سورة لقمان
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) كيف يصح مع ثقلها وعظمها أن تقف لا على عمد؟ وجوابنا أنه تعالى اذ اسكنها حالا بعد حال وقفت وان كانت ثقيلة كما أن أحدنا يمسك يده وقد بسطها فمن حيث يفعل فيها السكون حالا بعد حال تثبت ولذلك متى لم يسكنها سقطت لانّ أحدنا يغفل ويلهو واللّه سبحانه يتعالى عن ذلك واختلف المفسرون في ذلك فقال بعضهم الفائدة فيه نفي نفس العمد أصلا على ما ذكرنا وقال بعضهم الفائدة فيه انا لا نرى العمد والاول هو أقوى وهو داخل في الاعجوبة وقوله تعالى من قبل (وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) يدل على أن المضل هو الانسان وأنه مذموم ويدل على أن كل قول قيل بلا علم في الاديان فهو مذموم وقوله تعالى المتصلة من بعد (وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) يدل على أن العشرة بأحوال الدنيا قد تحسن مع المباينة في الدين ثمّ بين أن من أناب الى اللّه يجب أن يتبع فقال (وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ) الى قوله تعالى من بعد حاكيا عن لقمان (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) القصد فيه أن يتأمله المرء فيعمل به فان هذه الوصية جامعة للانقطاع الى اللّه تعالى بعد المعرفة بعلمه وقدرته لان قوله تعالى (إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ
إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) يؤذن بأن ما أقدم المرء عليه دق أم جل فهو معلوم للّه وتكون المجازاة بحسبه وذلك ردع عظيم وهي جامعة القيام بالعبادات وهو بقوله (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ واصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) وهي أيضا جامعة للآداب وما ينبغي أن يتمسك به المرء من الاخلاق والتواضع وهو بقوله (وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ولا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) الى آخر الكلام وقوله من بعد (وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) يدل على أن التمسك بالمذاهب إنما يحسن اذا كان عن علم وقوله (وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَ ولَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) مما لا مزيد عليه في بطلان التقليد لأنه تعالى بيّن أنهم اذا جاز أن يتركوا الدليل اتباعا لآبائهم من دون دلالة فقد جاز أن يرجعوا إلى اتباع الشيطان فيما يدعوهم اليه لأن ما في كلا الموضعين هو اعتماد على القول من دون دلالة وهذا هو الذي نعتمد عليه في بطلان التقليد ونقول إنه إذا جاز تقليد الآباء في الاسلام فيجوز تقليد أولاد النصارى لآبائهم لأن كل ذلك اعتماد على قبول القول من غير دلالة وقوله تعالى (وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ والْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ) يدل على أن كلام اللّه مقدور له يحدث حالا بعد حال لا كما قاله قوم من أنه متكلم بذات أو بكلام قديم لا يصح فيه زيادة ولا نقصان.
[مسألة]
وربما تعلقوا بقوله تعالى (أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ) وقالوا يدل ذلك على أن جريه من فعل اللّه تعالى ليكون مضافا الى اللّه تعالى ولو لا ذلك لوجب أن يكون مضافا الى الملاح ولما صح أن يكون آية وقد قال تعالى (لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ) وجوابنا أن وجه الاعتبار في ذلك خلقه تعالى للماء في البحر على الصفة التي معها تجري السفن
وخلقه الرياح على هذا الوجه ولو لا ذلك لما صح جريها بفعل العباد وفي ذلك آيات اللّه تعالى ونعمه لأنه لو لا ذلك لما صحّ التوصل الى قطع البلاد وجلب النعم وقوله تعالى (وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) يدل على أن الجحد لا يكون من خلق اللّه تعالى إذ لو كان من خلقه لما صح أن يذمه هذا الذم العظيم وقوله تعالى من بعد (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ) أي عقاب ربكم بالتحرز من المعاصي وقوله تعالى (وَ اخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ ولا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) من أقوى دلالة ما يدل على أن وعده ووعيده لا يجوز أن يقع فيهما خلف ومن أقوى ما زجر اللّه به عباده عن المعاصي فإذا تدبر المرء عند قراءته ما ذكرنا عظم انتفاعه بذلك؛ ولذلك قال بعده (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) يعني بذلك متاعها (وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) زجر بذلك عن قبول كل قول يغر المرء ويصرفه عن التمسك بطاعة اللّه ثمّ بين تعالى ما يختص به عز وجل من العلم ولم يطلع العباد عليه بالادلة وان جاز أن يطلع أنبيائه على بعضه ليكون معزا لهم فقال جل من قائل (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ويُنَزِّلُ الْغَيْثَ ويَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) وفي ذلك دلالة على بطلان قول من يحكم أن أحكام المنجمين صحيحة فيما جرى هذا المجرى.
سورة السجدة
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ) أ ليس ذلك صريحا في أنه تعالى في السماء؟ وجوابنا أنه جعل جل وعز السماء مكانا للملائكة وللأرزاق التي بها يحيي الناس ولذلك قال تعالى (وَ فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وما تُوعَدُونَ) فلاجل ذلك قال (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ) ومعنى قوله (ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ) أي الى المكان الذي لا حكم فيه الا حكمه لانّ الملائكة طوع اللّه ولا يفعلون إلا بأمره.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ والرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ). وجوابنا أن المراد بهذه الآية نزول الملائكة بالوحي وغيره من السماء الى الارض ورجوعها الى مكانها فلا يكون ألف سنة بل بين السماء والارض مسير خمسمائة عام وأما الآية الثانية فالمراد بها يوم القيامة ويدل عليه قوله تعالى (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً ونَراهُ قَرِيباً) فبين أنه يطول ذلك الزمن على الكفار لشدته فيساوي لاجل تلك الشدائد خمسين ألف سنة وقوله من بعد (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) يبين أنه لا قبيح في قوله ولا أسمائه فان قيل ففي جملة ما خلق ما يقبح في الصورة.
فجوابنا أن المراد نفي ما يقبح في العقل من فعله لا ما يستقبح في الصورة بين ذلك ان هيئة الانسان في صلاته وقضاء حاجته والنهي عن المنكر قد يستقبح في المنظر وتوصف مع ذلك بأنها حسنة وحكمة وقوله تعالى (أَ إِذا ضَلَلْنا فِي)
(الْأَرْضِ أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ) يدل على بطلان تعلقهم في باب الرؤية بذكر اللقاء لانّ اللّه عز وجل بين أنهم كافرون بلقاء ربهم وأراد كفرهم بالاعادة وبالثواب والعقاب وقوله عز وجل من بعد (وَ لَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) المراد به يقولون ربنا وحذف مثل ذلك يحسن في الكلام اذا كان فيه ما يدل عليه ولا يجوز أن يتمنوا ذلك ويسألوه الا والعقاب من جهتهم يقع وباختيارهم يكون وقوله تعالى (وَ لَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) فالمراد به على وجه الالجاء الذي وقع لم ينتفعوا به لانهم انما ينتفعون بما يفعلونه طوعا ليستحقوا به الثواب ولذلك قال تعالى (وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ والنَّاسِ أَجْمَعِينَ) وقوله (فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) يدل على أن اللقاء ليس بمعنى الرؤية وأراد تركتم النظر والعلم بالاعادة وقوله تعالى (إِنَّا نَسِيناكُمْ) والنسيان على اللّه تعالى لا يجوز والمراد به عاقبناكم على ترككم على مثال قوله تعالى (وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) وقوله تعالى (أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) يدل على أن الفاسق ليس بمؤمن لانه تعالى ميز بينهما فجعل للمؤمنين جنات المأوى وللفاسقين النار.
[مسألة]
ومتى قيل ما معنى قوله تعالى (وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). وجوابنا أن المراد ما عجله من الآلام لكي يصلحوا فسماه عذابا مجازا ويجوز أن يريد بذلك عذاب القبر أو الحدود التي تقام على بعضهم فمن يعلم ذلك يكون أقرب الى أن يرجع عن معاصيه وقوله تعالى (وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها) أحد ما يدل على أن العبد مختار لفعله والا فالاعراض ممن لا يقدر على الشيء وتركه محال لأنه لا يقال في أحدنا أنه أعرض عما يعجز عنه
وقوله تعالى من بعد (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) والمراد به العقاب يدل على أن كل مجرم وان كان من أهل الصلاة فاللّه تعالى ينتقم منه إلّا أن يكون تائبا أو جرمه صغيرا وقوله تعالى من بعد (وَ جَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ وجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا) المراد به جعلناهم أنبياء وعلماء يقتدى بهم لأجل صبرهم فدل بذلك على أن الانبياء لو لا صبرهم عن معاصي اللّه لما جعلوا أنبياء فيبطل بذلك قول من يجوز عليهم الكفر والكبائر قبل البعثة وقوله تعالى من بعد (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) يحمل على أنه تعالى يفصل بينهم بالعلم فينقاد المبطل ويعرف المحق حاله في ذلك فان كان الفصل يقتضي نقل الاعراض فسيفعله تعالى.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) وكيف يصح والقوم يكذبون بذلك كما قال تعالى بعده (وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ومن لا يؤمن بيوم القيامة كيف ينتظر ذلك؟ وجوابنا أن موتهم لما كان مقدمة الاعادة جاز أن يقول ذلك ويحتمل أنهم على غير يقين مما قالوا فهم على شك وتجويز فحكمهم حكم المنتظر.
سورة الاحزاب
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) ما معنى ذلك فان كان تعريفا لنا فهو معلوم؟ وجوابنا ما جعل لأحد ما يتسع به في النظر في الامور وفي الامور وفي الاجتهاد وفي الرأي حتى لا يشغله بعض ذلك عن بعض بين ذلك ان المراد مقصور على ما جرت به العادة على النظر في الدين والدنيا وقد قيل انه كان في الصحابة من يلقب بذلك ويعتقد فيه الاتساع في الرأي والمعرفة فانزل اللّه تعالى ذلك لان المنافقين زعموا أنه له قلبين.
[مسألة]
ومتى قيل ما المراد بقوله (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) كيف يصح أن يكون أولى بهم من أنفسهم وكيف يصح في أزواجه أن يكنّ أمهاتهم؟ وجوابنا أنه أولى بهم فيما يقتضي الانقياد في الشرع وأولى بهم فيما يتصل بالاشقاق أو المراد أنه أولى بهم من بعضهم لبعض كقوله تعالى فسلموا على أنفسكم واما أن أزواجه صلّى اللّه عليه وسلم أمهات المؤمنين فالمراد تأكيد تحريمهن على المؤمنين وتبرئة رسول اللّه عن ان يخلفه في أزواجه غيره ولذلك روي عن عائشة في امرأة قالت انك أمي انها أنكرت ذلك وقالت انما أنا أم رجالكم لأن التزويج في الرجال يصح فأكد ذلك بأن شبههن بالامهات وربما حذف في التشبيه اللفظ ليكون على وجه التحقيق كما يقال للرجل
البليد هو حمار ولمن لا يصغي ولا يفهم انه ميت قال تعالى (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى).
[مسألة]
ومتى قيل ما معنى قوله (وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ) وقوله (وَ أَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) ما هذا الميثاق المأخوذ من أمم الانبياء؟ وجوابنا انه تعالى لما أعلمهم بوجوب طاعته وطاعة الرسول ودلهم على ذلك ببعثة الرسل وغيرهم وألزمهم القيام بذلك كان ذلك أوكد من المواثيق بالايمان المغلظة وأعظم في وجوب الحجة عليهم في الآخرة ولذلك قال تعالى بعده (لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) كيف يجوز أن يزيد في عقابهن وذلك ظلم يتعالى اللّه عنه؟ وجوابنا ان مكان اتصالهن برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وعظم نعمة اللّه عليهن بذلك وبغيره يوجب ان ما يقع منهن من المعصية يكون أعظم عقابا لان المعصية تعظم بعظم نعمة المعصي كما ان معصية الولد لوالده وله عليه الحقوق العظيمة أعظم فبيّن اللّه تعالى ان عقاب معصيتهن لو وقعت منهن يكون أعظم لان ذلك عين المستحق فان قيل فقد قال تعالى (وَ مَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ ورَسُولِهِ وتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ) فانه كان عظم المعصية لعظم النعمة فيجب في الطاعة ان يكون موقعها منهن أخف لان عظم النعمة كما يعظم المعصية يخفف أمر الطاعة. وجوابنا عن ذلك ان الطاعة للّه تعالى تعظم لوجه آخر وهو ان الناس يقتدون بهن لعظم منزلتهن في القلوب كما قال صلّى اللّه عليه وسلم مثل ذلك في من سن سنة حسنة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ
عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) أ ليس ذلك يدل على انه تعالى يفعل فيهم الصرف عن المعاصي؟ وجوابنا ان المراد بهذا انه تعالى يلطف لهم زيادات الالطاف فلا يختارون الا الطاعة فهذا معنى الاذهاب بالرجس ولذلك قال بعده (وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).
[مسألة]
وربما قيل ما معنى قوله في قصة زيد (وَ تَخْشَى النَّاسَ واللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ). وجوابنا أنه تعالى أحب فيما أراده من تزوج النبي صلّى اللّه عليه وسلم بامرأة زيد ان يكون مظهرا لذلك لانه من باب ما قد أحله اللّه تعالى له وأن لا يكون في قلبه من الناس ما يتكلف لاجله ابطان ذلك ولذلك قال (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها) وقوله تعالى (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) مع انه مقدم في الانزال على قوله تعالى (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) وهي التاسعة لان المعتبر في الناسخ أن يكون متأخرا في التعريف والانزال لا في التلاوة وقوله تعالى (وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ) فيها اختلاف فبعض المفسرين يزعم أن ذلك مقدار ثابت بيّن به تعالى أنه يحل له التزوج فلا يدل على أنه صلّى اللّه عليه وسلم مخصوص بذلك كما خص باباحة الزيادة على أربع ومنهم من يثبت الموهبة ولذلك قال تعالى (خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ).
[مسألة]
ومتى قيل في قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ) بعبارة واحدة ذلك عندكم ممنوع منه وكيف يصح الصلاة من اللّه تعالى ومن الملائكة على الرسول؟ فجوابنا أن قوله تعالى (يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) يرجع الى الملائكة فقط لانه تعالى يعظم أن يذكر مع غيره ولكنه يعقل بذلك أنه جل وعز أيضا يصلي على الرسول وصلاته جل وعز معناها الرحمة العظيمة والانعام الجسم وصلاة الملائكة الدعاء وقد قال تعالى قبل ذلك (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ ومَلائِكَتُهُ) وذكر ذلك في عباده والمراد أنه يرحمكم بالهداية لتصلوا الى الثواب وقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا
عَلَيْهِ) المراد الدعاء له بالمغفرة والرحمة العظيمة وفي الفقهاء من استدل بذلك على وجوب الصلاة عليه وعلى وجوبها في التشهد ومن حيث قال (وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً) فقال بعض أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قد عرفنا معنى السلام عليك فكيف الصلاة عليك فعلمهم كيف يصلون عليه فيوردون ذلك في الصلاة كما علمهم التشهد من قبل.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ) كيف يصح ذلك؟ وجوابنا أنه تعالى يفعل ذلك في الحقيقة لانه قادر على ذلك فيكون أزيد في غمهم وقوله تعالى من بعد (رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ) في السادة الذين اتبعوهم صحيح لان من سن سنة سيئة يزاد في عقابه فأما قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا) ففي المفسرين من قال دخل ليغتسل فلما خرج وثيابه على حجر عدا الحجر حتى رؤي مكشوفا فبرّأه اللّه مما كانوا يضيفونه إليه من أنه عليه السلام آدر وهذا مما أنكره مشايخنا وقالوا إن ذلك لا يجوز على الانبياء وأن المراد بالآية أنهم اتهموه بأنه قتل هارون أخاه لانه مات قبله وكان في هارون ضرب من اللين وفي موسى صلّى اللّه عليه وسلم خشونة فلميلهم إليه قالوا هذا القول فبرّأه اللّه اعاده حتى برئ موسى من هذه التهمة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ والْأَرْضِ والْجِبالِ) كيف يصح ذلك فيها وهي من جملة الجمادات التي لا يصح أن تعرف وتعلم؟ وجوابنا أن المراد عرضنا الامانة أي تضييع الامانة وخيانتها على أهل السموات والأرض وهم الملائكة (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وأَشْفَقْنَ مِنْها) والاشفاق لا يصح إلا في الحي الذي يعرف العواقب ثمّ قال تعالى (وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا) ولو حمل نفس الامانة لم يصح ذلك فيه.