سورة مريم
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) أ ليس يدل على ان صلاحه من قبل اللّه تعالى؟ وجوابنا ان الرضا قد يكون كذلك بأمور يفعلها اللّه به من كمال العقل والحزم ومن النبوة وغير ذلك فلا يصح تعلقهم به.
[مسألة]
وربما سألوا وقالوا كيف خاف زكريا صلّى اللّه عليه وسلم الموالى فرغب الى ربه أن يرزقه ولدا يرثه حق الانبياء ولم الفكر في أمور الدنيا؟ وجوابنا انه لم يعن وراثة المال بل عنى وراثة العلم والدين والنبوة فأراد أن يكون ذلك في داره ولم يذكر أيضا ما الذي خافه من الموالي وقد يحتمل أن يكون خاف منهم التغير اذا مات فأحب أن يكون هناك من يقوم مقامه في النبوة حتى لا يتغيروا.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى) ما الفائدة في ذكر الاسم واللقب والكل في ذلك سواء وما الفائدة في قوله (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) ولو جعل له سميا لم تتغير البشرى؟ وجوابنا ان من تمام نعمة اللّه أن يرزقه المسمى ويتولى اسمه لان ذلك يكون في الانعام أزيد وكذلك اذا لم يكن له من قبل من يساويه في الاسم كان الاحسان أعظم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ

وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) كيف يستبعد ذلك وهو نبيّ وقد بشّره اللّه تعالى به لأجل ما ذكره؟ وجوابنا أن ذلك استبعاد من حيث العادة لا من حيث القدرة وذلك يصح في الانبياء كما يصح في غيرهم ولو أن نبيّا من الانبياء بشر من بالبادية بنهر جار لجاز أن يقال كيف يصح ذلك في هذا المكان فيكون استبعادا من حيث العادة لا من حيث القدرة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ قَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ ولَمْ تَكُ شَيْئاً) أ ليس ذلك يدل على أن المعدوم ليس بشيء؟ وجوابنا أن المراد ولم تك شيئا على الوصف الذي أنت عليه من الفضل والنبوة فإذا صح أن أخلقك على هذا الوجه صح أن أرزقك ولدا مع كبرك فلا تستبعد ذلك في القدرة وجواز مثله في العادة وقوله تعالى (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) فيدل على ان القوة قبل الفعل على ما نقول والا كان لا يصح ذلك كما لا يصح ممن لا يد له أن يقال خذ بيدك فأما قوله تعالى (وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) فيدل على أن مخالفة الصبي للبالغ هو من حيث العادة لا من حيث القدرة وقوله (وَ حَناناً مِنْ لَدُنَّا) أراد به الانعام العظيم عليه بأن جعله نبيا وناصحا وباعثا على الخيرات وقوله تعالى (قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) لا يدل على أنه لم يكن واثقا بما بشّر به على ما روي عن بعضهم أنه شك في البشرى بل مراده بذلك التوكيد لما بشر به اذا لم يجعل له آية تدل على الوقت الذي يرزق فيه الولد وان كان قد عرف بالبشارة ذلك لكنه جوّز التقديم والتأخير.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) أ ليس ذلك يتناقض لأنه اذا كان تقيا استغنى فيه عن التعوذ وكان الاقرب أن يقول: إنّي أعوذ بالرّحمن منك إن لم تكن تقيا؟
وجوابنا أنها قالت هذا القول وهي لا تعرفه فقالت أعوذ بالرحمن منك ان

كنت ممن يتقيه ويخشى عذابه على وجه التخويف كقول القائل ان كنت مؤمنا فلا تظلمني وقوله تعالى (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) يدل على أن خلقة الملائكة مخالفة لخلقة الناس فتمثل بهذه الخلقة ويدل على تقارب خلقتهم في البنية لخلقة البشر وان كانت لهم آلات وعظام ويجوز أن تنفصل وتتصل وانما أنزل اليها جبريل صلّى اللّه عليه وسلم وان كان نزوله من المعجزات علما لزكريا صلّى اللّه عليه وسلم فقد كان نبيا في الوقت وقول مريم (يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) لا يدل على كراهتها لما قضاه اللّه فيها وفي ولدها وإنما تمنت ذلك من حيث يعصى الناس في أمرها لخروجه عن العادة ولما يلحقها من الخجل.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يا أُخْتَ هارُونَ) كيف يصح أن يقال لها ذلك وبينها وبين هارون أخي موسى الزمن الطويل؟ وجوابنا انه ليس في الظاهر أنه هارون الذي هو اخو موسى بل كان لها أخ يسمى بذلك واثبات الاسم واللقب لا يدل على أن المسمى واحد وقد قيل كانت من ولد هارون كما يقال للرجل من قريش يا أخا قريش.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وجَعَلَنِي نَبِيًّا وجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وأَوْصانِي بِالصَّلاةِ والزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) فكيف يصح للطفل أول ما يولد أن يتكلم بذلك وأن يكلف الصلاة والزكاة وأي فرق بين من يجوز ذلك وبين من يجوز تكليف الموتى؟ وجوابنا أنه تعالى قادر على اكمال عقله وتقوية جسمه في تلك الحالة وان كان كلا الامرين يحصل فينا في العادة في الوقت الطويل بالتدريج واذا كان كذلك وألهمه اللّه تعالى هذا القول صح أن يقول ما قال وصح سائر ما وصف به نفسه أو ليس يوجب قوله وأوصاني

بالصلاة والزكاة أنه في هذا الوقت خاصة لان الوصية تتقدم وتتأخر وإنما جعل اللّه معجزة عيسى صلّى اللّه عليه وسلم في حال ولادته لما كان في ذلك من ازالة الريب بذلك عن القلوب وبغير هذه الآية لا يكاد يزول.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) كيف يصح في أمر محال أن يقال ما كان للّه أن يفعله وانما يصح ذلك فيما يصح ويمكن ولذلك لا يقال ما كان لزيد وهو شاب أن يلد رجلا شيخا لأن ذلك يستحيل؟ وجوابنا أن القوم كانوا ينسبونه الى ذلك فنفى عن نفسه على الوجه الذي كانوا يضيفونه اليه ولذلك قال (سبحانه) فنزه نفسه عن ذلك وبين أن كل الأولاد من خلقه وأنه قادر على خلقهم فلا يجوز عليه الولادة وقد يقال ذلك بمعنى البيان والدلالة إذا دلّ وبين أن ذلك لا يجوز عليه.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ) كيف جاز من ابراهيم عليه السلام أن يقول ذلك ولم يكن أبوه ممن يعبد الشيطان؟ وجوابنا أنه أراد لا تتبعه ولا تطعه كما روي في تفسير قوله تعالى (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ ورُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) فقال صلّى اللّه عليه وسلم لم يتخذوهم أربابا بالعبادة لكن أطاعوهم في التحليل والتحريم ولذلك قال ابراهيم صلّى اللّه عليه وسلم (لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ) لانه كان يعبد الاصنام فلا يجوز أن يريد بقوله (لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ) الا ما ذكرنا ولذلك قال من بعد (فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا) ومعنى قوله من بعد (قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) انه ان تاب وقبل قول ابراهيم يستغفر له ويرجو له الثواب والنجاة لأنه لا يستغفر له وهو على اصراره على الكفر.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ ويَعْقُوبَ) كيف يصح ذلك وولادة

اسحاق كانت بعد ذلك بزمان وولادة يعقوب أبعد من ذلك؟ وجوابنا أنه تعالى بين أنه لما اعتزلهم لم يدعه فريدا وحيدا بل خلق له الاولاد وليس في ذلك ذكر وقت مخصوص.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وعَشِيًّا) كيف يصح ذلك وليس في الجنة ليل يتلوه نهار؟ وجوابنا ان المراد بذلك تقدير وقت الأكل فقدّر جل وعز بما جرت به العادة لا أن هناك نهارا بعده ليل أو يجوز أن يكون لهم علامات تتقدر بها هذه الاوقات على حسب أوقات الليل والنهار بعده ليل أو يجوز أن يكون لهم علامات تتقدر بها هذه الاوقات على حسب أوقات الليل والنهار وقد قيل إن هناك من الحجب وغلق الابواب ثمّ فتحها ورفع الحجب ما يدل على ذلك وبيّن تعالى من صفتهم ما تشتد فيه الرغبة فقال تعالى (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً) وقال (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وما خَلْفَنا) ما المراد بذلك؟ وجوابنا أنه بيّن به أنه مالك الافعال في الاوقات الماضي والمستقبل والدائم وأن التقديم والتأخير سواء في أنه عالم به ولذلك قال بعده (وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) وربما يتعلق بعضهم بقوله (رَبُّ السَّماواتِ والْأَرْضِ وما بَيْنَهُما) وقال بينهما أفعال العباد فيجب أن يكون ربها وذلك يدل على أنه يكون خالقها. وجوابنا أن ما بينهما هو الاجسام كالهواء وغيره فلا مدخل لافعال العباد في ذلك وبعد فقد يقال أنه تعالى ربنا ورب أفعالنا لما صح منه انه يمكن منها ويمنع منها ولذلك قال بعده (فَاعْبُدْهُ) وذلك بين خروج العبادة وما جرى مجراها مما ذكر أولا ومعنى قوله (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) أي مثيلا ونظيرا فذكر الاسم وأراد المسمى فليس لأحد أن يسأل عن ذلك.

[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) بعد ذكر جهنم أ ليس يدل ذلك على أن كل من يحشر يرد النار فكيف يصح ذلك في أهل الثواب.
وجوابنا أنه بمعنى القرب منها لا بمعنى الوقوع فيها كقوله تعالى في قصة موسى (وَ لَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) وهذه طريقة العرب في الورود بمعنى القرب ولذلك قال بعده (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) لانهم إذا قربوا سلك بأهل الثواب مسلك الجنة وأدخل أهل العقاب النار ولا بد أن يتأول على ما ذكرناه فإنه تعالى بين أن أولياء اللّه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ومن هذه حالته لا يجوز أن يلقى في النار ويظن به ذلك وبين تعالى بعده بقوله (وَ يَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) أنه عز وجل يخص المهتدي بألطاف من حيث آمن واهتدى وأن ذلك يؤديه الى الباقيات الصالحات. وذكر قبله (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) أنه تعالى يبقيهم ليزولوا عن الضلالة ويفعل بالمهتدين الهدى ليثبتوا على الايمان.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (أَ لَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) كيف يصح قولكم أنه تعالى زجرهم عن الكفر بأقوى زجر وعن القبول من الشيطان وهو يقول ذلك.
وجوابنا أن المراد خلينا بين الشيطان وبينهم ولم يمنع من ذلك لما فيه من المصلحة وعلى هذا الوجه يقال فيمن ربط الكلب على باب داره ولم يمنعه من الوثوب على من زاره قد أرسلت كلبك على الناس وفي قوله (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً ونَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) دلالة قوية على ما تأولنا عليه قوله تعالى (وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها.)
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ)

(وَلَداً) كيف يصح أن يعظم ذلك هذا التعظيم ثمّ يأمرنا بأن نقرهم عليه بأخذ الجزية. وجوابنا ان اللّه تعالى ما عظم الا العظيم من القول والكفر وقد كان يجوز أن لا يخلق من يكفر لكنه تفضل وكلف لكي يؤمنوا وكذلك لا يمنع أن يأمرنا بأن نقرهم على وجه أقرب الى أن يؤمنوا عند المخالطة وسماع التوحيد وعند ما ينالهم من الذل بدفع الجزية وبين أن كل من في السموات والارض خلقه وهو قادر على اضعافه فلا يجوز أن يتخذ منهم ولدا مع قدرته على أن يكونوا له عبيدا.

سورة طه
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ والسَّماواتِ الْعُلى) ما الوجه في أن يقول بعده (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)؟ وجوابنا أنه تعالى عظم شأن القرآن من حيث كان تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ والسَّماواتِ ثمّ أتبعه بما هو أعظم من ذلك فقال (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) والمراد استولى واقتدر عليه لأن العرش من أعظم ما خلق فنبّه على أنه اذا كان مقتدرا عليه مع عظمة وعلى السموات وعلى الارضين ويملك ما في السموات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى فاعلموا عظم محل القرآن لصدوره عمّن هذا وصفه وتمسكوا بآدابه وأحكامه فذلك بعث من اللّه تعالى على تدبر القرآن وقد بينا من قبل بطلان قول المشبهة بأنه تعالى استوى على العرش وقلنا ان من يصح ذلك عليه يكون حسّا ذا صورة ومن هذا حاله يكون محدثا محتاجا إلى مصور فالمراد الاستيلاء والقدرة كما ذكرناه.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وأَخْفى) ما معنى قوله (وَ أَخْفى) ولا شيء أخفى من السر؟ وجوابنا ان ما يخطر بالقلب ويحدث المرء به النفس أخفى من السر فنبه على عظم شأنه والعلم بذلك ثمّ قال (اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) فنبه بذلك على ما يجب من ذكر أسمائه التي تفيد عظم شأنه على ما قدمه من قوله (تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ) ولا فائدة في ذكر

أسماء اللّه إلّا بأن ينوي المرء بها ما تفيده مما يقتضى تعظيمه واجلاله.
[مسألة]
وربما قيل ما فائدة قوله تعالى (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) وإذا جاز أن يكون عليه سائر ثيابه فما المانع من أن يكون لابسا لنعليه مع كونه في الوادي المقدّس؟ وجوابنا ان النعلين تلبسان لا على حدّ ما يلبس سائر الثياب ولذلك لا يلبسهما المرء في بيته وإنما يلبسهما لدفع الأذى في المواضع التي تخشى فيها النجاسات وغيرها وعلى هذا الوجه جرت العادة فيمن يعظم المكان أنه يخلع نعله فأراد تعالى تنبيه موسى على عظم محل الواد المقدس وأحب أن تلحقه بركة ذلك الوادي وهو يباشره برجله وأحب أن يعرّفه عظم محله بهذا الصنيع وقد روي في نعليه أنهما كانا من جلد حمار ميّت فإن كان كذلك فهما أولى ما يخلع وإلا فالذي قدمناه وجه صحيح.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) ما فائدة قوله (لِذِكْرِي) والصلاة لا تقام الا لذكره تعالى؟ وجوابنا ان قوله (لِذِكْرِي) يرجع إلى الصلاة والى العبادة جميعا فكأنه قال فاعبدني لذكري وأقم الصلاة لذكري وهما جميعا لا يصحّان إلا إذا كان المرء ذاكرا للّه تعالى وتوحيده لان الغافل عن ذلك لا يعتد بما فعله وعلى هذا الوجه يجتهد المرء في الصلاة أن يتحرز من السهو فيكون ذاكرا للّه قاصدا بما يأتيه الى عبادته وخص تعالى الصلاة بالذكر وإن دخلت في جملة العبادة تفخيما لشأنها.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها) ما فائدة قوله تعالى (أَكادُ أُخْفِيها)؟ وجوابنا ان المراد أخفى ما فيها لما في ذلك من المصلحة فإن أراد تعالى أخفى موت كل أحد ففي ذلك مصلحة لأنه متى علم وقت موته كان ذلك إغراء بالمعاصي أن تطاول وإلجاء الى الطاعة أن تقارب وإن أراد تعالى ما يظهر من زوال التكليف وحصول أشراط

الساعة فقد أخفاها والمصلحة فيها ظاهرة لما بينا فلما كان ذلك مصلحة أخفاها تعالى وذكر ذلك بهذا اللفظ معتاد لقرب الامر والفائدة فيه أن يظن قربها فيكون المرء الى الطاعة أقرب ولذلك قال تعالى (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ) لحن ظاهر فكيف يجوز ذلك في القرآن؟ وجوابنا أن كثيرا من القراء قرأ إن هذين وهي مروية عن الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعمرو بن عبيد وعيسى بن عمر وعاصم وقد حكى عن الزهري وغيره أنه قرأ (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) بتخفيف ان وروي أيضا ذلك عن عاصم وبعد فإذا جاز في الحقائق أن يعدل عنها الى المجاز في كتاب اللّه لم يمتنع مثل ذلك فيما ذكرته فيكون تعالى ذكر إن وأراد غيره كما قيل إن معناه نعم وأجل وقد قيل إن ذلك لغة بني الحارث بن كعب يقولون رأينا الزيدان وقيل شبهت الالف بقول القائل يفعلان فلم تغير قال الزجاج فيها اضمار والمعنى إنه هذان لساحران وقيل لما كان هذا يستعمل في موضع الرفع والنصب والخفض على أمر واحد لم تغير التثنية وأجريت مجرى الواحد وإذا كان في القرآن يدعى الحذف في مواضع كثيرة ليصح المعنى فما الذي يمنع من أن يدعى في ذلك حذف يخرج معنى الكلام من أن يكون لحنا وإذا صحّ ذلك فالحذف الذي يصحّ فيه كثير لا معنى لعده.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (قالَ بَلْ أَلْقُوا) كيف يصح من موسى عليه السلام أن يأمر بذلك وهذا الفعل منهم قبيح؟ وجوابنا أنه أمر بشرط فإنه قال إن كنتم محقّين فيما تدّعون فافعلوا وهذا كما يقول الحاكم للمنكر احلف على ما أنكرت فيكون مراده مثل ذلك ولا يمتنع أن يقال إن الالقاء اذا انكشف به المعجز من موسى صلّى اللّه عليه وسلم جاز أن يحسن من وجه فلا يكون قبيحا من كل وجه.

24 / 47
ع
En
A+
A-