(سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وزَفِيراً) كيف يصح ذلك في النار حتى توصف بأنها تراهم وهي جماد وحتى توصف بأن لها تغيظا وزفيرا وذلك لا يصح إلا في الحي الذي يغتاظ مما يرى؟ وجوابنا أن المراد بذلك التمثيل دون التحقيق فمن يقرب من الشيء يقال يراه وقد يشبه صوت النار عند التلهف بالزفير الذي يظهر من المغتاظ ويحتمل أنه تعالى ذكر إذا رأتهم وأراد خزنة جهنم فإنهم يغتاظون فيكون لهم من الزفير بعد علمهم بما يقتضي ظهور ذلك.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قُلْ أَ ذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ) كيف يصح ذلك ولا خير في النار أصلا؟ وجوابنا ان المراد أيهما أولى بأن يكون خيرا وقد يقول الحكيم لغيره من العصاة ان التمسك بالطاعة خير لك من المعصية والمراد ما قد ذكرنا.
[مسألة]
وربما قالوا في قوله تعالى (وَ لكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) وذلك خلاف قولكم. وجوابنا أن المراد أنه متعهم فاختاروا عند ذلك نسيان الذكر والمراد بهذا النسيان ترك الواجب لأن النسيان في الحقيقة من فعل اللّه تعالى فلا يجوز أن يذمهم عليه ولذلك قال تعالى بعده (وَ كانُوا قَوْماً بُوراً) وقوله تعالى (وَ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) أحد ما يدل على أنه تعالى لا يجوز أن يرى والا لم يصح أن يستعظم هذا القول منهم كما لا يجوز أن ينزل الملائكة بدلا من البشر لكن انزال الملائكة مقدور والحكمة تمنع منه والرؤية ليست مما يصح أصلا وفي قوله عز وجل (يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي) دلالة على أن المضل عن الدين ليس هو اللّه تعالى كما يقوله المجبرة.

[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) كيف يصح أن يكون تعالى جعلهم أعداء للانبياء؟ وجوابنا أنه تعالى إذا عظم الانبياء واصطفاهم وخصّهم بالمعجزات وكان ذلك من قبله ولأجل ذلك عادوا الانبياء جاز أن يضيف ذلك إلى نفسه من هذا الوجه بأنه يفعل فيهم العداوة مع زجره ونهيه عن ذلك ومع ايجابه عليهم أن يتركوها إلى الولاية وإلى التصديق والانقياد وحكى تعالى عن الكفار أنهم قالوا (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) كالذي فعله تعالى في كتب الأنبياء وجعلوا ذلك كالطعن فقال جل وعز (كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ ورَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا) فبيّن أن إنزاله على تصرف الاوقات وتجديد ذلك على قلبه ما يوجب الثبات والصبر وذلك معلوم من حال ما يرد على السمع في الاوقات المتباينة وبعد فإنه صلّى اللّه عليه وسلم لم يكن يكتب ويقرأ فلو أنزل عليه جملة واحدة لكان مخالفا للحكمة وبعد فإن إنزاله في وقته أحسن موقعا من إنزاله قبله فعند الحوادث إنزال اللّه تعالى ما يتصل بها.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ) كيف يصح حشرهم على وجوههم؟ وجوابنا أنه تعالى قادر على ذلك ويكون أدخل في الذل والاهانة ويحتمل أن يكون المراد أنهم يساقون وجها واحدا إلى جهنم من دون ميل وتوقف كما يقول القائل جئتك اليوم وجها واحدا.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ) كيف يصح وصفه بأنه مدّ ولا يتأتّى فيه ذلك؟ وجوابنا أن المراد به أنه مد ذلك أي ادامه كما قال تعالى في صفة الجنة (وَ ظِلٍّ مَمْدُودٍ) لما لم يكن هناك شمس ومعنى قوله تعالى (وَ لَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) أي

دائما لا ينقطع لكنه جعل الشمس عليه دليلا وذلك أحد ما تظهر به نعمه لأنه بالشمس وطلوعها يعرفون كيفية الظل.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً) كيف يصح وإنما خلق آدم من طين؟ وجوابنا أن ذلك الطين إذا كان بالماء حصل على تلك الصفة فجاز أن يقول ذلك ويحتمل أن يريد سائر أولاده لأنه من النطفة خلقهم فسمّاها ماء ثمّ ذكر تعالى ما يبعث المرء على التمسك به من الآداب والاحكام في صفة عباد الرحمن فقال تعالى (وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) فذكر من صفاتهم ثلاثة عشر خصلة إذا تأملها المرء وتمسك بها عظمت منزلته في الدين ولو لا خوف التطويل لشرحناها ثمّ قال تعالى آخرا (أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا ويُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وسَلاماً خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا ومُقاماً) فان قيل فقد ذكر تعالى في جملته (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) كيف يصح ذلك ومحال في السيئة الماضية أن تصير حسنة؟ وجوابنا أن المراد بالسيّئات عقابها وبالحسنات الثواب فقال تعالى فيهم أنهم إذا تابوا صار لهم بدلا من العقاب الثواب وفي قوله تعالى (إِلَّا مَنْ تابَ) بعد ذلك الكفر والقتل والزنا دلالة على أن التوبة مقبولة في كل ذنب لا كما يظنّه قوم في انها لا تقبل في القتل.
[مسألة]
وربما قيل ما معنى قوله تعالى (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) وهل المراد بذلك المؤمن أو الكافر؟ وجوابنا أنه تعالى قال ذلك عقيب وصف المؤمن فالمراد به لو لا دعاؤهم الذي هو التوحيد والعدل لم يعبأ تعالى بهم حتى يرقيهم في منزلة الثواب على ما وصف ويكون قوله تعالى (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) يرجع الى من خالف حاله حال

هؤلاء المؤمنين ويحتمل أن يكون المراد الكفار فإنه عز وجل لا يدخلهم في إنزال العقاب بهم لو لا دعاؤهم وعبادتهم لغير اللّه ومعنى قوله (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) أي باللّه ورسوله (فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً).

سورة الشعراء
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) كيف يصح هذا الجمع في الأعناق وإنما الصحيح أن يقال خاضعة؟
وجوابنا أن قوله أعناقهم يشتمل على ذكرهم وذكر أعناقهم فقوله (خاضِعِينَ) يرجع اليهم وقد كان صلّى اللّه عليه وسلم يغتم بأن لا يؤمنوا فبيّن تعالى أن ذلك موقوف على اختيارهم وأنه تعالى لو شاء لأنزل آية كانوا يخضعون لها فيؤمنون لا محالة قهرا لكن لا ينفع إذ المراد أن يؤمنوا على وجه يستحقون الثواب معه. وقد قيل إن المراد بالأعناق جملتهم كما يقال جاءنا عنق من الناس والأول أبين وبين بعده أنه وإن لم ينزل هذه الآية القاهرة فقد أنزل القرآن فقال تعالى (وَ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ) فبيّن أنه معقول كما نقوله وأنهم مع قيام الحجة به يعرضون عنه فلا عليك يا محمد أن تغتم بكفرهم (فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) وبيّن بقوله (أَ ولَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) أي عزيز ان ذلك من الادلة العظام التي لو نظروا فيها لعلموا أنّ ما هم عليه باطل.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) وقد ناداه ربه (أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) كيف يصح من ذلك أن يعتل بهذه العلة؟ وجوابنا أنه لم يرد الخوف على نفسه فإن الانبياء لا يجوز أن يبعثهم اللّه تعالى إلّا وقد وطّنوا أنفسهم على احتمال المكاره وإنما أراد أنه

يخاف منهم أن لا يقبلوا وسأل ربه المعونة التي تكون أقرب الى قبولهم فأعانه اللّه عز وجل بأخيه هارون وقال (فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) والاستماع وإن لم يجز على اللّه تعالى لأنه كالاصغاء فالمراد نفس السماع واللّه تعالى يوصف بذلك.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ تِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) كيف يصح أن يعتدّ لفرعون بمثل ذلك؟ وجوابنا أن ذلك بمنزلة إنكار كونه نعمة لا بمنزلة الاقرار لأن الذي فعله ببني إسرائيل يجري مجرى الظلم العظيم ويحتمل ان يكون المراد عبدت بني إسرائيل وخيبتني مع الذي كان منك من تربيتي وغير ذلك فيكون في الكلام حذف فعند ذلك قال له (وَ ما رَبُّ الْعالَمِينَ) فأجابه رب السموات والارض وما بينهما لأنه تعالى إنما يعرف بأفعاله التي تختص به ولا تجوز عليه المشاهدة فكان الذي أجابه به هو الجواب الحقيقي ولم يزل يكرر مثل ذلك حتى قال إنه لمجنون ثمّ قال (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) وليس ذلك بطعن في أدلته واللّه تعالى مسخره لما علم من عاقبة أمر موسى صلّى اللّه عليه وسلم عند ظهور الآيات وما ينزل بهم آخرا من الهلاك وعلى هذا ما فصله تعالى في القصة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (أَ فَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) كيف يصح ان يقول فانهم وإنما يقال في الأصنام فانها وكيف يصح ان يصفها بأنها عدو وهي جماد وكيف يصح أن يقول إلا رب العالمين فيستثني من الاصنام رب العالمين؟ وجوابنا أن إبراهيم صلّى اللّه عليه أجرى كلامه على طريقة اعتقادهم وكانوا يعتقدون في الاصنام أنها تنفع وتضر كالناس بل أزيد فلهذا جمعها هذا الجمع ووصفها بهذا الوصف وإلا فهو عالم بأن الأمر بخلاف ذلك

فنبأهم على أن كل ذلك يضرهم وانما ينتفعون بعبادة اللّه الذي خلق ويهدي ويطعم ويسقي الى سائر ما ذكره من نعمه. فان قيل كيف قال في جملة كلامه (وَ اغْفِرْ لِأَبِي) مع اصراره على الشرك؟ فجوابنا أنه دعا له على شرط التوبة والإنابة على ما تقدم قبل ذلك بيانه فإن قيل فكيف قال (وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) وذلك ممتنع في الانبياء. فجوابنا أن الداعي قد يدعو بما يعلم أنه لا يقع على وجه الانقطاع إلى اللّه والتمسك بالخضوع وبيّن أنه في الآخرة لا ينفع مال ولا بنون وإنما تنفع الاعمال الصالحة الخالصة مما يفسدها وهو معنى قوله (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ وأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) وبيّن ما يقال لعابد الصنم في الآخرة بقوله (وَ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ) وما يقولون بقوله (تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) وبيّن بقوله تعالى (وَ ما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) بطلان قول من يقول إن اللّه يضلهم فالقرآن يكذب قولهم ثمّ ذكر تعالى بعد قصة موسى وهارون وقصة ابراهيم وقصة نوح وهود وصالح ولوط وشعيب ما نزل بهم من الامور وأنزل اللّه تعالى بأممهم من العذاب وكل ذلك ليتأمل القارئ في كتاب اللّه تعالى فيعرف بذلك قدرته وحكمته ويكون ذلك داعية طاعته والانصراف عن معصيته. فان قال ففي جملة كلام موسى صلّى اللّه عليه وسلم (فَعَلْتُها إِذاً وأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) كيف يصح أن يصف نفسه مع نبوّته بهذا؟ وجوابنا أن المراد بالضالين الذّاهلون عن التمسك بالطاعة فيما أقدموا عليه لأن ذلك وإن لم يكن من الكبائر فهو من الصغائر. فان قيل ففي جملته (فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) وقال في موضع آخر (كَأَنَّها جَانٌّ) وذلك كالمتناقض. وجوابنا أن المراد أنها كالثعبان في العظم وكالجان في سرعة حركتها من حيث خلقت من نار السموم. فان قال ففي القصة أن رسولكم الذي أرسل اليكم لمجنون فأقر بأنه رسول كيف يصح ذلك؟

وجوابنا انه أراد أنه كذلك في زعمه. فان قيل (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) كيف عرف فرعون ذلك؟ وجوابنا انه أراد بالقائه العداوة بينكم أنه ينحاز بعضكم الى بعض. فان قال فكيف قال (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) وهم في تلك الحال مؤمنون؟ وجوابنا الذين كانوا سحرة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ إِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) أ ليس ذلك يدل على أنه نفسه في زبر الانبياء والمعلوم خلاف ذلك؟ وجوابنا أن ذكره ووصفه في زبر الاوّلين بين ذلك أنه عربي وسائر كتب الانبياء بخلافه ومعنى قوله من بعد (كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) يعني القرآن أي جعلناه بحيث يعلم ويقرأ فلم يقع منهم الانتفاع بذلك.
[مسألة]
ومتى قيل ما معنى قوله (وَ ما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) كيف يصح أن يصير ذلك سبب هلاكهم وهو بأن يكون سببا لنجاتهم أقرب؟ وجوابنا أن المراد ما أهلكنا أهل قرية إلا بعد ازاحة العلة بالمنذرين الذين هم الانبياء وبعد كفرهم بهم ونصبهم العداوة لهم فلذلك قال بعده (ذِكْرى وما كُنَّا ظالِمِينَ) وفي قوله من بعد (وَ ما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وما يَنْبَغِي لَهُمْ وما يَسْتَطِيعُونَ) دلالة على اعجاز القرآن لانه لو جاز أن يقدر العباد عليه لجاز مثل ذلك في الشياطين الذين لمخالطتهم بنا يعرفون هذه اللغات وأدّبه اللّه تعالى بقوله (وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بعد قوله تعالى (وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) وقبل قوله تعالى (فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) فلم يأمره من هذا القول في الكفار وأمره في المؤمنين بما ذكره ومن تأمل ذلك وتمسك بمثله في العدو والوليّ فله الحظ الكثير في استعمال الاخلاق الحسنة ثمّ قال تعالى (وَ تَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي

يَراكَ حِينَ تَقُومُ وتَقَلُّبَكَ) فان المرء اذا تصوّر فيما يأتيه أنه جل وعز يراه ويعلم كان أقرب الى أن لا يفعل الا ما يحسن منه والتوكل على اللّه هو أن يلتمس الخير ويبتعد عن الشر فيما عهد اللّه تعالى اليه ولا يفارق هذه الطريقة الى ما يكرهه وليس التوكل ما يدعيه قوم من أعمال الخير وترك التكسب والاشتغال بطلب ما يحتاج اليه من الناس فان ذلك محرم في اكثر الآيات.

سورة النمل
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) كيف يصح انه تعالى يكون مزينا لأعمال الكفار؟ وجوابنا ان المراد زيّنا لهم ما ينبغي أن يعملوه وما يجب عليهم السعي فيه وقد يقال لم يوجد مع ذلك أن عملهم على هذا الوجه ولذلك قال بعده (فَهُمْ يَعْمَهُونَ) وذكر تعالى ذلك بعد قوله في القرآن (هُدىً وبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ) ثمّ قال عقيب ذلك إن من لم يؤمن قد زينا له ما يجب أن يأتيه لكنه يعمى عن ذلك وقد قيل زينا بمعنى موافقتها الشهوة والهوى للعلم بأنه تعالى يفعل الشهوة لكنه يصرف عنها والوجه الاول أولى.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ ومَنْ حَوْلَها) ما معنى هذه البركة وما المراد بمن حولها وهل يتصل ذلك بموسى صلّى اللّه عليه وسلم؟ وجوابنا أن البركة هي بمعنى الثبات والبقاء فبين تعالى ثبات تلك النار لموسى ومن حولها لأن موسى كان قد جاءها وصار هو وأصحابه حولها كما يتفق في العادة حال الناس مع النار وقيل أراد تعالى بقوله بورك من في النار موسى عليه الصلاة والسلام وأراد بمن حولها الملائكة عليهم

28 / 47
ع
En
A+
A-