سورة سبأ
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) كيف يصح ذلك وقد زال التكليف؟
وجوابنا انه وان زال فالشكر والحمد للّه في الآخرة يكثر لانهم يسرون بذلك فيشكرون نعم الوقت حالا بعد حال ويشكرون النعم المتقدمة وما يفعله المرء لربه لا يكون داخلا في التكليف.
[مسألة]
ومتى قيل كيف يصح في قوله تعالى (وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى ورَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ) وما تعلق به قوله تعالى (عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ) مما تقدم وجوابنا ان من اقيمت له الدلالة على بطلان ما هو عليه مجوز اذا ذكر مذهبه أن يكون هذا جوابه لينبه على تقصيره فبيّن اللّه تعالى بأنه عالم الغيب وأنه يجازي كل أحد يوم القيامة بما استحقه على ما ذكره من بعد.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ والطَّيْرَ وأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) كيف يصح أن يأمر اللّه تعالى الجبال والطير وكيف يلين الحديد وفي تليينه إبطال كونه حديدا؟ وجوابنا أن ذلك بمنزلة قوله تعالى (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) وليس ذلك بأمر فالمراد بيان أن الجبال والطيور لا تمتنع عليه فيما يريده فأما تليين الحديد فمعلوم أنه يلين بالنار ولا يخرج من ان يكون حديدا فجعله اللّه تنزيه القرآن (22)

عز وجل لداود صلّى اللّه عليه وسلم بهذه الصفة أو جعله من حيث القوة بحيث يتصرف فيه كتصرف أحدنا في الطين وكل ذلك صحيح ولما بيّن عظم نعمه على داود وسليمان بالامور التي سخرها لهما قال تعالى من بعد (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) بالامور التي سخرها لهما قال تعالى من بعد (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) وذلك يدل على ان النعم توجب مزيد الشكر والقيام بالطاعة على وجه الشكر وبيّن تعالى بقوله (وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) ان التكليف وان عم الكثير فقليل منهم يقوم بحق شكره وذكر تعالى ذلك ليجتهد كل أحد أن يكون من جملة هذا القليل فيفوز بالثواب فاما قوله تعالى من بعد (وَ هَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) فلا يصح للخوارج الذين يقولون ان كل ذنب كفر ان يتعلقوا به لان المراد وهل نجازي بما تقدم ذكره إلا الكفور وقد أجرى اللّه تعالى العادة بانه لا يعذب بعذاب الاستئصال في الدنيا إلا من كفر وقوله تعالى (وَ قَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ) ربما يتعلق به المجبرة انه تعالى يفعل السير وذلك بعيد لان المقدر للشيء لا يجب أن يكون فاعلا له لان من بين الشيء كيف يفعل يوصف بانه قدره وان كان الفعل من غيره ولذلك قال بعده على وجه الامر (سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وأَيَّاماً آمِنِينَ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) كيف يصح من العقلاء أن يسألوا ربهم أن يباعد بين أسفارهم وهي قريبة؟ وجوابنا ان ذلك منهم جاء على وجه الجهل كقوله تعالى (وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) هذا إذا قرئ على هذا الوجه وقد قرئ ربنا باعد بين أسفارنا وذلك على وجه الجبر لانه غير أحوالهم فنالهم من المشاق في أسفارهم خلاف ما كانوا عليه وقد يقول الضعيف بعد عليّ الطريق لمزية مشقته وان كان حال الطريق لم يتغير.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ ما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ) كيف يصح أن يصف نفسه بانه يعلم بانه لم يكن له عليهم سلطان وهو عالم بنفسه؟ وجوابنا انه تعالى

يذكر العلم ويريد المعلوم كما ذكرنا من قبل فالمراد به أنه لا يقع من إبليس إلا الوسوسة والترغيب في المعاصي وعند ذلك يتميز من يؤمن ممن يشك ويجهل ولذلك قال بعده (وَ رَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) أي هو انه عالم بهذه الامور قبل أن تقع.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) من المراد بذلك وما معنى قوله لمن بعد (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ) وما الفائدة في هذا الجواب؟ وجوابنا ان المراد بذلك الملائكة بيّن تعالى انهم لا يشفعون إلّا بإذنه وأنهم بخلاف الشياطين فلا يقع منهم إلا ما هو طاعة للّه تعالى وفي الخبر عن ابن مسعود أنه تعالى إذا أراد أن يكلم ملائكته بما لا يريد ظهوره لغيرهم يحدث في السماء صوتا عظيما يفزع منه سائر الملائكة فإذا انجلى يقولون للملائكة الذين كلمهم اللّه ما ذا قال ربكم فيجيبون بقولهم قالوا الحق أي قال ربنا الحق فيعلمون أن ذلك من الباب الذي يجب أن لا يظهر فهذا معناه وقد قيل ان الملائكة الذين ينزلون لكتب أعمال العباد إذا نزلوا فزع من هو دونهم من ذلك وتوهموا أن ذلك لقيام القيامة فيسألون ويجابون بما تقدم فأما قوله من بعد (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ والْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) فالمراد بيان الحق وتمييزه من الضلال كما يقوله أحدنا لمن يستدعيه لأنه صلّى اللّه عليه وسلم كان يعلم أنه على هدى وأن المشركين على ضلال وقوله تعالى من بعد (وَ لَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) دليل قوي على ان العبد هو القادر عليه لأنه تعالى لو كان هو الخالق فيهم الايمان لما صح أن يقولوا لو لا انتم

لكنا مؤمنين بل الصحيح أن يقولوا لو لا خلق اللّه تعالى الكفر فينا لكنا مؤمنين فذلك يدل على قدرتهم على الايمان واعترافهم يوم القيامة بأن الذي صرفهم عن الايمان دعاء هؤلاء الرؤساء وانه لو لا دعاؤهم لكانوا يختارون الايمان وقوله تعالى من بعد (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَ نَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ) يدل أيضا على ما ذكرنا لأنهم بينوا أن الذي وقع منهم لم يكن صدّا لهم عن الهدى وقد ظهر لهم وتجلى أن ما وقع منهم إنما وقع باختيارهم ولو كان تعالى يخلق فيهم لكان أقوى حجة لهم أن يقولوا أ نحن صددناكم بل اللّه خلق فيكم ذلك وقوله تعالى من بعد (وَ ما أَمْوالُكُمْ ولا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلَّا مَنْ آمَنَ وعَمِلَ صالِحاً) بيان من اللّه تعالى بان الاموال والاولاد لا تنفع في الآخرة وأن الذي ينفعهم إيمانهم وعملهم الصالح وبيّن من بعد بقوله تعالى (وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) ما يقوى قلب المرء على الانفاق في طاعة اللّه فإن قيل فنحن نرى من ينفق ولا يخلف اللّه عليه شيئا. وجوابنا أن المراد فهو يخلفه متى كان صلاحا ولم يكن فسادا ولم يوقت ذلك بوقت وذلك يبطل السؤال.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَ هؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) كيف يصح ذلك وفيهم من لم يكن يعبد الملائكة بل أكثرهم ليس بهذه الصفة؟
وجوابنا أن الغرض إبطال عبادة اللّه دون بيان لمن كانوا يعبدون من ملك أو جنّ أو صنم ولذلك قال تعالى بعده (فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً ولا ضَرًّا) فاذا أقبل على الملائكة جلّ وعزّ ونبّه على أن من عبدهم فقد عبد من لا يملك له ضرّا ولا نفعا فقد نبّه بذلك على ان عبادة الجن والصنم بهذا التوبيخ

أولى وقوله تعالى من بعد (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) فيما يدل على الضلال من قبل العبد ولا يضاف إليه من حيث زجر اللّه تعالى عن فعله والاهتداء والايمان وإن كان من فعله فإنه يضاف الى اللّه تعالى من حيث أمر به ورغب في فعله ولطف فيه وأعان وذلك صريح قولنا فيما يضاف الى اللّه تعالى وما لا يضاف.

سورة فاطر
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وثُلاثَ ورُباعَ) وذلك متناقض. وجوابنا أنه لا يمتنع أن يكون بعضهم رسلا إلى بعض ويكون ذلك توكيدا في ألطافهم فأما قوله تعالى (أُولِي أَجْنِحَةٍ) فالمراد أنهم بهذا الوصف فبعضهم له مثنى وبعضهم له رباع ويحتمل أن يكون الملك متمكنا من أجنحة هي ثلاث ومن أجنحة هي مثنى ومن أجنحة هي رباع لأن الجناح لا حياة فيه وهو آلة الطيران فقد يجوز فيه الزيادة والنقصان.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) أ ليس ذلك يدل على أن كل محدث مخلوق فاللّه خالقه لا خالق سواه وذلك بخلاف قولكم لانكم تقولون أنه من فعل الشيء مقدرا فهو خالقه وتستدلون بقوله (فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ). وجوابنا أنه تعالى انما نفى خالقا سواه ورازقا لنا لأنه قال هل من خالق غير اللّه يرزقكم من السماء والارض ولا خالق بهذه الصفة إلا هو وقد بيّنا من قبل أن إطلاق هذه اللفظة لا يصح إلا في اللّه تعالى فلا وجه لإعادته.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) كيف يصح أن يرى القبيح حسنا؟ وجوابنا أن

الداعي له الى القبيح زينه في عينه حتى اعتقده بهذه الصفة وهذه طريقة اتباع من يضل ويفسد وبيّن تعالى بعده أنه الذي يضل عن الثواب فقال (فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) كيف يصح ومن ليس بعالم قد يخشى عقاب اللّه؟ وجوابنا أن المراد الخشية الصحيحة فإنها لا تقع إلا من عالم باللّه تعالى على حقه ومن عالم بثوابه وعقابه ومن عالم بما تؤدي هذه الخشية من العبادات وبما معه يثبت ما يخشاه فهذا معنى الكلام ثمّ أنه تعالى رغّب في طاعته نهاية الترغيب بأفصح قول فقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وأَقامُوا الصَّلاةَ وأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ ويَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ.)
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) كيف يصح في الانبياء أن يكون بعضهم ظالمين وبعضهم مقتصدين وبعضهم سابقين بالخيرات والواجب أن يكون جميعهم من السابقين؟ وجوابنا ان المراد أنه تعالى أورث الكتاب الانبياء الذين بعثهم من جملة عباده والاقسام المذكورة لم ترجع إليهم بل ترجع إلى عبادنا فكأنه قال ثمّ أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من جملة عبادنا وعبادنا منهم ظالم لنفسه وهم الذين يعصون ربهم بكفر أو فسق ومنهم مقتصد وهو المؤمن التائب

الذي لم ترتفع منزلته في باب الثواب ومنهم سابق بالخيرات وهم الذين علت منزلتهم فهذا معنى الكلام وفيه وجوه من الاقاويل لكن الذي ذكرنا أبين وهذه طريقتنا في اقتصار الاجوبة رغبة منا في أن لا يطول وقوله تعالى (رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) وقوله تعالى لهم (أَ ولَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وجاءَكُمُ النَّذِيرُ) من أقوى ما يدل على أنهم كانوا يقتدرون على الايمان وانهم قصدوا أن لا يختاروا ذلك.

سورة يس
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) كيف يصح اثبات مكلفين لم ينذروا؟ وجوابنا أن ذلك يصح إذا كان المعلوم من حالهم انهم يعصون في كل شيء على كل حال فجاز أن يقتصر بهم على التكليف دون الانذار الواقع من الانبياء وعلى هذا الوجه تأخر القرآن في الزمن فان قيل فان كان كذلك فلم ذمّهم تعالى بقوله (فَهُمْ غافِلُونَ)؟ فجوابنا لأنهم عصوا من حيث لم ينفع فيهم الانذار ولذلك قال تعالى (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ثمّ ذمهم بأن شبّه حالهم بالمغلول وبمن سدت عليه الطريق وقد مضى الكلام في أن مثل ذلك يقع منه تعالى على طريقة التشبيه والتمثيل لحالهم بحال من هذا وصفه وقد قيل ان المراد لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم على هذا الحد من الشرع والأول أقرب إلى الظاهر وقوله تعالى من بعد (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) ربما تعلقوا به في أنه تعالى لم يهد إلا من كان قد اهتدى وقد تقدم القول في تأويل مثل ذلك في قوله (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) في سورة البقرة وبيّنا أن من لم يقبل شبه بمن يتعذر عليه القبول لما تعلمه من حال الرسول وأنه أنذر الكفار كما أنذر المؤمنين.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ) ما الفائدة في ارسالهما اذا كان لا بد

من ثالث؟ وجوابنا ان المصلحة ربما تكون في الاقتصار على اثنين في الارسال في وقت ثمّ فيما بعده تكون المصلحة في ضم ثالث إليهما لان المصالح تختلف بالأوقات ومتى قيل كيف يصح بعثه الرسل في حالة واحدة والشرع واحد وما الفضل بين الجماعة في ذلك وبين الواحد؟ وجوابنا أنه إذا قدّر إرسال بعض دون بعض فلاختلاف المصالح في الاوقات واذا جمع بينهم في الارسال فلان المصلحة في جماعتهم ولا بد في المعجز من أن يظهر على كل واحد أو على جماعتهم وقوله من بعد (وَ ما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) يدل على أنه لا نبي الا وقد بلّغ ما جاء به قبل أم رد وقوله عز وجل (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) المراد به من جاء من أقصى المدينة يسعى وظاهر ذلك يقتضى أن دخوله الجنة واقع وانها ليست جنة الخلد ولا يمتنع في بعض من يحبه اللّه تعالى أن يدخله بعض جنان السماء كما ذكرناه في الانبياء والشهداء فلا يصح أن يجعل حجة في أن جنة الخلد مخلوقة ويدل ذلك على سرور المرء بوقوف قومه على عظم منزلته واجتماعه معهم لا يكاد يعدله غيره من السرور.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ جَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وأَعْنابٍ وفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) أ ليس يدل ذلك على أنه تعالى جعل ما عملته أيديهم كما جعل الجنات وذلك يدل على ان أفعال العباد مخلوقة للّه تعالى؟
وجوابنا ان قوله (وَ ما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) يرجع الى قوله (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) فكأنه قال ليأكلوا من ثمره وليأكلوا ما عملته أيديهم بالمكاسب وغيرها فبين أنه جل وعز خلق لهم النعيم ومكنهم أيضا من اكتساب النعيم فيبطل ما قالوه وقوله تعالى من بعد (وَ ما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) أحد ما يدل على وجوب النظر في الآيات وفساد التقليد.

32 / 47
ع
En
A+
A-