه أصابه ببعض العلل فقال ذلك ويحتمل أنه يريد سأسقم كقوله تعالى (إِنَّكَ مَيِّتٌ) أي ستموت وكقوله (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً).
تنزيه القرآن (23)
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ واللَّهُ خَلَقَكُمْ وما تَعْمَلُونَ) أ ليس في ذلك تصريح بخلق أعمال العباد؟
وجوابنا ان المراد واللّه خلقكم وما تعملون من الأصنام فالاصنام من خلق اللّه وانما عملهم نحتها وتسويتها ولم يكن الكلام في ذلك فانه صلّى اللّه عليه وسلم أنكر عبادتهم فقال أ تعبدون ما تنحتون وذلك الذي تنحتون، اللّه خلقه ولا يصح لما أورده عليهم معنى إلا على هذا الوجه وذلك في اللغة ظاهر لأنه يقال في النّجّار عمل السرير وان كان عمله قد تقضى وعمل الباب ونظير ذلك قوله تعالى في عصا موسى (فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) المراد ما وقع أفكهم فيه فعلى هذا الوجه نتأول هذه الآية ومعنى قوله من بعد (وَ قالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى) وقوله من بعد (فَلَمَّا أَسْلَما وتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ونادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) وقوله من بعد (وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) سؤالات منها ما رآه في المنام كيف يلزمه والانبياء إنما تعمل على الوحي ومنها أنه كان يجعل ذلك كالأمر وكيف يصح أن يأمره بذبحه ثمّ يزول ذلك وهل هذا إلا كالبداء ومنها أنه كان الفداء بذبح فكيف يصح من غير جنس ما جعل فدية له؟ وجوابنا أن رؤيا إبراهيم في المنام يجب أن تكون قد تقررت بما يعلم به أن ذلك بالوحي ولولاه لما قال (فَانْظُرْ ما ذا تَرى) ولما أخذ في ذبحه فإنه إن يفعل فقد مات الذبيح مع شدة إشفاقه على ولده ولذلك قال ولده (افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) فلولا علمهما أن هذا أمر من اللّه لم يصح فأما هذا عندنا فهو أمر بمقدمات الذبح وعظم ذلك عليه لظنه أنه سيؤمر باتمام الذبح لأن العادة جارية بأن الإضجاع وأخذ الآلة لا غرض فيه إلا الذبح فعلى هذا الوجه فعل ما أمر وما ظنه لم يؤمر به فلا يؤدي إلى البداء
وقد قيل أنه فعل الذبح لكنه عز وجل كان صرفه عن موضع الذبح وكان تعالى يلهمه فعل ما يفعله الذابح وبقي الذبيح حيا لما فعله اللّه تعالى وقيل غير ذلك فأما الذبح الذي أمره اللّه بان يفدي به فذلك صحيح وإن لم يؤمر بالذبح ويكون فداء عما لو أمر به لفعله ولا يجب في الفداء أن يكون من جنس ما يجعل فداء منه ولذلك يصح في الشاة أن يكون ذبحها فداء عن حلق الشعر في المحرم إلى غير ذلك وقوله عز وجل من بعده (وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) بعد ذكر الامر بالذبح يدل على ان الذبيح هو إسماعيل على ما روي عنه صلّى اللّه عليه وسلم أنه قال أنا ابن الذبيحين.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) كيف يصح ذلك ولا احد يجعل بين اللّه وبين الجنة نسبا؟ وجوابنا انه يحتمل ان يريد الملائكة وقد تقدم ذكرهم لانهم لا يرون كالجن وقد كانوا يقولون في الملائكة انها بنات اللّه. تعالى اللّه عن ذلك ويحتمل أنهم عبدوا الجن كما عبدوا اللّه بأن اطاعوهم ويبين ذلك قوله (وَ لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) أي في العقاب.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ لَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ) كيف يصح ذلك ومنهم من غلب وقتل؟ وجوابنا ان النصرة ربما تعتبر فيها العاقبة فمن عاقبته محمودة فهو منصور على من غلبه وعاقبته ذميمة فالنصرة أبدا تكون للمطيعين خصوصا ولهم نصرة بالحجة والادلة وغيرهما.
[مسألة]
وربما قيل فيما تقدم من قصة يونس صلّى اللّه عليه وسلم (وَ أَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) كيف يصح ذلك وظاهره الشك في هذا العدد وفي الزيادة؟ وجوابنا ان المراد به ويزيدون أو بل يزيدون على ما روى عن المفسرين وقد يجوز أن يزيد في منظر عيون من يشاهدهم من دونه ما اللّه تعالى يعلم عددهم مفصلا.
سورة ص
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) إن في هذه الآيات مطاعن منها تسورهم عليه وهم خصمان كيف يصح ومنها انه جمع بقوله تسوروا وثنّى بقوله خصمان وبقوله (إِنَّ هذا أَخِي) وبقوله (لَقَدْ ظَلَمَكَ) ومنها ان في الخبر ان ذلك ورد في قصة اوريا ورغبة داود في امرأة أوريا وانه عليه السلام عرضه للقتل رغبة فيها إلى غير ذلك مما يذكره الجهّال. وجوابنا ان الصحيح إن كانت تلك المرأة التي رغب فيها قد صارت أيّما بلا زوج فخطبها وكان من قبل ذلك خطبها غيره فسكنت اليه ولم يفتش عن ذلك فصار ذلك ذنبا صغيرا وعلى هذا الوجه نهى صلّى اللّه عليه وسلم ان يخطب المرء على خطبة اخيه ويدل على ذلك قوله (وَ عَزَّنِي فِي الْخِطابِ) فنبه بذلك على ما ذكرناه والذي يرويه من لا معرفة له بأحوال الانبياء صلّى اللّه عليهم وسلم لا معتبر به فاللّه تعالى لا يبعث إلا من هو منزّه عن هذه المعاصي حتى انهم لا يقدمون لا على كبيرة ولا على صغيرة يعرفونها قبيحة وإنما عاتبه اللّه تعالى ونبهه من حيث صار غافلا عن خطبة متقدمة كان يمكنه أن يفتش عنها فلا يقدم على الخطبة بعد تلك الخطبة. فأما التّسوّر فإنه غير قبيح من الملائكة في زمن الانبياء ليكون ما يؤدونه أقرب الى التحريك والتنبيه وأما التثنية والجمع فيجوز في اللغة في هذا المكان فان قوله خصمان يدل على اثنين وقد يذكر ذلك ويراد أكثر بأن
يكون مع المتداعيين غيرهما وإنما وصفا بذلك من حيث تصورا بصورة الخصمين كيما ينبها داود عليه السلام. فان قيل كيف قال (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) ولم يعلم صحة ما ادّعى. وجوابنا أنه لا بد من أن يكون في الكلام حذف فكأنه قال إن كنت صادقا فقد ظلمك وإلا فالمعلوم أنه لا ظالم هناك وقوله تعالى (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) يدل على ان ذنب داود ليس إلا ما قلناه من أنه رغب في ضم هذه المخطوبة إلى نسائه على الوجه الذي ذكرناه وقوله تعالى (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ) من بعد يدل على ان الذي فعله كان في تلك الشريعة محرما ولو لا ذلك لجوزناه حلالا.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) ان ذلك يدل على ان تصرفه من خلق اللّه. وجوابنا أنه إنما يدل على فوض إليه هذه الأمور فأما ما يأتيه من تصرفه فهو فعله ولذلك صار مؤاخذا بذلك الصغير الذي فعله على غفلة ولذلك صح قوله (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ولا تَتَّبِعِ الْهَوى) لانه إن كان ما يحكم به من خلق اللّه فكيف يضاف ذلك الى الهوى وكيف يقول تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ لَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ) كيف يصح ان يعزل عن النبوة ويصير على كرسيه بعض الشياطين على ما يروى في ذلك؟ وجوابنا ان الذي يروى في ذلك كذب عظيم والصحيح ما روي من أنه تفكر في كثرة نسائه ومماليكه فقال وقد آتاه اللّه من القوة إني لأطؤهن في ليلة واحدة فيحملن ويحصل لي من الاولاد العدد الكثير ففعل ولم تحبل الا واحدة وألقت جسدا غير كامل الخلقة فحمل ذلك الجسد الى كرسيه فنبهه عنده على ان الذي فعله من التمني كالذنب وانه قد كان من حقه ان ينقطع إلى اللّه تعالى فيما يرزق
من الأولاد قلّ أو كثر فأناب عند ذلك وتاب مما كان منه فأما أن يعزل ويؤخذ خاتم ملكه ويصير الى بعض الشياطين ويطأ ذلك الشيطان نساءه فذلك مما لا يجوز على الأنبياء وقد رفع اللّه قدرهم عن ذلك.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (رَبِّ اغْفِرْ لِي وهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) كيف يصح من الانبياء أن يسألوا ذلك مع دلالته على الرغبة في الدنيا وعلى ما يجري مجرى المنافرة والحسد؟ وجوابنا انه لا يمتنع وهو نبي ان يرغب الى اللّه عز وجل فيما يظهر به فضله وكرامته عند اللّه وليس في ذلك ما يشبه الحسد المذموم لانه انما يكون حاسدا اذا أراد انتقال نعيم غيره اليه. فأما إذا أراد لنفسه أعظم المنازل من اللّه تعالى ابتدا مع إرادته بقاء سائر النعم على أهلها فلا وجه ينكر في ذلك ولذلك قال تعالى (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ) الى سائر ما ذكر مما يدل على انه أجابه وأظهر فضله بهذه الأمور التي اختص بها ثمّ ذكر تعالى من بعد قصة أيوب صلّى اللّه عليه وسلم وانه سأل اللّه عز وجل كشف الضر عنه فأجابه اللّه الى ذلك وزاده فالذي يرويه الجهال في قصته من كيفية البلاء إلى غير ذلك لا يصح والذي يصح انه تعالى انزل به الأمراض والعلل والفقر والحاجة لما علم من المصلحة ثمّ أزال ذلك عنه بالنعم التي أفاضها عليه على ما نطق به الكتاب فأما قوله تعالى في قصة ايوب صلّى اللّه عليه وسلم (وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ ولا تَحْنَثْ) يدل على أنه يحسن الاحتيال في التخلص من الايمان وغيرها وقد ذكر ذلك الفقهاء في كتبهم.
سورة الزمر
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ) أ ليس قد نفى أنه يهدي الكافر وأنتم تقولون قد هداه كما هدى المؤمن؟ وجوابنا أن المراد لا يهديه الى الثواب في الآخرة وقد تقدم ذكر ذلك.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) أ ليس ظاهر ذلك أنه خلق زوجها بعد أن خلقنا فكيف يصح ذلك؟ وجوابنا أن ثمّ قد تدخل في خبر مستأنف فلا يوجب الترتيب في نفس المخبر عنه كقوله الرجل لغيره قد عجبت مما فعلت اليوم ثمّ ما صنعته أمس أعجب وقوله من بعد (وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) المراد به من كل جنس زوجين ذكرا وأنثى فهي وإن كانت أربعة أجناس إذا قدر فيها ما ذكرنا صارت ثمانية وقوله تعالى من بعد (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ ولا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) يدل على أنه إنما يكلفنا لمنافعنا وحاجتنا ويدل على انه تعالى لا يريد المعاصي لان الرضا يرجع في المعنى الى الارادة فلو كان مريدا للكفر كما قاله القوم لوجب اذا وقع ان يكون راضيا به لأن المريد لا يصح أن يريد من غيره أمرا فيقع ذلك الامر على ما أراده إلا ويجب أن يكون راضيا به وقوله تعالى من قبل (لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ) ذكره تعالى لا على وجه أن ذلك مما يصح ان يراد لكن على وجه الاحالة بين به ان القادر على