[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) أ ليس ذلك يقتضي أنه غير ما تقدم ذكره؟ وجوابنا أنه لما صار بالحياة التي خلقها اللّه تعالى فيه على صفة لم يكن عليها جاز أن يقول ذلك مجازا وقد يقول الرجل في ولده وقد تأدب وتعلم وتغيرت أحواله أنه غير الذي رأيتموه وذلك ممّا يكثر في الكلام.
[مسألة]
ومتى قيل ما معنى قوله (فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) كيف يصح ذلك ولا خالق سواه؟ وجوابنا أن ذلك من حيث اللغة فوصف كل من تدبر فعله وأتى به على وجه الصواب أنه خالق وذلك مشهور في اللغة فعلى هذا الوجه يصح ما ذكره تعالى وانما منع أن يجري هذا الوصف الا على اللّه تعالى مطلقا من حيث كل أفعاله لا تكون إلا مقدّرة على وجه الصواب كما لا يقال مطلقا في أحد سواه أنه ربّ وإن كان قد يقال في زيد أنه ربّ داره وعبده فمن حيث التعارف لا يوصف بذلك سواه.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) كيف يصح ذلك والماء إنما ينزل من السحاب؟ وجوابنا أن الصحيح أنه ينزل من السماء ويحمله السحاب ثمّ ينزل الى الارض وإنما يذكر ذلك بعض الأوائل لقولهم أن الماء يصعد من الارض كالبخار ويحمله السحاب ثمّ يصفو وينزل وليس الامر كما قالوه وكتاب اللّه أصدق من قولهم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) كيف يصح ذلك في اللغة وهي لا تنبت بالدهن ولا الدهن ينبت؟ وجوابنا أن المراد ينبت ما هو أصل الدهن وهو الزيتون الذي منه يخرج الدهن وتنبت أي تخرج وقد يقال في الشجرة إنها تخرج كيت وكيت ويقال أيضا انها تخرج بكيت وكيت وقد قال أن الباء كالبدل من اللام
لان ذلك من حروف الجر فكأنه قال تنبت الدهن فالكلام صحيح على كل حال.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا) كيف يصح وقد كان بين الرسل فترات وكيف يصح قوله تعالى (فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً) وذلك تكرار؟ وجوابنا أنه تعالى وصف بعض الرسل بذلك ولذلك قال بعده (ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى) وتقدم من قبل ذكر الرسل فلا يمتنع من ذلك البعض أنه أرسلهم على اتصال ولا يمتنع اذا تقارب بعثة بعضهم بعد بعض أن يقال ذلك فأما قوله فأتبعنا بعضهم بعضا فانه يعني في الهلاك ولذلك قال بعده (وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) فالمراد بذلك الامم التي كان اللّه تعالى تعجل إهلاكها وقوله من بعد (فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) دلالة على أن الذين ينجون من العذاب هم المؤمنون ومعنى قوله من بعد (وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وأُمَّهُ آيَةً) أي دلالة ومعجزة فإنه تعالى نقض العادات فيها وفي ابنها وقوله تعالى من بعد (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ واعْمَلُوا صالِحاً) يدل على أنه أباح الطيبات وأنه لا يدخل في جملة الورع اجتنابها أكل ذلك وقوله من بعد (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ) المراد به التخلية كأنه تعالى يعزي الانبياء فقد كانوا يتشددون في الدعاء إلى اللّه تعالى ويغتمون بترك القبول وقال تعالى (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ) أي في حيرتهم التي أوتوا فيها من قبل أنفسهم حتى حين وذلك كالتهديد لانّ قوله تعالى (حَتَّى حِينٍ) تنبيه على عذاب الآخرة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ والْأَرْضُ) كيف يتعلق فساد السموات والارض باتباعهم أهواءهم؟ وجوابنا أن المراد من كذب بالرسل وباللّه تعالى واثبت آلهة سواه ولو صح مع اللّه تعالى آلهة إلا اللّه لفسد التدبير وهذا هو المراد بالآية كما نقوله في دلالة التمانع في قوله (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا)
ولذلك قال بعده (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ ولَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) ثمّ قال منزها لنفسه (سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عالِمِ الْغَيْبِ والشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) فحكى جل وعز عنه ذلك ثمّ قال (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) ما الفائدة في ذلك وهو معلوم من قبل؟
وجوابنا أن المراد هذه طريقة في هذه الكلمة أنه يكررها ويتمنى عوده من حيث لا يتلافى ويقتصر على التمني.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ ولا يَتَساءَلُونَ) كيف يصح نفي الانساب وهي ثابتة في الآخرة كما قال تعالى (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وصاحِبَتِهِ وأَخِيهِ) وقد يدعي الرجل في الآخرة بالآباء؟ وجوابنا أن المراد انقطاع النفع بعد نفخ الصور بالانساب وقد كان ينتفع بها في الدنيا وإلا فالنسب الذي قد ثبت وتقضي لا يزول ولذلك قال تعالى (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وأُمِّهِ وأَبِيهِ) وانما سينتفع بذلك أهل الصلاح فلذلك قال تعالى في سورة الرعد (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ) فوصفهم ثمّ قال في آخره (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها ومَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وأَزْواجِهِمْ وذُرِّيَّاتِهِمْ) فعند ذلك يعظم السرور بالاجتماع وبعد ذلك قال تعالى حاكيا عمن خفت موازينه (قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ) وبيّن تعالى عظم ما أقدموا عليه بقوله (إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وارْحَمْنا وأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ)
(فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي) فدل بذلك على عظم هذا الجرم ثمّ بين ما لهم من المنزلة بقوله (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ).
[مسألة]
وربما قيل كيف يجوز أن يقولوا (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) وذلك كذب منهم لأنه جواب لقوله (قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ)؟ وجوابنا أنهم لم يريدوا بذلك أحوال حياتهم بل أرادوا حال الوفاة ولم يريدوا بقولهم (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) التحقيق لأنهم لو أرادوا الخبر لكان هذا القول متناقضا وكأنهم أرادوا أنهم وان كثر لبثهم فهو قليل في حكم يوم أو بعض يوم في أنهم لم ينتفعوا بالتلافي والاستدراك ولذلك قال بعده (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) وقال بعده (وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) فنبه على تقصيرهم حيث أمكنهم التلافي وأنهم فيما بعد فاتهم ذلك وقوله تعالى من بعد (وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) دلالة على أن كل قول لا حجة فيه فهو محرم ولذلك قال تعالى (فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ).
سورة النور
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (سُورَةٌ أَنْزَلْناها) كيف يصح انزال السورة وذلك يستحيل فيها؟ وجوابنا عن ذلك وعن سائر ما في القرآن نحو قوله (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وقوله (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) الى غير ذلك هو أن المراد به إنزال السورة بانزال من يحملها وعلى هذا الوجه نصف القرآن بأن اللّه أنزله وهذا كما يقال أنزلنا الماء ويراد بذلك الظرف ونزحنا الماء من البئر الى غير ذلك وكما يقال إن فلانا أظهر علمه والمراد أودعه الكتب فمن هذا الوجه يستدل بهذه الآيات على حدوث القرآن لأن ما هو قديم لا يجوز فيه انزاله بنفسه ولا بغيره وفي قوله تعالى (وَ أَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ) والآيات هي الادلة دلالة أيضا على حدوثه وفي قوله (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) دلالة على أن اللّه تعالى أراد من جميعهم التذكر.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) كيف يصح هذا الخبر ونحن نعلم أن الزاني قد يطأ وقد يعقد على غير الزانية؟ وجوابنا أنه وان كان في صورة الخبر فالمراد به الأمر.
واختلف العلماء في ذلك فمنهم من قال هو منسوخ ومنهم من قال بل هو ثابت وأن المراد أن الزاني لا يحل له التزويج بالعفيفة حتى أنهم يقولون اذا حدث الزنا منه بطل النكاح ومع ذلك فان ظاهره انما يقتضى أنه في حال زناه لا
ينكح إلّا زانية لان الزاني هو الواطئ بغير شبهة وبغير نكاح وملك ومن هذا سبيله فهو غير ناكح إلا الزانية ومن يقدر فيها هذا التقدير.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) كيف يصح في افكهم أن يكون خيرا مع قبحه وعظم الاثم فيه؟ وجوابنا أن المراد به خير لهم من حيث نالهم به من الغم ما صبروا عليه وان كان كذبا قبيحا فالمراد هو ما قد ذكرناه ولذلك قال تعالى (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ) فذمهم وبين أن الذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ومعلوم أن هذا الصنيع منهم كان كالسبب في تعظيم الرسول صلّى اللّه عليه وسلم والمتصلين بعائشة فصار الصبر عليه عظيم الثواب ولذلك يقال الآن فيمن زنى بأهل له أنه اذا صبر فله ثواب واذا ظلم المرء فلم يخرج الى المقاتلة على ذلك بل صبر فله ثواب وهذه القصة انما ضمت الى هذه السورة لتعلقها بالقذف والرمي اللذين بين اللّه تعالى حكمهما في الاجنبي وفي الزوجيات وهي تشتمل على أحكام وأدب يمكن أن يقال ان جميع ذلك من الخيرات فبين تعالى أن من يتولى كبر الشيء أعظم إنما ممّن هو كالتابع وبيّن أن الواجب على من يسمع مثل ذلك أن لا يظن صحته بمن عرف عفته ويؤيده قوله (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً) وفيه أن الواجب في مثله الاعتماد على الشهادة فاذا انتفت وجب الكف وهو معنى قوله (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) لان المراد هلّا فعلوا ذلك (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ).
[مسألة]
ومتى قيل أ ليس من لم يأت بالشهود قد يكون صادقا فكيف يصح ما ذكره تعالى؟ وجوابنا أنه وصف قولهم في هذه القصة خاصّة بأنه
كذب وما يذكر في كتب الفقهاء من أن الملاعن يكذب نفسه وان ذلك منه كالتوبة يجب أن يكون كالمجاز لان الزوج إذا رمى امرأته فقد يكون صادقا ويكذب نفسه فان كذب نفسه على الحقيقة فذلك ذنب ثان لأن تكذيب الصادق كذب وبين أنه لو لا فضل اللّه عليهم لمسهم في ذلك عذاب عظيم وما يمسهم فيه العذاب لا يكون خيرا ونبّه بقوله تعالى (وَ تَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) على أن الخبر بلا علم يقبح وبين أن الذنب قد يعظم عند اللّه وإن حسبه المذنب هيّنا وبين أن الخبر في مثل ذلك يسمى بهتانا فدل بذلك على عظمة لان في تلك الاخبار ما لا يسمى بذلك وان كان كذبا وبين يقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ) أن محبة القلب بانفراده قد تكون ذنبا عظيما فيبطل بذلك ما يظنه كثير من الناس من أنه لا يؤاخذ المرء بما يقع في قلبه إذا لم يعمل ولو لا خوف التطويل لذكرنا سائر ما في هذه القصة من الفوائد فأما ما قاله آخرا من قوله سبحانه وتعالى (وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً ولكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) فالمراد به اظهار الفضل والمدح وذلك يصح من اللّه تعالى وليس المراد نفس الطاعة فليس للمخالفين التعلق بذلك وقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا والْآخِرَةِ) يدل على أن ذلك من الكبائر العظام ويدل على أنه ملعون في الآخرة إذا لم يتب والملعون في الآخرة لا يصح ان يكون من أهل الجنة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ) كيف تصح الشهادة من اللسان؟ وجوابنا بأن ينطقه اللّه وكذلك الكلام في أيديهم وفي أرجلهم وفي ذلك زجر عظيم لأن المقدم على الذنب إذا تصوّر أنه يجزي عليه في الآخرة بهذه الشهادة كان ذلك من أعظم زواجره. فان قيل فاللسان واليد والرجل هي المتكلمة بهذه الشهادة. قيل له هذا هو الظاهر واللّه
عز وجل قادر على أن يحييها مفردة لتتكلم بهذه الشهادة كما روي عنه صلّى اللّه عليه وسلم في الذراع أنها كلّمته وقالت لا تأكلني يا رسول اللّه فإني مسمومة وفي العلماء من يقول هذه الشهادة من فعل اللّه تعالى فإن وجدت في الاعصاب فيكون اللّه تعالى المتكلم وأضيفت الشهادة إليها على وجه من المجاز.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ والْأَرْضِ) أ ليس يدل ذلك على أنه جسم وعلى أنه أحسن الاجسام كما قاله بعضهم؟ وجوابنا أن المراد أنه منوّر السموات والارض بين ذلك أنه قال تعالى (مَثَلُ نُورِهِ) فأضاف النور إليه وقال آخرا (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) ويحتمل أن يكون المراد نفس النور ويحتمل أن تكون الادلة وفي الوجهين من يفعل ذلك يوصف أنه منور وإنما وصف نفسه بذلك مبالغة من حيث أن كل الانوار من قبله كما يوصف بأنه رجاء وغياث الى ما شاكل ذلك ولذلك قال تعالى بعد (وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ).
[مسألة]
ومتى قيل كيف يصح قوله عز وجل (زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ) ولا ثالث لهذين؟ وجوابنا أن المراد أن مكانها ليس مما تطلع عليه الشمس فقط ولا تغرب أي تظهر عليه الشمس عند الغروب فقط بل مكانها المكان الذي لا تنقطع منه الشمس وذلك بيّن في وجه المنفعة للاشجار.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) بعد أن وصف الظلمات العظيمة كيف يصح ذلك؟ وجوابنا أن بعضهم قال لا يراها أصلا وقال بعضهم بل الظلمات وان عظمت مما تقرب المرء من تحريك أعضائه وقد يجوز ان يراها فليس في ذلك مناقضة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ)
(فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ ومِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ ومِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) كيف يصح الاقتصار على هذه القيمة وفي الحيوان ما يمشي على أكثر من أربع؟ وجوابنا أن تبيان هذه الاوصاف لا يمنع فوق رابع لو صح ما قاله فكيف وما يظهر له من الارجل أكثر من أربع انما يمشي من جملتها على أربع فالكلام تام.
سورة الفرقان
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) أو ما يدل ذلك على أنه الخالق لأفعال العباد؟ وجوابنا أن المراد به الاجسام التي ننتفع بها لأنه تعالى ذكر ذلك عقيب قوله (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والْأَرْضِ ولَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ولَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) وقد بينا من قبل أن اللّه لا يجوز أن يمتدح بفعل القبائح فالمراد ما ذكرنا وقوله تعالى (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) يدل على أن مراده بهذه الآيات ما يكون حسنا وحكمة فاللّه تعالى استفتح هذه السورة بما يدل على قولنا وهو قوله تعالى (الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) فبين أنه أنزله لينذر ويخوف كل واحد من العالمين، والتخويف انما يراد منه الانصراف عن الكفر والمعاصي فكيف يصح أن يبعثه ليصرفهم عما هو الخالق له فيهم ولا يمكنهم وهو الخالق فيهم الانصراف عن ذلك ولو اجتهدوا كل الاجتهاد وقوله تعالى من بعد (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا) أراد تعالى أنهم لا يستطيعون السبيل الى القدح في نبوّته فلا يصح للمخالفين أن يسألوا عن ذلك في أن القدرة مع الفعل.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) تنزيه القرآن (19)