[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) كيف يخاف موسى وهو عالم بما يظهر عليه وانه يكشف عن بطلان ما أتوه؟ وجوابنا أنه يجوز أن يكون خائفا على قوم قد شاهدوا ما فعلته السحرة أن يفسدوا ويثبتوا على فسادهم خصوصا أن تأخر امره تعالى بإلقاء العصا ومن تأمل حال فرعون وقومه مع كثرتهم كيف ذهلوا عن القبول من موسى صلّى اللّه عليه وسلم مع ظهور أمره علم أن شهوة المرء وهواه مسلّطان عليه فيجب أن يتحرّز التحرّز الشديد من أتباع الهوى وإيثار الدنيا على الآخرة ويبذل الجهد في اتباع الحق وإن شق وأوجب مفارقة الإلف والعادة ومفارقة السلطان والرئاسة وكذلك القول في السحرة الذين آمنوا بموسى صلّى اللّه عليه وسلم لما رأوا أمره الذي بهرهم كيف انقادوا واختاروا الايمان وحسن العاقبة على القتل والصلب فالمحكي عن ابن عباس رضي اللّه عنه أنه قال أصبحوا من أهل النار وأمسوا من أهل الجنة كلام هذا معناه وروي انه أكرههم على ذلك السحر لقولهم (وَ ما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ واللَّهُ خَيْرٌ وأَبْقى) ثمّ قال سبحانه قالوا (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها ولا يَحْيى ومَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى) فإن كان هذا من قول السحرة دلّ على استبصار منهم وإن كان من كلامه تعالى دل على أنّ دار المجرمين غير دار الصالحين المؤمنين وقوله تعالى (وَ أَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وما هَدى) يدل على شدة الذم له وعلى أنه تعالى لا يضلّ عن الدين وانه أراد باضافة الضلال الى نفسه ما تأولناه من أن المراد به العقاب وما يتصل به ولذلك قال تعالى (وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) (وَ يُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ) ثمّ قال (إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ) الى غير ذلك.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ

مِنْ بَعْدِكَ) ما الوجه في ذلك وقد آمنوا به. وجوابنا ان المراد بذلك تشديد المحنة على أمة الرسول لأن في حال حياته تكون المحنة أخف منها بعد وفاته وكذلك حال حضوره تكون المحنة أخف من حال غيبته ولذلك قال تعالى (وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ) بما اتخذه من العجل.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وآمَنَ وعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) والوصف المتقدم هو الاهتداء. وجوابنا انه لزم هذه الطريقة وحفظها لما كلف من الطاعات لينتفع بذلك.
[مسألة]
وربما قيل ما معنى قوله تعالى حكاية عمّن لم يعبد العجل من بني اسرائيل (ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا) وما الفائدة في ذلك لأن هذا الكلام لا معنى له؟ وجوابنا ان مرادهم إنا لم نجد السبيل إلى ردّ من عبد العجل ولم نتمكن من ذلك فلم نخلف ما كنا وعدناك من إنكار مثل ذلك.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي ولا بِرَأْسِي) كيف يجوز ذلك على الانبياء وقد أدبه اللّه تعالى بقوله (فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً) فأمره بذلك في معاملة فرعون ويفعل بأخيه مثل هذا الفعل. وجوابنا أن ظاهر ذلك لا يدل على ان موسى فعل وإن كان هارون جوّز أن يفعل والذي في القرآن أنه أخذ برأسه يجره إليه ليظهر لبني إسرائيل غضبه عليهم ومثل ذلك يحسن كما يحسن ان يأخذ نفسه فأحب هارون أن لا يفعل ذلك وإن كان فيه إنكار وإظهار للغضب ويفعل ما يقوم مقامه.
[مسألة]
وربما قيل كيف يجوز في نبيّ من أنبياء اللّه أن يقول (وَ انْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي) فسمى العجل الذي اتخذه إلها؟ وجوابنا أن مراده ما اتخذته إلها على وجه التوبيخ ولذلك قال بعده (لَنُحَرِّقَنَّهُ) تنزيه القرآن (17)

(ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً) كيف يصحّ أن يخفى عليهم ذلك مع كثرتهم لأنه تعالى قال (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ونَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً) وجوابنا أن المراد لبثهم بعد الممات فان ذلك يخفى ولا يعلم ولم يتفقوا على ذلك كما قال تعالى (إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ونَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) كيف يصحّ هذا الوصف وقد ثبت أنهم في الآخرة يبصرون كما قال تعالى (وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ) وكيف يصح أن تكون معيشتهم ضنكا وفيهم من ليس هذا وصفه؟ وجوابنا أنه تعالى يحشرهم عميا ثمّ يبصرون لأن أحوال الآخرة مختلفة وقد قيل مشبها بالاعمى لما ينزل به من الحيرة ومتى قيل كيف يصح ذلك مع قوله تعالى من قبل (وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً) وهذا صفة للبصر. فجوابنا أن المراد نحشرهم زرقا عميا ثمّ يبصرون. وقد قيل شبه الاعمى بالازرق لذهاب السواد عن البصر وقوله من بعد (وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً ولا هَضْماً) يدل على أنهم مع معرفتهم بالآخرة فإنهم آمنون.

سورة الانبياء
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ والْأَرْضِ وهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ) ما فائدة تكرار هذه الكلمة وكيف ترتبط بما تقدم ولم يتقدم في الكلام جحد فتليق به هذه الكلمة؟ وجوابنا أنه تعالى قد ذكر عن الكفار الجحود بقوله (لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) فبين تعالى بعده أنه عالم بجحودهم ثمّ ذكر (بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ) فبين اختلاف اقاويلهم وأن فيهم من قال إن الذي يأتينا من المنامات المختلفة وقال بعضهم افتراه وقال بعضهم هو سحر وأنهم تحيروا في أمره فذكر تعالى إنكارهم لنبوته وحقق ذلك بما حكاه عنهم بقوله (بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ) وبين بقوله (وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ) أنه في إزاحة العلة ببعثه الانبياء قد بلغ الغاية فلم يبعث من نسب الى نقص فيكون في بعثته تنفير عن القبول منه.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) كيف يعرف أنه لم يرسل إلا الرجال فيرجع الى مسألة أهل الذكر؟ وجوابنا أن أهل الذكر والعلم يعلمون أن بعثة الانبياء اذا كانت للمصلحة والدعاء إلى الطاعة فلا بد من أن يكون المبعوث لا نقص فيه ولا عيب ينفر عنه وبيّن تعالى بقوله (وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ والْأَرْضَ وما)

(بَيْنَهُما) لا يحسن أنه خلق ذلك على وجه الحكمة وعرض للثواب العظيم وخلق ما يكون لعبا وهو معنى قوله تعالى (ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ) ومعنى قوله (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً) ثمّ حقق ذلك بقوله تعالى (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) وقال لمن خالف الحق (وَ لَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) ثمّ بين تعالى حال عبادة الملائكة له وخضوعهم وأنهم لا يستكبرون عن عبادته وكل ذلك ترغيب لنا في الطاعة ثمّ قبح تعالى فعلهم فقال (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ) تبكيتا لهم ثمّ بين فساد ذلك بقوله تعالى (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا) فبين أنه لو كان يدبرهما آلهة لفسد ما هما عليه بأن يريد أحدهما أن يكون ليلا والآخر نهارا أو يريد أحدهما أن يكون حرّ والآخر برد فكان التدبير فيهما يفسد وهذا هو دليل علماء التوحيد في أنه لا ثاني للّه تعالى قد نبّه سبحانه عليه بهذه الكلمات اليسيرة ونزّه نفسه عن هذا القول بقوله (فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) ثمّ بيّن تعالى حكمته في فعله لقوله (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وهُمْ يُسْئَلُونَ) لأن من كل أفعاله حكمة لا يسأل عن فعل وإنما يسأل من في فعله سفه كما أن من في فعله قبح وذلك يبطل قول هؤلاء المجبرة لأنه لو كان كل ظلم وقبح من فعله كان يجب أن يسأل عما يفعل تعالى اللّه، وبين بقوله (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) أنّ من لا حجة معه فيما يأتيه فهو جاهل وفي ذلك دلالة على فساد التقليد وأن كل قول لا برهان معه لا يصح ثمّ قال (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ) فنبه بذلك على ان المحق هو الاقل ثمّ نبه على بطلان قول النصارى فقال (وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ وقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) فبيّن ان منزلة عيسى وسائر الانبياء أنهم مكرمون ومعظمون

وأنه منزه عن الولادة ونزّه نفسه عن ولادة الملائكة كما كانت العرب تقوله من أنهم بنات اللّه تعالى فقال (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) وبين أنهم (لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) وبيّن بذلك ان الشفاعة لا تكون إلا لمن ارتضى الطريقة وبيّن أنهم مع عبادتهم العظيمة يشفقون وكل ذلك ترغيب لنا في العبادة وفي العدول عن الاباطيل من المذاهب وبين تعالى بقوله (وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) أن من تكبر وأنزل نفسه عن منزلته فهو معذب عليه وان كل من قال ذلك فهذا سبيله ثمّ بيّن تعالى دلالة حدوث الاجسام بقوله (أَ ولَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ والْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) وهذا هو دليل علماء التوحيد لأنه إذا لم يخل من الاجتماع والافتراق وهو الرتق والفتق يجب أن يكون محدثا فلو لم يكن في كتاب اللّه من التنبيه على أدلة التوحيد والعدل وغيرهما الا ما ذكرناه في هذه الآية لكفى وكيف يذهب عن ذلك من يزعم انه ليس في الكتاب التنبيه على علم الكلام ولا في السنن مع الذي ذكرناه ثمّ بين تعالى عظم نعمه بقوله (وَ جَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) الآيات وقوله تعالى (وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) فنبه بذلك على انه خلق هذه النعم للمكلفين وان تكليفهم منقطع وان مراده تعالى أن يهيئهم لدار أخرى وهي دار الخلود دون هذه الدار فلذلك قال (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ونَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ والْخَيْرِ فِتْنَةً) فبين أنه يكلّف ثمّ يميت ثمّ يجازي.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ والْخَيْرِ فِتْنَةً) أ ليس يدل ذلك على أن الشر كالخير في أنه من قبل اللّه تعالى؟
وجوابنا أن البلوى إنما تقع بالامر والنهي ولا شبهة في أنه جل وعز لا يأمر

بالشر فالمراد به في هذه الآية الميثاق والآلام وأنه تعالى يبلو المكلّف بذلك كما يبلوه بالخير وينزل به المصائب والامراض كما يعاقبه وبين أن حال الدنيا ليست كحال الآخرة التي لا يتغير ما بأهلها أما عقاب يدوم وإما ثواب خالص يتّصل بهم ولو كان الشر من قبل اللّه تعالى لوجب أن يوصف بأنه شرير إذا أكثر منهم وعندهم لا شر إلا من قبل اللّه واللّه تعالى عن قولهم علوا كبيرا وقوله تعالى (وَ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ) يدل على أن المراد ما قدمناه وأنه يجازيهم على ما ابتلاهم به عند رجوعهم اليه والمراد بقوله (وَ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ) الى حيث لا حاكم ولا مالك سواه لأنّ في دار الدنيا قد فوض تعالى هذه الامور الى غيره وفي الآخرة لا حاكم سواه وهذا كما اذا تنازع الخصمان فانهما يقولان يرجع أمرنا الى فلان والمراد هو الذي يفصل في ذلك ويحكم فلا دلالة للمشبهة في شيء من ذلك.
[مسألة]
وربما قيل ما معنى قوله جل وعز (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) ومعلوم أنه ليس بمخلوق من ذلك بل لا يصح ذلك فيه. وجوابنا أن ذلك من الكلام الفصيح في الانكار والتبكيت فمن يكثر غضبه يقال له كأنك خلقت من الغضب ومن يكثر نسيانه يقال فيه ذلك فنبه تعالى على أن الواجب على المرء التوقف والتثبت وتأمل ما يلزمه من الادلة وغيرها فلذلك قال بعده (سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) وقال تعالى (وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) يستعجلون لأنفسهم العذاب جهلا منهم كما قال تعالى (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها والَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها ويَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ) ولذلك قال تعالى بعده (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ ولا عَنْ ظُهُورِهِمْ ولا هُمْ يُنْصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها ولا هُمْ يُنْظَرُونَ) ثمّ أنه تعالى عزّى رسوله صلّى اللّه عليه وسلم في اختلافهم عليه وفي عنادهم فقال

(وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) فبين أن الواجب فيما يفعل أن ينظر في عواقبه فإذا كانت العاقبة مكروهة لم يحسن أن يغتبط بها فخلافهم عليك يا محمد إذا كان يعقب مثل ذلك فهو وبال ودمار ثمّ بيّن تعالى أنه على اختلال أحوالهم حافظ لهم ودافع للمكاره عنهم فقال (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ والنَّهارِ) يبعثهم بذلك على طاعته لإدامة النعم عليهم ونبههم بذلك أن لا إله سواه يدفع عنهم المكاره فلذلك قال (بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ) فهجّن بذلك صنيع عبّاد الاوثان وبين تعالى أنه مع ذلك متّعهم بالبقاء لكي يؤمنوا وأطال عمرهم فقال (بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (أَ فَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) كيف يصحّ تعلق ذلك بقوله (بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ)؟ وجوابنا أنه بيّن قدرته على إفناء كثير من الخلق وخصّهم بأن متّعهم فقد روي عن بعض المفسرين أن المرات موت العلماء وروي عن بعضهم أن المراد به إنزال أسباب الهلاك على قوم منهم وذكر تعالى الارض وأراد هلاك أهلها.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ ولا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ) كيف يصحّ أن يصفهم بالصمم ثمّ يذمهم بقوله (وَ لَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا)؟ وجوابنا أن ذلك جرى منه تعالى على مذهب العرب في وصفهم بما هو مبالغة في الاعراض عن سماع الآيات لأن من اشتد اعراضه يوصف بأنه أصم لا يسمع كما قال تعالى (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى ولا)

(تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ) وكما قال عز وجل في وصف الكفار (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) وكما يقال حبّك للشيء يعمي ويصمّ.
[مسألة]
وربما قيل ما معنى قوله تعالى (وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) وأي مدخل للموازين في أعمال العباد وفي المجازات؟ وجوابنا أن المراد بذكر الموازين العدل في باب المجازاة ولذلك قال تعالى بعده (فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وكَفى بِنا حاسِبِينَ) فهذا جواب بعض علماء التوحيد وقال بعضهم بل هناك موازين يوزن بها ما تظهر به حال المرء في أنه من أهل الثواب أو من أهل العقاب ومن قال بذلك يقول توزن الصحف التي فيها ذكر الحسنات والسيئات فيتبين الرجحان وقال بعضهم يجعل تعالى في إحدى الكفتين علامة من نور فتكون علامة الثواب وفي الاخرى ظلمة فتكون علامة العقاب والفائدة في ذلك أن يعرف في دار الدنيا ما يخاف في الآخرة عند ذلك من الفضيحة لمن عصاه فيزداد بذلك غما ويصرفه ذلك عن المعاصي وما يحصل من السرور لأهل الثواب في ذلك الموقف العظيم فيصير زائدا في المسألة والطاعات ونبّه بقوله جل وعز (وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ) على ما ذكرنا من أنه يتولى عز وجل المحاسبة. ومتى قيل كيف يتولاه فجوابنا أن يفعل كلاما في بعض الاجسام فيظهر به حال المكلف واذا جاز ونحن في الدنيا أن يرزقنا وإن كان لا يرى ولا مكان له جاز أيضا في الآخرة أن يكلم المكلف وأن يتعالى عن الرؤية والمكان وبين تعالى بعده أنه آتى موسى وهارون الفرقان وما هو ذكر للمتقين الذين يخشون ويشفقون ثمّ قال (وَ هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ) يعني الفرقان أ فأنتم له منكرون وذلك تبكيت لمن أنكره ثمّ بين تعالى قصة ابراهيم صلّى اللّه عليه وسلم ليبعث بذلك على الطاعة وما تحمله من الشدة في مخاطبة أبيه وقومه وصرفهم عن عبادة الأصنام الى عبادة اللّه تعالى ونبه بقوله تعالى (لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) على فساد التقليد.

[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قالُوا أَ جِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ والْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) كيف يكون مجيبا لهم بهذا الكلام وبهذه الشهادة؟ وجوابنا أن قوله (قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ والْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ) كاف في بيان جوابهم لان معرفة اللّه تعالى إنما تحصل بأفعاله فلما تم ذلك خصه بقوله تعالى (وَ أَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) لا أنه جعل الحجة بشهادته بل أورده توكيد للدلالة.
[مسألة]
وربما قالوا في قوله تعالى (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) أ ليس ذلك يدل على أن ابراهيم صلّى اللّه عليه وسلم كذب في هذه الحال وأن الانبياء لا يجوز عليهم الكذب وأنتم تمنعون من ذلك؟ وجوابنا أنه صلّى اللّه عليه وسلم أورد ذلك على وجه التوبيخ لهم لينبههم على أن الذي تعبده القوم لا يصح منه نفع ولا ضر ولذلك قال بعده (فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) قال (ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ) ثمّ قال بعده (أَ فَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً ولا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ) وكل ذلك يدل على ما قلناه.
[مسألة]
وربما تعلق بعض المجبرة بقوله تعالى (وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً) وأن ذلك يدل على أنه الخالق للطاعة؟ وجوابنا في ذلك أن المراد جعلهم أنبياء بإظهار المعجزات وذلك من قبله جل وعز وان كانوا لا يتأهلون لذلك إلا بعد تقدم عبادات وطاعات من جهتهم ولذلك قال بعده (وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ) فأضاف الخيرات الى فعلهم وقال (وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ) فمدحهم باضافة العبادة اليهم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) كيف يصح ذلك مع قوله (وَ كُلًّا آتَيْنا حُكْماً وعِلْماً)؟ وجوابنا أن الذي

25 / 47
ع
En
A+
A-